
المرجة، ساحة كبيرة وعصب مدينة دمشق ، شهدت عدة أحداث تاريخية كان أبرزها إعدام مجموعة من الكتاب والسياسيين العرب يوم 6 أيار 1916، بأمر من جمال باشا، قائد الجيش العثماني الرابع في الحرب العالمية الأولى. كانت تُعرف باسم “ساحة الشهداء،” وتقع شرق جادة السنجقدار، بالقرب من منطقة البحصة البرّانية. عُرفت بعدة مبان تاريخية ظهرت بجوارها، مثل السراي الحكومي وبناء البلدية وبناء العابد، ومنها كانت نقطة انطلاق ترامواي الشّام ابتداء من سنة 1907 ولغاية عام 1962.
كانت هذه المحلّة في عهد المماليك منتزهاً بين مسجد يلبغا وجامع تنكز، يتفرع في وسطها نهر بردى إلى فرعين، فيشكلان بينهما جزيرة غناء تحف بها المياه. في منتصف العهد العثماني عُرفت هذه المنطقة باسم “الجزيرة” أو بين النهرين،
وبقيت متنزهاً يقصده الناس لغاية عام 1807، عندما قام الوالي العثماني يوسف كنج باشا بتشييد بناء حديث في وسطها (موقع بناء العابد اليوم) أصبح داراً للحكم. ومنذ ذلك التاريخ بدأت تزداد أهمية المحلّة كموقع للأبنية الحكومية وصارت تعرف “ساحة السراي.”
سبب التسمية
وفي العام 1866 أمر الوالي محمد رشيد باشا بتغطية نهر بردى في هذه المنطقة، فأصبحت فسيحة وصارت تعرف باسم “الميدان الكبير.” وعندما ولّي حسين ناظم باشا على دمشق سنة 1895، أمر بإنشاء دار البلدية وسط الساحة، وبعدها، شيّد مبنى البرق والبريد وأقام سجناً في طرف الساحة.
وفي 6 أيار 1916، نُفّذت في ساحة المرجة إعدامات بحق واحد وعشرين مواطناً من كتاب وشعراء وصحفيين وسياسيين، وأطلق على الساحة شعبياً اسم “ساحة الشهداء.” كان ذلك أثناء الحرب العالمية الأولى، وبعد سقوط الحكم العثماني وتحرير البلاد سنة 1918، باتت المحلة تعرف رسمياً باسم “ساحة الشهداء.”
أما اسم “ساحة المرجة،” فقد أطلقه العوام على المحلّة نطراً لكثرة الأشجار والمروج الخضراء والبساتين المحيطة بها قبل بدء العمار في مرحلة متقدمة من الحكم العثماني. وتجدر الإشارة هنا إلى الالتباس الحاصل بينها وبين منطقة “المرج الأخضر” الواقعة بالقرب من ساحة الأمويين اليوم (أرض معرض دمشق الدولي سابقاً).
النصب التذكاري
يقع وسط الساحة اليوم نصباً تذكارياً، أقامه الوالي العثماني حسين ناظم باشا سنة 1907 بمناسبة تدشين الاتصالات البرقية بين إسطنبول والمدينة المنوّرة عبر مدينة دمشق. يتكوّن النصب من قاعدة بازلتية وعمود منحوت من البرونز تلتف حوله “أسلاك البرق،” وفي الأعلى ثمّة قاعدة مربعة تحوي أربعة صنابير لمياه الشرب وفي قمة العمود قاعدة مربعة أخرى تحمل نموذجاً مصغراً لمسجد سراي يلدز في إسطنبول، الذي يلقب أيضاً بالجامع الأزرق. وتزامن رفع النصب، المعروف اليوم بعمود المرجة، مع إطلاق الخط الحديدي الحجازي من محطة الحجاز المجاورة لمنطقة المرجة ودخول الكهرباء مدينة دمشق مع إطلاق أولى خطوط الترامواي من الساحة سنة 1907.

الأحداث التي شهدتها الساحة
- 1894: إضراب داخل سجن المرجة.
- 1907: انطلاق الترامواي من المرجة، بعد دخول الكهرباء عبر شركة التنوير والجر المساهمة المغفلة البلجيكية.
- 1916 (6 أيار): إعدام الشهداء المرجة بأمر من جمال باشا.
- 1918 (26 أيلول): رفع علم الثورة العربية الكبرى فوق دار البلدية من قبل الأمير سعيد الجزائري والإعلان عن استقلال سورية عن الحكم العثماني.
- 1918 (3 تشرين الأول): الأمير فيصل بن الحسين يدخل دمشق فاتحاً ويتوجه فور وصوله إلى دار البلدية للجتماع مع الأهالي والأعيان، بعد توقف سريع في ساحة المرجة لقراءة سورة الفاتحة على أرواح شهداء 6 أيار. ويتم اعتماد السادس من أيار عيداً وطنياً للشهداء، نسبة لشهداء ساحة المرجة.
- 1920 (8 آذار): إعلان استقلال سورية من ساحة المرجة وتتويج الأمير فيصل ملكاً على البلاد.
- 1925- 1927: إعدام ثوار الغوطة وجبل الدروز وسط ساحة المرجة أثناء الثورة السورية الكبرى.
