ضباط وقادة عسكريون

شوكت شقير

رئيس أركان الجيش السوري (1953-1956).

اللواء شوكت شقير
اللواء شوكت شقير

شوكت شقير (21 أيار 1912 – 2 تشرين الثاني 1982)، ضابط لبناني عاش في دمشق وخدم في الجيش اللبناني ثم في الجيش السوري وأصبح رئيساً للأركان العامة من 16 تموز 1953 حتى 7 تموز 1956. عمل مع ثلاثة رؤساء جمهورية، وهم أديب الشيشكلي وهاشم الأتاسي وشكري القوتلي، في عهده حصل تقارب كبير بين الجيشين السوري والمصري وشُكّلت قيادة عسكرية مشتركة سنة 1955. غادر سورية عائداً إلى لبنان بعد تسريحه من الجيش السوري وشارك في ثورة عام 1958 ضد الرئيس اللبناني كميل شمعون، بالتعاون مع صديقه وحليفه كمال جنبلاط.

البداية

ولِد شوكت شقير في قرية قرصون بجبل لبنان وهو ابن عائلة درزية معروفة. درس في المدرسة البطريركية في بيروت ثمّ في المدرسة العلمية الفرنسية، قبل الالتحاق بالمدرسة الحربية التابعة لجيش الشرق الفرنسي في سورية ولبنان. تخرج من الكلية الحربية في أيلول 1930 وانضم إلى صفوف الجيش اللبناني.

في مطلع العام 1946 عُيّن المقدم شقير مندوباً عن الجيش اللبناني في اللجنة العسكرية التابعة لجامعة الدول العربية، وبعدها بعام، كان رئيساً لهيئة الأركان في جيش الإنقاذ خلال الأشهر التي سبقت حرب فلسطين الأولى يوم 15 أيار 1948. شارك في معارك فلسطين تحت أمرة فوزي القاوقجي، حيث أصيب بجروح في معركة بوم 5 حزيران 1958، وتعرف على عدد من الضباط السوريين، أمثال أديب الشيشكلي، زميله في جيش الإنقاذ، وحسني الزعيم، رئيس أركان الجيش السوري، الذي أعجب به وبشجاعته.

الانتقال إلى سورية

نفّذ حسني الزعيم انقلاباً عسكرياً في دمشق يوم 29 آذار 1949 أطاح برئيس الجمهورية شكري القوتلي والطبقة السياسية المؤيدة له. وعند توليه الرئاسة الأولى رسمياً خلفاً للقوتلي في حزيران 1949 اتصل الزعيم بشوكت شقير ودعاه إلى دمشق ليكون ضمن فريقه، عارضاً عليه رئاسة المكتب العسكري في القصر الجمهوري. قبل شقير العرض واستقال من الجيش اللبناني لينضم فور وصوله دمشق إلى صفوف الجيش السوري، حيث تم منحه الجنسية السورية وتعيينه برتبة عقيد. وقد تسلّم مهامه في القصر الجمهوري من حزيران وحتى 14 آب 1949، وهو يوم الانقلاب على حسني الزعيم وإعدامه رمياً بالرصاص. ولكن شوكت شقير قرر البقاء في سورية وعدم العودة إلى لبنان، بعد زواجه من سيدة دمشقية تُدعى قمر وفائي.

خلال  عمله في القصر الجمهوري استعاد شوكت شقير صداقته القديمة بأديب الشيشكلي، الذي كان قد عاون حسني الزعيم في انقلابه على شكري القوتلي. وقد استفاد من هذه الصداقة كثيراً وأصبح أحد معاوني الشيشكلي، الذي قام بانقلاب عسكري نهاية العام 1949 ضد رئيس الأركان اللواء سامي الحناوي. ثم نفذ انقلاباً ثانياً سنة 1951، أوصله إلى رئاسة الأركان ثم إلى رئاسة الجمهورية في 11 تموز 1953. وبعد توليه الحكم بخمسة أيام أصدر الشيشكلي قراراً بتعيين شوكت شقير رئيساً للأركان العامة يوم 16 تموز 1953. وكان شقير يوم تعيينه رئيساً للأركان يشغل منصب قائد المنطقة الوسطى في سورية.

رئيساً للأركان العامة في الجيش السوري

أثار قرار تعيين شوكت شقير حفيظة ضباط الجيش السوري، لكونه لبنانياً. البعض أوعز هذا التعيين إلى كون شقير درزياً، أي أنه سيكون ضعيفاً ومنبوذاً عند ضباط الجيش السنّة، وبذلك لن يكون له أتباع ولن يتمكن من تنفيذ أي انقلاب عسكري ضد الشيشكلي. وقال أخرون أن الشيشكلي قام بتعيينه بهذا المنصب قبل قصف جبل الدروز بالطيران الحربي، عندما ثبت له تورط الأمير حسن الأطرش بمحاولة انقلاب، لكي لا يُقال أن مسلماً سنياً من حماة يقصف بلدات وقرى الدروز. وقد استفاد الشيشكلي من وجود شوكت شقير في الأركان العامة خلال العمليات العسكرية ضد الدروز، نافياً عن نفسه تهمة الطائفية التي حاول خصومه الصاقها به.

