ثوارصحافيون

عبد الحميد الزهراوي

رئيس المؤتمر العربي في باريس وأحد شهداء 6 أيار 1916

 

عبد الحميد الزهراوي
عبد الحميد الزهراوي

عبد الحميد الزهراوي (1885 – 6 أيار 1916)، سياسي وصحفي سوري من مدينة حمص، أسس جريدة الحضارة وعارض حكم السلطان عبد الحميد الثاني. انتُخب عضواً في مجلس المبعوثان العثماني وكان رئيساً للمؤتمر العربي الأول المُنعقد في باريس سنة 1913. سمّي عضواً في مجلس الأعيان، قبل أن يُعتقل بأمر من جمال باشا نهاية عام 1915، بتهمة التخابر مع دول أجنبية لقلب نظام الحكم العثماني في سورية. وقد أعدم عبد الحميد الزهراوي شنقاً بساحة المرجة بدمشق، ليكون أحد أبرز شهداء 6 أيار 1916.

البداية

ولد عبد الحميد الزهراوي في مدينة حمص ودرس في مدارسها الحكومية، وهو سليل أسرة عريقة يعود نسبها إلى السيدة فاطمة الزهراء، وأغلب الظن أن نسب “الزهراوي” مشتق من اسمها. قرأ على يد علماء عصره، من أمثال الشيخ عبد الستار الأتاسي والشيخ عبد الباقي الأفغاني، ثم عمل في الصحافة وأصدر جريدة المنير في حمص سنة 1894، التي كانت توزع بالسر نظراً لمقالاتها المعارضة لنهج السلطان عبد الحميد الثاني.

النشاط السياسي والصحفي

سافر بعدها الزهراوي إلى إسطنبول للعمل في الصحافة هناك، فكان مراسلاً لصحيفة المقطّم المصرية، حيث أثارت مقالاته حفيظة السلطات العثمانية التي أمرت باعتقاله ووضعه قيد الإقامة الجبرية، قبل نقله مخفوراً إلى دمشق. في هذا الوقت، كتب رسالةً في الإمامة، وأرسلها إلى جريدة المقطّم التي قامت بنشرها بإمضاء “ع. ز.” ثم كتب ثلاث مقالات في “الفقه والتصوف،” نُشرت في مجلّة المنار، باحثاً في أمر الاجتهاد في الإسلام ونقد بعض مسائله الفقهية. أمرت السلطات العثمانية بتضييق الخناق عليه وبنقله مجدداً إلى إسطنبول، ثم إلى مسقط رأسه في حمص سنة 1898، حيث تمكن من الفرار، قاصداً مصر سنة 1902. في القاهرة، اتصل الزهراوي بالصحفي المصري الشيخ علي يوسف، الذي كلفه بتحرير جريدة المؤيد.

أيد الزهراوي جمعية الاتحاد والترقي التي أطاحت بحكم السلطان عبد الحميد سنة 1909، وبعدها بأشهر محدودة، انتُخب عضواً في مجلس المبعوثان وأطلق جريدة الحضارة الأسبوعية في إسطنبول، المؤيدة لسياسة الاتحاديين. معظم مقالات الزهراوي كانت تدور حول ضرورة الإصلاح الديني والاجتماعي، ما جعله حليفاً طبيعياً للاتحاديين. ولكن الود والاحترام المتبادل بينهم انقلب إلى نقمة، بعد تزايد انتقاداته العلنية لجمعية الاتحاد والترقي بسبب سياسة التتريك التي قاموا بفرضها على مفاصل الدولة العثمانية كافة، وقرارهم دخول الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا القيصرية. انتسب الزهراوي في هذه الفترة من حياته إلى عدد من الجمعيات السريّة المناهضة للحكم التركي، مثل الجمعية القحطانية، وكان مناصراً للجمعية العربية الفتاة التي أنشئت في باريس على يد نخبة من الطلاب العرب.

عاد الزهراوي بعدها إلى سورية واشترك مع صديقه المحامي شاكر الجنبلي في إصدار جريدة الحضارة سنة 1910. وقد كتب في افتتاحية العدد الأول: “إننا ندعو إلى إقامة ميزان العدل في هذه الحكومة، ونقاوم ما نراه حيفاً أو نصراً للحيف بقدر ما تساعدنا عليه القوانين.”

