سامي الحناوي
مهندس الانقلاب الثاني وقائد الجيش السوري (14 آب - 19 كانون الأول 1949)
سامي بن حلمي الحناوي (1898 – 31 تشرين الأول 1950)، ضابط سوري من حلب ومهندس الانقلاب الثاني في سورية الذي أطاح بحكم حسني الزعيم ورئيس حكومته محسن البرازي في 14 آب 1949. كان أحد مؤسسي الجيش السوري وخاض حرب فلسطين سنة 1948 وشارك في انقلاب الزعيم على رئيس الجمهورية شكري القوتلي في 29 آذار 1949. وبعد نجاح انقلابه على الزعيم أعاد الحناوي الجيش السوري إلى ثكناته ورفض تولّي رئيسة الجمهورية كما فعل الزعيم، وطلب إلى السياسيين القدامى العودة إلى الحكم والإشراف على انتخاب جمعية تأسيسية تتولّى مهمة وضع دستور جديد للبلاد بدلاً من دستور عام 1928 الذي عطّله حسني الزعيم قبل بضعة أشهر. عيّن الحناوي نفسه رئيساً لأركان الجيش وذهب رئاسة الدولة إلى هاشم الأتاسي. شكل مع الأتاسي قادة حزب الشعب تحالفاً لتحقيق وحدة فيدرالية بين سورية والمملكة العراقية، ما أثار حفيظة العقيد أديب الشيشكلي المعارض للعراق والذي انتفض وقام بانقلاب عسكري في 19 كانون الأول 1949. اعتُقل سامي الحناوي في سجن المزة ثم أطلق سراحه ونفي إلى بيروت، وفيها اغتيل يوم 31 تشرين الأول 1950 على يد حرشو البرازي، انتقاماً لا ابن عمّه محسن البرازي.
البداية
ولِد سامي الحناوي في حلب ودَرَس في مدارسها الحكومية ثمّ في دار المُعلمين قبل التحاقه بالجيش العُثماني. خُرّجت دورته بكشل استثنائي وسريع وذلك لدخول عناصرها ميدان القتال مع بداية الحرب العالمية الأولى سنة 1914. عُيّن في جبهة القوقاز وبعدها في فلسطين قبل انشقاقه عن العثمانيين وانضمامه إلى الثورة العربية الكبرى سنة 1917، والتي كانت بقيادة أمير مكة وشريفها الحسين بن عليّ. شارك الحناوي في معارك الحجاز وفي 3 تشرين الأول 1918 دخل دمشق مع طلائع القوات العربية بقيادة الأمير فيصل بن الحسين. وفي العهد الفيصلي عاد إلى المدرسة الحربية بدمشق وتخرج فيها 18 أيلول 1919.
الحناوي في جيش الشرق
وبعد سقوط الملك فيصل وفرض الانتداب الفرنسي على سورية، التحق الحناوي بالدرك السوري وخدم في سنجق لواء إسكندرون حتى سنة 1928. انتقل بعدها إلى صفوف جيش الشرق التابع لسلطة الانتداب وانشق عنه في 29 أيار 1949، إبان العدوان الفرنسي على العاصمة. انضم الحناوي إلى صفوف الثوار، تلبية لنداء رئيس الجمهورية شكري القوتلي، وحكمت عليه فرنسا بالإعدام. وفي 1 آب 1945 وعند تأسيس الجيش السوري، كان سامي الحناوي في طليعة ضباطه.
مع حسني الزعيم
عينته القيادة العسكرية في قيادة الفوج الأول ثم قائداً لإحدى الجبهات في حرب فلسطين سنة 1948، وفيها توطدت صداقته مع قائد الجيش حسني الزعيم، وهو أيضاً من أبناء مدينة حلب ومن الضباط القدامى في جيش الشرق. شارك الحناوي حسني الزعيم نقمته على الطبقة السياسية الحاكمة وانزعج كثيراً من سيل الاتهامات التي وجهت له ولضباط الجبهة، ومنها التقصير في واجبهم تجاه فلسطين وتزويد الجنود بسلاح فاسد. في 13 شباط 1948 حضر اجتماع كبير عقده الزعيم في مقر قيادته في مدينة القنيطرة، ووقع على بيان شديد اللهجة موجه إلى رئيس الجمهورية شكري القوتلي، مطالباً باعتقال النائب فيصل العسلي، المسؤول عن حملة التشهير التي تعرض لها الجيش تحت قبة المجلس النيابي. رفض القوتلي قبول المعروض وحولهم إلى وزير الدفاع خالد العظم الذي تعامل معهم بخفة، فقرر الزعيم القيام بانقلاب عسكري للإطاحة بالقوتلي ونظامه.
شارك سامي الحناوي في الانقلاب على الرئيس القوتلي يوم 29 آذار 1949 وكان من أشد المتحمسين لتولّي الزعيم زمام الحكم في سورية. ولكن فراقاً حل بينهما بعد قطع الزعيم علاقة بلاده مع الأردن وتهجمه على حكام العراق، ثم جاءت حادثة تسليم أنطون سعادة، رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى السلطات البنانية وإعدامه في بيروت يوم 8 تموز 1949 بسبب خيانة الزعيم له. عدّ الحناوي قضية سعادة حدثاً فاصلاً في علاقته مع الزعيم، ولم يخف امتعاضه الشديد من الطريقة المهينة التي تعاملت معه السلطات السورية، على الرغم من حصوله على لجوء سياسي من الزعيم شخصياً.
انقلاب الحناوي (14 آب 1949)
دعي الحناوي لمشاركة في انقلاب عسكري ضد الزعيم، خططت له العراق بالتعاون مع عديله الدكتور أسعد طلس. كل المراجع التاريخية تؤكد أن الحناوي كان رجلاً مُسالماً وبسيطاً، بعيداً كل البعد عن أي طموح سياسي، وأن العقل المدبر للانقلاب كان أسعد طلس الذي وضعه في واجهة الحدث. وفي ساعات الفجر الأولى من 14 آب 1949 توجه سامي الحناوي نحو مدينة دمشق على رأس فوج مدرعات وسرايا مشاة من مركز قيادته في فوج الأول بمعسكر قطنا. أرسل الضابط فضل الله أبو منصور لاعتقال الزعيم ورئيس الحكومة محسن البرازي وعند مثولهم أمامه ترأس الحناوي المحكمة الميدانية التي حَكَمت عليهما بالإعدام. نفذت أوامره فوراً وأعدم الزعيم والبرازي رمياً بالرصاص، بحضور الحناوي وصدر بيان عسكري جاء فيه: “بحمد الله العلي العظيم، تم الانقلاب الحقيقي ونجت البلاد من طاغيتها المُجرم الباغي.”
في نفس اليوم، دعا الحناوي إلى اجتماع كبير في مبنى الأركان العامة، حضره قيادات من الحزب الوطني وحزب الشعب وبقية الطبقة السياسية التي حيّدت في عهد الزعيم. قال لهم إنه لا يرغب بتسلّم الحكم وسيُعيد الجيش إلى ثكناته، داعياً لإجراء انتخابات فورية لتشكيل جمعية تأسيسها تكون مهمتها وضع دستور جديد للبلاد بدلاً من الدستور القديم الذي عطله الزعيم قبل بضعة أشهر. اكتفى الحناوي بمنصب رئيس الأركان وانتخب الرئيس السابق هاشم الأتاسي رئيساً للحكومة من 14 آب ولغاية 14 كانون الأول 1949. أجريت الانتخابات في موعدها وفاز حزب الشعب، الموالي للعراق، بغالية مقاعد الجمعية التأسيسية وانتخب رئيسه ناظم القدسي مقراً للجنة الدستورية. أما أسعد طلس – المهندس الحقيقي للانقلاب – فقد اتخذ منصب أمين عام وزارة الخارجية السورية. وقيل يومها إن انقلاب الحناوي جاء بتخطيط وتمويل من العراق وبأن حكومته وضعت طائرة خاصة تحت تصرف أسعد طلس لنقله مع الحناوي إلى بغداد في حال فشلهم في اعتقال الزعيم وإعدامه.
الوحدة مع العراق وانقلاب الشيشكلي
شكل الحناوي وطلس تحالفاً مع الرئيس الأتاسي وقادة حزب الشعب، هدفه تحقيق وحدة فيدرالية مع المملكة العراقية. زار الملك فيصل الثاني دمشق في أيلول 1949 والتقي بالحناوي وسافر وزير الخارجية ناظم القدسي إلى بغداد يوم 5 تشرين الأول لوضع اللمسات الأخيرة على مشروع الوحدة. أغضبت هذه التطورات السريعة العقيد أديب الشيشكلي، الذي رفض مبدأ الوحدة من أساسها وعد حكام العراق عملاء للإنكليز، مهدداً: “لن تمر هذه الوحدة، حتى ولو على جثتي.”
كان الشيشكلي قد سرح من الجيش في عهد الزعيم وأعيد إلى الخدمة العسكرية من قبل الحناوي الذي عينه في قيادة الفوج الأول. وفي 19 كانون الأول 1949 نفذ الشيشكلي انقلابه وقام باعتقال الحناوي ونقله مخفوراً إلى سجن المزة. كانت انقلاباً محدوداً داخل المؤسسة العسكرية، أطاح بالحناوي وكل الضباط المحسوبين عليه، دون المساس برئيس الدولة هاشم الأتاسي. استسلم الحناوي دون أي مقاومة، طالباً إلى الشيشكلي إحالته على التقاعد وعدم التعرض لأُسرته. سرح من الجيش وظلّ سجيناً لغاية 7 أيلول 1950 عندما أطلق سراحه بالتزامن من إقرار الدستور الجديد ونفي فوراً إلى لبنان.
مقتل الحناوي
وفي بيروت، أطلق حرشو البرازي النار على سامي الحناوي وهو يصعد إلى عربة الترامواي يوم 31 تشرين الأول 1950، ثأراً لابن عمه محسن البرازي. وفي شهادته على تلفزيون الدنيا سنة 2010 قال البرازي أن الحناوي صرخ في وجهه مستغيثاً: “دخيلك…لا تقوصني.” سقط الحناوي قتيلاً على الفور ونقل جثمانه إلى مسقط رأسه في حلب ليُدفن فيها يوم 2 تشرين الثاني 1950.
المناصب
رئيساً لأركان الجيش السوري (14 آب – 19 كانون الأول 1949)
- سبقه في المنصب: الزعيم حسني الزعيم
- خلفه في المنصب: الزعيم أنور بنّود