سقوط الشيشكلي

في مطلع العام 1954، اندلعت ثورة عسكرية ضد حكم أديب الشيشكلي، قادها رئيس أركان المنطقة الشمالية العقيد فيصل الأتاسي، وقائد المنطقة الوسطى العميد محمود شوكت وقائد المنطقة الشرقية العميد أمين أبو عسّاف. حصل الانقلابيون على دعم من رئيس الجمهورية الأسبق هاشم الأتاسي الذي كان يرأس المعارضة المدنية من مدينة حمص، ومن سلطان باشا الأطرش، قائد الثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين سنة 1925. وكان كل من الأطرش وأبو عسّاف من أبناء الطائفة الدرزية، مثل شوكت شقير.

وفي 25 شباط 1954 قرر الرئيس الشيشكلي الاستقالة من منصبه والذهاب إلى لبنان، فتسلّم اللواء شقير زمام الأمور وأصدر بياناً للشعب السوري، يدعو فيه إلى الهدوء وعدم إثارة أعمال الشغب. ثم طلب من رئيس المجلس النيابي الدكتور مأمون الكزبري تسلّم رئاسة الجمهورية بالوكالة، تماشياً مع المادتين 86 و89 من الدستور السوري.

ولكن عصياناً انطلق ضد اللواء شقير والدكتور الكزبري، بقيادة النقيب عبد الحق شحادة، آمر الشرطة العسكرية، والنقيب حسين حدة، آمر المدرعات في منطقة القابون. رفضوا تسلّم الكزبري رئاسة الجمهورية وتمردوا على اللواء شوكت شقير. ثم أصدروا بياناً مزوراً باسمه، يدعون فيه الشعب السوري إلى التمسك بشرعية حكم أديب الشيشكلي. وقد أذاعوا البيان المزور عبر إذاعة دمشق صباح يوم 26 شباط 1954، مستغلين غياب شوكت شقير في حمص، التي وصلها لترتيب عودة الرئيس هاشم الأتاسي إلى دمشق وإكمال ما تبقى من ولايته الدستورية التي كانت قد قطعت عند استقالته في كانون الأول 1951.

فور عودة اللواء شقير من حمص، أمر بتسريح عبد الحق شحادة وحسين حدة من مناصبهم وقام بنقلهم ملحقين عسكريين إلى لندن وباريس. وقد أشيع خلال تلك الساعات الحاسمة أن شوكت شقير كان مخطوفاً وأنه أصدر البيان المذكور بنفسه، تحت تهديد السلاح.

عاد هاشم الأتاسي إلى دمشق يوم 1 آذار 1954 وكان في استقباله رئيس الأركان شوكت شقير الذي أوصله إلى القصر الجمهوري بنفسه. وقد أعاد الرئيس الأتاسي العمل بالدستور القديم والمجلس النيابي المنحل منذ عام 1951، كما أبطل معظم القرارات التي صدرت في عهد الشيشكلي إلا قرار تعيين شوكت شقير في رئاسة الأركان العامة.

وفي عهد الرئيس الأتاسي، عمل شوكت شقير، المندفع نحو القومية العربية، على محاربة حلف بغداد وتقوية التعاون مع مصر ورئيسها الشاب جمال عبد الناصر. وكان شقير من أشد المعجبين بالرئيس المصري منذ أن عرفه ضابطاً صغيراً في حرب فلسطين. وفي شباط 1955 استقبل شقير في مكتبه بدمشق الصاغ صلاح سالم، مدير المخابرات المصرية وعضو مجلس قيادة الثورة في القاهرة، وقرروا إنشاء قيادة عسكرية مشتركة بين سورية ومصر، قبل ثلاث سنوات من توحيد البلدين في الجمهورية العربية المتحدة.

اغتيال العقيد عدنان المالكي

في شباط 1955 حدثت جريمة في الملعب البلدي وسط دمشق، راح ضحيتها العقيد عدنان المالكي، معاون شوكت شقير في رئاسة أركان ورئيس الشعبة الثالثة الجيش السوري (عمليات). كان المالكي ضابطاً نشطاً ومعروفاً، له أتباع كثر داخل المؤسسة العسكرية وخارجها، وهو سليل عائلة دمشقية معروفة. كان شوكت شقير يعتمد عليه في المهام الصعبة، ويكن له الكثير من الاحترام بسبب مواقفه العروبية. أدت هذه الجريمة إلى تصفية الحزب السوري القومي الاجتماعي من الحياة السياسية في سورية، بعد ثبوت ضلوع اثنان من قيادته في التخطيط والتنفيذ للجريمة، وهم رئيس الحزب جورج عبد المسيح والضابط الشاب غسان جديد. أشرف اللواء شقير على التحقيقات في قضية اغتيال المالكي، وقام بتعيين العقيد عبد الحميد السراج رئيساً للمكتب الثاني، أو شعبة المخابرات العسكرية، لملاحقة عناصر الحزب السوري القومي الاجتماعي. وقد أدت هذه الجريمة إلى عودة الجيش إلى صدارة المشهد السياسي في سورية، بعد أشهر من التهميش الممنهج الذي تعرض له بعد سقوط حكم أديب الشيشكلي.