المؤتمر العربي سنة 1913

انتُخب الشيخ عبد الحميد الزهراوي رئيساً للمؤتمر العربي المنعقد في مقرّ الجمعية الجغرافية في باريس في الفترة ما بين 18-23 حزيران 1913. وقبل افتتاح المؤتمر أدلى بحديث صحفي مع جريدة Le Temps الباريسيّة، جاء فيه: “إن ما حدث في ولايات الدولة العُثمانيّة بأوروبا من الحوادث الخطيرة دعانا إلى التفكير وإمعان النظر في الحالة الجديدة التي دخلنا فيها واتخاذ الوسائل الضروريّة لارتقاء نتائجها… لذلك قمنا نطالب بصفتنا عُثمانيين أن نشترك بالإدارة العامة، وأن نعرض على الحكومة بصفتنا عرباً مطالب خاصة بقوميتنا وحالاتنا.” ثم أكّد الزهراوي بأن المؤتمر ليس له صفة دينيّة، وأن عدد المسلمين والمسيحيين متساوٍ فيه. 

خرج المؤتمر العربي بعدة قرارات تدعو إلى الإصلاح السياسية الشامل في الدولة العثمانية، وتطالب بجعل اللغة العربية لغة رسمية في الولايات العربية وفي كل مدارسها، مع جعل الخدمة العسكرية محليّة في الولايات العربية. وقد دعا إلى هذا المؤتمر حزب اللامركزية الذي لم يكن الزهراوي عضواً فيه، ولكنه لبّى النداء بسبب إيمانه المطلق بالقضية العربية.

اختلف قادة جمعية الاتحاد والترقي في كيفية الرد على مؤتمر باريس، فبعضهم طالب بمعاقبة عبد الحميد الزهراوي وصحبه، بتهم الاستقواء بدول أجنبية، وقال آخرون إن على السلطات العثمانية احتواء الأمر وتلبية مطالب مؤتمر باريس. وافق السلطان رشاد على مطالب المؤتمر، وأصدر فرماناً باعتماد اللغة العربية في الولايات العربية، وتوسيع المشاركة العربية في دوائر صنع القرار. وفي 4 كانون الثاني 1914، صدر فرمان سلطاني بتعيين عبد الحميد الزهراوي، رئيس مؤتمر العرب، عضواً في مجلس الأعيان في إسطنبول.

ولكن هذه الهدنة لم تستمر طويلاً وصدر أمر باعتقاله في آب 1915، بتهمة التخابر مع فرنسا لقلب نظام الحكم في إسطنبول. عارض الزهراوي مصادرة الحريات في عهد الاتحاديين بحجة الحفاظ على الدولة العثمانية وبقاء وحدتها، فكتب تحت عنوان “تربيتنا السياسية”: “نحن مسلمون لكننا لا نريد اتحاداً يكون خارجه أبناء وطننا من غير المسلمين، ونحن عثمانيون لكن لا نريد اتحاداً يكون خارجه كل أبناء الوطن من غير الترك، وتفسير هذا الكلام بغاية الصراحة أن الاتحاد النافع هو الذي يبقى فيه العربي مثلاً عربياً، والرومي رومياً… ولا يسيء أحد بأحد الظن حين يريد خدمة لسانه، ويسعى في ترقية أفكار قومه، ويظهر تمنيه بأن يكثر فيهم العلماء والأدباء، فالاتحاد إذا كان من أجل الوطن فالرجل الذي ينسى قومه وقوميته لا يأمنه على الوطنية إلا أحمق، فإنّ مَن لا قوم له لا وطن له، ومَن ينسى أهله فهو ناسٍ وطنه قبل ذلك.”

الاعتقال والإعدام

بعد تعيين جمال باشا، أحد قادة جمعية الاتحاد والترقي، قائداً على الجيش الرابع في سورية، حصل فراق نهائي بين عبد الحميد الزهراوي والدولة العثمانية. اتُّهم الزهراوي بالتخابر مع فرنسا لقلب نظام الحكم في إسطنبول، وسيق مخفوراً للمثول أمام الديوان الحربي في مدينة عاليه، حيث حُكم عليه بالإعدام “شنقاً حتى الموت” بجريمة “الخيانة العظمى.” صدر حكم الإعدام ونفذ في ساحة المرجة بدمشق صبيحة يوم 6 أيار 1916 مع مجموعة من الأعيان، كان من بينهم نواب سابقون مثل شفيق مؤيد العظم ورشدي الشمعة وشكري العسلي.

تخليد ذكرى الزهراوي في سورية

تكريماً لدوره الريادي في نشر الفكر القومي العربي، أطلق اسم عبد الحميد الزهراوي على عدد من المدارس في كل من دمشق وحمص، وفي سنة 1995، جمعت وزارة الثقافة السورية أعماله الكاملة في كتاب حمل عنوان الأعمال الكاملة لعبد الحميد الزهراوي، من إعداد وتحقيق الدكتور عبد الإله نبهان.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !