باب توما، من أبواب دمشق التاريخية في الطرف الشمالي الشرقي من السور الكبير، وهو اسم الحيّ السكني والتجاري الواقع في داخله والساحة المحيطة به.
البداية
جعل اليونانيون لمدينة دمشق سبعة أبواب، واحداً لكل كوكب من الكواكب السبعة، وكانوا يرسمون فوق كل باب نقشاً في الحجر لصورة الشكل الذي كانوا يرمزون به إلى كل الكوكب، ويجعلون بجواره من الداخل معبداً لهذا الكوكب. وعندما حكموا سورية بعد الفرس في القرن الرابع قبل الميلاد كان سور دمشق يحصرها في بقعة ضيّقة، فوسّعوه وعملوا له سبعة أبواب:
- الباب الشرقي للشمس
- باب كيسان لزحل
- باب الصغير للمريخ
- باب الجابية للمشتري
- باب توما لكوكب الزهراء
باب توما في العصر المسيحي
عندما دخل الرومان دمشق بعد سقوط العهد اليوناني، أبقوا هذه الأبواب على حالها لأنهم كانوا يعبدون ما كان يعبده اليونانيون من قبلهم. ولمّا صارت الإمبراطورية الرومانية مسيحيّة في عهد الإمبراطور قسطنطين الأول حوّلت أسماء معالمها من وثنية إلى مسيحيّة، وتحول اسم الباب من باب الزهراء إلى باب توما، نسبة للقديس توما، أحد رسل المسيح الاثنا عشر.
باب توما في عصر الإسلام
وعندما وصل الإسلام بلاد الشّام دخل الصحابي عمرو بن العاص مدينة دمشق من باب توما ومعه الصحابي شرحبيل بن حسنة. وفي عهد الملك نور الدين الزنكي رمّم الباب وأُقيم عنده مسجداً ومئذنة. ومن أبرز الترميمات التي طالت باب توما والسور المحيط به ترميم الملك الناصر داود في زمن الدولة الأيوبية سنة 1228، وترميم المماليك سنة 1333 الذي تظهر كتابته على الباب:
بسم الله الرحمن الرحيم جُدد هذا الباب المبارك في أيام مولانا السلطان الملك الناصر ناصر الدنيا والدين محمد بن مولانا السلطان الملك الشهيد المنصور قلاوون الصالحي أعزّ الله أنصاره وذلك بإشارة المقر الأشرفي العالي المولوي الأميري الكبيري الغازي المجاهدي المرابطي المثاغري المؤيدي الممالكي المخدومي السيفي تنكز الناصري كافل الممالك الشريفة بالشام المحروسة عزّ نصره وذلك في العشر الأول من ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين وسبعمائة.
فتنة عام 1860
شهدت منطقة باب توما والحارات المحيطة بها أحداثاً دامية في صيف العام 1860، عندما دخل جمع من الرعاع وقتلوا كل ما فيه من سكان وأحرقوا كنائسه والبعثات الأجنبية الموجودة فيه. دمُّر الحيّ بأكمله، وأحرقت كنيسة سلطانة العامل للأرمن الكاثوليك ومعها كنيسة القديس منصور للآباء العازاريين وكنيسة القديس بولس المجاورة لدير رهبان الفرنسيسكان، وكاتدرائية القديس أنطونيوس المارونية. لعب الأمير عبد القادر الجزائري دوراً تاريخياً في حماية سكان باب توما وإنقاذهم من نيران الفتنة، وتشارك مع الشيخ محمود الحمزاوي في نقلهم إلى قصره في زقاق النقيب وإلى قلعة دمشق. ردت الدّولة العثمانية بإعدام عدد كبير من سكان دمشق لمشاركتهم في أحداث 1860، وشنقت 27 شخصاً من أهالي باب توما، ومعهم القائد العسكري للمنطقة، وهو ضابط عثماني يُدعى علي بك.
عودة الحياة بعد أحداث 1860
أعادت الدولة العثمانية بناء حيّ باب توما بأكمله ولكن الحياة لم تعد إلى المنطقة حتى سنة 1864. ومع حلول سبعينيات القرن التاسع عشر كانت المنطقة قد تعافت نسبياً، ولكن على حساب هوية سكانها الأصليين، حيث دخل عليها آلاف الوافدين الجدد، القادمين من حوران ومعلولا ودوما، وظهرت حارة كاملة بإسم “حارة الدوامنة.” وفي عهد السلطان عبد الحميد الثاني، فتحت كنيسة القديسة تريز لطائفة الكلدان الكاثوليك في حارة بولاد سنة 1895.
شهدت بعدها منطقة باب توما نهضة ثقافية، إثر إقامة مسرح صيفي في بساتينها لفرقة أبي خليل القباني وظلّت النشاطات الفنية تعقد في الحي حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914. عرضت مسرحية طارق بن زياد في منطقة باب توما، تأليف النائب الشاب رشدي الشمعة، وتلتها مسرحية شهداء الغرام على مسرح قصر البلور سنة 1914، بطولة الفنان عبد الوهاب أبو سعود. وفُتح في الحيّ مدرسة الآباء العازاريين الشهيرة التي درس فيها نخبة من رجالات سورية، ومنهم رئيس الجمهورية شكري القوتلي ومحمد كرد علي، الرئيس المؤسس لمجمع اللغة العربية.
في زمن الانتداب الفرنسي
وفي زمن الثورة السورية الكبرى كاد الحي أن يشهد مجزرة مشابهة لفتنة عام 1860، يوم بثّت سلطة الانتداب الفرنسي إشاعة بأن ثوار الغوطة الشرقية ينون اقتحام منطقة باب توما وقتل كل المسيحيين. وأمرت السلطات الفرنسية يومها سكان الحيّ برسم الصلبان على أسطح منازلهم تجنباً لقصفها من قبل الطيران الحربي. بعدها شهد الحي مظاهرة عارمة ضد الانتداب، قادها فائز الخوري من الكتلة الوطنية، كانت أكبرها في 3 تشرين الثاني 1933 احتجاجاً على تعطيل البرلمان السوري.
ومن أشهر سكان الحي وأعيانه
- جبران شامية (أحد أعيان الشام في العهد الحميدي)
- ماري عجمي (مؤسسة مجلة العروس)
- متري قندلفت (أحد مؤسسي مجمع اللغة العربية)
- فارس الخوري (رئيس وزراء سورية وعميد الكتلة الوطنية)
- فائز الخوري (عميد كلية الحقوق في الجامعة السورية وأحد قادة الكتلة الوطنية)
- توفيق شامية (أحد قادة الكتلة الوطنية)
معالم الحي اليوم
من أشهر معالم منطقة باب توما اليوم:
- قصر الوجيه الدّمشقي توفيق شاميّة
- بيت الأديبة ماري عجمي
- حمّام البكري
- كنيسة القديس جرجس للسريان الكاثوليك (شُيّدت سنة 1951)
- مدرسة البيزنسون
- مدرسة الفجر
- مدرسة الآسية.
وفي تسعينيات القرن العشرين، تحول الكثير من دور باب توما إلى مطاعم ومقاه وفنادق، وصار الحيّ منطقة سياحية يرتادها السّيّاح من جميع دول العالم.