
صلاح الدين الطرزي (1917-1980)، رجل قانون ودبلوماسي، ولّى عدة مناصب رفيعة في حياته، فكان سفيراً في الاتحاد السوفيتي مرتين، الأولى في عهد الرئيس شكري القوتلي (1956-1957) والثانية في عهد الرئيس نور الدين الأتاسي (1965-1970). وفي سنة 1949 عيّن الطرزي مشاوراً قانونياً لدى لجنة الهدنة التي شكّلها حسني الزعيم بعد حرب فلسطين للتفاوض على ترسيم الحدود سورية مع إسرائيل.
وفي زمن الوحدة السورية المصرية، عَمل صلاح الدين الطرزي سفيراً في تشيكوسلوفاكيا (1958-1959) وفي الصين (1960-1961)، قبل أن يُصبح سفيراً وفي تركيا في مطلع عهد الرئيس حافظ الأسد (1970-1974).
كما كان مندوب سورية الدائم في الأمم المتحدة (1962-1964) وعضوا في محكمة العدل الدولية في لاهاي من سنة 1976 وحتى وفاته عام 1980.
البداية
ولِد صلاح الدين الطرزي في دمشق وكان والده أمين الطرزي رئيساً للدائرة الشرعية في مطلع القرن العشرين. دَرَس في مدرسة الفرير ونال شهادة الحقوق من الجامعة اليسوعية في بيروت قبل أن ينتقل إلى فرنسا لدراسة القانون الدولي في جامعة ليون. عاد بعدها إلى سورية ومارس مهنة المحاماة مع شقيقته بوران، ثم التحق بوزارة المالية السورية سنة 1945 وعُيّن مديراً للشئون القانونية.(1)
مفاوضات الهدنة سنة 1949
وفي سنة 1949 عُيّن الطرزي أميناً عاماً لوزارة الخارجية السورية وشارك في عضوية اللجنة السورية التي تم تشكيلها بأمر من حسني الزعيم، للتفاوض على خط وقف إطلاق النار والهدنة مع إسرائيل. كان الطرزي هو المدني الوحيد في الوفد المفاوض، الذي ضمّ شخصيات عسكرية مثل عفيف البزري وغسان جديد وفوزي سلو ومحمد ناصر.
وعلى الرغم من قلّة الود بينه وبين حسني الزعيم، فقد قبل الطرزي المشاركة في هذه المفاوضات، بهدف لجم طموحات الزعيم ومنعه من تقديم أي تنازلات لإسرائيل. وكان ذلك بعد تزايد الكلام عن نية حسني الزعيم الذهاب إلى ما هو أبعد من اتفاقية هدنة والتوقيع على معاهدة سلام شاملة مع تل أبيب.(2) وقد قبل الزعيم التعاون مع صلاح الدين الطرزي مجبراً، لإضفاء شرعية مدنية وقانونية على تلك مفاوضات.(3)
العمل الدبلوماسي 1951-1957
في عام 1951 وبعد الإطاحة بحسني الزعيم ونظامه، عُيّن صلاح الدين الطرزي قائماً بأعمال السفارة السورية في بروكسل، ثم نائباً لمندوب سورية الدائم في الأمم المتحدة من سنة 1953 ولغاية 1956. وخلال هذه الفترة، انتُخب الطرزي عضواً في اللجنة الدولية لصياغة نظام محكمة الجنايات الدولية، وفي لجنة أخرى شُكّلت خصيصاً لتعريف العدوان سنة 1953.
سفيراً في موسكو 1956-1957
في سنة 1956، عُيّن الدكتور الطرزي سفيراً في الاتحاد السوفيتي وكان ذلك في مرحلة حساسة من تاريخ سورية، شهدت تقارباً كبيراً بين دمشق وموسكو، على أثر زيارة الرئيس شكري القوتلي إلى قصر الكرملين وإبرام معاهدة اقتصادية وعسكرية بين البلدين، كانت الأولى من نوعها، سنة 1957.
سفيراً في زمن الوحدة 1958-1961
وعند قيام الوحدة السورية المصرية سنة 1958، عُيّن الدكتور صلاح الدين الطرزي سفيراً في تشيكوسلوفاكيا، الدولة الصديقة والداعمة للرئيس جمال عبد الناصر. وبعد ذلك بعام، أصبح سفيراً في جمهورية الصين الشعبية، وقد بقي في منصبه حتى انفصال سورية عن مصر، إثر انقلاب 28 أيلول 1961.

مندوب سورية الدائم في الأمم المتحدة 1961-1964
وبعد استعادة مقعدها الدائم في الأمم المتحدة، عُيّن الدكتور الطرزي مندوباً دائماً لسورية، بتكليف من الدكتور ناظم القدسي، والذي كان قد انتخب رئيساً للجمهورية في كانون الأول 1961. وقد تولّى السفير الطرزي مهمة رفع شكاوى رسمية ضد جمهورية مصر، احتجاجاً على تدخلات الرئيس عبد الناصر المتكررة في شؤون سورية الداخلية.
العودة إلى موسكو 1965-1970
وعند زوال حكم الانفصال ووصول حزب البعث إلى السلطة في 8 آذار 1963، قررت القيادة الاحتفاظ به سفيراً في الأمم المتحدة وذلك على الرغم من موقفه الداعم لعهد الانفصال. وكان هذا التمسك بالطرزي ناجماً عن مكانته الرفيعة في المجتمع الدولي. وفي سنة 1964، عينه الرئيس أمين الحافظ سفيراً في موسكو، وقد حافظ على منصبه حتى بعد وقوع انقلاب 23 شباط 1966. وكان الطرزي على رأس عمله عند بدأ حرب حزيران سنة 1967، والتي وقف فيها الاتحاد السوفيتي مع سورية ومصر ضد إسرائيل.
سفيراً في تركيا 1970-1974
وفي 16 تشرين الثاني 1970 وصل الرئيس حافظ الأسد إلى سدّة الحكم في سورية، وأمر بنقل صلاح الدين الطرزي من موسكو إلى أنقرة، سفيراً لدى حكومة الرئيس جودت صوناي، وقد شهدت فترة عمله في تركيا نشوب حرب تشرين سنة 1973.
في محكمة العدل الدولية 1976-1980
وفي سنة 1975 ومع بداية الحرب الأهلية اللبنانية كلفة الرئيس حافظ الأسد بتمثيل سورية في لجنة الحقوقيين العرب المكلفة بتعديل ميثاق جامعة الدول العربية، وقد انتُخب صلاح الدين الطرزي رئيساً لها. وفي سنة 1976 تم انتخابه عضواً في محكمة العدل الدولية في لاهاي، ممثلاً عن المجموعة الآسيوية، وكان أول مواطن سوري يعتلي هذا المنصب الرفيع الذي خلفه فيه صديقه القاضي عبد الله الخاني، زميل الدراسة في مدرسة الفرير.(4)
الوفاة
توفي الدكتور صلاح الدين الطرزي في لاهاي سنة 1980، عندما صدمه الترامواي أثناء عودته من العمل إلى منزله، ليفارق الحياة في إحدى المستشفيات عن عمر ناهز 63 عاماً.