فوزي بن عبد المجيد القاوقجي (19 كانون الثاني 1890 – 5 حزيران 1977)، ضابط سوري من أصول لبنانية، خاض الحرب العالمية الأولى مع الجيش العثماني قبل انتقاله إلى الجيش السوري في عهد الملك فيصل الأول. شارك في معركة ميسلون وكان أحد قادة الثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين سنة 1925، كما شارك في ثورة فلسطين عام 1936 وثورة رشيد عالي الكيلاني ضد الإنكليز عام 1941. عاش سنوات الحرب العالمية الثانية في ألمانيا موالياً للزعيم النازي أدولف هتلر، وبعد صدور قرار تقسيم فلسطين عينته جامعة الدول العربية قائداً عاماً لجيش الإنقاذ – وهي المحطة الأبرز في مسيرته – من كانون الأول 1947 ولغاية دخول الجيوش العربية النظامية أرض المعركة عشية إعلان دافيد بن غوريون قيام دولة إسرائيل في 14 أيار 1948.
البداية
ولد فوزي القاوقجي في حي العطّارين في طرابلس الشام وكان والده ضابطاً في الجيش العثماني. دَرَس في الكلية الحربية في إسطنبول وعند تخرجه ضابطاً خيّالاً سنة 1912 التحق بالجيش العثماني. عُيّن في الموصل في كانون الثاني 1915 ونُقل بعدها إلى مدينة بئر السبع الفلسطينية، مترجماً للضباط الألمان العاملين مع الجيش العثماني. ومنها توجه إلى مدينة بيسان حتى نهاية الحرب العالمية الأولى سنة 1918.
مع الملك فيصل الأول
وحين سقطت دمشق في يد الحلفاء يوم 1 تشرين الأول 1918 انتقل إلى حمص ومنها إلى طرابلس التي وصلها في 16 تشرين الأول. مرّ الأمير فيصل – حكام سورية الجديد – يطرابلس ورُتّب اجتماع بينه وبين القاوقجي في منزل مفتي المدينة عبد الحميد كرامي. أعجب الأمير فيصل بشجاعته الاستثنائية ودعاه إلى دمشق ليكون أحد مؤسسي الجيش السوري. عُيّن قائداً لسرية خيالة في مدينة حماة، وبعد تتويج الأمير فيصل ملكاً على سورية في 8 آذار 1920 كُلّف بحماية داره الكائنة بمنطقة العفيف القريبة بدمشق. شارك في معركة ميسلون مع وزير الحربية يوسف العظمة وتمكن من إسقاط طائرة حربية فرنسية فوق مزرعة لآل الحسيبي في منطقة الصبورة. أستُشد العظمة في ميسلون وسقط حكم الملك فيصل وفرض الانتداب الفرنسي على سورية. أمّا فوزي القاوقجي، فقرر الانضمام إلى جيش الشرق الفرنسي وعُيّن قيه برتبة نقيب نهاية العام 1920.
الثورة السورية الكبرى
عمل مع الفرنسيين لغاية اندلاع الثورة السورية الكبرى سنة 1925، تاريخ انشقاقه عن جيش الشرق وانضمامه إلى صفوف سلطان باشا الأطرش. قاد مجموعة من الجنود المنشقين من معرة النعمان إلى مدينة حماة وفي 4 تشرين الأول 1925، بدأ بمهاجمة ثكنات الفرنسيين والاستيلاء على أسلحتهم. أرسلت فرنسا تعزيزات عسكرية من دمشق لفك الحصار عن حماة واستمرت المعارك مع القاوقجي لغاية 7 تشرين الأول 1925. استشهد يومها 334 من رجاله وحُكم عليه بالإعدام فهرب إلى تركيا ومنها إلى السعودية.
في السعودية (1927-1932)
مكث في الرياض أربع سنوات قام خلالها بتدريب وتأهيل الجيش السعودي، بتكليف من الملك عبد العزيز آل سعود. وفي السعودية أيضاً تزوج فتاة من آل العتيبة وأنجب منها فتاة سماها “سورية.”
في العراق (1932-1936)
وفي سنة 1932 انتقل إلى بغداد، وكان الملك فيصل قد ولّي حاكماً على العراق بعد خروجه من سورية، فاستقبل القاوقجي بقصره وكلّفه تأهيل الجيش العراقي والتدريس في مدرسة بغداد العسكرية. بقي مقيماً في بغداد لغاية اندلاع ثورة فلبسطينية ضد الإنكليز في نيسان 1936، بقيادة الحاج أمين الحسيني مفتي القدس.
ثورة فلسطين سنة 1936
أوفدته لجنة الدفاع عن فلسطين إلى القدس لمساندة الحاج أمين، ووصلها مع 150 من رجاله في 1 آب 1936. أعلن القاوقجي عن إطلاق “ثورة عربية من سورية الجنوبية” ضد الإنكليز والصهاينة، وخاض معارك عدة في فلسطين منها معركة بلعا في 3 أيلول 1936 ومعركة جبع في قضاء جنين يوم 24 أيلول 1936. ولكن مفتي القدس تعامل معه بحذر شديد وريبة، واتهمه بمحاولة شق صف الثوار الفلسطينيين. وقد أدى هذا التنافس الشخصي بينهما إلى حالة من الجفاء استمرت حتى وفاة الحسيني سنة 1974.
ثورة رشيد عالى الكيلاني
وبعد القضاء على الثورة الفلسطينية، عاد القاوقجي إلى العراق وعاش في بغداد حتى صدور قرار نفيه إلى كركوك بسبب قربه من رئيس الحكومة ياسين باشا الهاشمي، الذي أطيح به سنة 1936 بموجب انقلاب عسكري قاده الضابط العراقي بكر صدقي. وفي سنة 1941 شارك في ثورة رشيد عالي الكيلاني ضد الإنكليز في العراق، ما أدى صدور قرار إعدام بحقه من قبل القضاء العسكري العراقي. مُنع من دخول فلسطين والأردن ومصر، فحاول العودة إلى سورية متحدياً قرار الإعدام الصادر بحقه منذ سنة 1920. وتمكن من التسلل إلى بادية تدمر، فأغارت عليه الطائرات البريطانية في 9 حزيران 1941 وأصابته إصابة بالغة نُقل في إثرها إلى دير الزور، ثم إلى حلب وبعدها ألمانيا حيث خضع لعلاج طويل في هينزا كلينيك.
المرحلة الألمانية (1941-1947)
وصل ألمانيا في منتصف الحرب العالمية الثانية وأعلن عن دعمه المطلق للزعيم النازي أدولف هتلر. أقام القاوقجي في برلين وتزوج من سيدة ألمانية وحاول جاهداً الحصول على دعم عسكري من هتلر لحركات التحرر في الوطن العربي ولكنه تصادم مجداً من المفتي أمين الحسيني، المقيم أيضاً في برلين، والذي حذّر هتلر منه وقال: القاوقجي جاسوس بريطاني.” لم تقنع هتلر هذه الادعاءات، وبقي القاوقجي في برلين ضيفاً معززاً عند الرايخ الثالث لغاية انتهاء الحرب العالمية الثانية وسقوط العاصمة الألمانية بيد الحلفاء مع انتحار هتلر في 30 نيسان 1945. اعتقله الجيش السوفيتي في 29 أيار 1946 وأطلق سراحه بعد شهرين ووضعه قيد الإقامة الجبرية. بقي في برلين حتى سنة 1947، عندما سُمح له بالمغادرة فشدّ الرحال إلى القاهرة ومن بعدها توجه إلى طرابلس، ومنها إلى بيروت وصولاً إلى دمشق.
مع جيش الإنقاذ (1947-1948)
وفي دمشق واستقبل استقبال الفاتحين من قبل رئيس الجمهورية شكري القوتلي، الذي خصص له راتباً تقاعدياً بصفته أحد المحاربين القدامى ضد الفرنسيين. ولكن القاوقجي أعلن أنه لا يرغب بالتقاعد وطلب إلى القوتلي ترشيحه لقيادة جيش الإنقاذ الذي شكلته جامعة الدول العربية في أعقاب صدور قرار تقسيم فلسطين عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1947.
وافق الملك فاروق والملك عبد العزيز آل سعود على اسم القاوقجي، وعين قائداً لجيش المتطوعين العرب في فلسطين. وقد عمل تحت امرته عدداً من المتطوعين السوريين الذين أصبحوا بعد سنوات أعلاماً في مجالاتهم المختلفة، مثل أديب الشيشكلي وأكرم الحوراني ونائب الرقة الأديب عبد السلام العجيلي وميشيل عفلق، مؤسس حزب البعث. خاض القاوقجي معارك طاحنة في فلسطين، كانت أبرزها معركة المالكية في الجليل الأعلى ومعركة مستعمرة مشمار هعيمق في آذار 1948، التي حاصرها وظل يقصفها 36 ساعة متواصلة. وعد القادة العرب بتحرير حيفا من العصابات الصهيونية ولكنه لم يفلح بسبب معارضة القادة الفلسطينيين له الذين رفضوا العمل تحت أمرته، وفي مقدمتهم عبد القادر الحسيني وحسن سلامة والمفتي أمين الحسيني. استمر القاوقجي في عمله ولكن دوره العسكري تراجع بعد دخول الدول العربية الحرب النظامية الحرب وذلك بعد إعلان دافيد بن غوريون ولادة دولة إسرائيل في 14 أيار 1948. تولت القيادات العسكرية الحكومية زمام الأمور وفي 26 تشرين الأول 1948 استقال القاوقجي من منصبه وكلف أنور بنود بقيادة جيش الإنقاذ من بعده.
التقاعد والوفاة
وبعد هزيمة العرب في حرب فلسطين أعلن القاوقجي اعتزاله العمل العسكري وانتقل للعيش في دمشق أولاً ثم في بيروت، حيث عرض عليه اللواء فؤاد شهاب سنة 1952 منصب خبير في الجيس اللبناني ولكنه رفض. غاب عن مسرح الأحداث بشكل كامل، وعند اشتداد المعارك جنوب بيروت في مطلع الحرب الأهلية اللبنانية، انتقل للعيش في منطقة فيردان، وفيها توفي عن عمر ناهز 87 عاماً في يوم 5 حزيران 1977. دفن في مسقط رأسه في طرابلس وأجريت له جنازة رسمية حضرها مبعوث خاص عن الرئيس السوري حافظ الأسد والرئيس اللبناني سليمان فرنجية، مع وفد رفيع من منظمة التحرير الفلسطينية، ممثلاً عن ياسر عرفات.
التكريم
أطلق اسم فوزي القاوقجي على شارع رئيسي في كل من دمشق وحلب في سورية، وطرابلس والكورة في لبنان والعاصمة الأردنية عمّان، وسميت مدرسة باسمه في حماة، وأخرى في حلب تم افتتاحها سنة 1974.
مذكرات القاوقجي
جمعت الباحثة الفلسطينية الدكتورة خيرية قاسمية مذكرات فوزي القاوقجي في كتاب صدر قبل وفاته، وصدرت عدة كتب وأبحاث عن حياته، ومنها كتاب القائد للباحثة الدكتورة ليلى بارسونز سنة 2016.
المناصب
قائداً لجيش الإنقاذ (كانون الأول 1947 – تشرين الأول 1948)
- سبقه في المنصب: لا يوجد
- خلفه في المنصب: اللواء أنور بنّود