السنة: 2021

  • فوزي سلو

    رئيس الدولة فوزي سلو
    رئيس الدولة فوزي سلو

    فوزي سلو (1905 – 29 نيسان 1972)، ضابط سوري من دمشق، سُمّي رئيساً للدولة من قبل العقيد أديب الشيشكلي في 3 كانون الأول 1951 وبقي في منصبه لغاية انتخاب الشيشكلي رئيساً في 11 تموز 1953. وكان قبلها قد فُرض من قبل الشيشكلي وزيراً للدفاع في كل الحكومات المدنية التي تعاقبت على سورية من حزيران 1950 وحتى تشرين الثاني 1951، وهو أحد الآباء المؤسسين للجيش السوري وعضو وفد سورية المفاوض على الهدنة مع إسرائيل سنة 1949.

    البداية

    ولِد فوزي سلو في دمشق وكان والده ضابطاً في الجيش العثماني. دَرس في الكلية الحربية وتخرج فيها سنة 1924 ليلتحق بجيش الشرق الفرنسي في زمن الانتداب. وبعد جلاء الفرنسيين عن سورية، عُيّن مديراً لكلية حمص العسكرية في حزيران عام 1946.

    عهد الانقلابات 1949-1951

    شارك فوزي سلو في حرب فلسطين، حيث تعرف على حسني الزعيم واشترك معه في تنفيذ الانقلاب الأول ضد رئيس الجمهورية شكري القوتلي في 29 آذار 1949. بعد توليه الحكم، عينه الزعيم ملحقاً عسكرياً للوفد السوري المفاوض على الهدنة مع إسرائيل. كانت تربطه صداقة متينة بالعقيد أديب الشيشكلي منذ عملهما معاً في خندق واحد أيام حرب فلسطين، وقد اشترك معه ومع اللواء سامي الحناوي في الانقلاب على حسني الزعيم يوم 14 آب 1949.

    أُعجب الشيشكلي بصرامته وصلابته فقرر الاعتماد عليه للوصول إلى الحكم وفرضهُ وزيراً للدفاع في كل الحكومات المدنية التي شكلت في عهد الرئيس هاشم الأتاسي، مع حق الاعتراض على طرح مشروع وحدة مع العراق كان يرى فيه الشيشكلي خطراً على نظام سورية الجمهوري. وقد سمّي فوزي سلو وزيراً في حكومات ناظم القدسي وخالد العظم وحسن الحكيم، وكانت المواجهة بين الشيشكلي وحزب الشعب في 28 تشرين الثاني 1951، عندما رفض رئيس الحكومة الجديد معروف الدواليبي تعيين فوزي سلو في الحكومة.

    ثار أديب الشيشكلي ضده وقام بانقلابه الثاني، ما أجبر الرئيس هاشم الأتاسي على الاستقالة في يوم 3 كانون الثاني 1951. بعدها بساعات قليلة، صدر قرار من الشيشكلي بتسمية فوزي سلو رئيساً للدولة والحكومة ووزيراً للدفاع. أمّا الشيشكلي فقد اكتفى برئاسة أركان الجيش وظلّ يحكم البلاد عن طريق فوزي سلو لغاية 11 تموز 1951، تاريخ انتخابه رئيساً للجمهورية.

    فوزي سلو وأديب الشيشكلي سنة 1952.
    فوزي سلو وأديب الشيشكلي سنة 1952.

    رئيساً للدولة 1951-1953

    في عهده القصير والصوري، صدر قرار حظر جميع الأحزاب يوم 14 كانون الثاني 1952، وقام سلو بتعطيل مُعظم الصحف اليومية المعارضة للشيشكلي. شكّل حكومتين، كانت الأولى مؤلفة من الأمناء العامين لكل وزارة، والثانية نظامية بصلاحيات تنفيذية كاملة، ذهبت كل حقائبها إلى شخصيات مستقلة وغير حزبية.

