سياسيون ورجال دولة

صلاح الدين البيطار

أحد مؤسسي حزب البعث ورئيس وزراء سورية (1963-1966)

صلاح الدين البيطار
صلاح الدين البيطار

صلاح الدين بن خير البيطار (1912-1980)، سياسي سوري من دمشق وأحد مؤسسي حزب البعث مع ميشيل عفلق. ترأس مؤتمر تأسيس الحزب بين 5-7 نيسان 1947، وانتُخب أميناً عاماً وعضواً في قيادته القطرية، بينما تولّى عفلق المهام الفلسفية والعقائدية. عارض حكم أديب الشيشكلي في مطلع الخمسينيات ولجأ إلى لبنان حيث دمج حزبه بالحزب العربي الاشتراكي وبات يُعرف من يومها بحزب البعث العربي الاشتراكي. تولّى وزارة الخارجية في عهد الرئيس شكري القوتلي منتصف الخمسينيات وكان المفاوض الرئيسي على قيام الوحدة السورية – المصرية في كانون الثاني 1958.

عُيّن أول وزيراً للثقافة في زمن الجمهورية العربية المتحدة، لكنه استقال من منصبه في نهاية العام 1959 وأيد انقلاب الانفصال يوم 28 أيلول 1961. وعند وصول ضباط البعث إلى الحكم في 8 آذار 1963 نادوا بالبيطار رئيساً للحكومة. شكّل خمس حكومات، سقطت آخرها في 23 شباط 1966 عند انقلاب صلاح جديد على عفلق والبيطار ورئيس الدولة أمين الحافظ. انتقل للعيش في بيروت أولاً ثم في باريس، وفيها اغتيل عام 1980. كان صلاح الدين البيطار أحد أقطاب السياسة في سورية، وهو من أبرز المعارضين لحكم حافظ الأسد.

البداية

ولد صلاح البيطار في حيّ الميدان الدمشقي، وهو سليل عائلة كبيرة من العلماء والخطباء. درس في مدارس دمشق الحكومية، وفي عام 1929 غادر إلى باريس لدراسة الفيزياء في جامعة السوربون، وفيها تعرّف إلى زميله الطالب ميشيل عفلق، وهو أيضاً من سكان الميدان. تأثرا بالشيوعية والماركسية، وعادا إلى دمشق مفعمين بأفكار ثورية عن ضرورة طرد الفرنسيين والقيام بثورة اجتماعية تُعيد توزيع الثروات في سورية وتقضي على الفوارق الطبقية.

صلاح البيطار مدرساً في ثانوية التحهيز الأولى.
صلاح البيطار مدرساً في ثانوية التحهيز الأولى.

بين التدريس والعمل السياسي

التحقا بالهيئة التدريسية في مدرسة التجهيز الأولى عام 1935، وباتا في أوقات فراغهما يعقدان جلسات فكرية في مقهى الرشيد أو مقهى الهافانا، حيث شُكلت نواة البعث. استوحيا اسم حركتهم من زميلهما المفكر زكي الأرسوزي – الذي اتهمهما لاحقاً بسرقة الحزب ومبادئه الأساسية – وأصدرا مجلّة أسبوعية لبث أفكارهما بين الطلاب باسم “الطليعة.” جاء منشورهما السياسي الأول باسم “الإحياء العربي” في كانون الثاني 1941، وفيه هجوم عنيف على سلطة الانتداب الفرنسي الحاكمة منذ سنة 1920. استقالا بعدها من التدريس، وفي تموز 1945، تقدما بطلب ترخيص حزب سياسي، ولكنّه رُفض من قبل السلطات الفرنسية.

تأسيس حزب البعث (1947)

بعد جلاء الفرنسيين عن سورية، عقدا الاجتماع التأسيسي لحزب البعث بدمشق بين 5-7 نيسان 1947، انتُخب فيه ميشيل عفلق عميداً وصلاح البيطار أميناً عاماً للحزب. حضر الاجتماع عدد كبير من المدرسين والمفكرين، ومنهم الدكتور جمال الأتاسي والدكتور حافظ الجمالي والشاعر سليمان العيسى والطبيب وهيب الغانم وجلال السيّد ومنصور الأطرش وغيرهم، وفيه أقرّ ثالوث الحزب: “الوحدة والحرية والسعي نحو الاشتراكية.” أطلق جمال الأتاسي شعار الحزب “أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة،” وفي العام نفسه أطلقا صحيفة البعث الرسمية، وتولّى عفلق رئاسة تحريرها.

حرب فلسطين وانقلاب حسني الزعيم (1948-1949)

اصطدم عفلق والبيطار برئيس الجمهورية شكري القوتلي في أعقاب حرب فلسطين سنة 1948، وسيرا مظاهرات حاشدة في شوارع دمشق تدعو إلى استقالة حكومته، مستغلين شعبيتهما الكبيرة لدى طلاب المدارس وتحديداً طلاب ثانوية التجهيز الأولى. ردّت السلطات السورية باعتقال عفلق وتعطيل صحيفة البعث، وعند قيام حسني الزعيم بانقلابه على القوتلي في 29 آذار 1949 سارعا لتأييده لكنهما اختلفا معه، وبناء على ذلك صدر أمر باعتقال عفلق وحُظِر نشاط البيطار.

معارضة حكم الشيشكلي (1951-1954)

في السنوات 1949-1951، تحالف عفلق والبيطار مع العقيد أديب الشيشكلي، مهندس الانقلاب الثالث، لكنهما تخلّيا عنه بعد فرض الأحكام العرفية وإصدار مرسوم بحظر نشاط الأحزاب في سورية عام 1952. صدر الشيشكلي أمرأ باعتقالهما فهربا إلى لبنان ومن ثم إلى إيطاليا. وفي بيروت، تحالفا مع أكرم الحوراني وقررا دمج البعث في حزبه، الحزب العربي الاشتراكي، ليولد من يومها ما بات يُعرف بحزب البعث العربي الاشتراكي.

صلاح البيطار وميشيل علق وأكرم الحوراني في زمن الشيشكلي.
صلاح البيطار وميشيل علق وأكرم الحوراني في زمن الشيشكلي.

بعد توليه رئاسة الجمهورية، أصدر الشيشكلي عفواً عن عفلق والبيطار وسمح لهما بالعودة إلى سورية يوم 27 تشرين الأول 1953. لكنه عاد واعتقلهما ليلة 27-28 كانون الثاني 1954، بسبب دعمهما للثورة المسلحة التي انطلقت ضده من حمص والسويداء وشارك بها زميلهما البعثي منصور الأطرش. بقي البيطار وعفلق في سجن المزة لغاية سقوط الشيشكلي ومغادرته الأراضي السورية في 25 شباط 1954.

البيطار وزيراً للخارجية.
البيطار وزيراً للخارجية.

وزيراً للخارجية (1956-1958)

خاض البيطار الانتخابات النيابية التي جرت في أعقاب استقالة الشيشكلي ودخل المجلس النيابي ممثلاً عن مدينة دمشق عام 1954. فاز حزب البعث بسبعة عشر مقعداً من مقاعد مجلس النواب – وكان عددها الإجمالي 142 مقعداً – وشكل البيطار كتلة نيابية مع حلفائه وصل عددها إلى 22 نائباً. فاق هذا النجاح الكبير توقعات البيطار، وكان سببه الرئيسي الشعبية المطلقة التي كان يتمتع بها زميله أكرم الحوراني في الأرياف، بينما اقتصرت شعبية عفلق والبيطار على أبناء الطبقة الوسطى بدمشق. وكانت نتيجة انتخابات عام 1954 دعوة صلاح البيطار للمشاركة في حكومة صبري العسلي الثالثة في حزيران 1956، حيث سمّي وزيراً للخارجية. وفي عام 1957 وصل أكرم الحوراني إلى سدّة المجلس النيابي، مع تجديد ولاية البيطار في حكومة العسلي الرابعة والأخيرة.

صلاح البيطار مع ميشيل عفلق والرئيس عبد الناصر سنة 1958.
صلاح البيطار مع ميشيل عفلق والرئيس عبد الناصر سنة 1958.

الوحدة السورية – المصرية (1958-1961)

في كانون الثاني 1958، توجه البيطار إلى القاهرة بطلب من رئيس الجمهورية شكري القوتلي لمقابلة الرئيس جمال عبد الناصر ودعوته لإقامة وحدة كاملة بين مصر وسورية. وكان وفد من العسكريين قد سبقه إلى القاهرة للمطالبة بالوحدة – دون موافقة رئيس الجمهورية – يتقدمه رئيس أركان الجيش اللواء عفيف البزري. وصل البيطار إلى مصر واجتمع مطولاً مع عبد الناصر الذي سأله عن شروط سورية للمضي في مشروع وحدة، فكان جوابه: “ليس لدينا شروط يا فخامة الرئيس.”

وافق البيطار على طلب عبد الناصر حل جميع الأحزاب السورية، ومنها البعث، وبأن تكون عاصمة الجمهورية القاهرة وليس دمشق. وعند عودته إلى دمشق، عقد البيطار اجتماعاً مع قادة البعث في مقرهم في منطقة عرنوس، تقرر فيه حلّ الحزب نزولاً عند رغبة عبد الناصر. وعند قيام الوحدة في شباط 1958، سمّي البيطار وزيراً مركزياً للدولة في القاهرة، وفي 7 تشرين الثاني 1958 أصبح أول وزير للثقافة والإرشاد القومي. نشط في المجال الثقافي، وفي عهده أسس المسرح القومي علي يد نهاد قلعي ومجموعة من الفنانين. لكنّه استقال من الوزارة في 24 كانون الأول 1959 إثر خلافات شديدة مع المشير عبد الحكيم عامر، ممثل عبد الناصر في الإقليم الشمالي.

استقالة صلاح البيطار سنة 1959.
استقالة صلاح البيطار سنة 1959.

انقلاب الانفصال

بارك البيطار الانقلاب العسكري الذي أطاح بجمهورية الوحدة في 28 أيلول 1961، ما شكل صدمة كبيرة لدى مؤيديه الحزبيين وحلفائه من الناصريين والقوميين العرب. وفي 2 تشرين الأول 1961 حضر اجتماعاً موسعاً عُقد في منزل وزير الدفاع الأسبق أحمد الشرباتي بمنطقة الروضة بدمشق، صدر عنه بيان إدانة بحق الوحدة ورئيسها، كتبه البيطار بيده. في سنوات لاحقة قال إنه ندم كثيراً على هذه المشاركة، “متمنياً الموت” عقاباً على ما اقترفت يداه بحق الوحدة.

انقلاب 8 آذار 1963

وفي 8 آذار 1963 انقلبت مجموعة من الضباط الناصريين والبعثيين على رئيس الجمهورية ناظم القدسي وقاموا باعتقاله. وقف على رأس الانقلاب الضابط الناصري زياد الحريري، ومعه أعضاء اللجنة العسكرية لحزب البعث التي شُكلت في زمن الوحدة – دون علم عفلق والبيطار – وكانت تضم حافظ الأسد وصلاح جديد ومحمد عمران وغيرهم من العسكريين الحزبيين. نادوا بالبيطار رئيساً للحكومة، لكونه الأكبر سناً بينهم والأكثر خبرة في السياسة الدولية منذ أن كان وزيراً للخارجية قبل عام 1958.

البيطار رئيساً للحكومة (1963-1966)

شكلت حكومة البيطار الأولى في 9 آذار 1963 وكانت تضم عدداً من الشخصيات غير الحزبية، مثل وزير المالية عبد الوهاب حومد ووزير العدل نهاد القاسم الذي سمّي أيضاً نائباً لرئيس الوزارة. تسلّم البيطار حقيبة الخارجية بنفسه، ووعد باستعادة الوحدة مع مصر على أسس سليمة وتجنب الأخطاء التي أدت إلى انهيارها. سافر إلى القاهرة على رأس وفد رفيع، ضم الفريق لؤي الأتاسي رئيس مجلس قيادة الثورة في سورية، ولكن عبد الناصر قابلهم بفتور وحذر، نظراً لموقف البيطار السابق من الوحدة وتوقيعه على وثيقة الانفصال، ولم تؤدِّ المباحثات معه أيّة نتيجة.

البيطار رئيساً للحكومة سنة 1963.
البيطار رئيساً للحكومة سنة 1963.

صدر في عهده مرسوم حلّ جميع الأحزاب في سورية ما عدا حزب البعث، وإغلاق كل الصحف والمجلات ابتداء من 12 آذار 1963، باستثناء صحيفة البعث ومجلّة المضحك المبكي. فُرضت الأحكام العرفية على البلاد، وصدر مرسوم العزل المدني بحق معظم السياسيين القدامى، باستثناء الرئيس الأسبق شكري القوتلي. اتهموا جميعاً بالمشاركة في “جريمة الانفصال،” وتبنّت حكومة البيطار علماً جديداً للدولة. وفي 3 أيار 1963 أصدرت قراراً بتأميم جميع المصارف العاملة في سورية.

وفي 14 أيار 1963 شكل البيطار حكومته الثانية التي شهدت مواجهات دامية مع الناصريين في ساحة الأمويين يوم 18 تموز 1963، إثر تسريح زياد الحريري من رئاسة الأركان. اعتُقل منفذ الانقلاب جاسم علوان، وصدرت مراسيم متتالية بتطهير الجهاز الإداري والعسكري من الناصريين. وفي عهد البيطار أيضاً شكلت منظمة الحرس القومي للدفاع عن “ثورة الثامن من آذار،” وأسست جريدة حكومية رسمية باسم الثورة. وفي 4 آب 1963 كانت حكومته الثالثة، وفيها جرت مباحثات لإقامة وحدة اقتصادية مع العراق.

رئيس الحكومة صلاح البيطار مع رئيس الدولة أمين الحافظ سنة 1964.
رئيس الحكومة صلاح البيطار مع رئيس الدولة أمين الحافظ سنة 1964.

وفي حكومته الرابعة في أيار 1964، أمّم البيطار ما تبقى من مصانع النسيج التي لم يطلها تأميم عبد الناصر الأول عام 1961. أما حكومته الخامسة والأخيرة فقد شُكلت في 1 كانون الثاني 1966 واستمرت لغاية وقوع انقلاب صلاح جديد في 23 شباط 1966. اعتُقل عدد من أعضاء القيادة القومية، وجرت معركة دامية أمام منزل رئيس الدولة أمين الحافظ – حليف عفلق والبيطار – انتهت باعتقاله. بقي البيطار قيد الإقامة الجبرية بدمشق لغاية شهر آب من العام 1966، عندما سمح له بالمغادرة مع عفلق إلى لبنان.

الانتقال إلى فرنسا

بعد وصوله إلى الحكم، أصدر حافظ الأسد عفواً عن البيطار ودعاه لزيارة دمشق عام 1978. التقى البيطار بالأسد في محاولة لردم الهوة الكبيرة بينهما، ولكن هذه المباحثات فشلت وعاد إلى بيروت. بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، انتقل للعيش في فرنسا، أما عفلق فقد فضل الإقامة في بغداد. ومن باريس أطلق البيطار مجلّة معارضة لحكم الأسد في سورية باسم “الإحياء العربي،” وهو الاسم نفسه الذي كان قد بدأ منه عمله السياسي مع عفلق في مرحلة الأربعينيات.

حادثة الاغتيال

اغتيل صلاح البيطار في 21 تموز 1980 وهو خارج من المصعد المؤدي إلى مكتبه وسط باريس. كان يحمل جواز سفر دبلوماسي صادر من حكومة اليمن الجنوبي، وكتبت الصحف العربية إن اغتياله جاء على يد أجهزة الأمن السورية.

المؤلفات

وضع صلاح البيطار عدداً من الكتب السياسية، كان أبرزها:

المناصب

وزير الخارجية (14 حزيران 1956 – 6 آذار 1958)
  • سبقه في المنصب: سعيد الغزي
  • خلفه في المنصب: ألغي المصب
وزير الدولة (6 آذار – 7 تشرين الأول 1958)
  • سبقه في المنصب: صلاح عقيل
  • خلفه في المنصب: ألغي المنصب
وزير الثقافة والإرشاد القومي (7 تشرين الأول 1958 – 24 كانون الأول 1959)
رئيس الحكومة السورية (9 آذار – 12 تشرين الثاني 1963)
وزير الخارجية (9 آذار – 12 تشرين الثاني 1963)
رئيس الحكومة السورية (14 أيار – 3 تشرين الأول 1964)
رئيس الحكومة السورية (1 كانون الثاني – 23 شباط 1966)
وزير الخارجية (1 كانون الثاني – 23 شباط 1966)

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !