جمال بن طاهر فيصل (1915 – 28 أيلول 1995)، ضابط سوري من مدينة حمص وأحد مؤسسي الجيش السوري، خاض حرب فلسطين عام 1948 وعُيّن قائداً للجيش الأول – جيش سورية في الجمهورية العربية المتحدة – من نيسان 1958 ولغاية انقلاب الانفصال في 28 أيلول 1961. أفتتح في عهده متحف دمشق الحربي وكان على رأس القوات السورية مع معركة التوافيق مع إسرائيل في 1 شباط 1960. ويعدّ جمال فيصل من الضباط القلائل الذين لم يشاركوا في أي من الانقلابات العسكرية التي تعاقبت على سورية في السنوات 1949-1954 وكان من أشد المعارضين لانقلاب الانفصال الذي أطاح بجمهورية الوحدة سنة 1961.
البداية
ولِد جمال فيصل في مدينة حمص وكان والده إمام جامع وتاجر بسيط، أما والدته فهي من عائلة الحراكي النافذة في معرة النعمان. دَرَس المرحلة الابتدائية في مدرسة منبع العرفان ونال الشهادة الثانوية من تجهيز حمص الأولى. درس في كلية حمص الحربية وتخرج فيها يوم 1 أيلول 1939، والتحق بعدها بجيش الشرق التابع لسلطة الانتداب الفرنسي في سورية. تدرّج في المراتب العسكرية وفي سنة 1941 وعُيّن معاوناً لرئيس حامية دير الزور، قبل انشقاقه عن الفرنسيين وانضمامه إلى الثوار يوم قصفت فرنسا العاصمة السورية في 29 أيار 1945. حكمت عليه فرنسا بالإعدام وعند تأسيس الجيش السوري في 1 آب 1945 كان في طليعة ضباطه الأوائل.
حرب فلسطين سنة 1948
عُيّن رئيساً لأركان المنطقة الشرقية ثمّ للشعبة الرابعة في الجيش السوري (شعبة التموين والإمداد)، وفي سنة 1947 أرسلته وزارة الدفاع السورية إلى بريطانيا لإتباع دورة عسكرية مكثفة. وعندما بدأت حرب فلسطين في منتصف شهر أيار من العام 1948، عُيّن المقدم جمال فيصل قائداً لفوج المشاة السادس التابع للواء الثاني على الجبهة الجنوبية. شارك في محاولة فك الحصار عن القوات المصرية في قرية الفالوجا ولكنه منع من التقدم يأمر من غلوب باشا، قائد الجيش الأردني.
في مرحلة الانقلابات العسكرية
لم يُشارك جمال فيصل بأي من الانقلابات العسكرية التي تعاقبت على سورية في السنوات 1949-1954، وعدّ أن المؤسسة العسكرية يجب أن تكون حامية للدولة وألا تتدخل في شؤون السياسة بالمطلق. في نهاية العام 1949 عين مرافقاً عسكرياً لرئيس الجمهورية هاشم الأتاسي، وكان من أشد المعجبين به منذ ترأسه الحركة الوطنية ضد الانتداب الفرنسي. سمّي بعدها رئيساً للشعبة الأولى في رئاسة الأركان (شعبة التنظيم والإدارة) قبل ندبه إلى فرنسا لاتباع دورة أركان حرب. وعند عودته إلى سورية عُيّن مديراً لكلية حمص الحربية سنة 1951. وبعد تولّي أديب الشيشكلي رئاسة الجمهورية في 11 تموز 1953، أصبح جمال فيصل معاوناً لرئيس الأركان شوكت شقير.
القيادة العسكرية المشتركة مع مصر
حكم الشيشكلي لم يستمر طويلاً من بعدها وسقط إبان ثورة عسكرية في شباط 1954. وبعد استقالته وهربه إلى لبنان، عاد هاشم الأتاسي ليُكمال ما تبقى من ولايته الدستورية وبات جمال فبصل رئيساً للشعبة الأولى في الجيش حتى سنة 1955، تاريخ تعيينه قائداً لوحدات الجبهة ورئيساً للجناح السوري في القيادة العسكرية المشتركة مع مصر. أعجب به الرئيس جمال عبد الناصر وفي 1956 نجا فيصل ورفاقه من محاولة اغتيال بعد استهدافهم من قبل الطيران الحربي الإسرائيلي. وفي سنة 1957 عُيّن مديراً للشؤون الإدارية والمالية في الجيش السوري وقائداً الدرك بالوكالة برتبة زعيم (عميد).
قائداً للجيش الأول (1958-1961)
سارع جمال فيصل لتأييد الوحدة السورية – المصرية عند قيامها ورُفع إلى رتبة “لواء” وعُيّن قائداً للجيش الأول – جيش سورية في الجمهورية العربية المتحدة – ابتداء من 2 نيسان 1958. كلفه الرئيس عبد الناصر بإعادة تنظيم الجيش وتطهيره من الضباط الحزبيين، مع تدعيم من الناحية العسكرية بالمدرعات والمدافع. أدخل أسلحة جديدة على قطعات الجيش كافة، وجعل كل واحدة منها مستقلة قتالياً. وضع برامج عصري لتدريب الجنود وأسس كلية الأركان ومدرسة للمخابرات الحربية، إضافة لتوسيع المطارات والثكنات والمشافي الميدانية. وفي عهده أُسست ألوية احتياط للدفاع عن المدن الكبرى والمراكز الحيوية، ووحدت المصطلحات العسكرية بين سورية ومصر في معجم كبير صدر بثلاث لغات، العربية والإنجليزية والفرنسية.