اللواء شقير مع الرئيس شكري القوتلي والملك حسين في عام 1956.
اللواء شقير مع الرئيس شكري القوتلي والملك حسين في عام 1956.

الانتخابات الرئاسية سنة 1955

وفي أيلول 1955 انتهت ولاية الرئيس هاشم الأتاسي وأجريت انتخابات رئاسية داخل مجلس النواب، بين رئيس الجمهورية الأسبق شكري القوتلي ورئيس الحكومة الأسبق خالد العظم.

اجتمع شوكت شقير مع خالد العظم وقال أنه يقف خلفه في سعيه إلى الرئاسة الأولى، بسبب انعدام الود والثقة بينه وبين شكري القوتلي، الذي حمله شقير وزر هزيمة الجيش السوري في حرب فلسطين.

ولكن نتيجة الانتخابات لم تكن لصالح خالد العظم الذي هزم أمام شكري القوتلي، وفي مذكراته يقول أنه تعرض لخديعة من شوكت شقير الذي ادعى أنه لا يريد عودة القوتلي إلى السلطة ولكنه كان ضمنياً مؤيداً له بسبب علاقة القوتلي المتينة بالرئيس جمال عبد الناصر. ويقول العظم أن شوكت شقير لعب دوراً هاماً في إسقاطه في تلك الانتخابات الرئاسية بسبب موقف المعلن من تدخلات الجيش في السياسة منذ عام 1949.

العودة إلى لبنان والثورة على الرئيس شمعون

في 7 تموز 1956، أحيل شوكت شقير على التقاعد المبكر وهو في الرابعة والأربعين من عمره، وعُيّن في رئاسة الأركان نائبه الزعيم توفيق نظام الدين. عاد فوراً إلى لبنان وأقام في قريته، ليُمارس العمل السياسي مع الزعيم الدرزي كمال جنبلاط، رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي. وعندما اطلقت الثورة الشعبية ضد حكم الرئيس اللبناني كميل شمعون المحسوب على الغرب، انضم شوكت شقير إلى صفوفها الأمامية مع كمال جنبلاط وصائب سلام وغيرهم من السياسيين اللبنانيين المؤيدين يومها للرئيس جمال عبد الناصر.

موقفه من الوحدة والانفصال

أيد شوكت شقير الوحدة السوري المصرية سنة 1958 وزار دمشق برفقة كمال جنبلاط لتهنئة الرئيس عبد الناصر، حيث استقبل استقبال رسمي بصفته قائداً سابقاً للجيش السوري. وقد رفض الانقلاب العسكري الذي أطاح بجمهورية الوحدة يوم 28 أيلول 1961 وظل مؤيداً للرئيس عبد الناصر. وفي عهد الانفصال، تعاون شوكت شقير مع كمال جنبلاط على تهريب عبد الحميد السراج، نائب الرئيس عبد الناصر أيام الوحدة، من سجن المزة العسكري. أخرجوه من السجن بعد رشوة الحرّاس وأمنوا له سيارة لنقله إلى لبنان. ومن بيروت تم تسفيره إلى القاهرة، ليحل ضيفاً على الرئيس عبد الناصر وعلى كل رؤساء مصر من بعده حتى وفاته في أيلول سنة 2013.

الوفاة

توفي اللواء شوكت شقير في بيروت عن عمر ناهز 70 عاماً يوم 4 تشرين الثاني 1982. كان ذلك في زمن الحرب الأهلية اللبنانية وبعد أشهر من غزو بيروت من قبل الجيش الإسرائيلي. نظراً لشدة المعارك في جبل لبنان تم دفنه في العاصمة اللبنانية حتى تشرين الثاني 1984، عندما تم نقل رفاته إلى قريته قرصون في جبل لبنان. وقد حضر حفل التأبين عدداً من الشخصيات منها وزير الدفاع السوري مصطفى طلاس ووليد جنبلاط، الذي ورث الزعامة الدرزية عن أبيه بعد مقتل كمال جنبلاط في أذار 1977. وقد ظلّت علاقة أسرة شوكت شقير متينة بآل جنبلاط، وانتخب ابنه أيمن شقير نائباً في البرلمان اللبناني على قائمة وليد جنبلاط سنة 1991 قبل أن يُصبح وزيراً لشؤون حقوق الإنسان في الحكومة اللبنانية سنة 2016.

المصدر
1. جورج فارس. من هم في العالم العربي (دمشق 1957)، 3472. أمين أبو عساف. ذكرياتي (دمشق 1996)، 5283. باتريك سيل. الصراع على سورية (باللغة الإنكليزية – مطبعة جامعة أوكسفورد 1965)، 364. هاني الخيّر. أديب الشيشكلي: البداية والنهاية (دمشق 1994)، 1415. نفس المصدر، 1426. خالد العظم. مذكرات خالد العظم، الجزء الثاني (الدار المتحدة للنشر، بيروت 1973)، 2877. نفس المصدر، 4598. مطيع السمان. وطن وعسكر (مكتبة بيسان، بيروت 1995)، 185

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !