
ناظم بن تقي الدين القدسي (26 شباط 1906 – 7 شباط 1998)، سياسي سوري من حلب ورجل دولة، أسس حزب الشعب مع زميله رشدي الكيخيا، الذي أوصل قادته إلى سدة الحكم عبر صناديق الاقتراع، وكانت لهم أكبر كتلة نيابية في السنوات 1949-1951. شارك في مؤتمر تأسيس الأمم المتحدة في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية، وكان أول وزير مفوض في واشنطن عام 1945.
ترأس لجنة صياغة الدستور السوري عام 1950، وشكل بعدها ثلاث حكومات. كان رئيساً لمجلس النواب في المرحلة التي سبقت قيام الوحدة السورية – المصرية عام 1958، ثم انتقل إلى العمل المصرفي وابتعد كلياً عن السياسة، ليعود بعد انقلاب الانفصال ويُنتخب رئيساً للجمهورية في 14 كانون الأول 1961. شهد عهده معركة الكرسي مع إسرائيل، ومحاولات متكررة من الرئيس جمال عبد الناصر للتدخل في شؤون سورية الداخلية، كان آخرها الانقلاب العسكري الذي قام به المقدم عبد الكريم النحلاوي في 28 آذار 1962. اعتُقل القدسي في سجن المزة، ومنه استقال ثم تراجع عن الاستقالة عندما تمرّدت مجموعة من الضباط على النحلاوي في 1 نيسان 1961. عاد القدسي إلى القصر الجمهوري لغاية الانقلاب عليه مجدداً من قبل الضباط البعثيين والناصريين في 8 آذار 1963.
البداية
ولد ناظم القدسي في حلب وكان والده قاضياً في محكمة الجنايات، وجدّه بهاء الدين نقيباً للأشراف وأول رئيس لبلدية حلب. أما والدته فاطمة، فهي ابنة عبد القادر الركبي، أحد أشهر تجار حلب في القرن التاسع عشر. دخل القسم الإعدادي الداخلي في مدرسة الإنترنشونال كولدج، التابعة للجامعة الأميركية في بيروت، وفي عام 1923، التحق بكلية الحقوق في الجامعة السورية. بعد نيله شهادة بالحقوق، سافر إلى سويسرا وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة جنيف عام 1929، وكانت أطروحته بعنوان نقد نظرية السيادة في القانون الدولي.
مع إبراهيم هنانو
كان من أنصار إبراهيم هنانو، زعيم حلب وقائد ثورة الشمال ضد الفرنسيين عام 1919. بعد اعتقال هنانو، حضر القدسي جلسات محكمته وهو لا يزال في الخامسة عشرة من عمره، وعندما برأته المحكمة الفرنسية، أعجب باستقلال القضاة الفرنسيين وقرر دراسة المحاماة. وعند خروج هنانو من السجن، ذهب القدسي لتهنئته وقبَّل يديه.
عمله مع الكتلة الوطنية (1932–1939)
بعد عودته من سويسرا، تدرّب في مكتب صديقه المحامي إدمون رباط، وانتسب إلى الكتلة الوطنية، أبرز التنظيمات السياسية المعارضة للانتداب الفرنسي في سورية. شارك في المظاهرات المنددة بزيارة رئيس الجمهورية محمد علي العابد إلى حلب عام 1936، ومنعه من الصلاة في الجامع الكبير. اعتُقل مع سعد الله الجابري، فأضربت حلب احتجاجاً، وعند خروجهما من السجن – وكان هذا هو الاعتقال الأول في حياته – انضم القدسي إلى مكتب فخري البارودي بدمشق، كباحث في الشؤون الدولية. صار يكتب تقارير دورية إلى البارودي عن مداولات عصبة الأمم في جنيف، محذراً من أطماع الصهاينة في فلسطين والأتراك في منطقة لواء إسكندرون.
فاز بالنيابة عن حلب عام 1936 على قائمة الكتلة الوطنية، وانتُخب أميناً لسر البرلمان. كان ذلك بعد التوقيع على معاهدة عام 1936، وانتُخب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية. آلمه كثيراً نكوث الفرنسيين بوعودهم، ورفضهم التصديق على المعاهدة بحجة عدم قدرتهم الاستغناء عن مستعمراتهم العربية في ظلّ تنامي احتمال نشوب حرب جديدة في أوروبا. استقال من الكتلة مع زميله وصديقه رشدي الكيخيا في صيف العام 1939، تعبيراً عن غضبه من فشلها في منع سلخ لواء إسكندرون عن سورية. لم تكن الاستقالة موجهة ضد الرئيس هاشم الأتاسي الذي كان القدسي يحبه ويحترمه، بل إلى رئيس الحكومة جميل مردم بك، المسؤول عن السياسات الخارجية منذ عام 1936.

وزيراً مفوضاً في واشنطن (1945-1946)
وفي الانتخابات النيابية عام 1943، ترشح مع الكيخيا على قائمة مستقلة معارضة للكتلة الوطنية، وفازا مجدداً بالنيابة عن حلب. أطلقا كتلة نيابية معارضة لرئيس الجمهورية شكري القوتلي، ومع ذلك أن يكون أول وزير مفوض لسورية لدى الولايات المتحدة، مع عضوية الوفد السوري المؤسس للأمم المتحدة في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية. قال له القوتلي: “أعرض عليك المنصب مع أنك من المعارضة، ولو وجدت شخصاً مؤهّلاً أكثر منك لهذا المنصب لما عرضته عليك.”
قبل القدسي التكليف، واختار لجهاز السفارة كلاً من الدكتور قسطنطين زريق (أستاذ التاريخ في الجامعة الأمريكية في بيروت) وحسني الصوّاف (من كبار موظفي وزارة المالية). اتخذ من فندق مايفلاور Mayflower مركزاً مؤقتاً للسفارة السورية، واشترى منزل الرئيس الأمريكي السابق وليام هوارد تافت ليكون مقراً دائماً لها. لم تكن وزارة الخارجية آنذاك تملك أي عقار خارج سورية، ولا كانت ميزانيتها تسمح بذلك، فعارضت طلبه شراء منزل تافت في واشنطن. لكن القدسي دافع عن موقفه بالقول إن الولايات المتحدة ستكون “أقوى دولة في العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية،” وإن وجود مقر دائم لسورية في عاصمتها “أضر وأنفع من شراء عقار في باريس أو لندن.”

قدّم القدسي أوراق اعتماده للرئيس الأمريكي فرانكلن روزفلت في 18 آذار 1945. وكان من ضمن خمسة سفراء آخرين، أبلغهم رئيس تشريفات البيت الأبيض أن الوقت المحدّد لكل واحد منهم خمس دقائق فقط لأن صحة الرئيس لا تساعده (وقد توفي روزفلت بعدها بشهر واحد)، غير أنه عند دخوله على الرئيس، قال له القدسي: “جئتك من دولة صغيرة، ولكن بأكبر أوراق اعتماد في العالم.” فانشرح الرئيس روزفلت لتلك الافتتاحية واستمر اللقاء عشرين دقيقة.
تأسيس حزب الشعب عام 1948
عاد القدسي إلى دمشق للمشاركة في عيد الجلاء الأول يوم 17 نيسان 1946، وتعاون مع الكيخيا على تأسيس حزب الشعب، ليكون في طليعة المعارضة البرلمانية لحكم الرئيس شكري القوتلي، بعد سعي أنصار الأخير لتعديل الدستور والسماح له بولاية رئاسية ثانية. تزامن ذلك مع وفاة رئيس الحكومة سعد الله الجابري، ما أفقد مدينة حلب من زعامتها التاريخية، وأظهر مدى حاجة المدينة لمن يُمثلها في الحياة السياسية السورية، في مرحلة ما بعد الجابري. دُعم الحزب الجديد من قبل تجّار حلب الكبار، وذهبت رئاسته لناظم القدسي فيما انتُخب رشدي الكيخيا عميداً. خاضا معركة تعديل الدستور في المجلس النيابي، وعندما لم يفلحا في مساعيهما، قرّرا مقاطعة الجلسة التي خصصت لأداء قسم اليمين من قبل القوتلي.

