دستور المملكة السورية، هو دستور سورية الملكي الأول والوحيد الذي تبناه المؤتمر السوري العام في 13 تموز 1920، قبل أيام معدودة من فرض الانتداب الفرنسي على سورية والإطاحة بحكم الملك فيصل الأول. ترأس هاشم الأتاسي اللجنة المكلفة بصياغة الدستور، بصفته رئيساً للمؤتمر السوري، وتجلت في الدستور الهوية العربية كما استوعبت مواده التغيرات السياسية والاجتماعية التي طرأت على البلاد منذ خروج العثمانيين سنة 1918. وقد شكّل دستور عام 1920 القاعدة التشريعية التي بني على أساسها دستور سورية الجمهوري الأول سنة 1928، والذي ترأس هاشم الأتاسي أيضاً لجنة صياغته.
اللجنة الدستورية
في أعقاب هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى، نُصِّب فيصل الأول بن الحسين ملكاً على بلاد بقرار من المؤتمر السوري العام يوم 8 آذار 1920، وكلف هاشم الأتاسي برئاسة اللجنة الدستورية المؤلفة من النواب سعد الله الجابري وثيودور أنطاكي عن حلب، ووصفي الأتاسي من حمص والشيخ عبد القادر الكيلاني من حماة وسعيد حيدر من بعلبك، ومعهم أستاذ القانون في معهد الحقوق العربي عثمان سلطان والشيخ عبد العظيم الطرابلسي.
لم يكن إنجاز وضع القانون الأساسي، أو الدستور، مهمة سهلة نظراً للتباين الكبير داخل المؤتمر السوري بين التيار التقليدي المحافظ وتيّار الحداثة الذي كان يمثّله الجامعيون الشباب من النواب، ومعظمهم كانوا أعضاء في الجمعية العربية الفتاة. دارت مناقشات ساخنة حول مواد الدستور، وتحديداً حول موضوع حقوق المرأة، بعد أن حصرت المادة 79 من مسودة الدستور حق الانتخاب بالذكور المتجاوزين الخامسة والعشرين من عمرهم، غير المحكومين، ممن يجيدون القراءة والكتابة. أول من طالب بتعديل هذه المادة لكي تشمل الناخبات كان نائب جبل لبنان الشيخ إبراهيم الخطيب، والذي اقترح أن يتم حصر التصويت بالسوريات الحائزات على شهادة ثانوية فقط، ليكون ذلك محفزاً على تعليم شريحة أوسع من النساء.
أثنى سعد الله الجابري على هذا الكلام وتبناه نائب غزة الشيخ سعيد مراد، أستاذ مادة الأحكام الشرعية في معهد الحقوق العربي. كما أيدهم السياسي الفلسطيني محمد عزت دروزة، سكرتير المجلس، الذي طالب بتحرير المرأة من كل القيود، “ومنها الحجاب.” هاج نواب المجلس عند سماع كلام النائب دروزة، واعترض عليه كل من الشيخ رشيد رضا والشيخ تاج الدين الحسني والشيخ عبد القادر الخطيب والشيخ عبد القادر الكيلاني. وعلى الرغم من الخلافات بين تيار المحافظين وتيار التحديث، إلا أن الرئيس هاشم الأتاسي أصرّ وبالرغم من خلفيته المحافظة، على وضع دستور عصري وديمقراطي، تكون اليد العليا فيه للسلطة التشريعية، لا لملك البلاد.
دستور المملكة السوريــة العربيـة
وبعد إتمام مسودة الدستور، عُيّن هاشم الأتاسي رئيساً للحكومة في 5 أيار 1920 وخلفه في رئاسة البرلمان الشيخ رشيد رضا، وهو الذي ناقش مواد الدستور أمام المؤتمر السوري. كان الدستور الملكي مؤلفاً من 148 مادة واثني عشر فصلاً:
- الفصل الأول: في المواد العامة
- الفصل الثاني: في الملك وحقوقه
- الفصل الثالث: في حقوق الأفراد والجماعات
- الفصل الرابع: في الحكومة السورية العامة
- الفصل الخامس: في المؤتمر السوري العام
- الفصل السادس: في المحكمة العليا
- الفصل السابع: في المالية
- الفصل الثامن: في ديوان المحاسبات
- الفصل التاسع في الموظفين
- الفصل العاشر في المحاكم
- الفصل الحادي عشر في المقاطعات
- الفصل الثاني عشر في شتى مواد
كان دستور عام 1920 من أكثر الدساتير العربية علمانية وديمقراطية بل أكثرهم نُضجاً واحترافاً في زمانه، حيث نص في مواده الأولى على أن حكومة المملكة العربيةالسورية ملكية مدنية نيابية، عاصمتها دمشق ودين ملكها الإسلام، وهي الإشارة الوحيدة للدين الإسلامي في هذا الدستور. لم يعترض الشيخ رشيد رضا لا على هذه المادة أو على المادة الثالثة عشرة من الدستور، التي نصّت على حرية المعتقد والأديان، ولم يصرّ على أن تكون الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع في المملكة السورية، كما دافع عن هذا الموقف أمام المحافظين، قائلاً إنه يسحب الذريعة من الدول الأوروبية للتدخل في شؤون سورية مستقبلاً بحجّة حماية الأقليات، كما حدث في دمشق بعد الفتنة التي أودت بحياة خمسة آلاف مسيحي في حيّ باب توما وبعض حارات القيمرية سنة 1860.
وفي البنود المتعلقة بحقوق الأفراد والجماعات، نص الدستور على أن الحريات المدنية والدينية والشخصية مصانة، وأشار إلى الطوائف والأقليات وحقها في إقامة شعائرها الدينية: “الحرية الشخصية مصونة من كل تعدّ، ولا يجوز توقيف أحد إلا بالأسباب والأوجه التي يعينها القانون، ولا يجوز التعذيب وإيقاع الأذى على أحد بسبب ما.”
موقف الملك فيصل من الدستور
خلافاً لرغبات الملك فيصل، أنشأ الدستور الجديد فصلاً واضحاً بين سلطة الملك والسلطة التشريعية، ما حول فيصل من حاكم مطلق كما أراد أن يكون، إلى ملك دستوري مقيّد الصلاحيات، خاضع للمساءلة والاستجواب من قبل مجلس النواب. وجاء في الدستور أنه يحق لثلث أعضاء المجلس اختيار خليفة الملك عند وفاته، في حال عدم وجود ولياً للعهد من أبنائه، وبأنه بات بحاجة لموافقة غالبية أعضاء المجلس قبل إعلان الحرب أو إبرام أي اتفاقيات دولية. كما جاء فيه أن الملك “محترم وغير مسؤول” أي أنه لا يُحاكم على قراراته، ولكنه مُجبر على احترام قرارات مجلس النواب، وأن يقسم أمام أعضائه بأن يحترم الدستور ويراعي أحكامه.
دخول الدستور حيز التنفيذ قبل إلغائه
لم يدخل الدستور حيز التنفيذ إلا لأيام معدودة فقط، من 13 تموز 1920 وحتى معركة ميسلون في 24 تموز 1920، التي خُلع على إثرها الملك فيصل وفُرض الانتداب الفرنسي على سورية. عشية احتلال دمشق ونفي فيصل إلى قرية الكسوة، تمّ تعطيل دستور المملكة السورية العربية بأمر من الجنرال الجنرال هنري غورو، المفوض السامي للجمهورية الفرنسية في سورية ولبنان.