محمد علي بن أحمد عزت العابد (1867- 17 تشرين الثاني 1939)، سياسي سوري من دمشق، انتُخب أول رئيس للجمهورية في زمن الانتداب الفرنسي، من 11 حزيران 1932 ولغاية 21 كانون الأول 1936. وكان في بداية مسيرته السياسية سفيراً للدولة العثمانية في واشنطن ثم وزيراً للمالية في دولة الاتحاد السوري، وهو نجل أحمد عزت باشا العابد، كبير أمناء السلطان عبد الحميد الثاني. وقد شهد عهده عدة أحداث مفصلية في تاريخ سورية الحديث منها تعطيل البرلمان السوري سنة 1933 وإطلاق الإضراب الستيني، إضافة لمفاوضات باريس التي أسفرت عن توقيع معاهدة عام 1936. استقال محمد علي العابد من منصبه في نهاية العام 1936، داعياً إلى انتخابات نيابية ورئاسية مبكرة، وعاش سنواته الأخيرة في فرنسا حتى وفاته عام 1939.
البداية والأسرة
ولِد محمد علي العابد في منطقة سوق ساروجا خارج سور مدينة دمشق القديمة، وهو سليل أسرة سياسية وتجارية معروفة تعود أصولها إلى حيّ الميدان. كان جدّه هولو باشا العابد من أعيان دمشق في منتصف القرن التاسع عشر، وكانت والدته، بهيّة المارديني، من أحفاد جلال الدين الرومي. أما والده أحمد عزت باشا فهو أمين سر السلطان عبد الحميد الثاني وأحد أكثر السياسيين العرب شهرةً ونفوذاً في الدولة العثمانية.
حققت أسرة العابد نجاحاً كبيراً في المجال الاقتصادي وكان هولو العابد يملك أسهماً في شركة قناة السويس وفي قناة بنما الواصلة بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، إضافة لامتلاكه استثمارات عقارية في دمشق وإسطنبول وباريس ولندن ونيويورك. دَرَس محمد علي العابد على يد مدرّس إيطالي خاص في قصر والده بسوق ساروجا، قبل أن يُرسل إلى بيروت لدراسة أصول الدين عند العلّامة المصري محمد عبده. سافر بعدها إلى فرنسا ونال شهادتين من جامعة السوربون، الأولى في الهندسة المدنية والثانية في القانون.
سفيراً في واشنطن
بعد تخرجه سنة 1905 عُيّن العابد مستشاراً في نظارة العدلية العثمانية ثم لدى الصدر الأعظم إبراهيم حقي باشا. وفي حزيران 1908 عينه السلطان عبد الحميد سفيراً في واشنطن، ولكنّه لم يبق في هذا المنصب إلّا أسابيع معدودة فقط بسبب الانقلاب العسكري الذي نُفّذ في إسطنبول وأدى إلى عزل كل من أحمد عزت ومحمد علي العابد عن مناصبهم في تموز 1908، وخلع عبد الحميد الثاني عن العرش في نيسان 1909. وقد اجتمع الأب والابن في باريس للإقامة مع بقية أفراد الأسرة في المنفى حتى سقوط الحكم العثماني في سورية سنة 1918.
العهد الفيصلي 1918-1920
على الرغم من قلّة الود بين آل العابد وجمعية الاتحاد والترقي الحاكمة في إسطنبول منذ عام 1908، إلا أنهم رفضوا تمويل الثورة العربية الكبرى التي انطلقت من الحجاز ضد الدولة العثمانية أو تأييدها في حزيران 1916. وقد ظلّ أحمد عزت العابد متمسكاً بولائه التام للسلطنة، وقد عدّ ثورة الشريف حسين خيانة بحق الإسلام والخلافة الإسلامية. ورفض العودة إلى دمشق بعد إنشاء الحكم العربي في تشرين الأول 1918، ولم يبايع الأمير فيصل ملكاً على سورية في 8 آذار 1920، وقد اكتفى العابد بوضع نزل العابد في ساحة المرجة، أو بناء العابد، تحت تصرف البرلمان السوري (المؤتمر السوري العام) عند انتخابه سنة 1919، ليكون مقراً مؤقتاً للسلطة التشريعية في سورية.
