نهر يزيد، نهر منبثق من نهر بردى يقع شرقي بلدة الهامة مروراً بدمّر وبساتين الصالحية وينتهي في قرية حرستا. يتفرع نهر يزيد من قرب الهامة ويسير إلى دمّر ومنها عبر خرق صخري في جبل قاسيون إلى بساتين الصالحية. ويمر بأراضي ما كان يُعرف قديماً بدير مرّان المشرف على ربوة دمشق وغوطتها. وكان الخليفة الأموي يزيد من معاوية يتنزه في هذا الدير عندما كان فتىً يافعاً في عهد أبيه، فأحبه واعتنى بالنهر الذي كان يمر به، فقام بتوسيعه وتجديده بعد تولّيه الحكم، وبذلك أُطلق عليه اسم “نهر يزيد.”
السنة: 2021
-
نهر يزيد
-
الجمعية القحطانية
الجمعية القحطانية، جمعية سياسية سرّية ظهرت في إسطنبول سنة 1909 وكانت تضم عدداً من الشخصيات السورية والعربية مثل محمد كرد علي والأخوين عادل وشكيب أرسلان، ويعود لها الفضل في بث الفكر القومي العربي بين الطلاب والضباط العرب قُبيل الحرب العالمية الأولى.
البداية
ولِدت الجمعية القحطانية في إسطنبول في كانون الأول 1909 واختلف المؤرخون في اسم مؤسسها. البعض نسبها إلى الضابط العربي سليم الجزائري وقال آخرون إنها كانت نتيجة تعاون بين الشيخ عبد الحميد الزهراوي والمحامي عبد الكريم الخليل والضابط المصري عزيز علي المصري. عَمِلت في السر وكان هدفها بث الفكر القومي العربي بين الطلاب العرب في إسطنبول وداخل المؤسسة العسكرية العثمانية.
طريقة التعارف بين أعضاء الجمعية
ابتكر القائمون على الجمعية القحطانية طريقة للتعارف على بعضهم بالإشارة، حيث كان على العضو أن يضغط على أصبع زميله ويضع الشاهدة والوسطى على ذراعه الأيسر مع إخفاء بقية الأصابع. وكان عليه البوح بكلمة “هلال” همساً، فإذا قال الأول حرف الهاء رد الثاني بحرف اللام ليُكمل الأول بحرف الألف وصولاً إلى استكمال كلمة “هلال.”
أعضاء الجمعية القحطانية
ضمّت الجمعية القحطانية عدداً من الشخصيات العربية المعروفة مثل:
- سليم الجزائري (ضابط سوري من شهداء 6 أيار 1916)
- عزيز علي المصري (ضابط مصري من قادة الثورة العربية الكبرى)
- عبد الحميد الزهراوي (رئيس المؤتمر العربي الأول ومن شهداء 6 أيار 1916)
- محمد كرد علي (كاتب ومؤرخ ومؤسس مجمع اللغة العربية بدمشق)
- عبد الكريم الخليل (رئيس المنتدى الأدبي ومن شهداء 6 أيار 1916)
- عزت الجندي (محامي من وجهاء حمص)
- علي النشاشيبي (وجيه مقدسي)
- الأمير عادل أرسلان (مفكر قومي ووزير خارجية سورية سنة 1949)
- الأمير شكيب أرسلان (مفكر قومي)
النهاية
مع بداية الحرب العالمية الأولى تفرق أعضاء الجمعية القحطانية، فمنهم من نفي خارج البلاد مثل الأمير عادل أرسلان، ومنهم من شنق في ساحات بيروت ودمشق مثل عبد الحميد الزهراوي وعبد الكريم الخليل وعلي النشاشيبي والأمير عارف الشهابي.
-
جميل العظم
جميل بن مصطفى العظم (1873 – 3 تشرين الثاني 1933)، أديب سوري من دمشق، أسس مجلّة البصائر الشهرية وكان عضواً في حزب اللامركزية العثماني. وفي عهد الملك فيصل عين عضواً في المجمع العلمي الذي تحول إلى مجمع اللغة العربية سنة 1919.
البداية
ولِد جميل العظم في دمشق وهو سليل عائلة سياسية عريقة حكمت دمشق في أثناء القرن الثامن عشر. دَرَس في مدارس دمشق وبدأ حياته المهنية موظفاً إدارياً في ولاية سورية ثم مديراً لدائرة المعارف بدمشق. انتقل إلى إسطنبول سنة 1900 وعُيّن عضواً في مجلس المعارف العثماني ثم مديراً للمحاسبة في مجلس معارف ولاية بيروت. عمل أيضاً في الصحافة وأصدر مجلّة البصائر الشهرية، واقتنى الكثير من المخطوطات الإسلامية النادرة.
النشاط السياسي
وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914 سافر جميل العظم إلى مصر وعمل من ابن عمه حقي العظم في حزب اللامركزية العثماني، الذي كان يهدف إلى تحقيق الاستقلال الإداري عن الدولة العثمانية. تعرض للملاحقة من قبل أجهزة الأمن العثمانية وعاش في ظروف مادية صعبة، أجبرته على بيع مكتبته الثمينة بدمشق.
النشاط العلمي
ومع نهاية المعارك وانسحاب الجيش العثماني عن دمشق سنة 1918 عاد جميل العظم وطنه وبايع الأمير فيصل بن الحسين حاكماً عربياً على سورية. عمل مستشاراً لوزير المعارف ساطع الحصري وعينه فيصل الأول عضوا في المجمع العلمي، الذي تحوّل إلى مجمع اللغة العربية في تموز 1919. تفرغ بعدها العظم إلى الكتابة والترجمة وتحقيق المخطوطات.
مؤلفاته
أصدر جميل العظم عدة مؤلفات، كان من بينها عقود الجوهر في تراجم من لهم خمسون مصنفاً فمائة فأكثر (بيروت 1908) والصبابات فيما وجدته على ظهور الكتب من الكتابات.
الوفاة
توفي جميل العظم عن عمر ناهز 60 عاماً يوم 3 تشرين الثاني 1933 ودُفن في مقبرة الباب الصغير في دمشق.
-
باب توما
باب توما، من أبواب دمشق التاريخية في الطرف الشمالي الشرقي من السور الكبير، وهو اسم الحيّ السكني والتجاري الواقع في داخله والساحة المحيطة به.
البداية
جعل اليونانيون لمدينة دمشق سبعة أبواب، واحداً لكل كوكب من الكواكب السبعة، وكانوا يرسمون فوق كل باب نقشاً في الحجر لصورة الشكل الذي كانوا يرمزون به إلى كل الكوكب، ويجعلون بجواره من الداخل معبداً لهذا الكوكب. وعندما حكموا سورية بعد الفرس في القرن الرابع قبل الميلاد كان سور دمشق يحصرها في بقعة ضيّقة، فوسّعوه وعملوا له سبعة أبواب:
- الباب الشرقي للشمس
- باب كيسان لزحل
- باب الصغير للمريخ
- باب الجابية للمشتري
- باب توما لكوكب الزهراء
باب توما في العصر المسيحي
عندما دخل الرومان دمشق بعد سقوط العهد اليوناني، أبقوا هذه الأبواب على حالها لأنهم كانوا يعبدون ما كان يعبده اليونانيون من قبلهم. ولمّا صارت الإمبراطورية الرومانية مسيحيّة في عهد الإمبراطور قسطنطين الأول حوّلت أسماء معالمها من وثنية إلى مسيحيّة، وتحول اسم الباب من باب الزهراء إلى باب توما، نسبة للقديس توما، أحد رسل المسيح الاثنا عشر.
باب توما في عصر الإسلام
وعندما وصل الإسلام بلاد الشّام دخل الصحابي عمرو بن العاص مدينة دمشق من باب توما ومعه الصحابي شرحبيل بن حسنة. وفي عهد الملك نور الدين الزنكي رمّم الباب وأُقيم عنده مسجداً ومئذنة. ومن أبرز الترميمات التي طالت باب توما والسور المحيط به ترميم الملك الناصر داود في زمن الدولة الأيوبية سنة 1228، وترميم المماليك سنة 1333 الذي تظهر كتابته على الباب:
بسم الله الرحمن الرحيم جُدد هذا الباب المبارك في أيام مولانا السلطان الملك الناصر ناصر الدنيا والدين محمد بن مولانا السلطان الملك الشهيد المنصور قلاوون الصالحي أعزّ الله أنصاره وذلك بإشارة المقر الأشرفي العالي المولوي الأميري الكبيري الغازي المجاهدي المرابطي المثاغري المؤيدي الممالكي المخدومي السيفي تنكز الناصري كافل الممالك الشريفة بالشام المحروسة عزّ نصره وذلك في العشر الأول من ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين وسبعمائة.
فتنة عام 1860
شهدت منطقة باب توما والحارات المحيطة بها أحداثاً دامية في صيف العام 1860، عندما دخل جمع من الرعاع وقتلوا كل ما فيه من سكان وأحرقوا كنائسه والبعثات الأجنبية الموجودة فيه. دمُّر الحيّ بأكمله، وأحرقت كنيسة سلطانة العامل للأرمن الكاثوليك ومعها كنيسة القديس منصور للآباء العازاريين وكنيسة القديس بولس المجاورة لدير رهبان الفرنسيسكان، وكاتدرائية القديس أنطونيوس المارونية. لعب الأمير عبد القادر الجزائري دوراً تاريخياً في حماية سكان باب توما وإنقاذهم من نيران الفتنة، وتشارك مع الشيخ محمود الحمزاوي في نقلهم إلى قصره في زقاق النقيب وإلى قلعة دمشق. ردت الدّولة العثمانية بإعدام عدد كبير من سكان دمشق لمشاركتهم في أحداث 1860، وشنقت 27 شخصاً من أهالي باب توما، ومعهم القائد العسكري للمنطقة، وهو ضابط عثماني يُدعى علي بك.
عودة الحياة بعد أحداث 1860
أعادت الدولة العثمانية بناء حيّ باب توما بأكمله ولكن الحياة لم تعد إلى المنطقة حتى سنة 1864. ومع حلول سبعينيات القرن التاسع عشر كانت المنطقة قد تعافت نسبياً، ولكن على حساب هوية سكانها الأصليين، حيث دخل عليها آلاف الوافدين الجدد، القادمين من حوران ومعلولا ودوما، وظهرت حارة كاملة بإسم “حارة الدوامنة.” وفي عهد السلطان عبد الحميد الثاني، فتحت كنيسة القديسة تريز لطائفة الكلدان الكاثوليك في حارة بولاد سنة 1895.
شهدت بعدها منطقة باب توما نهضة ثقافية، إثر إقامة مسرح صيفي في بساتينها لفرقة أبي خليل القباني وظلّت النشاطات الفنية تعقد في الحي حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914. عرضت مسرحية طارق بن زياد في منطقة باب توما، تأليف النائب الشاب رشدي الشمعة، وتلتها مسرحية شهداء الغرام على مسرح قصر البلور سنة 1914، بطولة الفنان عبد الوهاب أبو سعود. وفُتح في الحيّ مدرسة الآباء العازاريين الشهيرة التي درس فيها نخبة من رجالات سورية، ومنهم رئيس الجمهورية شكري القوتلي ومحمد كرد علي، الرئيس المؤسس لمجمع اللغة العربية.
في زمن الانتداب الفرنسي
وفي زمن الثورة السورية الكبرى كاد الحي أن يشهد مجزرة مشابهة لفتنة عام 1860، يوم بثّت سلطة الانتداب الفرنسي إشاعة بأن ثوار الغوطة الشرقية ينون اقتحام منطقة باب توما وقتل كل المسيحيين. وأمرت السلطات الفرنسية يومها سكان الحيّ برسم الصلبان على أسطح منازلهم تجنباً لقصفها من قبل الطيران الحربي. بعدها شهد الحي مظاهرة عارمة ضد الانتداب، قادها فائز الخوري من الكتلة الوطنية، كانت أكبرها في 3 تشرين الثاني 1933 احتجاجاً على تعطيل البرلمان السوري.
ومن أشهر سكان الحي وأعيانه
- جبران شامية (أحد أعيان الشام في العهد الحميدي)
- ماري عجمي (مؤسسة مجلة العروس)
- متري قندلفت (أحد مؤسسي مجمع اللغة العربية)
- فارس الخوري (رئيس وزراء سورية وعميد الكتلة الوطنية)
- فائز الخوري (عميد كلية الحقوق في الجامعة السورية وأحد قادة الكتلة الوطنية)
- توفيق شامية (أحد قادة الكتلة الوطنية)
معالم الحي اليوم
من أشهر معالم منطقة باب توما اليوم:
- قصر الوجيه الدّمشقي توفيق شاميّة
- بيت الأديبة ماري عجمي
- حمّام البكري
- كنيسة القديس جرجس للسريان الكاثوليك (شُيّدت سنة 1951)
- مدرسة البيزنسون
- مدرسة الفجر
- مدرسة الآسية.
وفي تسعينيات القرن العشرين، تحول الكثير من دور باب توما إلى مطاعم ومقاه وفنادق، وصار الحيّ منطقة سياحية يرتادها السّيّاح من جميع دول العالم.
-
نايف تللو
نايف تللو (1885 – 21 آب 1915)، مناضل وصحفي سوري من دمشق، أُعدم في بيروت بأمر من جمال باشا يوم 15 آب 1915.
البداية
ولِد نايف تللو في دمشق ودَرَس في مدارسها الحكومية. بدأ حياته المهنية موظفاً في الدولة العثمانية ومراسلاً لصحيفة المقتبس. خدم في درعا وزحلة قبل تعيينه مأموراً لتحصيل الضرائب في سهل البقاع أولاً ومن ثمّ في الكرك.
الاعتقال والإعدام
انتسب نايف تللو إلى حزب اللامركزية وأعتُقل في مطلع عام 1915 بأمر من جمال باشا، قائد الجيش الرابع في ولاية سورية. مثل أمام الديوان العرفي في مدينة عاليه وحُكم عليه بالإعدام شنقاً حتى الموت. وقد نٌفّذ الحكم في ساحة البرج في بيروت يوم 21 آب 1915. بعد سقوط الحكم العثماني سنة 1918، أُطلق اسمه على مدرسة في منطقة ركن الدين بدمشق وعلى شارع في منطقة البسطة التحتا في بيروت.
-
الأمير محمد سعيد الجزائري
الأمير محمّد سعيد الجزائري (1883 – 16 تموز 1970)، سياسي سوري من أصول جزائريّة، كان حاكماً على مدينة دمشق في الفترة الانتقالية ما بين سقوط الحكم العثماني في 26 أيلول 1916 ودخول قوات الحلفاء في 1 تشرين الأول. وكان أحد مؤسسي الكتلة الوطنية في سورية وهو حفيد الأمير عبد القادر الجزائري، نزيل دمشق في الربع الأخير من القرن التاسع عشر.
البداية
ولد الأمير محمّد سعيد الجزائري في دمشق قبل أشهر من وفاة جدّه الأمير عبد القادر الجزائري سنة 1883. دَرَس في مدارس دمشق الحكومية وعمل في الزراعة وإدارة أملاك الأسرة دون أي تدخل في الأمور السياسة قبل الحرب العالمية الأولى. رفض المشاركة في الجمعيات المناهضة للحكم العثماني، كالمنتدى الأدبي والجمعية العربية الفتاة، ولكنّه حاول التوسط لعمّه الأمير عمر الجزائري، الذي اعتُقل بتهمة التخابر مع دول أجنبية لقلب نظام الحكم العثماني في سورية.
ولكنّ وساطته لم تفلح وقام جمال باشا، قائد الجيش الرابع، بإعدام الأمير عمر شنقاً يوم 6 أيار 1916، ما خلق شرخاً كبيراً بين الأمير سعيد وجمعية الاتحاد والترقي الحاكمة في إسطنبول. مع ذلك، رفض الأمير سعيد الانضمام إلى الثورة العربية الكبرى التي انطلقت من مكة سنة 1916، وكانت بقيادة الشريف حسين بن عليّ، علماً أن شقيقه الأمير عبد القادر (الحفيد) كان من أنصارها.
تحرير دمشق
عندما وصلت طلائع قوات الثورة العربية إلى مشارف دمشق منتصف شهر أيلول من العام 1918 استُدعي الأمير سعيد إلى مقرّ الحاكم العثماني في فندق فكتوريا على ضفاف نهر بردى، وعُقد اجتماع بينه وبين جمال باشا المرسيني، الذي طلب إليه تأمين خروج آمن للجنود العثمانيين. كان الأمير سعيد يومها يأتمر على قوة عسكرية من الجنود، جميعهم من أصول جزائرية، فأمرهم بتوفير الحماية اللازمة للجنود الأتراك وللأحياء الدمشقيّة المنكوبة، ردعاً لعمليات النهب والتخريب التي تعرضت لها المدينة مع الانهيار السريع للجيش العثماني .
المجموعة الأولى من رجال الأمير سعيد نُشرت جنوب المدينة في حيّ الشاغور ووزّعت الفرق الأخرى على الميدان وباب شرقي وباب توما وحيّ الأكراد على سفح جبل قاسيون. وتوجهت مجموعة كبيرة من رجاله إلى مناطق الصالحية والمهاجرين، حيث منزل الوالي العثماني ومعظم ضبّاطه، وكلّفت مجموعة ثالثة بحماية وسط المدينة القديمة، من باب الجابية ومدحت باشا وسوق الحميدية مروراً بساحة المرجة حيث السراي الحكومي.
حاكماً على دمشق
ذهب الأمير سعيد برفقة ثلاثة من أقربائه إلى مبنى السراي وسط ساحة المرجة ليجدوه خالياً من الموظفين والجنود، ولا وجود فيه لأي مسؤول عثماني. اتجه نحو مكتب الوالي في الطابق العلوي من البناء ووجد مقعد الحكم شاغراً، فجلس عليه مُعلناً نفسه “حاكماً عربياً مستقلاً” على المدينة، قائلاً: “اعتبرت نفسي مسؤولاً عن دمشق.” أعلن الأمير سعيد عن انتهاء الحكم العثماني وقيام حكومة عربية مستقلة باسم الشريف حسين بن عليّ، دون أي تفويض لا من الشريف حسين ولا من الضبّاط الإنكليز العاملين في صفوف الثورة العربية الكبرى. وقد طلب إلى صديقه الصحافي معروف الأرناؤوط إحضار راية الثورة العربية من منزله بحيّ العمارة، لرفعها فوق دار الحكومة وسط ساحة المرجة، بعد إنزال العلم العثماني. كان ذلك في يوم الجمعة 27 أيلول 1918، وأُقيمت الصلاة في الجامع الأموي باسم الشّريف حسين، وأمّ الأمير محمّد سعيد بالمصلّين، بصفته وليّاً عن الأمّة.
حكومة الأمير المؤقتة
عُيّن معروف الأرناؤوط مديراً للبرق والبريد وطلب منه الأمير سعيد مخاطبة المدن السورية ببيان جاء فيه: “بناء على تسليمات الدولة التركية، فقد تأسست الحكومة العربية الهاشمية على دعائم الشرف. طمئنوا الجميع وأعلنوا الحكومة باسم الحكومة العربية.” وقد وُقّعت الرسالة باسم “الأمير سعيد” دون تحديد نسبه وعائلته، نظراً لشهرته في سورية.
بعدها أمر الأمير بمصادرة ما تبقى من أموال في خزانة الحكمدارية العثمانية ووضعها تحت مراقبة صديقه شكري التاجي، الذي جرد الممتلكات العامة وسلّمها للضابط الدمشقي ممدوح العابد. وقد عيّن الضابط السوري سعدي كحالة قائداً للدرك، والفلسطيني أمين التميمي مديراً للأمن العام والوجيه اللبناني عمر بيهم حاكماً على مدينة بيروت. وشكّل الأمير سعيد حكومة مصغرة مؤلفة من خمس لإدارة شؤون البلاد، وهم فارس الخوري وعطا الأيوبي وشاكر الحنبلي وجميل الألشي وبديع مؤيد العظم.
عزل الأمير سعيد
إلا أن هذه الحكومة لم تستمر إلّا أياماً معدودة فقط، وأُطيح بها يوم 1 تشرين الأول 1918، عند وصول القوات البريطانية إلى مدينة دمشق، حيث أمر الكولونيل توماس لورنس (لورنس العرب) بعزل الأمير سعيد عن منصبه، واصفاً إياه بالمغتصب للسلطة، وقام باعتقال شقيقه الأمير عبد القادر (الحفيد). دعا لوانس الأخوين الجزائري إلى اجتماع في بهو فندق فكتوريا، حضره شكري باشا الأيوبي ورضا باشا الركابي من الضبّاط مع نوري الشعلان والطبيب أحمد قدري من رجالات الشريف حسين. وقف خارج الفندق عشرة فرسان من حرّاس آل الجزائري، حاملين البنادق والسيوف لحماية الأمير وشقيه من أي أذى قد يتعرضون له من قبل لورنس. نهض الأمير عبد القادر الحفيد وخاطب الضابط البريطاني قائلاً:
يا لورانس، أنت تهدد أبناء عبد القادر بالسجن مَسوقاً بدسائس الدساسين، وأنت تعلم أننا لا نخشى الحبس ولا الموت، بل لا نخشى أحداً سوى الله. نحن أتينا بهذا العلم (مشيراً إلى العلم المرفوع فوق الفندق) وقد استلمته من الملك حسين بن عليّ بعد أن طيف به حول الكعبة وصلى عليه أربعون ألف مسلم، وهو يخفق الآن فوق الرؤوس، ولن يتزحزح من مكانه حتى تراق آخر نقطة من دمائنا. إذا كان الخلاف على هذا الكرسي فنحن نرفسه بأرجلنا.
ثم أضاف: “استلموا إذاً هذا الكرسي، والمفروض منا المحافظة عليه وعلى هذا العلم وعلى استقلال البلاد.”(9) سلّم بعدها الأمير سعيد مقاليد الحكم ومفاتيح السراي إلى لورانس، منهياً أقصر فترة حكم عرفته مدينة دمشق في تاريخها المعاصر.
اعتقال الأمير، وقتل شقيقه
اعتُقال الأمير سعيد لمدة وجيزة، قبل إطلاق سراحه من قبل الأمير فيصل ونفيه إلى مدينة حيفا في فلسطين. أمّا الأمير عبد القادر الحفيد، فقد قُتِل، وأشيع يومها أن أوامر القتل جاءت من رضا باشا الركابي، بعد تعيينه حاكماً عسكرياً على سورية. بقي لورانس في دمشق ثلاثة أيام وغادرها في 4 تشرين الأول 1918 بعد تثبيت حكم الأسرة الهاشمية الممثلة بالأمير فيصل.
