الجمعية العربية الفتاة، جمعية سريّة مناهضة للحكم التركي تأسست على يد مجموعة من الطلاب العرب أثناء دراستهم الجامعية في باريس سنة 1911. انضم إليها الأمير فيصل بن الحسين مع عدد الشخصيات التي تناوبت على حكم سورية في سنوات لاحقة مثل رئيس الجمهورية شكري القوتلي ورؤساء الحكومات رضا الركابي وحسني البرازي وجميل مردم بك وسعد الله الجابري.
نادت الجمعية في بداياتها بتوسيع الحريات السياسية في الأقاليم العربية في السلطنة العثمانية، دون التطرق لموضوع انفصال، وطالبت بصون اللغة العربية والمحافظة على الهوية العربية. ولكن أهدافها تغيرت بعد سلسلة الإعدامات التي شهدتها مدينتي بيروت ودمشق في الفترة ما بين آب 1915 – أيار 1916، وصارت الجمعية تنادي باستقلال العرب عن العثمانيين استقلالاً تاماً وغير مشروط. مع ذلك، ظلّت الجمعية العربية الفتاة تعمل بالسر حتى سنة 1916 يوم كُشف أمرها وسيق العشرات من قادتها إلى السجون والمعتقلات، وبقوا سجناء لغاية نهاية الحرب العالمية الأولى وسقوط الحكم العثماني في سورية.
يعود للجمعية العربية الفتاة الفضل في نشر الفكر القومي بين الشباب ودفعهم إلى حمل السلاح مع الشريف حسين بن عليّ في الثورة العربية الكبرى سنة 1916. وشارك أعضاؤها في التخطيط للمؤتمر العربي الأول الذي عُقد في باريس سنة 1913، وعند انتهاء الحكم التركي وإنشاء حكومة عربية بدمشق بقيادة عضو الجمعية الأمير فيصل عدّت العربية الفتاة بمنزلة حزب حاكم ووصل عدد من قادتها إلى مناصب رفيعة في الدولة السورية. وفي العهد الفيصلي أيضاً تحولت الجمعية إلى حزب سياسي عرف باسم حزب الاستقلال، ولكنه غاب عن المشهد إبان سقوط فيصل الأول عن العرش وفرض الانتداب الفرنسي سنة 1920.
الآباء المؤسسون
أثناء دراستهم الجامعية في باريس، اتفق ثلاثة طلاب عرب على تأسيس جمعية باسم “جمعية الناطقين بالضاد،” أُشهرت يوم 19 تشرين الثاني 1909. شارك في تأسيسها كلٌ من عوني عبد الهادي من نابلس، ورستم حيدر من بعلبك، وأحمد قدري من دمشق، قبل أن يغيروا اسمها إلى الجمعية العربية الفتاة سنة 1911، مستلهمين الاسم الجديد من حركة تركيا الفتاة التي قادت انقلاباً ضد السلطان عبد الحميد الثاني في إسطنبول قبل ثلاث سنوات. انضم إليهم وقتئذ دفعة جديدة من الطلاب العرب، وهم:
- جميل مردم بك (دمشق)
- شكري القوتلي (دمشق)
- سعد الله الجابري (حلب)
- حسني البرازي (حماة)
- رفيق التميمي (نابلس)
- محمد عزة دروزة (نابلس)
- أمين التميمي (القدس)
- زكي التميمي (القدس)
- توفيق السويدي (بغداد)
- نوري السعيد (بغداد)
- محمد المحمصاني (بيروت)
- عبد الغني العريسي (بيروت)
- رضا الصلح (صيدا)
وفي سنة 1914 بدأت الجمعية بفتح أفرع سرية لها في المدن العربية وسمّي القوتلي رئيساً لفرعها بدمشق.
