
حيدر الكزبري (1920-1996)، ضابط سوري من دمشق وأحد قادة الانقلاب العسكري الذي أطاح بجمهورية الوحدة يوم 28 أيلول 1961. كان عضواً فاعلاً فيما عرف بشلة “الشوام” التي تسلّمت زمام الأمور تسلّمت زمام الأمور بعد الانفصال عن الجمهورية العربية المتحدة التي كان يرأسها جمال عبد الناصر، قبل أن تدب الخلافات بينهم وتؤدي إلى اعتقال الكزبري وتسريحه من الجيش عام 1962.
البداية
ولد حيدر الكزبري في دمشق ونشأ في أسرة كبيرة ومعروفة. درس في كلية حمص الحربية والتحق بجيش الشرق في زمن الانتداب الفرنسي، ثم بالجيش السوري بعد تأسيسه عام 1945. ترقّى في مراتبه العسكرية بشكل متتابع، ولم يشارك في أي من الانقلابات التي حصلت في سورية ما بين 1949-1954. وفي زمن الوحدة السورية – المصرية، عُيّن قائداً لحرس البادية على الحدود السورية – العراقية، ثم مسؤولاً عن شؤون القبائل عام 1960.
انقلاب 28 أيلول 1961
أيّد الوحدة مع مصر عند قيامها عام 1958، إلا أنه فقد الثقة بها بسبب الدولة البوليسية التي أنشأها جمال عبد الناصر، إضافة إلى تجاوزات الضباط المصريين في سورية وقرارات التأميم التي صدرت عن رئيس الجمهورية في تموز 1961. بدأ اتصالاته مع عبد الكريم النحلاوي، واتفقا على القيام بانقلاب لتصحيح أوضاع الوحدة والتخلّص من المشير عبد الحكيم عامر، حاكم الإقليم الشمالي. لم تكن نيّتهم الإطاحة بالجمهورية العربية المتحدة، ولا بالرئيس عبد الناصر.
حُددت ساعة الصفر في 28 أيلول 1961، وتوجه حيدر الكزبري من معسكر الفدائيين الفلسطينيين القريب من دمشق إلى وسط العاصمة. سلك طريق شارع بغداد – شارع العابد – أبو رمانة للوصول إلى منزل عبد الحكيم عامر عند ساحة عدنان المالكي، ولاقى مقاومة خفيفة من حراسه. تمكّن من احتلال المنزل، لكن المشير عامر كان متواجداً في مبنى القيادة العامة. تفاوض قادة الانقلاب مع المشير، وعندما لم تجدِ المفاوضات نفعاً، سيطر على مبنى الإذاعة والتلفزيون في ساحة الأمويين. طُرد جميع الضباط المصريين من سورية، وتولّى الكزبري بنفسه مهمة إجلاء المشير عامر مع كل الوزراء العسكريين.
التمهيد للانتخابات النيابيّة
بعد نجاح حركتهم الانقلابية، اندلعت الخلافات بين الضباط الدمشقيين، ودعا بعضهم إلى عودة الرئيس السابق شكري القوتلي إلى الحكم (شريك عبد الناصر في صناعة الوحدة)، إلا أن الكزبري عارض هذا الأمر بشدة وطالب بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة. عُيّن الدكتور مأمون الكزبري رئيساً للحكومة في 29 أيلول 1961، وهو من أقرباء حيدر الكزبري، وكان من المفترض أن تُشرف حكومته على الانتخابات، إلا أنه أجبر على الاستقالة قبل موعدها، بطلب وتهديد من عبد الكريم النحلاوي. غضب الكزبري من هذا التصرف واعتبره تهديداً مباشراً له، فاتهم النحلاوي بتجاوز صلاحياته والتدخل في الأمور السياسية، وإبعاد عدد كبير من الضباط الأكفاء عن الجيش لأنهم لم يكونوا من مريديه.
الاعتقال
بعد الإطاحة بمأمون الكزبري، صدر أمر باعتقال حيدر الكزبري، ووجّهت إليه اتهامات من قبل شعبة مخابرات الجيش، بأنه تقاضى مبلغاً كبيراً من المال من الأردن لقاء مؤازرته حركة 28 أيلول. نُفّذت أوامر النحلاوي بالحيلة، حيث طلب من المقدم فخري عمر، رئيس الشرطة العسكرية، أن يوهم الكزبري بأن صديقه المعتقل عبد الحميد السراج (النائب السابق للرئيس عبد الناصر) مضرب عن الطعام ومشرف على الموت في سجن المزة. لم يكن الكزبري ليقبل بهذا المصير للسراج، فاتجه مع فخري عمر إلى السجن للقاء السراج وإقناعه بإنهاء الإضراب. عند دخوله الزنزانة، لم يجد السراج وأغلق الباب عليه ليصبح هو السجين. وفي شهادته على قناة الجزيرة بعد سنوات طويلة، تحدث عبد الكريم النحلاوي عن حادثة اعتقال الكزبري وقال:
حيدر الكزبري ضابط وطني ومخلص لكنّه قام ببعض الأخطاء التي تمادى بها إثر إقالة مأمون الكزبري رئيس الوزارة، وقد حذّرته عند قيامه بهذه الأخطاء، لكنّه لم يرتدع فتمّ استبعاده من قيادة وحدة حرس البادية وسجنه ومن ثمّ تسريحه.
الاعتقالات المتكررة (1963-1966)
أطلق سراح الكزبري بعد مدة قصيرة، وبعد تبرئته من كل التهم الموجهة إليه، وذلك عقب تسريح النحلاوي من الجيش ونفيه خارج البلاد إثر محاولة انقلاب فاشلة قام بها في 28 آذار 1962. سرّح الكزبري أيضاً من الجيش وابتعد عن السياسة، ومع ذلك جُرّد من حقوقه المدنية في أعقاب انقلاب 8 آذار 1963، واعتقل مجدداً في عهد البعث لضلوعه فيما سمّي بجريمة الانفصال. ثم كان الاعتقال الثالث في تموز 1963، إثر محاولة انقلاب فاشلة قام بها الضابط الناصري جاسم علوان. أمرت القيادة العسكرية باعتقال كل المعارضين لحكم البعث، سواء كانت لهم علاقة بانقلاب جاسم علوان أم لا، وشمل القرار حيدر الكزبري الذي أودع في سجن المزة.
الوفاة
وبعد الإفراج عنه نهاية العام 1963، غاب حيدر الكزبري نهائياً عن المشهد العام وتوفي بدمشق عام 1996، عن عمر ناهز 76 عاماً.