العابد والانتداب الفرنسي
وفي تموز 1920 سقط الحكم الفيصلي بدمشق وفُرض الانتداب الفرنسي على سورية. دُعي محمد علي العابد من قبل شقيق زوجة عبد الرحمن باشا اليوسف رئيس مجلس الشورى في حينها، للعودة إلى وطنه والاستثمار فيه، وقد لبى الدعوة وقرر الاستقرار مجدداً في دمشق. أمّا والده فقد فضّل الإقامة في مصر، ضيفاً مُكرّماً عند الملك فؤاد الأول. وفي سنة 1922 سمّي العابد مديراً للمالية (بمرتبة وزير) في دولة الاتحاد السوري التي كان يرأسها صبحي بركات. وقد تزوج صبحي بركات في مدّة رئاسته من ليلى بنت محمد علي العابد، ولكن زواجهما لم يدم طويلاً وانتهى بطلاق عاصف، ما فجّر خلافاً شديداً بين العابد وصبحي بركات استمر حتى بعد عودتهما إلى الحكم سنة 1932، الأول رئيساً للجمهورية والثاني رئيساً لمجلس النواب.
انتخابات رئاسة الجمهورية
توفي أحمد عزت العابد في مصر سنة 1924، وغاب ابنه عن المشهد السياسي من بعده طيلة سبع سنوات، تفرغ فيها لتأسيس وترأس جمعية الإسعاف الخيري خلال السنوات 1926-1927. عاد إلى السياسة سنة 1932 وشارك في الانتخابات النيابية وبعد فوزه بمعقد عن دمشق ترشح العابد إلى منصب رئيس الجمهورية، ضد كل من خصمه اللدود صبحي بركات (صاحب أكبر كتلة نيابية) وهاشم الأتاسي، رئيس الكتلة الوطنية.
قرر الأتاسي الانسحاب من هذه المعركة بعد خسارة الكتلة الوطنية لجميع مقاعدها في مدينة حلب، وطلب إلى نوابه المتبقّين (وكان عددهم سبعة عشر نائباً) التصويت لصالح محمد علي العابد، وذلك لقطع الطريق على صبحي بركات لكيلا يفوز برئاسة الجمهورية. فاز العابد في هذه الانتخابات بستة وثلاثين صوتاً من أصل ستة وثمانين صوتاً داخل مجلس النواب، وفي 11 حزيران 1932، أقسم اليمين ليصبح أول رئيس للجمهورية السورية.
وقد وصف المؤرخ السوري سامي مروان مبيّض مراسيم تنصيب العابد رئيساً بالقول:
نهض الرئيس المُنتخب ببطء تحت قبة المجلس النيابي السوري إلى المنصة المرتفعة أمام النواب، بطربوشه الأحمر ووقاره المعروف لدى الدمشقيين، مرتدياً بزة أنيقة غامقة اللون، متكئاً على عصا، لتجاوزه الستين من العمر. وضع يده اليمنى على المصحف الشريف مقسماً باسم الله والوطن، أن يحافظ على الدستور وأن يحترم القانون وأن يعمل على خدمة المصالح الوطنية. كان العابد عجوزاً يومها، لكنه وقف وقفة كبرياء وشموخ في ذلك اليوم التاريخي من حياة بلاده، مدركاً حجم المسؤولية الثقيلة الملقاة على عاتقه. انفجرت القاعة بتصفيق حاد من النواب، بينما أطلقت المدفعية إحدى وعشرين طلقة في سماء دمشق احتفالاً بالحدث الكبير .
خطب العابد أمام النواب واعداً أن يكون “صديقاً للجميع… وأباً لكلّ السوريين،” وأعلن أنه لم يتقاضَ راتباً شهرياً من الدولة وسوف يُنفِق على ميزانية القصر الجمهوري من ماله الخاص.
