وصَل دمشق قادماً من الجاز مع طلائع القوات العربية عشية انسحاب الجيش العثماني في أيلول 1918 وشارك في رفع عَلم الثورة العربية الكبرى فوق دار الحكومة مع صديقه الأمير سعيد الجزائري، الحاكم المؤقت لمدينة دمشق. عينه الأمير سعيد مديراً للبرق والبريد في الفترة الفاصلة ما بين خروج العثمانيين ودخول القوات العربية دمشق، أي من 26 أيلول وحتى 1 تشرين الأول 1918.
العمل في الصحافة
وعند دخول الأمير فيصل دمشق في 3 تشرين الأول 1918 كُلف معروف الأرناؤوط بإعادة فتح مكاتب جريدة الشرق التي كانت تصدرها الدولة العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى، بعد تغيير اسمها إلى جريدة الاستقلال العربي. صَدر عددها الأول في 14 تشرين الأول 1918، أي بعد نحو أسبوعين من إعلان الحكم الفيصلي في سورية، وكُتب على صفحتها الأولى “جريدة من العرب للعرب.” صَدرت الاستقلال العربي بصفحتين من القطع المتوسط، ثم بأربع صفحات قبل أن تتوقف في شباط 1919 عندما طلب معروف الأرناؤوط موافقة الأمير فيصل على ترك العمل الحكومي وإصدار صحيفة خاصة به.
بعد نجاح عرض “جمال باشا السفّاح” نفرغ الأرناؤوط لجريدة فتى العرب وأصدر عددها الأول في 18 شباط 1920. كانت في البداية جريدة مسائية، تَصدر بأربع صفحات من مكتبها الكائن في ساحة المرجة. وفي مرحلة قياسية أصبحت الجريدة من أشهر الصحف اليومية بدمشق، واستطاعت أن تجلب أكبر الأسماء الأدبية في الوطن العربي، من محمد حسين هيكلوأحمد شوقي إلى عباس محمود العقاد الذي صار يكتب بها بشكل دوري. تعرضت فتى العرب للحجب المُتكرر والإغلاق التعسفي في زمن الانتداب الفرنسي، ولكنها ظلّت تصدر في سنوات الاستقلال حتى بعد وفاة صاحبها عام 1948.
العمل الأدبي
وفي عام 1929، نشر معروف الأرناؤوط روايته الأدبية الأولى بعنوان سيد قُريش، عن حياة العرب في مرحلة البعثة النبوية. تحدث فيها عن معجزة النبوة وأثرها الاجتماعي في حياة العرب، وعند صدور طبعة ثانية قدم لها الدكتور منير العجلاني قائلاً: “رواية سيد قُريش فيها عطر، وفيها موسيقى وفيها عنصر من الشعر.”
نالت رواية سيد قُريش إعجاب النقّاد واستحسانهم، وعادت على صاحبها بأرباح مادية مكّنته من اقتناء منزل في شارع العابد وسط مدينة دمشق، بات يُعرف “بدار سيد قُريش.” وأعجب محمد كرد علي بها لدرجه أنه دعا الأرناؤوط للانضمام إلى مجمع اللغة العربية وتم انتخبه عضواً في 8 تشرين الأول 1930.
بعد سيد قُريش كَتب الأرناؤوط رواية عاطفية باسم مُستعار، جاءت بعنوان “على ضفاف البوسفورو” نُشرت في العدد 59 من مجلة اللطائف في 6 نيسان 1932. فضّل عدم وضع اسمه خوفاً من ردة فعل الجمهور الرصين الذي أحبّ رواية سيد قُريش لجدّيتها وبلاغتها. وفي عام 1936، نَشَر رواية ثالثة بعنوان “عمر بن الخطاب” تلتها رواية رابعة بعنوان “طارق بن زياد” قبل صدور رواية فاطمة البتول سنة 1942.
وترجم الأرناؤوط العديد من المسرحيات العالمية، منها “الرجوع إلى أدرنه” لروجيه لاهونت، “والصقلي الشريف” لألفريد دي موسيه، و”الطفلان الشريدان” لبيير دي كورسيل.” وفي الشعر كان له قصائد صاغها عن لغات أجنبية، مثل قصيدة “وقفة في الطلول” لأندريه شينيه التي نشرت في مجلّة الحديث بحلب سنة 1928.
الوفاة
توفي معروف الأرناؤوط عن عمر ناهز 56 عاماً في 30 كانون الثاني 1948.
ذكرى معروف الأرناؤوط
بعد وفاته بسنوات، أطلقت وزارة المعارف اسم معروف الأرناؤوط على مدرسة ابتدائية في حيّ القدم بريف دمشق.
مسلّم السيوفي (1883-1957)، تاجر وصناعي سوري من دمشق انتخب رئيساً لغرفة تجارتها من سنة 1941 ولغاية عام 1957. وكان أحد مؤسسي مشروع جر مياه نبع عين الفيجة من وادي بردى إلى العاصمة السورية.
البداية
ولِد مسلّم السيوفي في حيّ الشاغور ودَرَس في مدارسه الحكومية قبل أن يلتحق بالعمل التجاري مع والده في صناعة وحياكة الخيوط الحريرية وتحويلها إلى أقمشة فاخرة يتم بيعها محلياً وتصديرها إلى فلسطينومصر. تعرضت الأُسرة إلى مصاب كبير إبان العدوان الفرنسي على مدينة دمشق سنة 1925، الذي أحرق داره آل سيوفي في منطقة الشاغور والتهمت النيران كل ما فيه من أوراق ووثائق تجارية. فَتح معملاً للنسيج في منطقة دمّر القريبة من دمشق، وكان أحد المساهمين الرئيسيين في مشروع جر مياه نبع عين الفيجة من وادي بردى إلى العاصمة دمشق، مع عارف الحلبوني، رئيس غرفة تجارة دمشق، ونائبه لطفي الحفار.
تسلّم السيوفي سنة 1939 إدارة معمل الأسمنت في منطقة دمّر، وذلك بعد تعيين مديره خالد العظم وزيراً في حكومة نصوحي البخاري. ساهم مع شكري القوتلي في تأسيس شركة الكونسروة وانتخب عضواً في مجلس إدارتها، وهو من مؤسسي شركة التبريد في منطقة البرامكة، المتخصصة بتخزين وتبريد جميع أنواع الفواكه والخضار والاجبان.
توفي مسلّم السيوفي في دمشق عن عمر 74 عاماً سنة 1957 وخلفه في زعامة الأسرة نجله رفيق السيوفي، أمين عام وزارة المالية السورية وأحد المصرفيين السوريين الكبار في خمسينيات ومطلع ستينيات القرن العشرين.
مسرة بنت رضا المدني (توفيت سنة 1977)، سيدة سورية الأولى من أيلول 1941 ولغاية وفاة زوجها الرئيس تاج الدين الحسني في 17 كانون الثاني 1943. لم تمارس أي نشاط رسمي في فترة حكم زوجها ولم تشاركه أي مناسبة وطنية وظلّت محتجبة عن الأنظار مثل وردة شان الأتاسي، حرم سلفه هاشم الأتاسي.
الزواج والأولاد
ولِدت مسرة المدني في حيّ الحلبوني بدمشق وكان والدها كان من الأعيان وأمها نظيرة السفرجلاني من كبرى عائلات دمشق. دَرَست القرآن الكريم على يد المحدّث الأكبر في بلاد الشّام الشّيخ بدر الدين الحسني الذي أحبها وزوجها إلى ابنه تاج الدين وهي في الرابعة عشرة من عمرها. أنجبت مسرة المدني ست أولاد:
عادلة بيهم الجزائري (1900 – 3 كانون الثاني 1975)، مناضلة سورية من أصول لبنانية، لُقبت بأميرة الرائدات العربيات وأسست مدرسة دوحة الأدب بدمشق وكانت الرئيس المؤسس للاتحاد النسائي السوري عام 1933. دعمت الثورة السورية الكبرى وشاركت زميلتها المصرية هدى شعراوي في تأسيس اتحاد النساء العربيات في القاهرة سنة 1944.
البداية
ولِدت عادلة بيهم في بيروت وهي سليلة عائلة لبنانية عريقة وكانت أمّها سورية من أصول جزائرية. دَرَست في معهد الدياكونيز الألماني في لبنان وتعلّمت أصول الدين على يد الشّيخ عبد الله البستاني قبل انتقالها للعيش في سورية عند زواجها من الأمير أحمد مختار الجزائري – حفيد الأمير عبد القادر الجزائري – سنة 1917. نشطت في العمل الأهلي منذ صباها وكانت من مؤسسات جمعية يقظة الفتاة العربية في بيروت وجمعية الأمور الخيرية للفتيات العربيات، التي سعت لتأمين حاجات النساء المشرقيات في ظلّ غياب أزواجهن أثناء الحرب العالمية الأولى.