في جمعية الخلافة الإسلامية
عاد الأمير سعيد إلى دمشق سنة 1924 بعد سقوط الحكم الفيصلي وفرض الانتداب الفرنسي على البلاد، ليؤسس جمعية الخلافة الإسلاميّة في سورية، رداً على إلغاء الخلافة الإسلامية في جمهورية مصطفى كمال أتاتورك العلمانية. وكانت هذه الجمعية تهدف إلى إيجاد خليفة صالح للأمّة الإسلامية، بدلاً من آخر خلفاء بني عثمان، عبد المجيد الثاني، الذي عُزِل في آذار 1924. تفرّغ الأمير سعيد لهذا الغرض، وكان يُريد أن يكون هو الخليفة المُنتظر، لكونه يُلبي كل شروط البيعة والخلافة، نطراً لنسبه الشريف. وقد جمع حوله من أيّد هذه الفكرة من الأعيان، مثل وزيره السابق بديع مؤيد العظم، الذي بات رئيساً لمجلس الشورى في زمن الانتداب، وأمين فتوى دمشق الشّيخ عبد المحسن الأسطواني والمفتي الشّيخ عطا الكسم. وقد اعترض على طموح الأمير سعيد كلّ من الشّريف حسين، الذي كان قد رشّح نفسه للخلافة أيضاً، وملك مصر فؤاد الأول الذي حصل على تزكية من شيخ الأزهر لتولّي هذا المنصب الحسّاس.
دوره في الثورة السورية الكبرى
وعندما قصف الجيش الفرنسي مدينة دمشق في 18 تشرين الأول 1925، توجه الأمير سعيد إلى منطقة باب توما التي خيّم الخوف على سكانها المسيحيين عندما بثّت القوات الفرنسية إشاعة كاذبة أن الثّوار يريدون اقتحامها وقتل أهلها. حاول الأمير سعيد استعادة دور جدّه الأمير عبد القادر الجزائري، الذي أنقذ آلاف المسيحيين من الموت أثناء فتنة عام 1860، فأمر بفتح أبواب قصره لاستضافتهم وحمايتهم، قائلاً: “أنتم بأمان، تماماً كما كان أجدادكم بأمان في رِحاب هذا المنزل.” ذهب الأمير سعيد بعدها إلى بيروت لمقابلة المندوب السامي الفرنسي موريس ساراي، مطالباً بوقف فوري لإطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية إلى مدينة دمشق المنكوبة.
تأسيس الكتلة الوطنية
في 23 تشرين الأول 1927، شارك الأمير سعيد في اجتماع عُقد في بيروت وأدى إلى ولادة الكتلة الوطنية، أبرز تنظيم سياسي عرفته البلاد السورية في زمن الانتداب الفرنسي. سعت الكتلة الوطنية إلى إنهاء الانتداب بطرق سلمية وقانونية، وكانت برئاسة هاشم الأتاسي. شارك الأمير سعيد في تأسيس الكتلة مع الأتاسي ولكنّه لم ينشط في صفوفها بعد ذلك التاريخ.
الحملة الوطنية لمقاطعة المصالح الفرنسية
في صيف العام 1931، قام الأمير سعيد بإطلاق الحملة الوطنية لمقاطعة شركة الكهرباء البلجيكية عندما رفعت تعرفة ركوب الترامواي بدمشق. هاجم رجاله حافلات الترامواي وأضرموا النار بداخلها، ثم دخلوا المتاجر وأجبروا أصحابها على الإغلاق ومقاطعة الشركة البلجيكية. استمرت هذه الحملة طوال أشهر الصيف ونجح الأمير سعيد في إجبار الشركة الأجنبية على التراجع عن قراراتها وتخفيض تعرفة الكهرباء وركوب الترامواي بقيمة قرش سوري. وفي تشرين الأول عام 1931 ترأس الأمير سعيد تظاهرات حاشدة عمّت أرجاء العاصمة السورية، في الذكرى الأربعين لاستشهاد عمر المختار قائد المقاومة الليبية.
في عهد الاستقلال
غاب الأمير سعيد من بعدها عن أي نشاط سياسي واختصر ظهوره على حضور المناسبات الوطنية، وكان أبرزها عيد الجلاء الأول في 17 نيسان 1946. وفي 14 آب 1949 دعاه اللواء سامي الحناوي إلى اجتماع كبير في مبنى الأركان العامة، عشية الانقلاب الثاني في سورية الذي أطاح بحكم حسني الزعيم. أيّد الأمير سعيد عودة الحياة المدنية وتولّي هاشم الأتاسي زمام الأمور ريثما يتم وضع دستور جديد للبلاد. وفي مرحلة الستينيات، أصبح الأمير سعيد يقضي معظم أوقاته متنقلاً بين دمشق والجزائر، وكان آخر ظهور له بدمشق يوم دعوته لمقابلة وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد سنة 1970.
مذكرات الأمير سعيد
وضع الأمير سعيد مذكراته في الجزائر سنة 1968، التي أُعيدت طباعتها بدمشق سنة 2015 تحت إشراف الأمير جعفر طاهر الجزائري، أحد أحفاد الأمير عبد القادر من الجيل الرابع، وقد قدّم لها المؤرخ السوري سامي مروان مبيّض.
الوفاة
توفي الأمير محمد سعيد الجزائري في ولاية معسكر الجزائرية عن عمر ناهز 87 عاماً يوم 16 تموز 1970، ودُفن في مقبرة أجداده.
المناصب
رئيساً للحكومة السورية (26 أيلول – 1 تشرين الأول 1918)
- سبقه في المنصب: لا يوجد
- خلفه في المنصب: رضا باشا الركابي
-
باب البريد
باب البريد، منطقة سكنية وتجارية محيطة بالباب الغربي للجامع الأموي، الذي كان في الماضي أحد أبواب معبد جوبيتر. بقي المعبد الأصلي قائماً حتى العصر الأيوبي، عندما قام الملك العادل أبو بكر بن أيوب بفكه ونقل حجارته وعمدته إلى قلعة دمشق لعمارتها. باب الجامع لا يزال قائماً حتى اليوم وكذلك المنطقة المجاورة له وقد بدأت تزدهر منذ سنة 1329 وفيها عقد مجمع اللغة العربية اجتماعه التأسيسي في المدرسة العادلية الكبرى سنة 1919.
باب البريد في التاريخ
يذكر الشاعر والأديب ياقوت الحموي في القرن السابع الهجري إن محلّة باب البريد كانت في عصره من أنزه المناطق بدمشق. وفي العهد المملوكي يُفيد ابن قاضي شهبة أن باب البريد كان له أدراج وعلى يمين النزل منه قناة، ويعتقد أن مكان هذا الدرج اليوم هو عند المنحدر الذي يلتقي عنده سوق الحميدية بسوق المسكية تحت الرواق الروماني المعبد. وكان لباب البريد رواق معمّد ما زالت بقاياه قائمة حتى اليوم في ساحة المسكية.
معالم باب البريد
تُعرف المنطقة التي تشمل سوق المسكية اليوم بباب البريد وتصل إلى النهاية الشرقية من سوق الحميدية. ومن المعالم المحيطة بها:
- المدرسة العادلية الكبرى
- مدرسة الملك الظاهر
- المدرسة السّليمانيّة
- المدرسة المرادية
وفي الربع الأخير من القرن التاسع عشر، أٌقيم مسرحاً للفنون في باب البريد بإشراف الفنان أبي خليل القباني وفي العصر الحديث يُعرف الحي بأسواقه التجارية ومطعم أبو العز الشرقي القريب منه.