    وقد شهدت رئاسة فوزي سلو انفتاحاً على الأردن بعد تولّي الملك طلال الحكم خلفاً لأبيه الملك عبد الله الأول، وتقارباً مع  مصر بعد وصول الضباط الأحرار إلى السلطة في 23 تموز 1952. وفي 11 حزيران 1953، قدم فوزي سلو استقالته من رئاسة الدولة، بالتنسيق مع أديب الشيشكلي، ليتمكن الأخير من تولّي رئاسة الجمهورية.

    ما بعد مرحلة الشيشكلي

    غاب سلو عن أي منصب حكومي في رئاسة الشيشكلي، وبعد الإطاحة بالشيشكلي ونفيه خارج البلاد في 24 شباط 1954 صدر أمر اعتقال بحق فوزي سلو. سُرّح من الجيش ووجهت له اتهامات مختلفة، منها التلاعب بأمن البلاد والنيل من نظامها الدستوري. توجه إلى السعودية وعمل مستشاراً للملك سعود بن عبد العزيز.

    الوفاة

    تمكن فوزي سلو من العودة إلى دمشق بعد سقوط كل التهم الموجهة ضده سنة 1970 ولكنّه غاب عن أي منصب سياسي وعاش متقاعداً بدمشق حتى وفاته في مستشفى حرستا العسكري عن عمر ناهز 67 عاماً في 29 نيسان 1972.

    المناصب

    وزيراً للدفاع (4 حزيران 1950 – 28 تشرين الثاني 1951)
    رئيساً لأركان الجيس السوري (3 كانون الأول 1951 – 16 تموز 1953)
    رئيساً للحكومة السورية (3 كانون الأول 1951 – 11 تموز 1953
    رئيساً للدولة السورية (3 كانون الأول 1951 – 11 تموز 1953)
  • فوزي باشا البكري

    فوزي باشا البكري
    فوزي باشا البكري

    فوزي بن عطا الله البكري (1883-1963)، سياسي سوري من دمشق، كان أحد قادة الجمعية العربية الفتاة وشارك في الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين مع الشريف حسين بن عليّ. انتخب نائباً في المؤتمر السوري العام سنة 1919 وفي المؤتمر التأسيسي الذي وضع دستور سورية الجمهوري سنة 1928. وفي سنة 1920، سمّي وزيراً للداخلية في مملكة الحجاز.

    البداية

    ولِد فوزي البكري في دمشق وهو ابن عطا باشا البكري، أحد أعيان دمشق في العهد الحميدي. دَرَس في مدرسة مكتب عنبر بدمشق وفي المعهد الملكي في إسطنبول، حيث انتسب سراً إلى الجمعية العربية الفتاة مع شقيقه الأصغر نسيب البكري، بعد تراجع نفوذ العائلة بسبب الانقلاب الذي أطاح بحكم السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1909.

    الثورة العربية الكبرى 1916-1918

    سيق فوزي البكري إلى الخدمة الإلزامية في الجيش العثماني، وعين مرافقاً عسكرياً للشريف حسين، أمير مكة المكرمة. ولدت صداقة بين فوزي البكري والأمير فيصل، ثالث أولاد الشريف حسين، الذي زار دمشق سنة 1915 ونزل ضيفاً في دار آل البكري، حيث جرى انتسابه إلى الجمعية العربية الفتاة. اتفق الأمير فيصل مع الأخوين نسيب وفوزي البكري على إطلاق ثورة عسكرية ضد الدولة العثمانية، بدعم عسكري من الحكومة البريطانية، وقال إنه سيرسل لهم برقية مشفّرة من مكة لإعلامهم بساعة الصفر.  عندما صلت هذه البرقية في 10 حزيران 1916 توجّه الأخوان البكري فوراً إلى الحجاز للانضمام إلى صفوف الثورة العربية الكبرى.

    العهد الفيصلي 1918-1920

    وبعد نجاح الثورة وتحرير دمشق من الحكم العثماني سنة 1918، بايع فوزي البكري الأمير فيصلاً حاكماً عربياً على سورية وانتخب عضواً في المؤتمر السوري العام سنة 1919. ولكن الحكم الفيصلي لم يستمر طويلاً وأُطيح به في 24 تموز 1920، بعد هزيمة الجيش السوري في معركة ميسلون. هرب الملك فيصل إلى أوروبا عند فرض الانتداب الفرنسي على سورية، وصدر أمر اعتقال فوزي البكري الذي فرّ إلى الحجاز للعمل مع الأمير عبد الله على تجهيز جيش من القبائل العربية لتحرير سورية من الفرنسيين.