ومن منجزات جمال فيصل أيضاً كان المتحف الحربي الذي افتتح بحضوره في التكية السليمانية بدمشق وقاد بنفسه أول مناورات شاملة على مستوى كامل قطعات الجيش السوري. رُفّع على أثرها إلى رتبة “فريق أركان حرب” تزامناً مع ثورة 14 تموز 1958 في العراق، التي أطاحت بالنظام الملكي. وفي كانون الثاني 1960، أرسل الفريق فيصل سلاحاً نوعياً إلى ملك المغرب الحسن الثاني، بناء على طلب الرئيس عبد الناصر، وخاص معركة التوافيق في الجولان التي انتصرت فيها قواته على إسرائيل في 1 شباط 1960.
انقلاب الانفصال
عارض جمال فيصل وبشدة الانقلاب العسكري الذي أطاح بجمهورية الوحدة يوم 28 أيلول 1961 ورفض الانضمام إلى صفوفه، معلناً ولائه المطلق للوحدة ورئيسها. أصر مهندس الانقلاب عبد الكريم النحلاوي على التعاون مع الفريق فيصل وعرض عليه البقاء في منصبه، شرط القبول بتنحية المشير عبد الحكيم عامر، ممثل عبد الناصر في سورية. وكان جمال فيصل قد بعث بعدة برقيات للمشير، محذراً من غليان الشارع السوري وتذمر العسكريين السوريين من تجاوزات الضباط المصريين. طالب بإجراء إصلاحات واسعة لإنقاذ الوحدة وحمايتها من أي انقلاب محتمل، ولكن عبد الحكيم عامر لم يستجب لنصائحه. ومن جملة الأمور التي دعا إليه فيصل قبل انقلاب الانفصال عدم إقامة الحفل السنوي في ذكرى استشهاد العقيد عدنان المالكي، وحذر من عواقب انتحار أحد المواطنين في سجون المكتب الثاني وتصفية القيادي الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو.
في صباح 28 أيلول 1961 استدعى الفريق فيصل قادة انقلاب الانفصال للتفاوض معهم في مبنى الأركان العامة، وعرض قبول كل مطالبهم إلا ترحيل عبد الحكيم عامر عن دمشق. وافق على تسليم اللواء المصري أنور القاضي (رئيس أركان الجيش الأول) ومعه العقيد أحمد زكي (رئيس شعبة التنظيم والإدارة) والعقيد أحمد علوي رئيس دائرة شؤون الضباط، ولكن كل ذلك لم يرض طموحات عبد الكريم النحلاوي. قرر الأخير تسفير عبد الحكيم عامر إلى مصرفي الساعة الخامسة والربع من عصر يوم 28 أيلول 1961 وطلب جمال فيصل أن يغادر دمشق معه، معلناً عدم استعداده العمل مع عهد الانفصال. وعلى مدرج الطائرة طلب إليه اللواء عبد الكريم زهر الدين، الذي خلفه في قيادة الجيش، أن يبقى سورية فكان جوابه:
يا عبد الكريم لقد أقسمت يمين الولاء للجمهورية العربية المتحدة وسأبرّ بيميني، وإن الرجال تعرف بمواقفها الحاسمة في الفترات الحرجة من حياتها. إن العمل الذي قام به الضباط الانفصاليون سيكون له نتائج سيئة جداً على مستقبل الأمة العربية تفوق نتائج حروب المغول وتحطيم الخلافة العباسية كما تفوق نتائج الحروب الصليبية، وأنكم بعملتكم التي قمتم بها اليوم قد حطمتم الوحدة العربية وقضيتم عليها لفترة طويلة لا يعلم إلا الله مدتها.
وعند وصوله إلى القاهرة، وضع جمال فيصل نفسه تحت تصرف الرئيس عبد الناصر ولكن إقامته فيها لم تستمر طويلاً، وبعد بضعة أشهر قرر العودة إلى دمشق، متقاعداً ومعتزلاً العمل العسكري.
التكريم
حصل جمال فيصل على عدة أوسمة حربية في حياته، منها:
- وسام فلسطين
- وسام الشرف والإخلاص ذو النجمة المذهبة
- وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة
- وشاح أمية الكبير
- وسام جمهورية مصر من الطبقة الثالثة
- وسام الاستحقاق المصري من الطبقة الثالثة
- وسام الشرف والإخلاص من الدرجة الممتازة
- وسام ذكرى قيام الجمهورية العربية المتحدة
- وسام جوقة الشرف المغربي من الدرجة الممتازة
- وسام النيلين السوداني
الوفاة
بقي الفريق جمال الفيصل مقيماً بدمشق لغاية إكمال أولاده دراستهم الجامعية، وعاد بعدها إلى مسقط رأسه في حمص وفيها وتوفي يوم 28 أيلول 1995، في الذكرى الرابعة والثلاثين لانقلاب الانفصال الذي ظلّ يؤلمه حتى الممات.
المناصب
قائد الجيش الأول (2 نيسان 1958 – 28 أيلول 1961)
- سبقه في المنصب: اللواء عفيف البزري
- خلفه في المنصب: اللواء عبد الكريم زهر الدين