
سوق ساروجا، سوق أثري وحيّ سكني يمتد بين بوابة الصالحية غرباً وشارع الملك فيصل شرقاً، أنشأه الأمير صارم الدين صاروجا في العهد المملوكي.(1) وفي العهد العثماني لقب الحيّ باسم “إسطنبول الصغرى” نسبة إلى الشخصيات السياسية الكبرى التي كانت تسكن فيه، مثل أحمد عزت باشا العابد، كبير أمناء السلطان عبد الحميد الثاني وعبد الرحمن باشا اليوسف، أمير محمل الحج الشامي، ومحمد فوزي باشا العظم، وزير الأوقاف في الدولة العثمانية.(2)
هو من أشهر أسواق دمشق خارج المدينة القديمة وفيه عدد من الحارات المعروفة مثل حارة المفتي وحارة الورد وحارة قولي وزقاق الكمّار. وقد تعرض حيّ سوق ساروجا إلى دمار كبير خلال العدوان الفرنسي على مدينة دمشق يوم 29 أيار 1945، عندما لجأت الحكومة السورية إلى دار الرئيس خالد العظم الكائنة في وسط سوق ساروجا، هرباً من القصف على السراي الحكومي في ساحة المرجة.(3)
أصل التسمية
معظم المؤرخين السوريين يتفقون على أن اسم “ساروجا” جاء تخفيفاً لاسم الأمير صارم الدين صاروجا، ولكن توجد قصة ثانية متداولة شعبياً تقول أن التسمية جاءت نسبة لأحد أهل الخطوة الذي “سار واجا” (سار وجاء) من دمشق إلى الحجاز.(4) وأصل التسمية كانت “سويقة صاروجا” ومعتى السويقة عمرانياً: تجمع سكني صغير مستقل فيه جميع مستلزمات الحياة المدنية، من مسجد وحمام وفرن.(5)
وأسلوب السويقات لم يكن معروفاً في مدينة دمشق القديمة، ولكنه بدأ يظهر مع إنشاء تجمعات سكنية خارج سور دمشق في زمن المماليك. وقد أصبحت هذه السويقات نواة الضواحي التي ألحقت بالمدينة مع توسع العمار، مثل سويقة العقيبة وسويقة ساروجا.(6)
لمحة تاريخية
وكانت محلّة ساروجا في عهد السلاجقة عبارة عن أرض خالية ليس فيها أي عمار، أنشأت بداخلها بعض القبور للجند والعسكر. ثم ازدهرت المنطقة في العهد الأيوبي بقيام المدرسة الشّامية البرّانية التي امرت بإنشائها الخاتون ست الشّام، أخت صلاح الدين الأيوبي. وتعتبر هذه المرحلة نقطة البداية في ازدهار المنطقة وذلك لضخامة المدرسة آنذاك وتأثيرها في الحياة العلمية بدمشق. وفي العهد العثماني توسعت المنطقة شمالاً نحو عين كرش وبساتين الصالحية، وسكن فيها العديد من المسؤولين الأتراك والعرب.
معالم الحيّ
- المدرسة الشّامية البرّانية المشيّدة في العهد الأيوبي سنة 1191 (عند ناصية شارع الثورة اليوم).
- جامع الورد الكائن في حارة الورد والذي شيّد في العهد المملوكي سنة 1426. وفي التاريخ المعاصر كان يخطب فيه مفتي دمشق الشيخ أبو الخير عابدين ونجله المفتي الشيخ أبو اليسر عابدين.
- حمّام الورد في حارة الورد، الذي يعود بناؤه إلى العهد المملوكي.
- قصر محمد فوزي باشا العظم الذي يُعرف اليوم باسم ابنه الرئيس خالد العظم، والذي قامت الدولة السورية بمصادرته بعد انقلاب 8 آذار 1963. وقد حولته اليوم إلى متحف للحرف والفنون الدمشقية، يتضمن مركز الوثائق التاريخية ومقر جمعية أصدقاء دمشق.(7)
- قصر عبد الرحمن باشا اليوسف الملاصق لقصر محمد فوزي باشا العظم والذي كان يسكنه أمير الحج الشامي حتى سنة 1920، وقد أنشأ في منتصف القرن التاسع عشر وفيه نزل الإمبراطور غليوم الثاني خلال زيارته دمشق سنة 1898. انتقلت ملكية القصر إلى ورثة عبد الرحمن باشا اليوسف بعد مقتله سنة 1920، وقاموا بهجره سنة 1964، بسبب تكاليف صيانته العالية، وقد استملكته الدولة السورية في كانون الأول 2017.
- قصر الرئيس محمد علي العابد الممتد بين حارتي قولي والمفتي، والذي شيده جدّه هولو باشا العابد في منتصف القرن التاسع عشر وسكنه أحمد عزت باشا العابد. منه حكم محمد علي العابد بعد انتخابه رئيساً للجمهورية سنة 1932 وقد بيع هذا القصر إلى سليم يازجي سنة 1948 وتم تحويله إلى مدرسة، قبل أن تستملكه الدولة وتحوله إلى مدرسة لأبناء الجولان النازحين من قراهم إلى دمشق بعد احتلال سنة 1967. أعيد القصر إلى مالكيه في التسعينيات بعد أن هدم جزء كبير منه وهو اليوم عبارة عن تجمع لورشات صناعة الأحذية.
- بيت الإبيش في زقاق الكمّار، وهو منزل الصياد الشهير حسين الإبيش الذي أقام فيه منذ عام 1910 قاعة للحيوانات المحنطة التي قام باصطيادها في أدغال أفريقيا. وفيه أيضاً أول كرة قدم استخدمها الإبيش عند إدخاله هذه الرياضة إلى مدينة دمشق سنة 1900، بعد أن تعلمها خلال فترة دراسته في جامعة بيروت الأمريكية.
- بيت الحبوباتي في زقاق دوار الأغا، المشيّد في القرن التاسع عشر.