-
الشباب الوطني
الشباب الوطني، الذراع الشبابي للكتلة الوطنية، أسسه الزعيم فخري البارودي وكان له حضور ملفت في دمشق وحلب وبقية المدن السورية في السنوات 1929-1936. لعب الشباب الوطني دوراً محورياً في أدارة الإضراب الستيني الذي دعت له الكتلة الوطنية وانبثق عنه تنظيم القمصان الحديدية سنة 1936.
البداية
تأسست الكتلة الوطنية سنة 1928 في أعقاب هزيمة الثورة السورية الكبرى وفكر قادتها بإنشاء ذراع شبابي لها من اليوم الأول، بناء على طلب فخري البارودي، الملقب بشيخ الشباب والقريب من طلاب المدارس والجامعة السورية. قادة الكتلة الوطنية كانوا إما من الشيوخ الكبار، أمثال هاشم الأتاسي وإبراهيم هنانو، أو من سياسيين في منتصف العمر، مثل شكري القوتلي وسعد الله الجابري، ما خلق فجوة بينهم وبين جمهور الشباب الثائر ضد الانتداب الفرنسي.
الهيئة العامة
بدء البارودي بجمع الشباب في صفوف الكتلة ليكونوا قادة المستقبل في الحركة الوطنية. أول من تواصل معه كان التاجر الشاب محمود البيروتي من أهالي سوق ساروجا، وهو صاحب متجر صغير في زقاق رامي خلف ساحة المرجة. كان البيروتي أحد مؤسسي كشّاف أُميّة، من أفرع الكشّاف السوري في حينها، وله علاقات طيبة مع طلاب مدرسة التجهيز الأولى. انضم إليه في تأسيس الشباب الوطني المحامي سيف الدين المأمون، خريج جامعة بيروت الأميركية، والمحامي منير العجلاني، العائد حديثاً من دراسة الحقوق في جامعة السوربون. ظلّ تنظيم الشباب الوطني يعمل بشكل عشوائي حتى ربيع العام 1936، يوم انتخاب هيئة عامه لة مؤلفة من السادة:
- سيف الدين المأمون (أمين سر)
- منير العجلاني (مراقب عام)
- منير الريّس (مراقب ثاني)
- منير المالكي (أمين صندوق)
حدد جميل مردم بك، أحد قادة الكتلة الوطنية بدمشق، ملامح تنظيم الشباب الوطني قائلاً:
إن الشباب الوطني رسالة كريمة تنحصر في التبشير بأننا أمة تريد الاستقلال والحياة الحرة، وفي مقاومة عوامل التفرقة سواء كانت إقليمية أم دينية أم عنصرية أم مذهبية، وفي إفهام أبناء البلاد بأنهم أبناء وطن واحد فعليهم أن يتعاونوا على إعلاء شأنه واجتناب جذور التفرقة التي هي الداء الذي يودي بحياة أعظم الأمم فضلاً عن أمة صغيرة ناشئة كأمتنا.
التمويل
تمويل الشباب الوطني كان يأتي مباشرة من ميزانية الكتلة الوطنية العامة القائمة بدورها على التبرعات. وبعد نجاح التجربة، انفصل تمويله عن الكتلة وبات مرتبطاً بالصناعي توفيق قباني، الذي تكفل بتحمل أعبائه المالية اليومية كافة. ثم جاء التاجر أمين دياب وقدم مقراً دائمة للكتلة الوطنية في محلّة القنوات، خصص فيها ركن لنشاط الشباب الوطني
الأعضاء
انضم إلى صفوف الشباب الوطني عدد من الشباب اللامعين، ومنهم:
- الصحفي وجيه الحفار ( صاحب جريدة الإنشاء)
- الصحفي نجيب الريّس (صاحب جريدة القبس)
- الشاعر شفيق جبري
- أحمد السمان (أستاذ القانون في الجامعة السورية)
- المحامي نعيم أنطاكي
- معروف الدواليبي (رئيس رابطة الطلاب العرب في فرنسا)
القمصان الحديدية
من نشاطات الشباب الوطني كان تنظيم طلاب المدارس والجامعة، وحشدهم للمشاركة في جنازة إبراهيم هنانو في حلب في تشرين الثاني 1935، التي تحولت إلى مظاهرة كبرى ضد الانتداب الفرنسي، سقط خلالها عدد من الشهداء. ردت فرنسا باعتقال قادة الشباب الوطني في حلب، وملاحقة زملائهم في دمشق واعتقالهم في سجن القلعة. وفي كانون الثاني 1936 اعتقل فخري البارودي بأمر من السلطات الفرنسية، مما فجّر إضراباً عاماً في البلاد – عُرف بالإضراب الستيني – أشرف قادة الشباب الوطني على تنظيمه وامتداده من دمشق إلى المدن السورية كافة.
أثناء الإضراب، أطلق منير العجلاني ذراع شبه عسكري للشباب الوطني، سُمّي بالقمصان الحديدية، كانت مهمته حماية الأحياء والأهالي من الفرنسيين، في ظلّ غياب جيش وطني. كان تنظيم القمصان الحديدية يتبع إدارياً ومالياً للشباب الوطني، وسياسياً للكتلة الوطنية. وقد سعى الشباب الوطني من خلاله إلى تأهيل جيل الشباب في سورية، ليكون “ثلاثي الأبعاد” مثل رجال عصر النهضة في أوروبا، يُجيدون الفروسية والقتال، إضافة للمناظرات والمبارزات الشعرية والموسيقى.
النهاية
ولِد تنظيم القمصان الحديدية رسمياً في آذار 1936، وتأثر قادته بفرقة القمصان البنية في ألمانيا، التابعة للزعيم النازي أدولف هتلر. وضع شباب القمصان الحديدية ربطة حمراء على ذراعهم الأيمن، تشبه ربطة الحزب النازي وأطلقوا تحيّة عسكرية مشابهة لتحيّة هتلر. وقد أدى هذا التشابه بينهم وبين النازية إلى صدور قرار فرنسي بحظر القمصان الحديدة ومعها الشباب الوطني، بتهمة العمالة لهتلر.
تفرّق أعضاء الشباب الوطني من بعدها فمنهم من انشق عن الكتلة، كمعروف الدواليبي ومنير العجلاني، ومنهم من نفي خارج البلاد كمنير الريّس الذي أقام في برلين حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. ومع سقوط عهد الكتلة الوطنية في تموز 1939، سقطت معه معظم التنظيمات التابعة له، وكان على رأسها الشباب الوطني الذي غاب ذكره من يومها.
-
عبد اللطيف فتحي
عبد اللطيف بن محمد علي فتحي القصبللي (1916 – 8 آذار 1986)، مخرج وممثل وكاتب سوري من الرواد، عمل في المسرح والإذاعة والتلفزيون، وهو مهندس عملية “تشويم المسرح” ونقله من اللهجة المصرية إلى العامية الدمشقية. عمل في عدة فرق مسرحية وأسس فرقة خاص به، حملت اسمه من سنة 1946 ولغاية عام 1956. شارك في تأسيس إذاعة دمشق سنة 1947 وفرقة المسرح الحر ثم فرقة مسرح العرائس التي أسسها وأدارها في زمن الوحدة مع مصر، قبل انتقاله إلى التلفزيون السوري سنة 1966. في عام 1971 كان أحد أبطال مسلسل صح النوم مع دريد لحام ونهاد قلعي، حيث ظهر بشخصية “بدري أبو كلبشة” التي أوصلته إلى النجومية في العالم العربي.
