مصطفى بن حسني السباعي (1915 – 3 تشرين الأول 1964) مفكر إسلامي سوري من حمص، ومؤسس جماعة الإخوان المسلمين في سورية. انتخب مراقباً عاماً للجماعة سنة 1946 وبقي في المنصب حتى وفاته، كما خاض حرب فلسطين سنة 1948.
انتخب عضواً في الجمعية التأسيسية التي وضعت دستور عام 1950. بعدها بأربع سنوات أسس كلية الشريعة في الجامعة السورية وسمّي أول عميد لها لغاية عام 1958. وضع العديد من الدراسات الإسلامية الهامة وعدّه البعض مرشحاً لخلافة الإمام حسن البنّا، مؤسس الإخوان المسلمين في مصر، يوم اغتيال الأخير على يد البوليس السري في القاهرة سنة 1949. قاد السباعي الجماعة في سورية خلال مرحلة الانقلابات العسكرية وفي وزمن الوحدة السورية – المصرية قبل أن يقعده المرض في سنواته الأخيرة.
البداية
ولد مصطفى السباعي في مدينة حمص وهو سليل أسرة عريقة من العلماء، توارث رجالها عبر الأجيال مهمة الخطابة في جامع حمص الكبير. درس في مدارس حمص الحكومية، وبعد حصوله على الشهادة الثانوية عام 1933 سافر إلى مصر للدراسة في الأزهر حيث تعرف على الإمام حسن البنّا وأصبح من مريديه. حصل على شهادة في الفقه وأصول الدين، ونال بعدها شهادة الدكتوراه بدرجة امتياز في التشريع الإسلامي، وكانت أطروحته بعنوان: “السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي” خلال دراسته الجامعية اعتقل السباعي من قبل السلطات المصرية بتهمة التحريض ضد الحكم الملكي، ونقله الإنكليز إلى سجن الصرفند في حيفا حيث بقي أربعة أشهر.
نهضة المشايخ
بعد عودته إلى سورية، عمل السباعي مدرساً للتربية الدينية واللغة العربية في ثانويات حمص، قبل أن يؤسس المعهد العربي في دمشق الذي أراد من خلاله مواجهة المدارس التبشيرية الأجنبية في سورية. أطلق على حملته اسم “نهضة المشايخ” وكتب السباعي معظم مناشيرها وقال إن إنشاء هذه المدارس جاء “رغبة في نشر دينهم وثقافتهم وتلقيح عقول أبنائنا فهل ارتضيتم لأبنائكم أن ينقش زعانفه الكفر والباطل في عقولهم مبادئ الإلحاد والضلال؟” طالب بانسحاب الطلاب المسلمين من جميع المدارس الأجنبية وإعادتهم إلى حلقات التدريس في الجامع الأموي أو إلى المدارس الدينية.
شباب محمد
بعد نجاح تجربة “نهضة المشايخ” أطلق السباعي تنظيم “شباب محمد” الهادف إلى “محاربة الفسق والفجور” في المدن السورية وطرد الاستعمار الفرنسي. اتخذ من جامع خالد بن الوليد مركزاً للتنظيم الجديد في حمص، وفي دمشق كانت لقاءاته مع أنصاره في مدرسة التجهيز الأولى، حيث أطلقوا مطبوعة دورية ناطقة باسمهم، سمّيت “لسان الطلاب”
تأسيس إخوان سورية
تطور تنظيم “شباب محمد” إلى حركة الإخوان المسلمين سنة 1946، ودعا السباعي لعقد مؤتمر عام في مدينة حلب وانتخاب لجنة مركزية للجماعة. انتُخب مراقباً عاماً للجماعة، ووصف الزملاء العاملين معه بأنهم “دعاة إسلام … يرون فيه دين وسياسة … عبادة وقيادة … مصحف وسيف … نظام شامل كامل يهيمن على جميع مرافق الحياة” افتتح السباعي مكتباً صغيراً للجماعة في محلّة السنجقدار وسط دمشق، وبعد تدفق التبرعات من أنصاره انتقل إلى مكتب جديد في محلّة الشهداء وأسس مكتباً ثالثاً في باب الجابية، مخصصاً للفتيان والشباب.
الذراع الإعلامي للجماعة
أصدر السباعي جريدة المنار الناطقة باسم الإخوان المسلمين في 22 حزيران 1946 وتولّى رئاسة التحرير بنفسه بمساعدة الصحفي بشير العوف. وفي سنة 1948 ترأس السباعي مجموعة من أتباعه والتحقوا بجيش الإنقاذ لمحاربة العصابات الصهيونية في فلسطين. وفي دمشق، نظّم مظاهرات حاشدة ضد حكومة الرئيس جميل مردم بك، أدت إلى صدور قرار بتعطيل المنار وملاحقة بعض المنتسبين إلى الجماعة بتهمة “إثارة الفتن والتحريض على سلامة الدولة”. تعطلت المنار مجدداً في عهد حسني الزعيم (نيسان – آب 1949) وفي عهد اللواء فوزي سلو (تشرين الأول 1951 – تموز 1953) الذي أصدر أمراً بحلّ جميع الأحزاب العاملة في سورية، وفي مقدمتها الإخوان المسلمين. في سنة 1955، أطلق السباعي جريدة الشهاب ومجلة المسلمون التي ظلّت تصدر حتى قيام الوحدة السورية المصرية سنة 1958. انتقلت المجلة إلى مدينة جنيف السويسرية، فأصدر السباعي بدلاً عنها مجلة “حضارة الإسلام” الشهرية، وظلَّ قائما عليها حتى وفاته.
النشاط السياسي
حققت دعوة السباعي نجاحاً كبيراً في المدن السورية الكبرى وفي سنة 1947 قُدر عدد المنتسبين إلى الجماعة بحوالي 100 ألف شخص، معظمهم في حمص وحماة وحلب. دخل الإخوان المعترك السياسي سنة 1949، من خلال المشاركة في الانتخابات التي جرت لتشكيل جمعية تأسيسية تكون مهمتها وضع دستور جديد للبلاد، بدلاً من الدستور القديم الذي أطاح به حسني الزعيم منتصف ذلك العام، إبان انقلابه على رئيس الجمهورية شكري القوتلي. حصدوا ثلاث مقاعد، ذهب أولها للسباعي، وكان ذلك بعد أقل من عام على اغتيال حسن البنّا في مصر يوم 12 شباط 1949. تردد الكلام بدمشق أن البنّا كان يريد لمصطفى السباعي أن يخلفه في قيادة الجماعة في مصر، ما رفع من شأنه كثيراً في الأوساط المحافظة والمتدينة في سورية والوطن العربي.
مادة دين الدولة
في 24 تموز 1950، وصل أعضاء الجمعية التأسيسية إلى المادة الثالثة من الدستور، المتعلقة بدين رئيس الجمهورية. أطلق السباعي حملة منظمة لتوسيع هذه المادة لكي تشمل دين الدولة وليس فقط دين رئيس الجمهورية، وفي عدد خاص بمناسبة المولد النبوي، أفردت جريدة المنار مساحة واسعة للحديث عن تسامح الإسلام واعترافه بالديانات السماوية الأخرى من أهل الكتاب. ولكنّها أضافت، وبكل وضوح، أن احترام الإسلام للمسيحيين واليهود “لا يعني المساواة بالحقوق المدنية” وكتب السباعي في افتتاحية العدد: “إننا لا نفكر أبداً بإدخال عقوبات الحدود لأن الإسلام يعني إنساناً كاملاً لا يظهر صلاحه إلا في مجتمع متكامل. وتكامل المجتمع يعني امتلاء كافة البطون وكسوة جميع الأبدان وتعليم جميع أبناء المجتمع وكفاية كافة المواطنين.” وأضاف أن الإسلام “قانون قومي” مشترك للمسلمين والمسيحيين وفلسفة قومية للعرب:
نحن العرب من مسلمين ومسيحيين لنا فلسفتنا التي طبعتنا في التاريخ طبعاً خاصاً. إن فلسفتنا القومية هي الإسلام، لا الإسلام بمعناه الديني الكنسي ولا الإسلام بمفهومه العبادي…بل الإسلام بمفهومه الواسع وفلسفته الشاملة للحياة. ليس في الأمة العربية دينان يتصارعان، بل أن فيها ديناً واحداً يؤمن به بعض أبنائها…شاملاً لكل أحكامه وشرائعه.
