حسني البرازي (1895-1973)، سياسي سوري من حماة، كان رئيساً للحكومة السورية في الحرب العالمية الثانية وهو أحد مؤسسي الجمعية العربية الفتاة المناهضة للحكم العثماني والكتلة الوطنية المعارضة للانتداب الفرنسي . تولّى حقيبة الداخلية في زمن الثورة السورية الكبرى ووزارة المعارف في عهد الرئيس محمد علي العابد سنة 1934، وكان مُحافظاً على لواء إسكندرون في عهد الرئيس هاشم الأتاسي سنة 1937 وعُيّن مُحافظاً على مدينة دمشق من 28 شباط وحتى 1 نيسان 1942. شارك في كتابة دستور سورية الجمهوري الأول سنة 1928 والثاني عام 1950، وفي عهد الانقلابات العسكرية عُيّن نائباً للحاكم العرفي في زمن حسني الزعيم، ثم محافظاً على مدينة حلب سنة 1949. عمل بعدها في الصحافة وأسس جريدة الناس اليومية، والتي عُرفت بمواقفها المؤيدة للولايات المتحدة الأمريكية وهجومها المتكرر على الاتحاد السوفياتي. وقد أغلقت جريدته في منتصف الخمسينيات بتهمة العمالة للغرب وحُكم عليه بالإعدام، فهرب حسني البرازي إلى تركيا ثم لبنان وعاش سنواته الأخيرة في المنفى حتى وفاته عام 1975.
البداية
ولِد حسني البرازي في مدينة حماة وهو سليل عائلة كردية معروفة من الملاكين، اشتهر أبناؤها في ميادين السياسية والعمل الزراعي والتجاري. دَرَس في مدارس حماة والتحق بمعهد الحقوق في إسطنبول، وهناك تعرّف على الجمعيات السريّة المعارضة للدولة العثمانية وأصبح عضواً في جمعية العهد قبل أن يكون أحد مؤسسي الجمعية العربية الفتاة التي ولدت في باريس عام 1911. أيّد الثورة العربية الكبرى التي انطلقت ضد الدولة العثمانية سنة 1916، وعند نجاحها وسقوط دمشق في أيدي الحلفاء، بايع الأمير فيصل بن الحسين حاكماً عربياً على سورية. عينه الأمير فيصل مُتصرفاً على مدينة حمص ومُفتشاً عدلياً على جميع الأراضي السورية المحررة من الحكم العثماني. وفي سنة 1919 انضم البرازي إلى الوفد الحكومي الذي توجه إلى فرنسا لحضور مؤتمر الصلح وكان برئاسة الأمير فيصل، ولو أن عضويته في هذا الوفد بقيت غير رسمية.
البرازي وزيراً للداخلية
بعد فرض الانتداب الفرنسي على سورية سنة 1920، غاب حسني البرازي عن أي نشاط سياسي لغاية تعيينه وزيراً للداخلية في حكومة الرئيس أحمد نامي سنة 1926. قبِل البرازي المشاركة بالحكم شرط أن يُطالب الرئيس نامي بانضمام سورية إلى عصبة الأمم ويسعى إلى وقف الحملة العسكرية على الغوطة الشرقية. وقد اشترك مع البرازي في هذه الوزارة اثنان من زملائه في الحركة الوطنية وهما فارس الخوري، الذي عُيّن وزيراً للمعارف ولطفي الحفار الذي تولّى حقيبة التجارة. اعتقلوا في 12 حزيران 1926 بتهمة التواصل مع ثوار الغوطة ونفتهم سلطة الانتداب إلى مدينة الحسكة ثم إلى لبنان حتى سنة 1928.
دستور سنة 1928
فور عودته إلى دمشق بعد صدور عفو عنه في شباط 1928 انضم حسني البرازي إلى الكتلة الوطنية، التنظيم السياسي الجديد الذي كان قد أسسه هاشم الأتاسي لمحاربة فرنسا بطرق سياسية لا عسكرية. وفي ربيع العام 1928 ترشح البرازي لعضوية الجمعية التأسيسية لوضع دستور جمهوري للبلاد بدلاً من الدستور الملكي الذي سقط مع سقوط حكم الملك فيصل في سورية. فاز هاشم الأتاسي برئاسة الجمعية التأسيسية وانتُخب حسني البرازي عضواً فيها، نائباً عن مدينة حماة.
عمل أعضاء المؤتمر على وضع دستور عصري مُستلهم من الدساتير الأوروبية الحديثة، دون أن يكون فيه أية إشارة إلى نظام الانتداب. اعترضت فرنسا على هذا التحدي وطلبت تعديل بعض المواد وإضافة مادة خاصة بالانتداب، رقمها 116. صوّت أعضاء الجمعية على النسخة الأولى من الدستور يوم 11 آب 1928، متجاهلين كل المقترحات الفرنسية، ولكن حسني البرازي خالف الجميع بموقفه وأيّد تعديل المواد وإضافة المادة 116، ورأى أنه من الأفضل عدم الدخول في مواجهة مع المندوب الفرنسي. وقد أدى موقف هاشم الأتاسي وأغلبية المشرعين إلى تعطيل الدستور وحل الجمعية التأسيسية، وبسبب هذه المواجهة حصل فراق بين البرازي وقادة الكتلة الوطنية، استمر قرابة عشر سنوات.
البرازي وزيراً للمعارف
وكان لهذا الفراق دور كبير في قبول البرازي المشاركة في حكومة معادية للكتلة الوطنية، شكّلها الشّيخ تاج الدين الحسني في 17 آذار 1934. عُين البرازي فيها وزيراً للمعارف، وقد تعرضت حكومة الشّيخ تاج إلى انتقادات عنيفة من قبل الكتلة الوطنية، وأُجبرت على الاستقالة في آذار 1936 بسبب الإضراب الستيني الذي قادته الكتلة في المدن السورية الكبرى.
محافظاً على لواء إسكندرون
في كانون الأول 1936 انتُخب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية وعرض على حسني البرازي التعاون مع الكتلة الوطنية وطيّ خلافات الماضي. سُمّي محافظاً على منطقة لواء إسكندرون وفي عهده، بدأت مرحلة سلخ اللواء عن الأراضي السورية عبر استفتاء إشكالي نظمته عصبة الأمم، أدّى إلى ضم اسكندرون إلى الجمهورية التركية سنة 1939.
حكومة البرازي
في أثناء الحرب العالمية الثانية، سُمّي الشيخ تاج الدين الحسني رئيساً للجمهورية في أيلول 1941، وفي عهده أعلنت فرنسا استقلال سورية مع إبقاء الجيش الفرنسي على أراضيها حتى نهاية المعارك في أوروبا. حكم الشيخ تاج من دون دستور أو مجلس نواب، ولإضفاء الشرعية على عهده تعاون مع شخصيات محسوبة على الحركة الوطنية، منها رئيس وزرائه الأول حسن الحكيم، قبل اختيار البرازي لخلافته في 17 نيسان 1942. وكان البرازي وقبل تعيينه رئيساً للحكومة قد عمل محافظاً لمدينة دمشق لفترة وجيزة من 28 شباط وحتى 1 نيسان 1942.
شُكلت حكومة البرازي في 17 نيسان 1942 ولكنها اصطدمت برئيس الجمهورية بسبب إصرار البرازي على مجابهة الفرنسيين كلامياً، والقول إن استقلال سورية المزعوم “لا طعم له ولا معنى” طالما أن الجيوش الأجنبية بقيت موجودة على الأراضي السورية. ردد الرئيس البرازي هذا الكلام على مسمع صهر رئيس وزراء بريطانيا دانكان سانديس في أثناء زيارته دمشق قائلاً:
بصفتي رئيسًا للوزارة ووزيرًا للدّاخليّة والمسؤول عن هذا البلد، أرى أنه لا يوجد في سورية استقلال. إنّنا نطالب بريطانيا بالالتزام بتعهّداتها ونرجو منك على الأخصّ أن تطلب من المستر تشرشل أن يحافظ على شرف بريطانيا وعلى العهد الّذي قطعته معنا. إنّ هذه البلاد يحكمها جنرال فرنسيّ، في حين أنّ فرنسا نفسها ما زالت حتّى الآن تحت الاحتلال النازّي. إنّ الفرنسيّين يطبّقون أساليب الانتداب الّتي كانوا يتّبعونها في عهدهم الأوّل معنا، فلا يفسحون المجال أمامنا لنشعر بالاستقلال.
نظراً لشدة خلافاته مع الفرنسيين من جهة، ومع الشيخ تاج من جهة أخرى، أُجبر حسني البرازي على الاستقالة من منصبه يوم 8 كانون الثاني 1943، بعد تسعة أشهر فقط من توليه الحكم. وقد غادر الحكم بشكل مهين، حيث أمر رئيس الجمهورية بمصادرة سيارته ووضعه قيد الإقامة الجبرية، مع فتح تحقيق قضائي حول تهم مختلفة وجهت للبرازي، منها التلاعب بقوت الشعب السوري والثراء غير المشروع عبر تجارة القمح والحبوب.
موقفه من قرار تقسيم فلسطين
في مطلع عهد الاستقلال وبعد جلاء القوات الفرنسية عن سورية يوم 17 نيسان 1946، انتُخب حسني البرازي نائباً في البرلمان السوري، حيث حيث كان له موقف لافت من قرار تقسيم فلسطين، عندما دعا العرب إلى الموافقة عليه وعدم الاعتراض. وفي مذكراته سوّغ البرازي موقفه من قرار التقسيم قائلاً:
أمّا أنا فقد ألقيت خطابًا تحت قبّة البرلمان وطالبت فيه بقبول التقسيم وقلت إنّنا كعرب لن نستطيع الحصول عبر الحرب على أكثر من ذلك. نصحت الجميع أن يقبلوا ما كان مطروحًا يومئذٍ لأنّه لن يكون مطروحًا بعد سنوات أو أشهر، ولكن لم يقبل رؤيتي أحد من الزملاء واتّهمني البعض بالجبن والتخلي عن فلسطين والعمالة للحركة الصّهيونيّة. فالاتّفاق مع اليهود وإعطاؤهم هذا الشّكل المحدود من الحقوق أفضل من أن يصلوا إلى كيان كامل معترف به دوليّاً.
البرازي وحسني الزعيم
شنّت الصحف اليومية هجوماً عنيفاً على البرازي، وتعرض لانتقاد كبير من رئيس الجمهورية شكري القوتلي. وعند وقوع الانقلاب الأول ضد القوتلي في 29 آذار 1949، كان حسني البرازي في طليعة مؤيديه. فُرضت الأحكام العرفية على البلاد بأمر من مهندس الانقلاب، حسني الزعيم، الذي عيّن البرازي نائباً له في المجلس العرفي يوم 5 نيسان 1949. وبعد استعادة الأمن والتخلص من القوتلي ورجاله، سمّي البرازي محافظاً على مدينة حلب، ولكنّ انتقاداته المتكررة لحسني الزعيم أدّت إلى إقالته سريعاً ثم سجنه بتهمة التعاون مع الأردن والعراق لقلب نظام الحكم الجمهوري في سورية. وكان البرازي معتقلاً في سجن المزة يوم انقلاب اللواء سامي الحناوي على حسني الزعيم في 14 آب 1949.
دستور 1950
بعد سقوط الزعيم ومقتله تداعى زعماء سورية إلى اجتماع كبير في مبنى الأركان، دعا إليه سامي الحناوي، وقرروا عودة هاشم الأتاسي إلى الحكم للإشراف على انتخاب جمعية تأسيسية مكلفة بصياغة دستور جديد للبلاد بدلاً من الدستور القديم الذي كان حسني الزعيم قد عطله قبل بضعة أشهر. انتُخب حسني البرازي عضواً في الجمعية التأسيسية، حيث وقف في وجه كل الطروحات الإسلامية التي نادى بها الشيخ مصطفى السباعي زعيم الإخوان المسلمين، والاشتراكية التي طالب بها أكرم الحوراني، رئيس الحزب العربي الاشتراكي.
