انقلاب سامي الحناوي، ثاني انقلاب في تاريخ سورية الحديث، قاده الحناوي ضد رئيس الجمهورية حسني الزعيم في 14 آب 1949، بدعم وتخطيط وتمويل من المملكة العراقية الهاشمية. الكثير من المؤرخين السوريين والأجانب عدوا الحناوي واجهة عسكرية للانقلاب وقالوا إن منفذه الحقيقي وعقله المُدبر كان صهره الدكتور أسعد طلس، أمين عام وزارة الخارجية السورية في حينها. أطاح الانقلاب بحكم الزعيم وأمر الحناوي باعتقاله وإعدامه مع رئيس حكومته الدكتور محسن البرازي، ولكن الحناوي قال إنه لا ينوي استلام الحكم ووعد بإعادة الجيش إلى الثكنات وأن يكتفي بقيادة الجيش السوري، دون أن ينصّب نفسه رئيساً للجمهورية كما فعل الزعيم من قبله.
وفي عهده أعيدت الحياة النيابية إلى سورية وتسلّم هاشم الأتاسي رئاسة الحكومة، ليُشكل مع الحناوي وقادة حزب الشعب تحالفاً يسعى لتوحيد سورية مع العراق تحت عرش الأسرة الهاشمية الحاكمة في بغداد. ولكن عهد الحناوي لم يستمر طويلاً وأُسقط في نهاية العام نفسه يوم انقلب عليه العقيد أديب الشيشكلي في كانون الأول 1949.
الخلفية التاريخية
تعرف الحناوي على حسني الزعيم أثناء عملهم المشترك في جيش الشرق أيام الانتداب الفرنسي، وعملا معاً في صفوف الجيش السوري عند تأسيسه وحملا السلاح معاً في حرب فلسطين الأولى عام 1948، الزعيم بصفته قائداً للجيش والحناوي كأحد قادة الجبهات. شارك الحناوي في انقلاب الزعيم على الرئيس شكري القوتلي يوم 29 آذار 1949 وأعلن ولاءه التام للعهد الجديد. وبالمقابل كان الزعيم يثق به ثقة عمياء ويعده من أقرب أصدقائه، حتى أنه كان يناديه تحبباً “سامو” عينه الزعيم قائداً للواء الأول وأمر بترقيته من رتبة مقدم إلى رتبة عقيد، ثم إلى رتبة زعيم وسماه رئيساً للأركان العامة بالوكالة. وقد ذكر سامي جمعة في كتابه أوراق من دفتر الوطن أنه عندما قدّم المقدم أكرم عكر (مدير مكتب إعلام الجيش) معلومات إلى الزعيم عن تحركات مريبة يقوم بها الحناوي، غضب الزعيم منه ونهره قائلاً: “إن ثقتي بالحناوي أقوى من ثقتي بك.”
ولكن ثقة الحناوي بالزعيم تصدّعت بعد سيره في ركب السعودية ومصر، ومعاداته للأسرة الهاشمية الحاكمة في بغداد وعمّان. كان الحناوي مؤمناً بضرورة تحقيق وحدة فيدرالية بين سورية والعراق، وفقاً لمشروع الهلال الخصيب الذي طرحه رئيس الحكومة العراقية نوري السعيد بدعم من بريطانيا، وقد أغضبه كثيراً ابتعاد الزعيم عن هذا النهج، وفقاً لما جاء في مذكرات رئيس الحكومة خالد العظم:
فما كان من بريطانيا إلا أن لجأت إلى تدبير انقلاب معاكس قضى على حسني الزعيم، واستولى على الحكم جماعة من المدنيين والعسكريين يميلون إلى العراق وإلى الانكليز، وكانت فكرة الاتحاد السوري – العراقي ترمي إلى إدخال سورية في كيان يرتبط مع بريطانيا، بحيث يتم لها بهذه الواسطة السيطرة على الشرق الأوسط العربي كله.
وانزعج الحناوي من الزعيم بعد تراجعه عن الأمان الذي منحه إلى أنطون سعادة، رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، وتسليمه إلى السلطات اللبنانية حيث أعدم في 8 تموز 1949. وكان بدأت تتوضح له مساوئ الزعيم واستبداده وتخليه عن زملائه الذين شاركوه في الانقلاب على شكري القوتلي، وفي مقدمتهم أديب الشيشكلي الذي سرّح تعسفياً من الجيش.
وقائع الانقلاب
طلب الحناوي إلى المقدم خالد جادة الاجتماع بعبد الحميد السراج، أحد مرافقي حسني الزعيم، واتفق معه أن يغيب الأخير عن العمل يوم الانقلاب الذي حدد تاريخه بليلة 14 آب 1949. وعند بلوغ ساعة الصفر، توجهت مدرعات الحناوي من مقر الفوج الأول بمعسكر قطنا إلى العاصمة السورية، بمشاركة المقدم أمين أبو عساف، وأرسل النقيب فضل الله أبو منصور إلى منزل الزعيم لاعتقاله. واعتقل معه رئيس الحكومة محسن البرازي (المتهم الأول بصفقة تسليم أنطون سعادة) ومدير مكتب الزعيم الصحافي نذير فنصة، ومدير الشرطة العسكرية المقدم ابراهيم الحسيني.