عارض نواب اليسار، الممثلين بالحزب الشيوعي السوري وحزب البعث، طروحات السباعي سنة 1950، وقالوا إن هذه المادة (مادة دين الدولة) لم ترد لا في دستور سورية الملكي سنة 1920 أو في دستورها الجمهوري الأول عام 1928. وعلى الرغم من كل الاجتهادات المعارضة لتوجه الإخوان المسلمين، تمكن السباعي من فرض مادة دين الدولة على المسودة الأولى من الدستور في 7 نيسان 1950. اعترض النواب المسيحيون كافة، وطلبوا من اللجنة الدستورية إعادة النظر في هذه المادة، وقد تجاوب رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي مع طلبهم وتعدل النص ليصبح: “دين رئيس الجمهورية هو الإسلام،” وليس دين الدولة السورية، مع إضافة فقرة تؤكد أن الفقه الإسلامي هو مصدر التشريع، وأن حرية المعتقد مصانة في سورية.
العمل التعليمي
في عام 1950 عُين السباعي أستاذاً في كلية الحقوق في الجامعة السورية، وبعدها بأربع سنوات، أسس كلية الشريعة وكان أول عميد لها. سنة 1954. أوفدته رئاسة الجامعة إلى أوروبا للاطلاع على مناهج الدراسات الإسلامية فيها، فزار إيطاليا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا والنمسا وسويسرا، واجتمع بالمستشرقين من أساتذة الدراسات الإسلامية، وناقشهم بمؤلفاتهم. دافع عن حقوق العمال وطالب المجلس النيابي بإقرار تدريس القضية الفلسطينية ضمن المنهج الدراسي.
انتخابات عام 1957
بعد تعرضهم لحملة اعتقالات في مصر في أعقاب محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر سنة 1954، أقنع السباعي الحكومة السورية باستقبال قادة الإخوان المصريين في سورية. فتح لهم رئيس الوزراء فارس الخوري باب اللجوء السياسي ونزل مرشدهم حسن الهضيبي ضيفاً على السباعي في داره. وفي سنة 1957 كانت معركة فاصلة بالنسبة للسباعي، يوم ترشح للانتخابات النيابية الفرعية ضد مرشح حزب البعث المحامي رياض المالكي. رفض موظفو أمانة العاصمة (محافظة دمشق) تسجيل ترشيح السباعي لأنه مخالف للقانون الذي يمنع أي موظف حكومي من الترشح للنيابة، وكان السباعي يومها لا يزال يشغل عمادة كلية الشريعة. قدّم طعناً لقبول ترشيحه أمام المحكمة العليا وانسحب مرشحو رابطة العلماء المسلمين لأجله، لتكون أصوات كل الناخبين المؤمنين بالإسلام السياسي له دون عن سواه. ولكن دمشق لم تعطي السباعي أصواتها وفاز عليه مرشح حزب البعث بما لا يقل عن 2447 صوت، وذلك بفضل دعم المؤسسة العسكرية والقوميين العرب ومفتي دمشق الشيخ أحمد كفتارو. كانت هذه النتيجة ضربة قاسمة بالنسبة للسباعي الذي علّق على خسارته بالقول: “كنت أنتظر أن يقبل الناس يدي لأكون نائباً عنهم، ولكن موجة الإلحاد التي عمت دمشق والعياذ بالله جعلتني مضطراً لأن أطرق بيوت الناخبين.”
