سياسيون ورجال دولة

خالد بكداش

سياسي سوري وزعيم شيوعي

خالد بكداش (1912- 24 تموز 1995) زعيم سياسي سوري ومؤسس الحزب الشيوعي السوري. كان أول شيوعي يدخل برلمان عربي في خمسينيات القرن العشرين، وكان الوحيد بين زملائه الذي خالف الإجماع وغاب عن جلسة التصويت على قيام الوحدة السورية المصرية سنة 1958.

توجّه إلى موسكو ولم يعد منها إلا بعد سنوات على انقلاب الانفصال وتحديداً عام 1966. ترأس الحزب الشيوعي حتى وفاته، ودخل في الجبهة الوطنية التقدمية التي أسسها الرئيس حافظ الأسد في مطلع السبعينيات. مثّل الحزب في مؤتمرات عالمية عديدة، وترأس وفود الحزب الشيوعي إلى المؤتمرات التاسع عشر والعشرين والحادي والعشرين والسادس والعشرين والسابع والعشرين للحزب الشيوعي السوفييتي.

البداية

ولد خالد بكداش في دمشق في حي ركن الدين، وهو سليل عائلة كردية معروفة. خدم والده في الجيش العثماني أولاً، ثم في الجيش العربي في فترة حكم الملك فيصل الأول سنة 1920. درس بكداش في مدرسة التجهيز الأولى وكان من قياديي الحركة الطلابية بدمشق، التحق بالجامعة السورية لدراسة الحقوق ولكنه لم يتمكن من متابعة دراسته بسبب نشاطه السياسي المبكر. اشتغل في الصحافة المحلية مراسلاً ومترجماً ومحرراً، وعمل مدرساً خصوصياً للغة العربية والفرنسية والرياضيات، ومراقباً في معمل التبغ.

مسيرته السياسية

انخرط بكداش عام 1929 في صفوف الكتلة الوطنية، وبعدها بعام انتسب إلى الحزب الشيوعي اللبناني وهو في الثامنة عشرة من عمره. وفي عام 1931 اعتقل مع عدد من رفاقه بينما كانوا يطبعون منشورات والحزب وسجن أربعة أشهر. بعد خروجه من المعتقل أسهم في تنظيم إضرابات عمالية في كل من دمشق وحمص وحماة وبيروت، وعمل محرراً في صحيفة الفجر الأحمر الناطقة بلسان الحزب الشيوعي.

وفي عام 1933 أنتخب عضواً في اللجنة المركزية للحزب وقام بترجمة البيان الشيوعي ونشره، وكانت تلك أول ترجمة لكتابة كارس ماركس إلى اللغة العربية. غادر بعدها إلى الاتحاد السوفييتي لدراسة الماركسية عن قرب، والتحق بمعهد لينين في موسكو ثم بجامعة طشقند. وقد تعلّم اللغة الروسية حتى صار يتكلمها بطلاقة، كما قرأ الكثير من الأدب الروسي.

ترأس الوفد السوري واختير رئيساً للوفود العربية التي اشتركت في المؤتمر السابع للأممية الشيوعية (الكومنترن) الذي عقد في موسكو عام 1935، ونال خلاله لقب “النسر العربي” الذي أطلقه عليه الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين، إلا أن اكتساب الصفات الستالينية جعل بكداش واحداً من أسباب تشرذم حزبه لاحقاً. وفي سنة 1936 اختاره هاشم الأتاسي، رئيس الكتلة الوطنية، ليكون سكرتيراً للوفد السوري المفاوض في باريس الذي أبرم المعاهدة السورية الفرنسية. بعدها بعام انتُخب أميناً عاماً للحزب الشيوعي وأصدر جريدة الحزب الرسمية “صوت الشعب.” أثناء الحرب العالمية الثانية عمل لدعم الاتحاد السوفييتي وحلفائه، وأعاد المؤتمر الثاني للحزب في سورية انتخابه أميناً عاماً عام 1944.

بعد أن وضعت الحرب أوزراها بدأ خالد بكداش بإجراء اتصالات أوثق بين حزبه والأحزاب الشيوعية الأخرى، وعلى الأخص الأحزاب الأوروبية، كما بدأ يشترك في مؤتمرات دولية. وفي سنة 1946 توجه إلى لندن لإجراء محادثات مع الشيوعيين البريطانيين، وحضر وهو في طريقه إلى لندن اجتماعات شيوعية سرية عقدت في شمالي إيطاليا حيث اطلع على النشاط الحزب الشيوعي الإيطالي. وفي سنة 1947 حضر المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي البريطاني كمندوب رسمي، وكان من نتائج هذا النشاط في الخارج أن تعززت مكانة بكداش في بلاده وغدا زعيماً معروفاً في المجالس الشيوعية الدولية، وبالتالي فقد عينه الكومنفورم في سنة 1948 مديراً للحزب في الأقطار العربية.

حرب فلسطين

بين عامي 1947 و1949، حين ثارت ثائرة العرب ضد تقسيم فلسطين واندلعت الحرب العربية الإسرائيلية الأولى توجهت الأصابع إلى الشيوعيين تتهمهم بتأييد السياسة السوفييتية التي تنادي بالتقسيم. تأييد السوفييت لتقسيم فلسطين ثم اعترافهم بإسرائيل أثر تأثيراً معاكساً في الدعاية للشيوعية في العالم العربي وأضر بمصالح الحزب في سورية وبسمعة أمينة العام.