سيطرت قوات الحناوي على كل المباني الحكومية الرئيسية، ومنها القصر الجمهوري والسراي الحكومي وقيادة الأركان ومبنى إذاعة دمشق، وقيد الزعيم والبرازي بملابس النوم إلى نقطة مهجورة بالقرب من مطار المزة، حيث أجريت لهما محاكمة ميدانية سريعة، حكمت عليهما بالإعدام رمياً بالرصاص. بحضور الحناوي وتحت إشراف مباشر منه نُفذ فيهما الحكم في تمام الساعة السابعة صباحاً، ودفن الزعيم فوراً في قرية أم الشراطيط القريبة من دمشق، دون وضع شاهدة على قبره. قيل إن الزعيم واجه فصيل الإعدام بشجاعة، المؤلف من عصام مريود وفضل الله أبو منصور (العضوين في الحزب القومي السوري الاجتماعي)، أما البرازي فقد انهار باكياً ومتوسلاً. وكانت آخر كلمة قالها الزعيم قبل إعدامه موجهة إلى البرازي بالفرنسية: “Pauvre mouhsen” (مسكين محسن).
بثت إذاعة دمشق البلاغ رقم 1 في الساعة السابعة من صباح 14 آب والذي جاء فيه:
بعد الاعتماد على الله القوي العزيز، عزم جشيكم الباسل الذي لا يريد إلا الخير للبلاد أن يخلصها من الطاغية الذي استبد وعتى هو ورجال حكومته المسخرة، وقد أتم الله للجيش ما أراد، فأنقذ البلاد من ظلمهم وعتوهم، وقد آلى على نفسه أن يسلم الأمر إلى الأحرار المخلصين من رجالات سورية. فعلى كل سوري أن ينصرف إلى عمله هادئاً مطمئناً واثقاً من أن قادة الجيش سيعودون إلى ثكناتهم لتنظيم الجيش وترك أمور السياسة لرجالاتها.
ما بعد الانقلاب
بعد نجاح الانقلاب ترأس الحناوي مجلساً حربياً ودعا إلى اجتماع كبير في مبنى الأركان العامة بدمشق، حضره ممثلين عن الأحزاب السياسية كافة. أعلن عزوفه عن تسلّم الحكم وقال إنه سيعيد الجيش إلى الثكنات ويكتفي بمنصب رئيس أركان، مع الدعوة إلى انتخاب جمعية تأسيسية لصياغة دستور جديد للبلاد، تتحول تلقائياً إلى مجلس نيابي بصلاحيات تشريعية كاملة فور الانتهاء من مهامها. وفي اليوم نفسه شكلت حكومة وطنية برئاسة هاشم الأتاسي، عُيّن فيها ناظم القدسي وزيراً للخارجية ورشدي الكيخيا وزيراً للداخلية، وكلاهما من قادة حزب الشعب المحسوبين على المحور العراقي الهاشمي في الوطن العربي. أرسل الحناوي للوزارة الجديدة مجموعة مراسيم بعزل بعض الموظفين وإحالة البعض الآخر على التقاعد، كما أمر بالإفراج عن جميع المُعتقلين السياسيين سمح بعودة الأحزاب والصحف المُغلقة بأمر من الزعيم.
نتائج الانقلاب
- أعلنت حكومة الأتاسي احترامها للاتفاقيات المعقودة في عهد الزعيم وأبرزها اتفاق شركة التابلاين لإمرار النفط السعودي عبر الأراضي السورية، واتفاق شركة أنابيب العراق لإمرار الزيت العراقي، واتفاقيات التصفية للمسائل المعلّقة بين سورية وفرنسا، وفي مقدمتها الاتفاق النقدي.
- انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد، التي أنهت أعمالها بعد الإطاحة بالحناوي نهاية عام 1949.
- تنشيط التجارة بما يُنعش الشمال السوري المُتضرر من وراء إغلاق الحدود مع العراق في عهد الزعيم.
- زيارة الملك فيصل الثاني إلى دمشق ومعه الوصي على عرش العراق الأمير عبد الإله، وذلك للتفاوض على مشروع الوحدة التي أرادها الحناوي، مع سفر وزير الخارجية ناظم القدسي إلى بغداد لوضع اللمسات الأخيرة عليها. ولكن هذه الوحدة لم تحقق بسبب انقلاب أديب الشيشكلي في 19 كانون الأول 1949، الذي عزل الحناوي عن رئاسة الأركان وأبقى هاشم الأتاسي في رئاسة الدولة، قبل اعتقال مهندس الانقلاب الثاني ونقله مخفوراً مع أعوانه إلى سجن المزة العسكري.