    مع الأسرة الهاشمية 1920-1922

    ولكنّ قوات الأمير عبد الله توقفت في شرق الأردن، حيث أسّست إمارة هاشمية في عمّان بدعم من الحكومة البريطانية. عُيّن فوزي البكري مستشاراً للأمير عبد الله ونال رتبة الباشوية، ليصبح الباشا الوحيد بين أبناء عطا الله البكري. انتقل بعدها إلى مكة بطلب من الشريف حسين، الذي عيّنه وزيراً للداخلية في مملكة الحجاز في تشرين الأول 1920.

    العودة إلى سورية

    سقط حكم الشريف حسين في الحجاز سنة 1924، وعاد فوزي البكري إلى دمشق قبل أشهر من اندلاع الثورة السورية الكبرى. انضم مجدداً إلى صفوفها مع شقيقه نسيب فحَكمت عليهما فرنسا بالإعدام سنة 1926. هرب البكري إلى مصر وحصل على لجوء سياسي من الملك فؤاد الأول، وظلّ مقيماً في القاهرة لغاية صدور عفو عنه يوم 16 شباط 1928. في دمشق مجدداً انتسب إلى الكتلة الوطنية، التي كانت تنادي بتحرير سورية بطرق سياسية بعيدة عن المواجهة المسلحة. وفي سنة 1928 انتخب عضواً في الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع أول دستور جمهوري للبلاد، برئاسة هاشم الأتاسي.

    سنواته الأخيرة والوفاة

    في مطلع الثلاثينيات، تقاعد فوزي البكري من العمل السياسي وعمل على إدارة أملاك أسرته التي طالها قانون الإصلاح الزراعي ولم يبق منها إلّا القليل في زمن الوحدة السورية – المصرية سنة 1958. توفي فوزي البكري بدمشق عن عمر ناهز 83 عاماً في تشرين الأول 1963.

  • فوزي الغزي

    فوزي الغزي
    فوزي الغزي

    فوزي بن إسماعيل الغزي (1897 – 5 حزيران 1929)، سياسي سورية من دمشق ورجل قانون، وضع الدستور الجمهوري الأول سنة 1928. كان أحد مؤسسي حزب الشعب مع عبد الرحمن الشهبندر سنة 1925 ومن قادة الكتلة الوطنية مع هاشم الأتاسي عام 1927. مات مسموماً وهو في الثانية والثلاثين من عمره، وكانت جريمة مقتله حدثاً كبيراً هزّ الوسط السياسي في سورية والعالم العربي.

    البداية

    ولِد فوزي الغزي في حيّ العقيبة بدمشق وكان والده إسماعيل الغزي قاضياً معروفاً. دَرَس الحقوق في المعهد الملكي في إسطنبول وخدم في الجيش العثماني، في القوقاز أولاً ثم في العراق، حيث أصيب برصاصة أفقدته جزءاً من أذنه. بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، عمل الغزي مدرساً في معهد الحقوق العربي بدمشق، وكان أحد مؤسسي كلية الحقوق في الجامعة السورية سنة 1923.

    الثورة السورية الكبرى 1925-1927

    تعاون فوزي الغزي مع عبد الرحمن الشهبندر سنة 1925 في تأسيس حزب الشعب، وشارك في كتابة مبادئه الأساسية وأهدافه. ولكن مسيرة الحزب لم تستمر إلا أسابيع محدودة فقط، فقد حُلّ من قبل سلطة الانتداب الفرنسي وملاحقة أعضائه بسبب دعمهم للثورة السورية الكبرى التي انطلقت في تموز 1925. أُلقي القبض عليه وسُجِن في قلعة أرواد قبل نفيه إلى مدينة الحسكة. تعرض لتعذيب شديد في المعتقل، تسبب بتراجع حاد في صحته على الرغم من صغر سنه، وتساقطت أسنانه من يومها وصار يعاني من أمراض مزمنة عدة.