الأهداف
تلخصت أهداف الجمعية في المطالبة بحقوق العرب في أقاليمهم وصون اللغة العربية في مدارسهم. لم يُطالب أي من الأعضاء بانفصال العرب عن الدولة العثمانية، بل برفع من تمثيلهم السياسي داخل السلطتين التشريعية والتنفيذية في إسطنبول. وقد عقدوا المؤتمر العربي الأول في باريس سنة 1913 لتحقيق هذه الأهداف، وكانت نتيجته الأولية إيجابية للغاية، حيث وافقت السلطات العثمانية على توسيع تمثيلهم في مجلس المبعوثان وعينت رئيس مؤتمرهم عبد الحميد الزهراوي عضواً في مجلس الأعيان.
الثورة على الدولة العثمانية
ولكن المطالب العربية بقيت تحت مظلة المؤتمر العربي وليس تعرض باسم الجمعية العربية الفتاة، التي ظلّ نشاطها سرياً لغاية عام 1916. في أثناء زيارته إلى دمشق وهو في طريقه إلى إسطنبول في 26 آذار 1915، نُصّب الأمير فيصل عضواً في الجمعية في حفل بسيط أقيم في منزل الوجيه الدمشقي عطا باشا البكري، بحضور أولاده الأخوين نسيب وفوزي البكري ومعهم رئيس فرع دمشق شكري القوتلي.
بعد صدور قرارات إعدام بحق مجموعة من النواب والمثقفين العرب سنة 1916، ومنهم من كان عضواً في العربية الفتاة كمحمد المحمصاني وعبد الغني العريسي، قررت قيادة الجمعية العمل نحو إسقاط الدولة العثمانية بكل رموزها وتحرير البلاد العربية من الحكم التركي. وبناء على هذا القرار، هرب الأخوين البكري إلى الحجاز للمشاركة في الثورة العربية الكبرى عند إطلاقها من قبل الشريف حسين الذي سمّي عضواً فخرياً في الجمعية.
اعتقال شكري القوتلي
ردّت السلطات العثمانية بحملة اعتقالات واسعة، شملت عدداً من الضباط العرب في الجيش العثماني وفي مقدمتهم شكري باشا الأيوبي، مدير الكلية الحربية بدمشق وعضو فرع العربية الفتاة المحلي. من سجنه، أرسل الأيوبي رسالة سريّة إلى شكري القوتلي وطلب إليه المساعدة على الخروج من المعتقل، بعد نجاح الأخير في تهريب نسيب وفوزي البكري إلى الحجاز. كشف أمر الرسالة واعتقل القوتلي على أثرها، وفي التحقيق معه، علمت السلطات العثمانية — وللمرة الأولى – بوجود تنظيم سريّة يعمل من داخل سورية لقلب نظام الحكم باسم “الجمعية العربية الفتاة.” بطشت الدولة العثمانية بما تبقى من أعضاء الجمعية، وهرب الكثير منهم إلى الحجاز للالتحاق بثورة الشريف حسين، ليعودوا إلى بلادهم منتصرين بعد تحريرها من الحكم العثماني نهاية عام 1918.
في العهد الفيصلي
دخل الأمير فيصل دمشق يوم 3 تشرين الأول 1918 معلناً إنهاء أربعة قرون من الحكم التركي. أنشأت حكومة عربية تحت راية أبيه، عُيّن فيها جميل مردم بك ونوري السعيد وأحمد قدري مستشارين في القصر الملكي، ورضا الركابي رئيساً للحكومة. وبات نسيب البكري أحد أمناء فيصل عند تتويجه ملكاً على البلاد في 8 آذار 1920، أما بقية أعضاء جمعية، مثل شكري القوتلي، فقد أسسوا حزباً سياسياً باسم “حزب الاستقلال،” نشط في الحياة السياسية السورية منذ مطلع العام 1919 وعد وريثاً شرعياً للعربية الفتاة.
النهاية
بعد احتلال سورية من قبل الجيش الفرنسي وخلع الملك فيصل عن العرش سنة إبان معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920، صدر قرار فرنسي بحلّ حزب الاستقلال، شمل الجمعية العربية الفتاة التي لم يعد لها أي نشاط أو حضور سياسي من يومها.