مع الجمعيات الأهلية
كتبت عن المرأة في الصحف البيروتية، دوماً تحت اسم “الفتاة العربية” المستعار، وبعد انتقالها إلى دمشق شاركت في جمعية يقظة المرأة الشاميّة مع نازك العابد وفي الوفد النسائي الذي مثل أمام لجنة كينغ كراين الأمريكية لمعرفة رأي الشعب السوري في نظام الانتداب التي كانت تسعى فرنسا لفرضه. قالت لأعضاء اللجة أن نساء سورية ولبنان يرفضن أي نوع من الوصاية الأجنبية، فرنسية كانت أم بريطانية. بعدها بأشهر وقّعت على كتاب باسم نساء سورية، رُفع إلى المؤتمر السوري العام المنعقد في دمشق وفيه مطالبة خطيّة بإعطاء المرأة العربية حقها الانتخابي.
الثورة السورية الكبرى
وعند اندلاع الثورة السورية الكبرى سنة 1925 ساهمت بيهم الجزائري بنقل العتاد والمؤن إلى ثوار الغوطة وكانت ترعى حاجات عائلات الشهداء والجرحى والمفقودين. وعندما قصفت فرنسا العاصمة دمشق بالمدافع يوم 18 تشرين الأول 1925 قادت مظاهرة نسائية تجاه السراي الحكومي وسط ساحة المرجة وطالبت بوقف العدوان.
مدرسة دوحة الأدب
أولى إنجازات عادلة بيهم الجزائري كانت مدرسة دوحة الأدب للبنات التي أنشأتها بدمشق سنة 1928. وفي حفل الافتتاح بحضور وزير المعارف محمد كرد علي قالت إن مدرستها تهدف إلى خلق “امرأة عربية جديدة، تكون مفعمة بالشعور الوطني ولها دور فاعل في نهضة أمتها وتحريرها من الاستعمار الأجنبي.” بسرعة قياسية تمكنت مدرسة دوحة الأدب من استقطاب أفضل معلمات دمشق وصفوة طالباتها، وأنشأت بيهم جمعية دوحة الأدب التي قام مجمع اللغة العربية باستضافة جميع أنشطتها.
الاتحاد النسائي سنة 1933
جمعت عادلة بيهم الجزائري آنسات مدرسة دوحة الأدب مع سيدات المجتمع الدمشقي وأطلقن معاً الاتحاد النسائي السوري سنة 1933. في اجتماعه التأسيسي انتخبت رئيساً للاتحاد وبقيت في منصبها لغاية عام 1967، يوم تنازلها بسبب تقدمها بالسن وتسميتها رئيساً فخرياً مدى الحياة. دُعيت للمشاركة في مؤتمر المرأة الفلسطينية المنعقد في القاهرة سنة 1938، وانتخبت نائباً لرئيسه هدى شعراوي.
عادت إلى مصر بعد سبع سنوات للعمل مع شعراوي مجدداً على تأسيس اتحاد النساء العربيات، وشاركت في وضع قانونه الأساسي. وبعد الإشهار دعت عادلة بيهم مراسلي وكالات الأنباء العالمية لتشرح لهم أهداف الاتحاد الجديد، وبذلك أصبحت أول امرأة سورية تعقد مؤتمراً صحفياً وتقف أمام عدسات المصورين وميكروفونات الصحفيين العرب والأجانب. وفي العام 1956 ترأست وفد الاتحاد النسائي السوري إلى لجنة حقوق المرأة التابعة للأمم المتحدة وانتخبت بعد أربع سنوات رئيسة للجنة التحضيرية للمؤتمر النسائي الآسيوي – الأفريقي.
حرب فلسطين
نشطت عادلة بيهم الجزائري في دعم للمرأة الفلسطينية أثناء حرب فلسطين سنة 1948 وعملت مع السيدة الأولى بهيرة الدالاتي على رعاية عائلات اللاجئات الفلسطينيات وفتحت لهن ولأولادهن أبواب مدرسة دوحة الأدب. كما جنّدت مئات المتطوعات في الاتحاد النسائي لتأمين خياطة ثلاثة آلاف بدلة عسكرية للجنود السوريين المتطوعين في جيش الإنقاذ.