بين الوحدة والانفصال (1958-1961)
نزولاً عند رغبة الرئيس جمال عبد الناصر، أجبر مصطفى السباعي على حلّ الجماعة وإيقاف كل نشاطاته بعد قيام الوحدة السورية المصرية سنة 1958. وفي مرحلة متقدمة من عهد الوحدة، تعرض إخوان سورية للملاحقة والاعتقال، ولكن السباعي ظلّ مرحباً به في مصر، وقد سافر إلى القاهرة لتلقي العلاج في مستشفى المعادي الحكومي والتقى بالرئيس عبد الناصر. كما زاره كمال الدين حسين، وزير الثقافة المصري، وطلب منه إذناً لطباعة محاضرة كان قد ألقاها قبل الوحدة بعنوان “اشتراكية الإسلام” رحّب السباعي بالفكرة وطُبع الكتاب في المطابع المصرية واتخذ كذريعة شرعية من قبل الرئيس عبد الناصر لإصدار قانون الإصلاح الزراعي في أيلول 1958، وقرارات تأميم المصانع والمصارف الخاصة في سورية ومصر في تموز 1961.
وفاته
أصيب مصطفى السباعي بشلل نصفي أفقده القدرة على الحركة قبل وفاته عن عمر 49 عاماً في 23 تشرين الأول 1964.
مؤلفاته
وضع السباعي عدداً كبيراً من المؤلفات، منها الديني ومنها القانوني، وكان أبرزها:
- أصدق الاتجاهات الفكرية في الشرق العربي (جمعية الشبان المسلمين، دمشق 1944)
- الوصايا والفرائض (المطبعة الهاشمية، دمشق 1951)
- جهادنا في فلسطين (دمشق 1952)
- الدين والدولة في الإسلام (لجنة الطلاب الجامعيين، بيروت 1953)
- أخلاقياتنا الاجتماعية (المطبعة الجديدة، دمشق 1956)
- أحكام الصيام وفلسفته (مكتبة الشباب المسلم، دمشق 1957)
- محاضرات مستعجلة في شرح قانون الأحوال الشخصية (الجامعة السورية 1958)
- من روائع خضارتنا (دار السلام، دمشق 1959)
- التكافل الاجتماعي في الإسلام (دمشق 1959)
- اشتراكية الإسلام (الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة 1960)
- أحكام الأهلية والوصية (جامعة دمشق 1961)
- مدى حرية الزوجين في الطلاق في الشريعة الإسلامية (جامعة دمشق 1962)
- المرأة بين الفقهة والقانون (تقديم، جامعة دمشق 1962)
- دروس في دعوة الإخوان المسلمين (دمشق 1962)
- شرح قانون الأحوال الشخصية، ثلاثة أجزاء (الجامعة السورية 1962)
- الأحوال الشخصية في الأهلية والوصية والتركات (دار الفكر، دمشق 1965)
- عظماؤنا في التاريخ (المكتب الإسلامي، بيروت 1976)
- السيرة النبوية: دروس وعبر (المكتب الإسلامي، بيروت 1977)
- هكذا علمتني الحياة (المكتب الإسلامي، بيروت 1978)
- هذا هو الإسلام (المكتب الإسلامي، بيروت 1979)
- الفلائد من فرائد الفوائد (المكتب الإسلامي، بيروت 1988)
دراسات عن مصطفى السباعي
صدرت مجموعة من الكتب والدراسات عن حياة مصطفى السباعي، ومن أبرزها:
- ذكريات من جهاد السباعي في حرب فلسطين للكاتب الفلسطيني أمين الغوري (دمشق 1964)
- مصطفىى السباعي بأقلام محبيه وعارفية للكاتب محمد بن مصطفى السباعي (دار الوراق، دمشق 2000)
- مصطفى السباعي الداعية المجدد والفقيه للكاتب محمد عدنان زرزور (دار القلم، بيروت 2000)
- مصطفى السباعي: الداعية الرائد والعالم المجاهد للكاتب عبد الله الطنطاوي (دار القلم، دمشق 2001)
المناصب
عميد كلية الحقوق في الجامعة السورية (1954-1958)
- سبقه في المنصب: لا يوجد
- خلفه في المنصب: محمد المبارك
المراقب العام للإخوان المسلمين (1946-1964)
- سبقه في المنصب: لا يوجد
- خلفه في المنصب: عصام العطار