البداية
ولد عبد اللطيف فتحي بسوق ساروجا وكان والده ضابطاً في الجيش العثماني. دَرَس في مدارس دمشق الحكومية ولم يُكمل تحصيله العلمي للتفرغ للفن. انضم سنة 1934 إلى نادي إيزيس الفني الذي كان يرأسه جودت الركابي ومنه انتقل إلى فرقة حسن حمدان أولاً ثم إلى فرقة عطيّة محمد المصريّة التي كانت تُقدم عروضاً غنائيّة واستعراضية في سورية ولبنان. بالتعاون مع الشاعر الشعبي عبد الغني الشيخ أسس فتحي فرقة خاصة سنة 1936، أطلق عليها اسم “الميوزك هول” ثم التحق بفرقة أمين عطا الله المصريّة الشهيرة، ممثلاً ومساعداً للمخرج مراد أصلان. وفي معظم العروض المسرحية كان يظهر بدور “عثمان السفرجي النوبي،” وكانت كل حواراته باللهجة المصرية.
فرقة عبد اللطيف فتحي
كانت نقطة التحول في حياة عبد اللطيف فتحي سنة 1946 عندما تخلى عن شخصية “عثمان السفرجي” وأسس فرقة مسرحية باسم “فرقة عبد اللطيف فتحي” ضمّت عدداً من الفنانين المعروفين مثل سعد الدين بقدونس وأنور المرابط. ومنها بدأ فتحي عملية “تشويم المسرح” والتخلي التدريجي عن اللهجة المصريّة الرائجة في المسرح العربي يومها لصالح اللهجة الدمشقية المحكية.
قدمت فرقة عبد اللطيف فتحي عشرات المسرحيات، كانت معظمها على خشبة مسرح النصر في سوق الحميدية (الذي هُدم سنة 1983)، وفيها كانت بداية تعويذته الشهيرة: “هرّوا…هرّو…هرّو” التي كان يُطلقها فتحي قبل ظهوره على المسرح، مع عبارته الشهيرة “يا ساتر.” حققت الفرقة بإشرافه نجاحاً باهراً وكتبت عنه الصحف الدّمشقيّة وأطلق عليه لقب “سيّد المسرح السوري.” ومن المسرح انتقل فتحي إلى إذاعة دمشق عند تأسيسها سنة 1947 وقدم العديد من التمثيليات الفكاهية كانت جميعها من إخراج مازن لطفي.
فرقة المسرح الحر سنة 1956
جاءت فكرة المسرح الحرّ نظراً لحاجة الفنانين السّوريين لمسرح خاص بهم، يُحررهم من استغلال أصحاب الصالات الكبرى، الذين كانوا يتقاضون مبالغ كبيرة من المال، لا تُبقي للفنان إلّا ربح زهيد من عائدات شبّاك التذاكر. أطلقوا فرقة المسرح الحرّ سنة 1956 وأقاموا لها مسرحاً خاصاً في شارع العابد، وظلّ عبد اللطيف فتحي يعمل بها حتى سنة 1960 تاريخ انتقاله إلى المسرح القومي التابع لوزارة الثقافة في زمن الوحدة مع مصر.
مسرح الستينيات
ومن رحم المسرح القومي ولِدت فرقة أُميّة للفنون الشعبيّة ومسرح العرائس الذي عُيّن عبد اللطيف مديراً له. قدم عشر مسرحيات للأطفال، كانت كلها من إخراجه، وتعاون مع خبراء من يوغوسلافيا وبلغاريا لغاية انتقاله مجدداً، وهذه المرة إلى فرقة المسرح الشعبي، حيث قدم أشهر أعماله مثل “أزمة عصبية” و”بين ساعة وساعة” و”يوم من أيام الثورة السورية” التي عرضت على خشبة معرض دمشق الدولي في أيلول 1961 وكتب ألحانها الموسيقار صلحي الوادي. وفي سنة 1964 كانت مسرحية الملحمة السورية التي تضمنت لوحة الشيخ سعدو مع الفنان أنور البابا وأصبحت من كلاسيكيات الفن السوري. وفي سنة 1968 أعاد إخراج وتمثيل مسرحية “صابر أفندي،” التي كان قد شارك في عرضها الأول عام 1958 وكانت من تأليف القاص الشعبي حكمت محسن.
مسرح شكسبير
بعد نجاح مسرحية “صابر أفندي” المدوي، قرر عبد اللطيف فتحي خوض تجربة جديدة بعيداً عن الكوميديا وشارك في عملين تراجيديين للكاتب العالمي وليام شكسبير: ترويض الشرسة من إخراج يوسف حرب ومسرحية الملك لير، من إخراج علي عقلة عرسان. لعب دور البطولة في الملك لير التي عرضت بدمشق يوم 30 كانون الأول 1976 وفي ختانها، قلدته وزير الثقافة الدكتورة نجاح العطار وسام الاستحقاق السوري نيابة عن رئيس الجمهورية حافظ الأسد.
مسلسل صح النوم
أما شهرة عبد اللطيف فتحي العربيّة فقد جاءت عبر مشاركته في المسلسل الكوميدي صح النوم، مع دريد لحام ونهاد قلعي سنة 1971، والذي قدم فيه شخصيته المعروفة “بدري أبو كلبشة.” لم يكن فتحي من أسرة العمل في حلقاته الأولى، ولكنّه دخل عليه مُتأخراً بعد انسحاب الفنان فهد كعيكاتي من دور رئيس المخفر، فقدم الدور عبد اللطيف فتحي ببراعة، وقام بتطوير ملامح شخصيته بالتعاون مع كاتب المسلسل نهاد قلعي. أدخل عليها عدّة جمل ربطت باسمه من يومها، مثل “أنفي لا يخطئ” و”أنا يلي دوخت موسوليني.”
شخصية “بدري أبو كلبشة” كانت أحد أسباب نجاح مسلسل صح النوم وانتشاره عربياً، وهو العمل الذي كتب عنه النقّاد وقالوا إنه “خلّد كلّ من شارك فيه.” ونظراً لنجاح المسلسل الباهر، جاءت تمثيلية متممة بعنوان ملح وسكر سنة 1973 وجزء ثاني مع فيلم سينمائي حمل نفس الاسم عام 1976. دخلت شخصية “أبو كلبشة” كل بيت سوري، مع غوار الطوشة وحسني البوراظان، ظهرت أقنعة برسمه تباع للأطفال في أسواق دمشق، مع وضع بدلته العسكرية ضمن مقتنيات مكتبة الأسد الوطنية عند افتتاحها. وكان كلما رأى نهاد قلعي من بعدها يقول له: “سامحك الله، هل يعقل بعد أربعين سنة مسرح الناس لا تناديني في الشارع إلا بدري أبو كلبشة؟”
في السينما
كان عبد اللطيف فتحي مقلاً في أعماله السينمائية والتلفزيونية، نظراً لتفرغه شبه التام للمسرح. آخر عمل تلفزيوني له كان سنة 1977 أما في السينما فقد شارك في بطولة فيلم موعد من الأمل مع النجم اللبناني فيلمون وهبة سنة 1968 ومع دريد ونهاد بطولة فيلم عندما تغيب الزوجات سنة 1980.
الوفاة
توفي عبد اللطيف فتحي عن عمر ناهز 70 عاماً يوم 8 آذار 1986 وكرمته الدّولة السّورية بإصدار طابع بريدي يحمل رسمه وفي سنة 2008 منحه الرئيس بشار الأسد وسام الاستحقاق مجدداً – من الدرجة الممتازة هذه المرة – في احتفاليات مدينة دمشق عاصمة للثقافة العربية. صدرت سيرته في كتاب ظرفاء من دمشق للمؤرخ أكرم العلبي سنة 1996 وفي عام 2019 وضع الباحث أحمد بوبس كتاباً مرجعياً عن حياته بعنوان عبد اللطيف فتحي: رائد المسرح الشعبي.