مع عبد الناصر
أُعجبت عادلة بيهم بالرئيس جمال عبد الناصر وقدّمت له دعماً كبيراً في أثناء العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956. قادت النساء السوريات في المقاومة الشعبية، حيث تدربوا على حمل السلاح في معسكرات أقيمت على أطراف العاصمة دمشق وجمعت تبرعات مادية وعينية لصالح الجيش المصري. أيدت الوحدة السورية المصرية عند قيامها سنة 1958 وكانت في طليعة مستقبلي عبد الناصر بدمشق. وفي سنوات الوحدة نظّمت دورات لمكافحة الأميّة وتقديم الخدمات الصحيّة والاجتماعية في قرى الغوطة، وكانت تلتقي بعبد الناصر كلما زار سورية لشرح له حاجات ومطالب الاتحاد النسائي.
حرب تشرين سنة 1973
عارضت الانقلاب العسكري الذي أطاح بجمهورية الوحدة في 28 أيلول 1961 وسمّيت عضواً في مجلس قيادة الثورة – ممثلة عن الاتحاد النسائي – في مطلع عهد البعث سنة 1963. ظلّت تنشط في المجال الإنساني حتى أيامها الأخيرة، وعلى الرغم من تقدمها في السن، شاركت في حملة إسعاف الجرحى أثناء حرب تشرين عام 1973 والتقت بالرئيس حافظ الأسد الذي أمر بمنحها وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة، إلا أن المنية لم تمهلها لتسلّم الوسام، فتسلمته نيابة عنها ابنتها الأميرة أمل الجزائري.
الوفاة
توفيت عادلة بيهم الجزائري في دمشق عن عمر ناهز 75 عاماً يوم 3 كانون الثاني 1975 وكرمتها الدولة السورية بإطلاق اسمها على أحد أشهر مدارس البنات الحكومية في منطقة المهاجرين.
وفي سنة 1943 عُيّن بمعية وزير المعارف الأسبق ساطع الحصري، الذي دعي إلى دمشق من قبل رئيس الحكومة سعد الله الجابري لإعادة تنظيم المناهج السورية وتحريرها من الهيمنة الفرنسية. عاد بعدها شكري فيصل إلى مصر لنيل شهادة الدكتوراه وعُيّن ملحقاً ثقافياً في جامعة الدول العربية. وبعد العودة النهائية إلى سورية سمّي عضواً في لجنة التعليم التابعة لوزارة المعارف سنة 1951. انضم شكري فيصل إلى الجامعة السورية، مُدرّساً لمادتي البلاغة والنقد الأدب في كلية الآداب، وفي سنة 1961 نال مرتبة “بروفيسور.” ترشّح لعضوية المجلس النيابي سنة 1954 ولكنه لم ينجح، فعاد ورشح نفسه لعضوية الاتحاد القومي، نائباً عن دمشق في زمن الوحدة السورية المصرية.
مجمع اللغة العربية
وفي كانون الثاني سنة 1960 وفي أعقاب الوحدة مع مصر انتُخب الدكتور شكري فيصل عضواً في مجمع اللغة العربية بدمشق وكان له إسهام كبير في تحقيق الأجزاء 31-33 من كتاب تاريخ مدينة دمشق لمؤرخ دمشق ابن عساكر، كما عمل على تحرير مجلّة المجمع وانتخب عضواً في لجنة المخطوطات وإحياء التراث.
المؤلفات
وضع الدكتور شكري فيصل عدداً من المؤلفات في حياته، كان من ضمنها:
مرشد بن حنّا خاطر (1888 – 12 كانون الثاني 1961)، طبيب سوري من أصول لبنانية، كان أحد مؤسسي الجامعة السورية وانتُخب عميداً لكلية الطب في مطلع عهد الاستقلال قبل تعيينه وزيراً للصحة في حكومة اللواء فوزي سلو سنة 1952. شارك في الثورة العربية الكبرى وكان رئيساً لتحرير مجلّة المعهد الطبي العربي وهو أحد الآباء المؤسسين لمجمع اللغة العربية بدمشق سنة 1919.
البداية
ولد مرشد خاطر في قرية بتاتر التابعة لقضاء الشوف، وهو سليل عائلة مسيحية مارونية. دَرس في مدرسة الحِكمةببيروت ثم في كلية الطب الفرنسية سنة 1906. وعند تخرجه عام 1910 عمل طبيباً في بيروت لغاية اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914 حيث استدعي للخدمة الإلزامية في الجيش العثماني.
وفي العهد الفيصلي، عُيّن مرشد خاطر رئيساً لقسم الجراحة في المستشفى الحميدي الكائن في حيّ البرامكة وعضواً في اللجنة المُصغرة التي شُكلت لتعريب مناهج الطب، برئاسة الدكتور رضا سعيد. شارك بإعادة افتتاح معهد الطب بعد إغلاق دام أشهراً في المراحل الأخيرة من الحرب العالمية الأولى، وسُمّي أستاذاً للأمراض والسريريات الجراحية فيه. وفي 30 تموز 1919 كان أحد الأعضاء المؤسسين في مجمع اللغة العربية مع رئيسه محمد كرد علي. نشر في مجلّة المجمع 19 مقالاً ما بين 1921-1957، وتضمنت أبحاثه التعريف بالكتب والمعاجم الطبية، وانتُخب بعدها عضواً مراسلاً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
في مرحلة الانتداب الفرنسي (1920-1946)
قضى مرشد الخاطر سنوات الانتداب الفرنسي في التدريس، وترأس تحرير المجلة الطبية الصادرة عن الجامعة السورية من سنة 1924 ولغاية عام 1944. وفي سنة 1932، انتخب عضواً في الجمعية الجراحية الفرنسية في باريس، وبعدها بخمس سنوات ضابطاً في المجمع العلمي الفرنسي قبل انتخابه رئيساً للجمعية الطبية الجراحية في دمشق عام 1939.
وزيراً في عهد فوزي سلو (1952-1953)
رفض الدكتور خاطر العمل في السياسة وقضى معظم سنوات عمره في التدريس والإشراف على المجلّة الطبية. وفي مطلع عهد الاستقلال وبعد جلاء القوات الفرنسية عن سورية، سمّي عميداً لكلية الطب ورئيساً لقسم الجراحة في مستشفى الشهيد يوسف العظمة في منطقة المزة. وفي 9 حزيران 1952، اختير ليكون وزيراً للصحة في حكومة اللواء فوزي سلو الثانية والأخيرة، حيث أسس مركزاً لمكافحة السل في دمشق وآخر لمكافحة البرداء في حمص، إضافة لمدرسة التمريض في حلب ومركزاً للأمومة والطفولة بدمشق. وفي أيار 1953، ترأس وفد سورية إلى الدورة السادسة لمنظمة الصحة العالمية في جينيف، وانتُخب رئيساً للمؤتمر. ولكنّه أصيب بنوبة قلبية في أثناء تواجده في سويسرا أجبرته على العودة إلى دمشق، فناب عنه في رئاسة المؤتمر ممثل بريطانيا الطبيب مالفيل ماكنزي.
المؤلفات
عمل مرشد خاطر مع زميله الطبيب أحمد حمدي الخيّاط على تعريب الأبحاث الطبية وترجمة مصطلحات معجم كلير فيل الفرنسي إلى اللغة العربية. وقد طُبع النص العربي لهذا المعجم في مطبعة الجامعة السورية سنة 1956، وكان عدد كلماته قرابة الخمسة عشر ألفاً. وبعد إنجاز المعجم قام بتأليف “معجم العلوم الطبية” بالمشاركة مع الخيّاط، وهو معجم موسوعي يشمل كل المصطلحات الطبية المرتبة حسب أحرف الهجاء الفرنسية وما يقابلها باللغتين العربية والإنجليزية. ومن مؤلفاته الأخرى:
ولِد محمود أبو الشامات في دمشق ودَرَس علوم الدين فيها وقرأ على يد شيوخ عصره ومنهم الشّيخ نور الدين اليشرطي في عكا، الذي تعلم منه الطريقة الشاذلية. ذاع صيته في أوساط دمشق العِلمية، ووصل إلى مسامع السلطان عبد الحميد الثاني، الذي قربه منه وتتلمذ على يديه في الطرق الصوفية.
قربه من السلطان عبد الحميد
لعب الشّيخ محمود أبو الشامات دوراً محورياً في كل المشاريع العمرانية والتربوية التي شهدتها دمشق في الربع الأخير العهد الحميدي، وفي مقدمتها معهد الطب العثماني في منطقة البرامكة الذي تبناه وحارب لأجله سنة 1903. وله يعود جزء من الفضل – مع أحمد عزت باشا العابد – في دخول الكهرباء على مدينة دمشق وجر مياه نبع عين الفيجة إليها سنة 1905.
ولِد محمّد فوزي العظم في دمشق وهو سليل أسرة سياسيّة عريقة حَكمت المدينة في القرن الثامن عشر، وكان والده محمد باشا العظم عضواً في مجلس ولاية سورية. دَرس محمد فوزي العظم في المدارس العثمانية الحكومية، وفي سنة 1879 عُين كاتباً في مجلس الولاية. وقد حافظ على وظيفته دون أي انقطاع حتى عام 1885.
وفي سنة 1911، سمّي محمد فوزي باشا العظم رئيساً لبلدية مقاطعة بك أوغلي التركية الواقعة في القسم الأوروبي من العاصمة إسطنبول، وقد ظلّ في هذا المنصب حتى سنة 1912، يوم انتخابه نائباً في مجلس المبعوثان. وفي 21 تموز 1912، عُيّن الباشا ناظراً للأوقاف في حكومة أحمد مختار باشا ولكن هذه الوزارة لم تَدُم أكثر من ثلاثة أشهر، فانتُخب مجدداً في مجلس المبعوثان سنة 1914. وبعد سقوط الحكم العثماني في سورية مع نهاية الحرب العالمية الأولى سنة 1918، عاد إلى دمشق وانتُخب رئيساً للمؤتمر السوري العام، أول هيئة تشريعية عرفتها سورية في عهد استقلالها الأول عن الدولة العثمانية.
الوفاة
توفي محمّد فوزي باشا العظم بدمشق عن عمر 61 عاماً يوم 14 تشرين الثاني 1919. شيعته دمشق بجنازة رسميّة تقدمها الملك فيصل الأول، وانتقلت زعامة الأُسرة من بعده لابنه الوحيد خالد العظم، الذي تولّى رئاسة الحكومة السورية خمس مرات ما بين 1941-1963. وقد صُودِر قصر محمد فوزي باشا العظم في سوق ساروجا بعد انقلاب سنة 1963 وحوّلته الدولة السورية إلى متحف للصناعات الدمشقيّة، وفيه اليوم مقرّ جمعية أصدقاء دمشق.
محمّد عطا الله الكسم (1844 – 7 آب 1938)، عالم دين وفقيه سوري من دمشق، كان مفتياً على الديار الشّامية من سنة 1918 وحتى وفاته سنة 1938. عارض إعدامات جمال باشا في 6 أيار 1916 وتسلّم منصبه في مطلع عهد الملك فيصل الأول، خلفاً للمفتي الشيخ محمد أبو الخير عابدين. حاول إحياء الخلافة الإسلامية بعد إلغائها في إسطنبول سنة 1924 وكان عضواً في جمعية الهداية الإسلامية. وهو والد عبد الرؤوف الكسم، رئيس وزراء سورية في ثمانينيات القرن العشرين.
في منتصف الحرب العالمية الأولى عين الكسم عضواً في مجلس ولاية سورية وطُلب منه تأييد أحكام الإعدام التي صدرت بحق مجموعة من المثقفين والسياسيين، الذين شنقوا في ساحة المرجة بدمشق يوم 6 أيار 1916. مع أن الإعدامات جاء بأمر من جمال باشا، قائد الجيش العثماني الرابع في سورية، إلى أن الشيخ عطا الله الكسم رفض التصديق عليها ومباركتها، معتبراً أن هؤلاء المعتقلين كانوا ضحايا مؤامرة دولية ضد الإسلام، رتبت لها دول أوروبية. وقد حذر من خطورة إعدامهم نظرة لمكانتهم الرفيعة في المجتمع السوري، قائلاً إنه سوف يضر بمصالح الدولة العثمانية.
في 8 آذار 1920، أشرف المفتي الكسم على مراسيم تتويج الأمير فيصل ملكاً على البلاد، وعندما رفضت فرنسا الاعتراف بشرعية حكمه وزحفت قواتها باتجاه دمشق، دعا إلى جهادٍ مقدس للوقوف في وجهها. لعب الكسم دوراً محورياً في جمع التبرعات وجال بنفسه على المدن السورية كافة، برفقة وزير الحربية يوسف العظمة، لتشجيع الشباب على التطوع في الجيش السوري. على يده تم تجنيد العشرات من أئمة المساجد والخطباء للذهاب إلى المواجهة العسكرية في معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920، الذي سقط خلالها العظمة شهيداً ودخلت القوات الفرنسية دمشق لفرض الانتداب الفرنسي على سورية. على الرغم من معارضته الشديدة للانتداب، بقي المفتي الكسم في منصبه ولم يتمكن المندوب السامي الفرنسي هنري غورو من عزله، نظراً لمكانته الرفيعة في المجتمع السوري.
توفي المفتي الشّيخ عطا الله الكسم في دمشق عن عمر ناهز 94 عاماً يوم 7 آب 1938. وقد رثاه كلاً من رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي وأمين الفتوة الشّيخ عبد المحسن الأسطواني الذي كتب فيه قصيدة جاء مطلعها:
اشتهر ثلاثة من أبناء المفتي عطا الله الكسم من بعده، وكان أولهم المفكر والفيلسوف الدكتور بديع الكسم، تلاه الدكتور عبد الرؤوف الكسم، الذي أصبح رئيساً لوزراء سورية في عهد الرئيس حافظ الأسد. أمّا ابنه الثالث فهو الدكتور بدر الكسم الذي عمل في الأمم المتحدة وله عدد من الأبحاث القانونية والسّياسية والتاريخية.
محمد عطا بن محمد علي الأيوبي (1874 – 29 كانون الثاني 1950)، سياسي سوري من دمشق، عُيّن رئيساً للدولة السورية في الفترة الفاصلة بين وفاة الرئيس تاج الدين الحسني وانتخاب شكري القوتلي رئيساً (25 آذار – 17 آب 1943). أشرف بنفسه على الانتخابات التي أوصلت القوتلي إلى الحكم كما كان قد أشرف على الانتخابات التي أوصلت هاشم الأتاسي إلى الرئاسة سنة 1936، عندما كان هو رئيساً للحكومة في عهد الرئيس محمد علي العابد. وكان قبلها عضواً في الحكومة الانتقالية التي ترأسها الأمير سعيد الجزائري بعد انسحاب القوات العثمانية ودخول القوات العربية إلى دمشق في الفترة ما بين 26 أيلول – 1 تشرين الأول 1918. عُرف الأيوبي بسياسته الوسطية وقربه من قادة الحركة الوطنية في مرحلة الانتداب الفرنسي.
البداية
ولد عطا الأيوبي في دمشق وكان والده محمد علي الأيوبي من الأعيان. دَرس العلوم السياسية والإدارية في المعهد الشاهاني الملكي في إسطنبول والتحق بالعمل الحكومي في الدولة العثمانية. عيّن متصرفاً على مدينة اللاذقية، ونقل بعدها إلى الكرك قبل انتخابه في مجلس المبعوثان سنة 1912.
رفض أهالي حوران دفع هذه الغرامة وشُكّل وفد حكومي رفيع لمفاوضتهم، برئاسة علاء الدين الدروبي وعضوية عطا الأيوبي ورئيس مجلس الشورى عبد الرحمن باشا اليوسف. توجه أعضاء الوفد إلى سهل حوران في 21 آب 1920، وعند توقفهم في قرية خربة غزالة، تعرضوا لهجوم عنيف أدّى إلى مقتل الدروبيواليوسف. أما الأيوبي فقد نجا من الموت بفضل تاجر دمشقي كان موجوداً في محطة القطار، أخذه إلى مكان آمن، لكيلا تطاله يد الثوار.
وكان الأتاسي صديقاً قديماً للأيوبي منذ دراستهما معاً في إسطنبول قبل سنوات طويلة. مع أنه لم يكن عضواً في الكتلة الوطنية إلا أنه كان مقرباً من قادتها الكبار وقد عمل معهم على تأسيس معمل الأسمنت في منطقة دمّر، الذي خُصّص جزء من أرباحه لتمويل أنشطة الكتلة الوطنية، وقد انتُخب عضواً في مجلس إدارته سنة 1931، وكان أيضاً رئيس مجلس إدارة معمل الكونسروة الذي أسسه زعيم الكتلة شكري القوتلي بدمشق في منتصف الثلاثينيات.
بعد مباحثات دامت قرابة ستة أشهر، توصل أعضاء الوفد إلى معاهدة مع حكومة الرئيس ليون بلوم في 9 أيلول 1936، وعدت بإعطاء الشعب السوري استقلالاً مشروطاً وتدريجياً مقابل سلسلة من الامتيازات الاقتصادية والسياسية والعسكرية في سورية. وعند عودة الوفد إلى دمشق أُعلن عن انتخابات نيابية ورئاسية مبكرة إثر استقالة رئيس الجمهورية محمد علي العابد. أشرف الأيوبي على هذه الانتخابات وكانت نتيجتها حصول الكتلة الوطنية على غالبية مقاعد البرلمان وانتخاب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية في 21 كانون الأول 1936.
ولكن الشيخ تاج توفي وهو في سدّة الحكم يوم 17 كانون الثاني 1943 وتسلّم رئاسة الدولة بالوكالة جميل الألشي حتى 25 آذار 1943، تاريخ صدور قرار من المفوضية الفرنسية العليا في بيروت بتسمية عطا الأيوبي رئيساً للدولة والحكومة معاً، مكلفاً بالإشراف على الانتخابات النيابية والرئاسية المقبلة.
كان جميل الألشي قد واجه مظاهرات شعبية عارمة احتجاجاً على ارتفاع أسعار الخبز بأمر من الفرنسيين، وذلك للمساهمة في تمويل معارك جيشهم في الحرب العالمية الثانية. كانت مدينة دمشق تستهلك 117 طناً من الطحين شهرياً، عجز جميل الألشي عن تأمينها وكان هذا هو السبب الرئيسي لتخلّي الفرنسيين عنه والإتيان بالأيوبي، الذي عالج أزمة الخبز بالتعاون مع سلطان باشا الأطرش. عقد الأيوبي مؤتمراً صحفياً في السراي الكبير لشرح الخطوات التي ستقوم بها الحكومة لتأمين الخبز بسعر مدعوم من الدولة، ثم قال للصحفيين: “إني أحب النزاهة وأتمنى أن أكون نزيهاً، ولكنني شديد التعصب لحيادي ولا أستند إلى حزب معين بل إلى جميع الأحزاب، وأتمنى أن تكون جميع الأحزاب متفقة على خدمة المصلحة العامة، فالأشخاص زائلون والحكومة ثابتة، وعلينا أن نعمل لنكوّن للحكومة قوتها.”
رفض الرئاسة مرة ثانية عام 1943
سعى الرئيس الأيوبي لتأسيس مجلس أعيان في سورية، يتولّى زمام الأمور في حال شغور السلطة التشريعية والرئاسية معاً، كما حدث عند وفاة الشيخ تاج. وفي أثناء التحضيرات لانتخابات عام 1943، حاول ابنه خالد جمع أصوات عدد كبير من النواب لترشيح أبيه لرئاسة الجمهورية، بدلاً من شكري القوتلي، مرشح الكتلة الوطنية. جرى هذا الأمر دون عِلم الرئيس أو مباركته، وقد نجح خالد الأيوبي بجمع 72 توقيعاً لصالح ترشح والده. وعندما وصل الأمر إلى مسامع القوتلي اتصل بالأيوبي معاتباً وعرض عليه سحب ترشيحه في حال كان الأخير راغباً بالرئاسة. اعتذر الأيوبي عن تصرف ابنه وقال: “إن مصلحة الوطن تقضي بأن يكون شكري القوتلي رئيساً للجمهورية وحده ودون غيره، وأنا لا يمكن أن أتقدم عليه.”
الوفاة
غاب عطا الأيوبي عن المشهد السياسي من بعدها ولم يظهر إلّا في مناسبات اجتماعية دعماً لابنته سنيّة، وهي من رائدات العمل النسائي الخيري بدمشق ونائب رئيس جمعية نقطة الحليب. وقد زار السراي الكبير للمرة الأخيرة في تموز 1949 لتهنئة صديقه محسن البرازي على تعيينه رئيساً للحكومة. توفي عطا الأيوبي بعدها بستة أشهر عن عمر ناهز ستة وسبعين عاماً يوم 29 كانون الثاني 1950. شيعته دمشق بجنازة رسمية تقدمها رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي، وأطلقت أمانة العاصمة (محافظة دمشق) اسم عطا الأيوبي على شارع أنيق في منطقة نوري باشا، حيث مكان قصره.
في كتابه عن عبقريات سورية، قال الصحفي عبد الغني العطري عن عطا الأيوبي إنه: “جمّ الأدب، رفيع التهذيب، رقيق الحاشية، لا يثور ولا يغضب ولا يحقد على أحد، كثير الحياء والخجل، شديد الوفاء للصديق.”