انقلاب حسني الزعيم (1949)
وعند انقلابه على شكري القوتلي في 29 آذار 1949، عرض حسني الزعيم على قادة حزب الشعب التعاون، مقترحاً أن تؤول رئاسة الحكومة إلى ناظم القدسي، بصفته أحد أبرز المعارضين للحكم البائد. رفض القدسي هذا العرض بشدة وقال للزعيم: “أنت انقلبت على مؤسسات الدولة الدستورية ومن دون اتفاق أو مشاورة مع السياسيين، ولذلك أرفض تشكيل الوزارة حتى لو كان ذلك سيؤدي بي إلى سجن المزة.” غضب الزعيم من هذا التحدي وأصدر مرسوماً بحلّ حزب الشعب من سائر الأحزاب السياسية، كما اعتقل الكثير من أعضائه ووضع كلاً من رشدي الكيخيا وناظم القدسي قيد الإقامة الجبرية في حلب.

وزيراً للخارجية (آب – كانون الثاني 1949)
بعد سقوط حسني الزعيم ومقتله في 14 آب 1949، حضر القدسي إلى مبنى الأركان العامة بدمشق للمشاركة في اجتماع كبير دعا إليه مهندس الانقلاب الجديد سامي الحناوي. وفي هذا الاجتماع، قرّروا إعادة الجيش إلى الثكنات، وطلبوا من الرئيس الأسبق هاشم الأتاسي تشكيل حكومة للإشراف على انتخاب جمعية تأسيسية، هدفها صياغة دستور جديد للبلاد، بدلاً من دستور عام 1928 الذي عطّله الزعيم. سمّي القدسي وزيراً للخارجية في حكومة هاشم الأتاسي يوم 14 آب 1949، وعُيّن رشدي الكيخيا وزيراً للداخلية. ومن منصبه الجديد أعلن أن هدفه الأول سيكون إقامة وحدة عربية شاملة، تكون بدايتها بين سورية والعراق. اتُهم بالسعي للإطاحة بنظام سورية الجمهورية والإتيان بنظام ملكي، وقد ظلّت هذه التهمة – مناصرة العرش الهاشمي في العراق – تلاحق القدسي وكل زعماء حزب الشعب لغاية سقوط الحكم الملكي في العراق إبان ثورة 14 تموز 1958.

حكومة القدسي الأولى (1949)
أجريت الانتخابات في موعدها وفاز حزب الشعب بغالبية مقاعد الجمعية التأسيسية. انتُخب الكيخيا رئيساً للمجلس التأسيسي، وناظم القدسي رئيساً للجنة صياغة الدستور. اقتبسوا من دساتير الديمقراطيات الغربية، ولا سيما الفقرات التي تضمن جميع حقوق الفرد السوري، ومنها الحرية السياسية، وحرية الصحافة، وحرية التظاهر، وجميع الحقوق المدنية المعمول بها في الغرب. وعند الانتهاء من كتابة الدستور وإقراره، تحوّلت الجمعية التأسيسية تلقائياً إلى مجلس نيابي بصلاحيات تشريعية كاملة. استقال هاشم الأتاسي من رئاسة الوزارة وأصبح رئيسا للدولة، وكلّف ناظم القدسي بتشكيل حكومته الأولى في 24 كانون الأول 1949. صدرت المراسيم بذلك، لكنه استقال بعد ثلاثة أيام فقط بسبب رفض الضباط العسكريين التعهد أمامه بألا يتدخلوا بقراراته.
حكومة القدسي الثانية (حزيران – أيلول 1950)
بتكليف من الرئيس الأتاسي، شكل القدسي حكومته الثانية في حزيران ،1950 وكانت مؤلفة من ثماني حقائب، ذهب ستّ منها إلى حزب الشعب. تمكن من تحييد الجيش والعقيد أديب الشيشكلي عبر تعيين صديقه اللواء فوزي سلو في وزارة الدفاع، وكان الشيشكلي قد ظهر قبل أشهر كرجل سورية الأقوى بين العسكريين، وقاد انقلاباً داخل المؤسسة العسكرية في نهاية عام 1949 للتخلّص من رئيس الأركان سامي الحناوي، المقرّب من حزب الشعب. اشترط الشيشكلي على كل الحكومات المدنية تعيين فوزي سلو وزيراً، لضمان عدم طرح موضوع الوحدة مع العراق داخل السلطة التنفيذية.
زار الملك فيصل الثاني دمشق وطرح مع ناظم القدسي موضوع الوحدة بين البلدين، ما أثار حفيظة الشيشكلي، الذي أقسم اليمين على إجهاض هذه الوحدة بأي ثمن، متهماً حكّام العراق بالعمالة للإنكليز. في مطلع عام 1951، انعقد مجلس الجامعة العربية في القاهرة على مستوى رؤساء الوزراء، وكان برئاسة سورية ومشاركة رئيس الحكومة. إيماناً من القدسي بأن الطريق الوحيد لمجابهة الأطماع الصهيونية في العالم العربي هو إيجاد نوع من الاتحاد الفيدرالي بين الدول العربية، تكون بدايته بين سورية والعراق، قدّم مشروعه إلى الجامعة من أجل الشروع في اتحاد الفيدرالي العربي. طلب أن يبقى الطرح سرّياً حتى تتمكن الحكومات العربية من دراسته، إلا أن رياض الصلح، رئيس وزراء لبنان، قام بتسريبه إلى صحيفة الأهرام، والتي قامت نشرته قبل عودة القدسي إلى دمشق. وافق رئيس الجمهورية على هذا المشروع، ولكنه لم ير النور بسبب معارضة الشيشكلي.

حكومة القدسي الثالثة والأخيرة
في 8 أيلول 1950 شكل القدسي حكومته الثالثة والأخيرة، مسنداً كل الحقائب السيادية فيها إلى حزب الشعب، ما عدا وزارة الدفاع التي بقيت من حصة الجيش. أحدثت في هذه الوزارة إدارة خاصة لتجفيف أراضي سهل الغاب واستعمال قواه المائية لتوليد الكهرباء، واستمرت لغاية آذار 1951. بعد استقالتها، انتُخب القدسي رئيساً لمجلس النواب في 1 تشرين الأول 1951، خلفاً لزميله الدكتور معروف الدواليبي.
معارضة حكم الشيشكلي (1951-1954)
دُعي الدواليبي لتشكيل حكومة جديدة، وقرر تحدي الشيشكلي وإقصاء فوزي سلو من وزارة الدفاع، في تراجع عن العرف السائد في تشكيل الحكومات منذ عام 1949. طالبه الشيشكلي بالتراجع، وعندما لم يفعل ردّ بانقلاب عسكري يوم 29 تشرين الثاني 1951. أمر باعتقال الدواليبي وكل الوزراء، ومعهم رئيس مجلس النواب ناظم القدسي الذي اقتيد من غرفته في فندق أورينت بالاس إلى سجن المزة. استقال هاشم الأتاسي من رئاسة الجمهورية احتجاجاً على تجاوزات الشيشكلي، وفي 3 كانون الأول 1951 نصّب فوزي سلو رئيساً للدولة ولمجلس الوزراء. بقي سلو في الحكم لغاية صيف العام 1953، عندما قرر الشيشكلي تسلّم رئاسة الجمهورية بشكل مباشر.
حضر القدسي اجتماعاً كبيراً في دار هاشم الأتاسي في حمص، تقرر فيه إسقاط الشيشكلي بكل الطرق المتاحة – ومنها العسكرية – مع عدم الاعتراف بشرعية حكمه. اندلعت ثورة مسلحة في كل أرجاء البلاد، سقط على أثرها الشيشكلي وغادر سورية في 25 شباط 1954. وفي 1 آذار 1954، عاد هاشم الأتاسي إلى دمشق لإكمال ما تبقى من ولايته الدستورية، وعاد معه ناظم القدسي إلى رئاسة المجلس النيابي. أمر بفصل جميع النواب الذين شاركوا في انتخابات الشيشكلي، وفي مقدمتهم الدكتور مأمون الكزبري، رئيس المجلس في عهد الشيشكلي.

انتخابات الرئاسة عام 1955
مع قرب انتهاء ولاية هاشم الأتاسي، أشرف القدسي على انتخابات الرئاسة في البرلمان السوري يوم 18 آب 1955، بين رئيس الجمهورية الأسبق شكري القوتلي ورئيس الحكومة الأسبق خالد العظم. اعتمد قادة حزب الشعب ترشيح القوتلي للرئاسة، متناسين كل خلافاتهم السابقة معه، بينما رشّح البعثيون والاشتراكيون خالد العظم. حصل القوتلي على غالبية، إلا أنه لم يحظ بثلثي الأصوات حسب ما ورد في الدستور السوري، فرفع القدسي الجلسة للاستراحة. عندها طلب أكرم الحوراني وخالد بكداش وصلاح البيطار الاجتماع مع رئيس المجلس في غرفته، بحضور رشدي الكيخيا. حاولوا إقناع أحدهما بقبول الترشح لرئاسة الجمهورية بدلاً من القوتلي والعظم، إلا أن الكيخيا والقدسي رفضا وشددا على أن حزبهم اتخذ قراراً لا رجعة فيه بترشيح القوتلي. وفي الدورة الثانية من الاقتراع انخفض عدد النواب الذين صوّتوا لخالد العظم، وحصل القوتلي على ثلثي الأصوات فذهب القدسي ليبارك له الرئاسة الأولى، وأشرف بنفسه على انتقال السلطات بينه وبين هاشم الأتاسي في 5 أيلول 1955.

الوحدة السورية – المصرية (1958-1961)
جنحت سورية في النصف الثاني من الخمسينيات نحو الاتحاد السوفيتي ووقفت في وجه حلف بغداد، ما وضعها في مواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية. أسقط اليسار السياسي (الممثل بحزب البعث) حكومة فارس الخوري الأخيرة عام 1955، لرفضها اتخاذ موقف صارم ضد العراق والرئيس نوري السعيد. وفي تشرين الثاني 1957، أسقط نواب اليسار ناظم القدسي في انتخابات رئاسة المجلس النيابي وصوتوا للزعيم الاشتراكي أكرم الحوراني. فاز الحوراني بثلاثة وستين صوتاً من أصوات المجلس، وحصل القدسي يومها على 57 صوتاً.
وفي كانون الثاني 1958 سافر وفد من العسكريين إلى القاهرة – دون علم رئيس الجمهورية أو وزير الدفاع – وطلبوا إلى الرئيس جمال عبد الناصر توحيد سورية ومصر. اعترض القدسي على الطريقة التي أقيمت بها الوحدة، ولكنّه لم يعارضها وعدّ نفسه أول من دعا إليها، قبل عبد الناصر بسنوات. استجابة لرغبة الرئيس المصري بحل الأحزاب في سورية، اتخذ القدسي والكيخيا قراراً تاريخياً بحلّ حزب الشعب وعادا إلى حلب واعتزلا العمل السياس معاً. توجه القدسي بداية إلى الزراعة، التي كانت عشقه منذ الصغر، رافضاً عرض جاءه من ولّي عهد اليمن الإمام البدر حميد الدين أن يكون مستشاراً له.
انقلاب الانفصال وانتخابه رئيساً للجمهورية (1961)
وفي عام 1959 طلب رجال الأعمال موفق الميداني وعثمان العائدي من القدسي أن يكون رئيساً لمجلس إدارة “بنك العالم العربي” الذي قاما بتأسيسه بدمشق. قبل القدسي التكليف وحقق المصرف في عهده نجاحاً مالياً قبل تأميمه مع بقية المصارف السورية في تموز 1961، بقرار من عبد الناصر. بعدها بشهرين، وقع انقلال الانفصال في 28 أيلول 1961، بقيادة عبد الكريم النحلاوي. في صبيحة اليوم التالي للانقلاب، طُلب إلى القدسي والكيخيا حضور اجتماع في نادي الضباط، للتداول في مستقبل سورية والتوقيع على وثيقة الانفصال. رفضا الحضور وقالا كلمتهما الشهيرة: “إن اليد التي وقعت على ميثاق الوحدة تُقطع قبل أن توقع على وثيقة انفصال الوحدة.”

أعاد القدسي والكيخيا تفعيل حزب الشعب بعد غياب طوعي منذ سنة 1958، وخاض أعضاؤه الانتخابات النيابية في 1 كانون الأول 1961. تحالفا مع خصوم الأمس في الحزب الوطني، وأطلقوا معهم قائمة مشتركة باسم “اللائحة القومية المؤتلفة.” لم يترشح القدسي في هذه الانتخابات، لكنه رُشح من قبل حزبه وأنصاره – بعد فوزهم بغالبية مقاعد البرلمان – ليكون رئيساً للجمهورية. اختيارهم الأول كان رشدي الكيخيا الذي رفض العمل مع العسكر لكنه لم يمانع ترشح القدسي ضد رؤساء الحكومات السابقين خالد العظم ومأمون الكزبري وسعيد الغزي. فاز القدسي بالأكثرية: 153 صوتاً من أصل 172 صوت، وفي 14 كانون الأول 1961 أقسم اليمين الدستوري في البرلمان، رئيساً للجمهورية السورية، التي سمّيت في الدستور الجديد “الجمهورية العربية السورية.”