خيب الموقف السوفييتي المؤيد لإسرائيل آمال الشيوعيين العرب، لكن عندما اختارت إسرائيل الاعتماد على المساعدة الأمريكية لا المساعدة السوفييتية حفزت بذلك الاتحاد السوفييتي على تأييد العرب مجدداً. تنفس خالد بكداش الصعداء لدى رؤيته أهداف حزبه تعود لترتبط بالأهداف الوطنية، ودخل حزب البعث والشبان الوطنيين في تحالف مع الشيوعيين وأقاموا فيما بينهم اتحاداً وطنياً عمل على إسقاط نظام أديب الشيشكلي وإعادة الحكم للرئيس هاشم الأتاسي. واستغل بكداش هذا التحالف الجديد وراح يعد نفسه لانتخابات سنة 1954.

خالد بكداش وخالد العظم سنة 1954، ومعهم زعماء حزب الشعب ناظم القدسي ورشدي الكيخيا.
خالد بكداش وخالد العظم سنة 1954، ومعهم زعماء حزب الشعب ناظم القدسي ورشدي الكيخيا.

بكداش نائبا

تحالف خالد بكداش مع رئيس الحكومة الأسبق خالد العظم وفي عام 1954 انتخب عضواً في البرلمان السوري، ليكون أول شيوعي يحتل مقعداً نيابياً في أي بلد عربي. وقد بلغ نفوذ الشيوعيين ذروته في القترة التي كان بكداش فيها نائباً وتغلغلوا في كل الدوائر الحكومية واحتلوا مناصب عسكرية رفيعة. وبصفة بكداش زعيماً للحزب الشيوعي فقد زاد من نشاطه في الأوساط الرسمية وغير الرسمية، حيث رافق رئيس الجمهورية شكري القوتلي في زيارته الأولى إلى موسكو سنة 1956 للمطالبة بدعم سوفيتي لمصر لمواجهة العدوان الثلاثي على مصر.

مع ذلك، عارض خالد بكداش الوحدة السورية المصرية عند قيامها سنة 1958، وتغيب عن جلسة التصويت في البرلمان السوري. غادر دمشق إلى موسكو، ولم يعد إليها إلا عام 1966 في ظل تمتين العلاقات السورية مع الاتحاد السوفييتي في عهد اللواء صلاح جديد ورئيس الدولة نور الدين الأتاسي، الذي عين شيوعياً في الحكومة السورية للمرة الأولى في تاريخ البلاد.

خالد بكداش مع الزعيم الصيني ماو تسي تونغ.
خالد بكداش مع الزعيم الصيني ماو تسي تونغ.

بكداش والجبهة الوطنية التقدمية

شهد العام 1964 تفرّق الحزب الشيوعي السوري اللبناني، إلى حزبين استقل كل منهما في بلده وتزعّم بكداش الجناح السوري فيه. وفي عام 1969 أعاد المؤتمر الثالث انتخابه أميناً عاماً، ثم انضم إلى أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية المتحالفة مع حزب البعث الحاكم وأصبح عضواً في قيادتها عام 1972، ما أمّن له كذلك الفوز مجدداً بالمقعد النيابي عام 1973. أعيد انتخاب خالد بكداش مع ستة من أعضاء حزبه في انتخابات 1973، ومثل حزبه بجناحيه وزيران في الحكومة السورية عام 1977 والتي ترأسها اللواء عبد الرحمن خليفاوي.

الانشقاقات الداخلية

تعرضت قيادته أوائل السبعينات لنقد شديد داخل الحزب بسبب فرديته وتسلطه ومعارضته للقومية العربية، وفي نيسان 1972 حصل انشقاق في صفوف الحزب بسبب الخلاف مع بكداش قاده الثلاثي ظهير عبد الصمد – دانيال نعمة – رياض الترك. ورغم تراجع نعمة وعبد الصمد لاحقاً إلا أن الترك واصل انشقاقه وشكّل الحزب الشيوعي السوري – المكتب السياسي.

جُدد انتخابه أميناً عاما للحزب عام 1974 ثم عام 1980، شهد العام 1979 انشقاقاً آخر قاده مراد يوسف تحت اسم منظمات القاعدة، ثم انشقّ يوسف فيصل عام 1986 وشكّل الحزب الشيوعي السوري الموحد، ورغم ذلك بقي بكداش في موقعه برئاسة الحزب.

خالد بكداش في أيامه الأخيرة.
خالد بكداش في أيامه الأخيرة.

مؤلفاته

نشر خالد بكداش العديد من المقالات المتنوعة وأسهم في نقل الفكر الاشتراكي الماركسي إلى اللغة العربية، وله كتاب:

حياته الشخصية

تزوج خالد بكداش من فتاة كردية تدعى وصال فرحة سنة 1951، أصبحت داعية نشيطة للشيوعية بين النساء، فكانت مصدر قوة لحزبه وانتخبت لخلافته، قبل أن يخلفها ابنهما الدكتور عمار خالد بكداش في رئاسة الحزب.

وفاته

توفي خالد بكداش في دمشق عن عمر ناهز 83 عاماً يوم 24 تموز 1995.

المصدر
مركز الشرقسناك سوريالموسوعة العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !