الشباب الوطني، تنظيم شبابي مُنبثق عن الكتلة الوطنية، أسسه فخري البارودي ونشط في مدينة دمشق وحلب خلال السنوات 1929-1939. ومن إنجازات هذا الذراع تأسيس تنظيم القمصان الحديدية وقيادة الشارع السوري خلال الإضراب الستيني عام 1936.
البداية
كانت فكرة تأسيس ذراع شبابي للكتلة الوطنية قد راودت فخري البارودي منذ عام 1929، نظراً لقربه من جيل الشباب في مدينة دمشق. كانت الكتلة الوطنية حديثة العهد في سورية، وكان قادتها هم إمّا من الشيوخ أمثال هاشم الأتاسي وإبراهيم هنانو، أو من سياسيين تجاوزوا مرحلة الشباب العمرية، مثل البارودي.
توجه البارودي إلى مناصري الكتلة من الشباب، وبدأ في جمع صفوفهم ليكونوا قادة المستقبل في الحركة الوطنية المناهضة لحكم لانتداب الفرنسي في سورية.(1)
الظهور إلى العلن
أول من تواصل معهم البارودي كان التاجر الشاب محمود البيروتي من أهالي حيّ سوق ساروجا، الذي كان يُنظم المظاهرات لصالح الكتلة الوطنية، وهو صاحب متجر صغير في شارع رامي خلف ساحة المرجة.(2) كما كان البيروتي أحد مؤسسي كشّاف أُميّة، أحد أفرع الكشّاف السوري في حينها، وله علاقات طيبة مع طلاب مدرسة التجهيز الأولى. وكان معه في مرحلة التأسيس كل من المحامي سيف الدين المأمون، خريج جامعة بيروت الأميركية، والمحامي منير العجلاني، العائد حديثاً من دراسة الحقوق في جامعة السوربون.(3)
ظلّ الشباب الوطني يعمل بشكل عشوائي وغير نظامي حتى ربيع العام 1936، عندما أعلن عن انتخاب هيئة عليا له، مؤلفة من سيف الدين المأمون أميناً للسر ومنير العجلاني مراقباً عاماً، والوطني الشاب منير المالكي أميناً للصندوق والصحفي الشاب منير الريّس مراقباً عاماً.(4)
وقد حدد جميل مردم بك، أحد قادة الكتلة الوطنية، ملامح تنظيم الشباب الوطني قائلاً:
إن الشباب الوطني رسالة كريمة تنحصر في التبشير بأننا أمة تريد الاستقلال والحياة الحرة، وفي مقاومة عوامل التفرقة سواء كانت إقليمية أم دينية أم عنصرية أم مذهبية، وفي إفهام أبناء البلاد بأنهم أبناء وطن واحد فعليهم أن يتعاونوا على إعلاء شأنه واجتناب جذور التفرقة التي هي الداء الذي يودي بحياة أعظم الأمم فضلاً عن أمة صغيرة ناشئة كأمتنا.”(5)
التمويل
كان تمويل الشباب الوطني يأتي من ميزانية الكتلة الوطنية القائمة على التبرعات، قبل أن يحصل على دعم مباشر من توفيق قباني وأمين دياب، وكلاهما من الصناعيين الكبار في دمشق. تكفّل القباني تمويل نشاطات الشباب الوطني اليومية وفع رواتب موظفيهم وقام أمين دياب بتقديم مقر دائم لهم وسط حيّ القنوات، مقابل مكتب الكتلة الوطنية.(6)
الصراع مع عصبة العمل القومي
وقد بدأت معركة بين السياسيين الكبار والأحزاب الرئيسية على كسب ود وولاء الشباب السوري، يقودها زعماء الكتلة من جهة ضد قادة الحزب السوري القومي الاجتماعي وعصبة العمل القومي التي كانت قد ظهرت في مطلع الثلاثينيات وكانت يستهدف نفس الفئة العمرية التي يطمح زعماء الشباب الوطني إلى تجنيدها.
وقد ضمّت عصبة العمل القومي بين صفوفها سياسيين شباب أمثال عبد الرزاق الدندشي وأحمد الشرباتي وزكي الأرسوزي، والذين كانوا ينادون بالقومية العربية وبضرورة تحرير البلاد العربية من نير الاستعمار الأجنبي، وعدم التركيز على القضية السورية فقط، كما كان يفعل قادة الكتلة الوطنية والشباب الوطني. وقد شهدت مدينة دمشق معارك في شوارعها بين شباب هذه التنظيمات، أضرّت كثيراً بسمعة الحركة الوطنية.(7)
الأعضاء
نجح فخري البارودي، بمساعدة سيف الدين المأمون ومنير العجلاني، في استقطاب عدداً كبيراً من الوطنين الشباب إلى صفوف تنظيم الشباب الوطني، أمثال وجيه الحفار صاحب جريدة الإنشاء، ونجيب الريّس صاحب جريدة القبس والشاعر شفيق جبري وأحمد السمّان، أستاذ القانون في جامعة دمشق.(8)
وفي حلب، ضمّت صفوفهم المحامي الشاب نعيم أنطاكي والسياسي الشاب معروف الدواليبي، رئيس رابطة الطلاب العرب والسوريين في فرنسا، الذي أصبح رئيساً للمجلس النيابي بعد سنوات ثم رئيساً للحكومة في الخمسينيات.
القمصان الحديدية
كان ضمن نشاطات الشباب الوطني تنظيم أعمال الشباب في المدارس وداخل حرم جامعة دمشق، وكان لهم اليد العليا في تنظيم جنازة إبراهيم هنانو في تشرين الثاني 1935، التي تحولت إلى مظاهرة كبرى ضد الانتداب الفرنسي، سقط خلالها عدداً من الشهداء.
ردت فرنسا باعتقال قادة الشباب الوطني في حلب، وأمرت باقتحام منزل هنانو ومصادرة كل ما فيه من وثائق ومستندات. ثم قامت بملاحة أعضاء الشباب الوطني في دمشق سيقهم إلى سجن القلعة. وفي كانون الثاني 1936 أمرت باعتقال فخري البارودي، مما فجّر إضراباً عاماً في البلاد، عُرف بالإضراب الستيني، أشرف قادة الشباب الوطني على تنظيمه وامتداده من دمشق إلى المدن السورية كافة.
وفي هذه المرحلة وخلال المواجهات الدماية التي شهدتها مدينة دمشق، أطلق منير العجلاني ذراع شبه عسكري للشباب الوطني، سُمّي بالقمصان الحديدية. كانت مهمته ضبط الشاعر وحماية الأحياء والأهالي من الفرنسيين، في ظلّ غياب جيش وطني بعد أن قامت فرنسا بحل الجيش السوري بعد تدميره عشيّة احتلال دمشق سنة 1920.
كان تنظيم القمصان الحديدية يتبع إدارياً ومالياً للشباب الوطني، وسياسياً للكتلة الوطنية. وقد سعى الشباب الوطني من خلاله إلى تأهيل جيل الشباب في سورية، ليكون ثلاثي الأبعاد مثل رجال عصر النهضة في أوروبا، يُجيدون الفروسية والقتال، إضافة للمناظرات والمبارزات الشعرية والتبحر في الفنون والموسيقى.
فكرة القمصان الحديدية كان قد عمل عليها البارودي قبل اعتقاله، وهي استمر لمشروع كشّاف أُميّة الذي كان يترأسه محمود البيروتي. وقبل ولادة القمصان كان البارودي قد أطلق تنظيم مماثل للشباب الوطني، سُمّي بفرقة ميسلون، ولكنه لم يستمر طويلاً بسبب مضايقات سلطة الانتداب الفرنسي.(9)
العلاقة مع النازية
من رحم فرقة ميسلون وكشّاف أُميّة، ولِد تنظيم القمصان الحديدية سنة 1936، وكان أعضاؤه متأثرين شديد التأثر بفرقة القمصان البنية التي ظهرت في ألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية، التابعة لأدولف هتلر. وضع شباب القمصان الحديدية ربطة حمراء على ذراعهم الأيمن، تشبه ربطة الحزب النازي التي كانت تحمل الصليب المعقوف، وأطلقوا تحيّة عسكرية مشابهة لتحيّة هتلر. وقد أدى هذا التشابه بينهم وبين النازية إلى صدور قرار حظر بحق القمصان الحديدة، بتهمة العمالة لهتلر.
النهاية
أبقت فرنسا على تنظيم الشباب الوطني كأحد أذرع الكتلة الوطنية، وذلك بعد فوز الكتلة بغالبية مقاعد المجلس النيابي وانتخاب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية في كانون الأول 1936. مع ذلك تراجع نفوذ الشباب الوطني بشكل ملحوظ من بعدها، نظراً لانشغال قادة الكتلة في إدارة شؤون الدولة وتفرغهم للمناصب السياسيّة.
فقد أصبح جميل مردم بك رئيساً للحكومة، وهو ربيب محمود البيروتي، وسك طريقاً مهادناً للفرنسيين، وانتُخب فخري البارودي نائباً في البرلمان، ومعه منير العجلاني. أما منير الريّس فقد هرب إلى ألمانيا بسبب ملاحقة أجهزة المخابرات الفرنسية له وظلّ مُقيماً في برلين حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
ومع سقوط عهد الكتلة الوطنية في تموز 1939، سقطت معه معظم التنظيمات التابعة له، وكان على رأسها الشباب الوطني.