علم سورية الجديد
أولى قرارات الرئيس محمد علي العابد كان الموافقة على تصميم علم جديد للجمهورية، مؤلف من ثلاثة ألوان يتوسطها ثلاث شموس حمراء ترمز إلى ثلاث ثورات وطنية (ثورة الشمال – ثورة الساحل – الثورة السورية الكبرى). الألوان الثلاثة كانت مشتقة من عَلَم الثورة العربية الكبرى، وهي الأبيض (نسبة للدولة الأموية) والأسود (نسبة للدولة العباسية) والأخضر رمزاً للخلفاء الراشدين. وقد ظلّ هذا العَلَم معتمداً في سورية من سنة 1932 وحتى قيام جمهورية الوحدة مع مصر عام 1958، وأُعيد العمل به في زمن الانفصال ابتداء من 28 أيلول 1961، ليُلغى بعد وصول حزب البعث إلى الحكم سنة 1963.
انهيار التعاون مع هاشم الأتاسي
انتخب صبحي بركات رئيساً للمجلس النيابي في عهد محمد علي العابد وفرضت فرنسا على رئيس الجمهورية تعيين حقي العظم، المحسوب على دولة الانتداب، في رئاسة الحكومة. شاركت الكتلة الوطنية في حكومة الرئيس العظم الأولى، ممثلة بالوزراء جميل مردم بك ومظهر رسلان، ولكن تحالف العابد مع هاشم الأتاسي انهار سريعاً بسبب عدم قدرة الرئيس على تحقيق أي من مطالب الحركة الوطنية، ومنها انضمام سورية إلى عصبة الأمم والتوصل إلى جدول زمني لإنهاء الانتداب الفرنسي. وقد أجبر كل من مردم بك ورسلان على الاستقالة من حكومة العظم والانضمام إلى صفوف المعارضة النيابية التي بدأت منذ سنة 1933 المطالبة باستقالة العابد والذهاب إلى انتخابات رئاسية مبكرة.
معاهدة الصداقة مع فرنسا
وفي تشرين الثاني 1933، قدمت فرنسا مشروع معاهدة صداقة مع سورية، لم تأتِ على ذكر الاستقلال. كانت مسودة المعاهدة مكتوبة باللغة الفرنسية دون ترجمة عربية ولم تكن فرنسا قد استشارت الرئيس السوري بمضمونها، وقد أعطت لنفسها حق إدارة شؤون سورية الخارجية وتنظيم أمور جيشها في المستقبل، وتدريب قوى الأمن والشرطة وصياغة مناهجها التربوية.
اعترض العابد على بنود المعاهدة، ولم يرغب أن تحمل توقيعه ولا أن تمر في عهده. وقد أوكل إلى رئيس الحكومة حقي العظم التفاوض على بنودها المطروحة، والقبول بها شرط انضمام سورية إلى عصبة الأمم أولاً، وأن تكون لها مدة زمنية لا تتجاوز خمس سنوات، تنتهي مع انتهاء الانتداب. ولكن الكتلة الوطنية رفضت هذه المعاهدة بمجملها وكذلك فعل صبحي بركات بصفته رئيساً للمجلس النيابي. وعند طرح المعاهدة على المجلس في 21 تشرين الثاني 1933، أُسقطت بغالبيّة الأصوات، ما أغضب الفرنسيين كثيراً وجعلهم يصدرون قراراً بحل البرلمان السوري إلى أجل غير مسمى.
الصِدام الأخير مع الكتلة الوطنية
قررت فرنسا الاستغناء عن حقي العظم بسبب فشله في تمرير معاهدة الصداقة، وفي آذار 1934 عيّنت الشيخ تاج الدين الحسني بدلاً عنه في رئاسة الحكومة. شنّت الكتلة الوطنية حملة كبيرة ضد الشيخ تاج وطالبته بالاستقالة، وعدّت أنّ العهد بكامله قد فقد شرعيته ولم يعد دستورياً بعد حلّ مجلس النواب. وعندما زار حلب برفقة رئيس الجمهورية، أجبرته الكتلة على الخروج من الجامع الكبير تحت هتاف “يسقط…يسقط…يسقط.”
ثم جاء الإضراب الستيني الذي نظمته الكتلة الوطنية اعتراضاً على اعتقال نائب دمشق فخري البارودي في كانون الثاني 1936. توسع الإضراب من دمشق وحلب ليشمل المدن السورية كافة، وكانت نتيجته إقالة حكومة الشيخ تاج والإتيان بحكومة الرئيس عطا الأيوبي، الأكثر قبولاً من قبل الكتلة الوطنية.
توجه الرئيس الأيوبي إلى بيروت لمفاوضة الفرنسيين على إنهاء الإضراب، مقابل إطلاق سراح البارودي مع جميع المعتقلين السياسيين، وسفر وفد من الكتلة الوطنية إلى فرنسا للتفاوض على مستقبل سورية. وقد شارك اثنان من وزراء الأيوبي في هذا الوفد، وهما الأمير مصطفى الشهابي وأدمون حمصي، ممثلين عن رئيس الجمهورية، توجهوا إلى باريس بقيادة هاشم الأتاسي في 26 آذار 1936.
استقالة العابد
أدّت مفاوضات باريس إلى توقيع معاهدة بين الأتاسي ورئيس وزراء فرنسا ليون بلوم في 9 أيلول 1936، أعطت سورية استقلالاً تدريجياً، مقابل تعيين مستشارين فرنسيين في كل مفاصل الدولة السورية وإعطاء فرنسا حق الانتفاع من الأراضي السورية والمطارات العسكرية والمدنية في حال نشوب حرب عالمية جديدة في أوروبا. وعند عودة وفد الكتلة الوطنية إلى دمشق في نهاية شهر أيلول، تقدم الرئيس العابد باستقالته، مُدركاً أن مشاعر الناس باتت كلياً مع زعماء الكتلة الوطنية. دعا إلى انتخابات برلمانية مبكرة، فازت فيها الكتلة الوطنية بغالبية مقاعد المجلس النيابي، وفي 21 كانون الأول 1936، انتُخب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية، خلفاً لمحمد علي العابد.
التقاعد والوفاة
أعلن الرئيس العابد اعتزاله العمل السياسي من يومها وتوجه إلى مدينة نيس الفرنسية للتقاعد. عاش سنواته الأخيرة في منفى اختياري، وكان الناس يرونه في فنادق نيس الفخمة مع صديقه عبد المجيد الثاني، آخر خلفاء الدولة العثمانية. وكان العابد قد حافظ حتى يومه الأخير على علاقته المتينة مع عائلة السلطان عبد الحميد الثاني وكان يُنفق 50 ليرة ذهبية في الشهر على محمد سليم أفندي، أكبر أبناء السلطان.
وفي نيس توفي محمد علي العابد عن عمر ناهز 72 عاماً في 17 تشرين الثاني 1939. وقد نُقل جثمانه إلى دمشق على متن طائرة خاصة وأجريت له جنازة رسميّة، بحضور رئيس حكومة المديرين بهيج الخطيب، الذي أطلق اسمه على شارع المجلس النيابي، وصار يعرف من يومها بشارع العابد. جُلّل نعش العابد بالعلم السوري الذي كان قد أقره عندما كان رئيساً قبل سبع سنوات، ووضع على مدخل مبنى البرلمان السوري ليتمكن رجال الدولة والمواطنونمن وداعه قبل نقله إلى مثواه الأخير في مدافن الأسرة في الميدان.
عائلة العابد
تزوج محمد علي العابد من زهراء اليوسف، شقيقة عبد الرحمن باشا اليوسف، وله منها ولدان، هما نصوح ومحمود مختار العابد.
المناصب
رئيساً لجمعية الإسعاف الخيري (1926-1927)
- سبقه في المنصب: لا يوجد
- خلفه في المنصب: الحاج مصطفى القباني
رئيساً للجمهورية السورية (11 حزيران 1932 – 21 كانون الأول 1936)
- سبقه في المنصب: لا يوجد
- خلفه في المنصب: هاشم الأتاسي