- 1945 (29 أيار): تعرض زقاق رامي في ساحة المرجة لقصف عنيف إبان العدوان الفرنسي على مدينة دمشق.
- 1965 (18 أيار): إعدام الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين.

المعالم العمرانية بين الماضي والحاضر
- جامع يلبغا: بني عام 1347 وسُمّى نسبة إلى الأمير المملوكي سيف الدين يلبغا، الذي أراد من خلال هذا الجامع منافسة مساجد القاهرة. اهتم يَلبُغا ببناء الجامع وأمر بأخذ حجارته من أرجاء دمشق ومن جبل قاسيون، وقد دفع من ماله الخاص نحو 60 ألف درهم لأجل البناء. يذكر البديري الحلّاق في مذكراته أنه وفي منتصف القرن الثامن عشر قام والي دمشق أسعد باشا العظم بنقل بعض أعمدة جامع يلبغا ليكمل بناء قصر العظم. وفي سبعينيات القرن العشرين، تمّ هدم قسم من الجامع من أجل إعادة تشييده، ولكن عمليات الترميم توقفت لغاية عام 2014. وقد كتب الشيخ علي الطنطاوي في كتابه دمشق صور من جمالها وعبر من نضالها: “تجد أمامك جامع الأمير (يلبغا) الذي سرقوا نصفه وجعلوه مدرسة صبيان وتركوا منارته قائمة في المدرسة تعلن لكل ذي عينين شكواها وتذيع خبر بلواها.”
- مقهى ومسرح زهرة دمشق: شيّد في نهاية القرن التاسع عند زاوية الساحة من جهة الشمال واحترق الجزء الخلفي منه إثر حريق السنجقدار. توقف عمل السينما واستغل موضعها لإقامة مطعم وكاباريه، أزيلوا سنة 1952 وظهر مكانهما بناءً حديث يشغل فندق سمير جزءاً منه اليوم.
- مبنى البرق والبريد: بناء حكومي عثماني شُيّد في جوار بناء العدلية في الجهة الشمالية الساحة في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وهدم في زمن الوحدة مع مصر.
- فندق ديمتري: أول فندق في دمشق، تأسس سنة 1850 في جوزة الحدباء.
- مبنى البلدية: أنشأه الوالي حسين ناظم باشا وكان موقعه في الجهة الغربية من ساحة المرجة.
- بناء السرايا (وزارة الداخلية اليوم): شيّد سنة 1900، وكان مقراً لكل الحكومات السورية بعد سنة 1918.
- مبنى العابد: بني على مراحل في الجهة الجنوبية الشرقية من ساحة المرجة، مكان سرايا كنج باشا، وكان مُلكاً لأحمد عزت باشا العابد، كبير أمناء السلطان عبد الحميد الثاني. يتألف المبنى من أربعة طوابق، وقد أشرف على تنظيمه المهندس الإسباني فرناندو دي أرنده. في العهد الفيصلي أصبح بناء العابد مقراً للمؤتمر السوري واجتماعاته.
- سينما الاصلاح خانه: تأسست عام 1921 بين سوق علي باشا ومبنى البريد والبرق، وكان موضعها في الأصل خاناً لمبيت الحيوانات. تحولت لاحقاً إلى “كراج أمية” للسفريات الذي هُدم سنة 1952.
- الكوزموغراف: سينما تأسست عام 1924 بجوار فندق أمية وهدمت عند فتح شارع يوسف العظمة.
- سينما ومسرح النصر: تأسست عام 1923 في سوق التبن عند زاوية سوق الناصري واحترقت بعد خمس سنوات.
- فندق أمية: شُيّد في نهاية الساحة باتجاه جسر فكتوريا سنة 1912، وهو اليوم فندق عمر الخيام.
زينو المرجة
أطلق أهل الشام أهزوجة شعبية احتفالاً بشهداء 6 أيار 1916، وكان مطلعها: “زينوا المرجة.. والمرجة لينا.. شامنا فرجة وهي مزييّنا.” تطورت الأهزوجة في سبعينيات القرن العشرين، بعد أن وضع الفنان دريد لحام كلمات متممة لها، ويقول الكاتب سامي مروان مبيّض أن اساسها يعود إلى سنة 1926، وليس عام 1916، وأنها أطلقت بشكل عفوي عند إحضار القوات الفرنسية جثمان الشهيد أحمد مريود لعرضها أمام الناس في ساحة المرجة. خرج الدمشقيين لتحيته ورشّوا أرض المرجة بماء الزهر وردّدوا عند جثمان الشهيد: “زينوا المرجة.”
نوادر عن ساحة المرجة
ومن القصص التي يتمالح بها الناس قول أحدهم: ” يا سيدي كنت نايم وشايف المرجة مزروعة بطيخ،” كناية عن الشيء الغريب الذي لا يراه المرء إلا في المنام، ولكنها حدثت في نهايات القرن التاسع عشر، عندما حاول قائد الجندرمة مصطفى آغا زرعها فعلاً بالبطيخ. ومما يدعم هذه المقولة أن أرض المرجة “بجّاجة،” أي تنضح بالماء وبها ملوحة، فهي بالتالي صالحة لزراعة البطيخ.