الأعمال المسرحية
- البدوية الجميلة (1932)
- التعويذة (1935)
- القادم من أمريكا (1954 – تأليف وإخراج وبطولة)
- بالمقلوب (1956 – إخراج وبطولة)
- وصية المرحوم (1956 – إخراج وبطولة)
- صابر أفندي (1958 – إخراج وبطولة)
- حرامي غضب عنو (1958 – إخراج وبطولة)
- طريق النصر (1961 – إخراج وصفي المالح)
- يوم من أيام الثورة السورية (1961 – إخراج وبطولة)
- علي بابا والأربعين حرامي (مسرح العرائس 1961 – تأليف وإخراج)
- ليلى والذئب (مسرح العرائس 1961 – تأليف وإخراج)
- أفرام باشا (1961 – إخراج وبطولة)
- بنت الطحّان (مسرح العرائس 1962 – تأليف وإخراج)
- طاسة الرعبة (1962 – إخراج وبطولة)
- سمبو سمكة (1962 – تأليف وإخراج وبطولة)
- استفتاحية مباركة (1962 – تأليف وإخراج وبطولة)
- علاء الدين والفانوس السحري (مسرح العرائس 1963 – تأليف وإخراج)
- عربة سندريلا (مسرح العرائس 1963 – تأليف وإخراج)
- مرتي قمر صناعي (1963 – إخراج وبطولة)
- ساحر الغابات (مسرح العرائس 1964 – تأليف وإخراج)
- الملحمة السورية (1964 – إخراج وبطولة)
- السمكة الذهبية (مسرح العرائس 1965 – إخراج)
- صح النوم (1965 – إخراج وبطولة)
- الحطاب (مسرح العرائس 1966 – إخراج)
- المريض (مسرح العرائس 1966 – إخراج)
- أزمة عصبية (1966 – تأليف وإخراج وبطولة)
- بين ساعة وساعة (1966 – إخراج وتمثيل)
- صابر أفندي (1968 – إخراج وبطولة)
- الملك العاري (1969 – إخراج أسعد فضة)
- مسرحية السعد (1971 – إخراج أسعد فضة)
- مبارك ما أجاك (1971- تأليف وإخراج وبطولة)
- بدي شوف لطوف (1971 – إعداد وتمثيل)
- سكينة المطبخ (لم تنتج، 1971 – تأليف)
- مطلوب ع الجندية (1972 – تأليف وإخراج وبطولة)
- مجرم غصب عنو (1972 – إخراج فقط)
- أذكى غبي في العالم (1974 – إخراج فقط)
- ترويض الشرسة (1974 – إخراج يوسف حرب)
- البخيل (1975 – لإخراج حسين الإدلبي)
- عيد الشحّادين (1975، إخراج أسعد فضة)
- الملك لير (1976 – إخراج علي عقلة عرسان)
- التعويذة (1976 – إخراج وبطولة)
- الأرملة والمليون (1980 – إخراج يوسف حرب، تأليف وبطولة عبد اللطيف فتحي)
- البحث عن لطوف (1981 – تأليف وبطولة)
- تعال نضحك (1983 – تأليف وبطولة، إخراج يوسف حرب)
الأعمال التلفزيونية
- تمثيلية القناع الأسود (1966 – تأليف وبطولة)
- تمثيلية الكسلان العظيم (1966 – إخراج دريد لحام)
- تمثيلية مرتي أرصاد جوية (1967 – إخراج وبطولة)
- تمثيلية الزوجة الثانية (1967، تأليف وإخراج وبطولة)
- مسلسل امرأة تبحث عن مشكلة (1969)
- مسلسل صح النوم (1971 – إخراج خلدون المالح)
- مسلسل الدولاب (1972 – إخراج غسان جبري)
- تمثيلية ملح وسكر (1972 – إخراج خلدون المالح)
- مسلسل صح النوم – الجزء الثاني (1973 – إخراج خلدون المالح)
- مسلسل انتقام الزباء (1974 – إخراج غسان جبري)
- مسلسل حامض حلو (1976 – إخراج شكيب غنّام)
- مسلسل الحب والشتاء (1977 – إخراج صلاح أبو هنود)
الأعمال السينمائية
- سائق الشاحنة (1966 – إخراج بوشكو فوتشبنيتش)
- موعد من الأمل (1967 – إخراج محمد سلمان)
- خيمة كراكوز (1974 – إخراج محمد شاهين)
- غراميات خاصة (1974 – إخراج فيصل الياسري)
- حبيبي مجنون جداً (1975 – إخراج عبد المنعم شكري)
- العالم سنة 2000 (1975 – إخراج أحمد فؤاد)
- الخاطئون (1975 – إخراج سيف الدين شوكت)
- أموت مرتين وأحبك (1976 – إخراج جورج لطفي خوري)
- امرأة حياتي (1976 – إخراج عاطف سالم)
- عندما تغيب الزوجات (1980 – إخراج مروان عكاوي)
الأعمال الإذاعية
- مسلسل أمينة (إخراج مازن لطفي)
- مسلسل رغوة صابون (إخراج مازن لطفي)
- مسلسل تكسي في مدينة المرح (إخراج مازن لطفي)
- برنامج سنابل الأدب (إخراج مازن لطفي)
- مسلسل رماد الأيام (إخراج مازن لطفي)
- مسلسل الثرى والثريا (إخراج مازن لطفي)
- برنامج رحلة الأربعين سنة (ذكريات 1983 – إخراج مازن لطفي ونذير عقيل)
الاشكتشات الغنائية
- البخيل (1965 – ألحان سهيل عرفة، كلمات عمر الحلبي)
- البخيل والطفيليين (1965 – ألحان سهيل عرفة، كلمات عمر الحلبي)
- الفيلسوف والبخيل (1965 – ألحان سهيل عرفة، كلمات عمر الحلبي)
- البخيل والزوجة الثانية (1970 – ألحان سهيل عرفة، كلمات عمر الحلبي)
- البخيل والشيطان (1970 – ألحان سهيل عرفة، كلمات عمر الحلبي)
- رح يجننوني (1974- ألحان سهيل عرفة، كلمات عمر الحلبي)
- مصيبتي وبلوتي (1974- ألحان سهيل عرفة، كلمات عمر الحلبي)
-
عبد الله عطفة
عبد الله عطفة (1897 – 25 نيسان 1976)، مؤسس الجيش السوري ورئيس أركانه من سنة 1945 ولغاية استقالته من المنصب في أعقاب حرب فلسطين الأولى سنة 1948. أيد انقلاب حسني الزعيم على الرئيس شكري القوتلي وعُيّن ووزيراً للدفاع في حكومة الدكتور محسن البرازي أولاً ثم في حكومة هاشم الأتاسي الثانية والأخيرة من 14 آب ولغاية 14 كانون الأول 1949. اصطدم مع العقيد أديب الشيشكلي إبان انقلابه على اللواء سامي الحناوي وفي 31 كانون الأول 1949، سُرح نهائياً من الخدمة العسكرية.
البداية
ولد عبد الله عطفة قرية خربة غزالة التابعة لمحافظة حوران. درس في مدارس دمشق والكلية الحربية في إسطنبول، وعند تخرجه فيها يوم 1 تموز 1915 التحق بالجيش العثماني. فرزته القيادة العسكرية إلى الفرقة الثالثة في فلسطين ثم إلى الفرقة السادسة عشرة، ومع انتهاء الحرب العالمية الأولى وانسحاب القوات العثمانية عن سورية، عاد إلى دمشق وبايع الأمير فيصل بن الحسين حاكماً عربياً على البلاد.