انقلاب 28 آذار 1962
بناء على المشاورات النيابية، والتي أوصت بتعيين أحد قادة حزب الشعب في رئاسة مجلس الوزراء، كُلّف معروف الدواليبي بتشكيل أول حكومة في عهد الرئيس القدسي. وافق القدسي على مضدد، وكان يُفضّل أن تكون رئاسة الوزراء بيد شخصية دمشقية لكيلا يقال إن الحلبيين سيطروا على مفاصل الدولة السورية. سعى الدواليبي إلى إبطال قانون الإصلاح الزراعي وقرارات التأميم الصادرة في عهد الوحدة، وحاول جاهداً إبعاد العسكريين عن الحكم ومنهم عبد الكريم النحلاوي، مهندس انقلاب الانفصال. ردّ النحلاوي على محاولة إقصائه بانقلاب عسكري جديد في 28 آذار 1962، وقام باعتقال القدسي والدواليبي، ومعهم رشدي الكيخيا وعدد كبير من قادة حزب الشعب. قال النحلاوي إن الجيش غير راضٍ عن مداولات المجلس النيابي ويريد حله، كما طالب بإجراء انتخابات نيابية جديدة. رفض القدسي هذه المقترحات، وقبل اقتداءه إلى السجن، قال للضباط الانقلابيين: “كان الله في عون الوطن الذي هو الآن في عهدتكم.”
مؤتمر حمص (1 نيسان 1962)
في 1 نيسان ،1962 عُقد “مؤتمر حمص” بطلب من قائد الجيش عبد الكريم زهر الدين، وبرئاسة آمر سلاح الطيران اللواء وديع مقعبري. اتفق الضباط على رفض انقلاب النحلاوي وتسريح كل من شارك به، مع إعادة الجيش إلى ثكناته والطلب من ناظم القدسي أن يعود إلى القصر. طلب القدسي من وزير الدفاع رشاد برمدا – وهو من أعضاء حزب الشعب – أن يمثله في هذه المفاوضات، حيث عُرض أن يقدم جميع النواب استقالاتهم وأن تجرى انتخابات جديدة في مدّة ثلاثة أشهر. أجاب القدسي بأن هذا الشأن عائد للنواب وليس له، ولكنه وافق على هذه الاستقالات بعد أن حملها رشاد برمدا إلى القصر الجمهوري.
العلاقات الإقليمية
في 16 آذار 1962، اقتحم الجيش الإسرائيلي منطقة الحدود السورية، فدمّرت دباباته نتيجة سلسلة من الألغام كان قد وضعها الجيش السوري قد وضعها. رداً على هذا العدوان، أمر الرئيس القدسي بقصف المستعمرات الإسرائيلية في الجليل، فيما عرف بمعركة لكرسي، نسبة إلى قرية الكرسي الواقعة قرب الحدود السورية – الفلسطينية. أعلن القدسي عن رغبته في طي الخلافات الماضية مع السعودية والأردن، التي برزت في عهد عبد الناصر، إلا أن الإذاعة المصرية لم تتوقّف عن مهاجمة الرئيس السوري، واصفة إياه، وكل رموز عهده، بأنهم “أعوان الاستعمار.” اشتكت الحكومة السورية بشكل رسمي إلى جامعة الدول العربية، معتبرة إن قيادتها السياسية تتعرّض لحملة تشهير منتظمة، مع تدخلات سافرة في شؤون البلاد الداخلية، سواء من سفير مصر في لبنان عبد الحميد غالب أو من عبد الناصر شخصياً. عقدت الجامعة العربية اجتماعاً في بلدة شتورا اللبنانية، أرسل القدسي إليه وفداً مؤلفاً من وزراء اشتراكيين سابقين، وأرسل عبد الناصر وزراء سوريين بقوا في مصر بعد انهيار الوحدة.