العلاقة مع أديب الشيشكلي
أُسقط عهد هاشم الأتاسي عند قيام العقيد أديب الشيشكلي (ابن عمّة حسني البرازي)، بانقلاب جديد في 29 تشرين الثاني 1951، كان الهدف منه منع تحقيق وحدة فيدرالية بين سورية والعراق. كان البرازي من دعاة هذه الوحدة، وقد عارض طموحات الشيشكلي بشدة، على الرغم من صلات القربى التي كانت تجمع بينهما، فأمر الأخير باعتقاله وبقي البرازي سجيناً حتى سقوط الشيشكلي ونفيه خارج البلاد في 25 شباط 1954.
جريدة الناس
بعد خمسة أشهر من سقوط نظام الشيشكلي، أسّس حسني البرازي جريدة النّاس اليوميّة مع صديقه الصحفي نذير فنصة. تولّى البرازي كتابة افتتاحيات الجريدة، التي أصبحت منبراً للهجوم على الشيوعيين والعسكر، فصُنّف “عميلاً أمريكياً” من قبل المكتب الثاني (شعبة المخابرات العسكرية). وعند ظهور جمال عبد الناصر وتوليه رئاسة الجمهورية في مصر سنة 1954 كانت جريدة الناس في طليعة منتقديه، ما أحرج الدولة السورية كثيراً. وصفه البرازي بالعميل للشيوعية وقال إنه “لا يختلف عن الملك فاروق، لا من حيث الفساد ولا الاستبداد.” أُغلقت جريدة الناس بأمر من مدير المكتب الثاني عبد الحميد السراج سنة 1955 وصدر حكم إعدام بحق حسني البرازي، الموجود يومها في تركيا، بتهمة الاستنجاد بالجيش التركي لقلب نظام الحكم في سورية.
السنوات الأخيرة والوفاة
انتقل حسني البرازي من تركيا للعيش في بيروت، بعد حصوله على لجوء سياسي من الرئيس اللبناني كميل شمعون، وفي سنة 1969 سجّل مذكرات شفهية في الجامعة الأميركية في بيروت، بطلب من البروفيسور يوسف إبيش. وفي سنة 2016 أخرجت الجامعة الأمريكية هذه التسجيلات الصوتية من الأرشيف وتحويلها إلى كتاب حققه وقدّم له المؤرخ السوري سامي مروان مبيّض.
الوفاة
توفي حسني البرازي في بيروت عن عمر ناهز 78 عاماً سنة 1973.
المناصب
متصرف حمص (1919)
- سبقه في المنصب: هاشم الأتاسي
- خلفه في المنصب: عمر الأتاسي
وزيراً للداخلية (5 أيار – 12 حزيران 1926)
- سبقه في المنصب: نصري بخاش
- خلفه في المنصب: واثق مؤيد العظم
وزيراً للمعارف (17 آذار 1934 – 24 شباط 1936)
- سبقه في المنصب: سليم جنبرت
- خلفه في المنصب: الأمير مصطفى الشهابي
محافظ لواء إسكندون (1937-1938)
محافظ مدينة دمشق (28 شباط – 1 نيسان 1942)
- سبقه في المنصب: صفوح مؤيد العظم
- خلفه في المنصب: عارف الحمزاوي
رئيس الحكومة السورية (18 نيسان 1942 – 8 كانون الثاني 1943)
- سبقه في المنصب: حسن الحكيم
- خلفه في المنصب: جميل الألشي
نائب الحاكم العرفي (نيسان – حزيران 1949)
- سبقه في المنصب: لا يوجد
- خلفه في المنصب: أُلغي المنصب