معركة ميسلون والانتداب الفرنسي
شارك في تأسيس الجيش السوري مع وزير الحربية يوسف العظمة وخاض معه معركة ميسلون، فارساً في لواء الخيالة، يوم 24 تموز 1920. استشهد العظمة في ميسلون وسقط الحكم الفيصلي مع فرض الانتداب الفرنسي على سورية. أما عبد الله عطفة، فقد التحق بجيش الشرق التابع للسلطات الفرنسية وفي 10 تشرين الثاني 1921 أرسل إلى باريس لإتباع دورة عسكرية مُكثفة في مدرسة أركان الحرب العليا.
في زمن الانتداب الفرنسي (1920-1945)
أثناء تواجده في فرنسا أبحر في دراسات الحروب الأوروبية وأصبح مرجعاً في سياسات نابليون العسكرية. وتدرج عند عودته في جميع الرتب العسكرية وصولاً إلى ترفيعه إلى رتبة “مقدم” في جيش الشرق سنة 1936. كان أول ضابط سوري يصل إلى منصب قائد كتيبة في زمن الانتداب ومع بداية الحرب العالمية الثانية عام 1939، عُيّن رئيساً لأركان المنطقة الشرقية ثم قائداً لفوج الدفاع عن شواطئ سورية ولبنان.
رئيساً لأركان الجيش السوري
وعند وقوع العدوان الفرنسي على مدينة دمشق في 29 أيار 1945، انشق عطفة عن جيش الشرق وانضم إلى صفوف الثوار، تلبية لنداء رئيس الجمهورية شكري القوتلي. حكمت عليه فرنسا بالإعدام ولكن القوتلي أعجب بشجاعته وفي 5 آب 1945 – أي بعد خمسة أيام من تأسيس الجيش السوري – أصدر مرسوماً بتسميته رئيساً للأركان بالوكالة. وعند جلاء القوات الفرنسية عن سورية، عينه القوتلي رئيساً بالأصالة في 1 أيار 1947.
حرب فلسطين سنة 1948
أولى تحديات الزعيم عطفة كانت في تجهيز الجيش وتدريبه للمشاركة في حرب فلسطين، مع وضع أساسات وطنية لكلية حمص العسكرية التي ورثتها الدولة السورية عن فرنسا. شهد عهده تأسيس مدرسة الطيران وتسلّم المطارات العسكرية والثكنات من الفرنسيين. بقيادة الزعيم عطفة دخل الجيش السوري ميدان المعركة في 15 أيار 1948، يوم إعلان دافيد بن غوريون قيام دولة إسرائيل.
كلفته القيادة العربية المشتركة بوضع المخطط الحربي لجبهات القتال كافة، ورفعه إلى ملك الأردن لأخذ الموافقة النهائية عليه باعتباره أكثر الزعماء العرب دراية بالشؤون الحربية منذ مشاركته في معارك الثورة العربية الكبرى مع أبيه سنة 1916. أستهدف مدينة تل أبيب في مخططه وأراد احتلالها، مستغلاً نقاط الضعف في المناطق المؤدية إليها. وبعد بدء الهجوم وتقهقر القوات الصهيونية أمام تقدم الجيوش العربية أبرق الملك عبد الله إلى عطفة بطلب إليه تعديل خطة الهجوم على الجبهة السورية وإلزام الجيش السوري بالهجوم فقط من منطقة سمخ. وحين استلم عطفة البرقية القادمة من عمّان توجه بها على الفور إلى القصر الجمهوري ليضع رئيس الجمهورية ووزير الدفاع بصورتها. كان حوابهم واحد: “الملك عبد الله يتحمل المسؤولية وحده بصفته قائد الجيوش العربية،” فرد وقال إنها تحمل في طيّاتها “ضياع فلسطين.”
نجت القوات السورية في احتلال مستعمرة سمخ وما حولها، ولكنّها توقف عند مستعمرتي دغانيا آ ودغانيا ب، بانتظار تعزيزات عسكرية من الحلفاء. شنّت إسرائيل هجوماً معاكساً أفقد الجيش السوري كل مكتسباته الأولية في المعركة. خرجت مظاهرات حاشدة بدمشق، تطالب باستقالة رئيس الحكومة جميل مردم بك ووزير الدفاع أحمد الشرباتي ورئيس الأركان عبد الله عطفة. رفض مردم بك الاستجابة لمطالب المتظاهرين ولكن الشرباتي وعطفة استقالوا من مناصبهم في 23 أيار 1948. حاول البعض النيل من سمعة قائد الجيش وقالوا إنه كان على تواصل مع عبد الله للإطاحة بنظام سورية الجمهوري. شُكلت لجنة خاصة للتحقيق في كل الاتهامات الموجهة إليه، ومنها شراء سلاح قديم للجيش السوري وإطعام جنوده طعاماً فاسداً. وبعد انتهاء التحقيق قررت اللجنة تبرئته والشرباتي من كل التهم.
وزيراً للدفاع (حزيران – كانون الأول 1949)
أدت هذه الاتهامات إلى شرخ كبير في علاقة عطفة مع الطبقة السياسية الحاكمة، وكان على رأسها رئيس الجمهورية شكري القوتلي ورئيس حكومته خالد العظم الذي لم يُدافع عن قائد الجيش ولم يتدخّل لإنصافه في ظلّ الحملة الإعلامية والبرلمانية الشرسة التي أطلقت ضده. وبذلك أيد عبد الله عطفة الانقلاب العسكري الذي أطاح بالقوتلي والعظم في 29 أيار 1949 وكان بقيادة حسني الزعيم، خليفته في رئاسة الأركان. أعاده الزعيم إلى الخدمة العسكرية في 13 نيسان 1949 ورفعه إلى رتبة “لواء” قبل تعيينه وزيراً للدفاع في حكومة الدكتور محسن البرازي يوم 26 حزيران 1949. ولكن هذه الحكومة لم تستمر إلا أسابيع معدودة فقط وسقطت مع سقوط حكم الزعيم وإعدامه مع الدكتور البرازي في 14 آب 1949. حاول الزعيم استرضاء الجنود الذين اقتحموا منزله – بحسب ما جاء في مذكرات رئيسهم فضل الله أبو منصور – وتنصّل من تهمة تسريح رفاقهم العسكريين وقال إن هذه القرارات التعسفية كانت تصدر عن عبد الله عطفة.
تحالف عطفة مع مهندس الانقلاب، اللواء سامي الحناوي، وبعد ساعات من إعدام الزعيم والبرازي، سمّي وزيراً للدفاع مرة ثانية، في حكومة الرئيس هاشم الأتاسي. ولكن هذه الحكومة، مثلها مثل حكومة البرازي، لم تستمر طويلاً وسقطت في 19 كانون الأول 1949، عند قيام أديب الشيشكلي بانقلابه الأول داخل المؤسسة العسكرية واعتقال سامي الحناوي والكثير من أعوانه. نظراً لمكانته الرمزية كمؤسس للجيش السوري لم تطله اعتقالات الشيشكلي ولكن الأخير أصدر مرسوماً بتسريحه من الجيش في 31 كانون الأول 1949.
الوفاة
غاب عبد الله عطفة من بعدها عن أي منصب سياسي أو عسكري، ليقضي سنوات تقاعده الطويلة بدمشق وفيها توفي عن عمر ناهز 79 عاماً يوم 25 نيسان 1976.
المناصب
رئيساً لأركان الجيش السوري (5 آب 1945 – 23 أيار 1948)
- سبقه في المنصب: لا يوجد
- خلفه في المنصب: حسني الزعيم
وزيراً للدفاع (26 حزيران 1949 – 14 كانون الأول 1949)
- سبقه في المنصب: حسني الزعيم
- خلفه في المنصب: فيضي الأتاسي