انقلاب 8 آذار 1963
في صبيحة 8 آذار 1963، وقع انقلاب عسكري في سورية، قاده اللواء زياد الحريري مع مجموعة من الضباط الناصريين والبعثيين. قُطعت الاتصالات الهاتفية عن القصر الجمهوري ولجأ رئيس الوزراء خالد العظم إلى السفارة التركية في الدور الأرضي من بيته. بمرسوم صادر عن مجلس قيادة الثورة، عُزل القدسي عن رئاسة الجمهورية، وفي الأسبوع الأول من شهر نيسان، أُلقي القبض عليه في حلب وتم نقله إلى سجن المزة، قبل إطلاق سراحه في 30 تشرين الثاني 1963، بأمر من رئيس الدولة أمين الحافظ. طلب إلى الحافظ السماح له بالمغادرة إلى بيروت لزيارة ابنه فريد، الذي كان يومها طالباً في الجامعة الأميركية. استقبله في مطار بيروت موفد عن الرئيس اللبناني فؤاد شهاب، وعُرض عليه اللجوء السياسي مع منزل يليق به وحرّاس، ولكنه رفض.
المذكرات
بطلب من صديقه القديم الدكتور قسطنطين زريق، بدأ القدسي بتسجيل مذكراته الصوتية في الجامعة الأميركية عام 1974 ثم توقف عند اندلاع الحرب الأهلية. بناء على إلحاح من العائلة، تابع تسجيل هذه الذكريات عام 1990، وطلب إلى النائب والوزير الأسبق أحمد قنبر (صديقه وزميله في حزب الشعب) زيارته في عمّان ليتذاكرا معاً بعض الأمور السياسية. فرغ من هذه التسجيلات سنة 1994 وفي عام 2023، جُمعت في موقع إلكتروني أنشأته أسرته باسم المكتبة الرئاسية للدكتور ناظم القدسي.
السنوات الأخيرة والوفاة
بقي القدسي مقيماً في بيروت لغاية اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، ثم غادر إلى عمّان، ضيفاً على الملك حسين، ومن بعدها إلى تونس، ضيفاً على الرئيس الحبيب بورقيبة الذي كانت تربطه به صداقه متينة منذ أيام الدراسة الجامعية في جنيف. عاد إلى لندن في صيف العام 1976، وأقام في منزل ابنه فيصل الذي كان يعمل في البنك العربي. انتقل إلى مدينة نيس الفرنسية عام 1978، وفي أوروبا كان يستعمل وسائل النقل العمومية من حافلات وقطارات، مثل أي مواطن. عند بلوغه الثمانين، انتقل إلى أبو ظبي للعيش مع ابنه فواز، رئيس التشريفات آنذاك في وزارة الخارجية الإماراتية. عاد إلى عمّان، وفيها توفي يوم 7 شباط 1998، عن عمر ناهز 92 عاماً. عرض الملك حسين على عائلة ناظم القدسي أن يُدفن في المقابر الملكية، لكن رغبة القدسي كانت أن يُدفن إلى جانب زوجته في عمّان، شهيرة صلاحية، التي كان قد تزوجها عام 1934.
المناصب الرسمية
المنصب | الفترة | سبقه | خلفه |
---|---|---|---|
وزير سورية المفوض في واشنطن | 1946-1945 | أول من تولاه | قسطنطين زريق |
وزير الخارجية | 14 آب – 27 كانون الثاني 1949 | محسن البرازي | خالد العظم |
رئيس الحكومة السورية | 24-27 كانون الأول 1949 | هاشم الأتاسي | خالد العظم |
رئيس الحكومة السورية | 4 حزيران 1950 – 27 آذار 1951 | خالد العظم | خالد العظم |
رئيس مجلس النواب | 1 تشرين الأول – 3 كانون الأول 1951 | معروف الدواليبي | مأمون الكزبري |
رئيس مجلس النواب | 1 آذار 1954 – 13 تشرين الأول 1957 | مأمون الكزبري | أكرم الحوراني |
رئيس الجمهورية العربية السورية | 14 كانون الأول 1961 – 8 آذار 1963 | جمال عبد الناصر | لؤي الأتاسي (رئيس مجلس قيادة الثورة |