    دستور عام 1928

    بعد خروجه من المعتقل سنة 1928، عاد لممارسة عمله في الجامعة السورية وشارك في تأسيس الكتلة الوطنية مع هاشم الأتاسي التي كانت تُنادي بتحرير سورية عبر مفاوضات سياسية مع فرنسا، بعيداً عن السلاح والثورة. فاز الغزي سنة 1928 بعضوية الجمعية التأسيسية المكلفة بصياغة دستور سورية الجمهوري الأول. انتخب الغزي رئيساً ثانياً للجمعية التأسيسية، معاوناً للرئيس الأول هاشم الأتاسي. تمكنت الجمعية من كتابة الدستور وفي مدة قياسية لم تتجاوز الأسبوعين، وفي 4 حزيران 1928، أُعلِن عن الدستور الجديد، المستلهم من الدساتير الأوروبية العصرية. وقد جاء في خطاب الغزي أمام الجمعية التأسيسية: “الأمم لا تموت أيها السادة، إلا إذا أراد لها أبناؤها هذا الموت. والشعوب لا تفنى إلا إذا أراد لها الفناء أهلها. فامشوا أيها السادة على سنن الكون إذا أردتم الحياة واستسلموا إلى الخنوع والخضوع إذا أردتم الموت.”

    أسس الدستور الجديد لنظام حكم رئاسي وبرلماني في سورية، وانتخابات تشريعيّة ورئاسيّة. حُددت ولاية رئيس الجمهورية فيها بأربع سنوات، لا يجوز تجاوزها، وقد جاء في مسوّدة الدستور أنه يحق لرئيس الجمهورية أن يعود إلى الحكم ولكن بعد قضاء أربع سنوات خارج السلطة. وأصر الغزي على عدم ذكر الانتداب الفرنسي في أية مادة من مواد الدستور، لكيلا يُعطي فرنسا أية شرعية قانونية في سورية، وحدّد جغرافية الجمهورية سورية بحدودها الطبيعية، دون الاعتراف بالحدود المصطنعة التي فُرضت على المنطقة عبر اتفاقية سايكس بيكو. وأخيراً أعطى الدستور الجديد رئيس الجمهورية المُنتخب، لا المفوض السامي الفرنسي، حق إعلان السِلم والحرب وإبرام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية باسم الدولة السورية.

    اعترضت المفوضية الفرنسية العليا في بيروت على ست مواد وطالبت بتعديلها أو شطبها، ولكن فوزي الغزي رفض ذلك بشدة وعرض مسوّدة الدستور على مجلس النواب لنيل الثقة، حيث وافق عليه النواب بالإجماع. غضب المفوض السامي من هذا التحدي، وحلّ المجلس وعطّل العمل بالدستور إلى أجل غير مُسمى. وقد فرض الدستور بنسخته المعدلة سنة 1930، مع ذكر صريح للانتداب الفرنسي، ولكن حدث ذلك بعد وفاة فوزي الغزي.

    جنازة فوزي الغزي سنة 1929.
    جنازة فوزي الغزي سنة 1929.

    مقتل الغزي

    في 5 حزيران 1929، توفي فوزي الغزي بشكل مفاجئ، وخرجت له جنازة شعبية مهيبة، حمل فيها المشيعون لافتات كُتب عليها: “مات أبو الدستور، فليحيا الدستور!” رثاه زميله فارس الخوري بقصيدة طويلة جاء في مطلعها: “يبكيكَ أحرار سورية وأنت أخُ…ويبكيكَ دستور سورية وأنت أبُ.” وفي أولى جلسات المجلس النيابي بعد رحيله، طالب نائب دمشق فخري البارودي بالوقوف دقيقة صمت حداداً على روح فوزي الغزي وعلى دستور سورية الذي أُجهِض.

    تبيّن في أثناء التحقيقات أن موت الغزي لم يكن مصادفة بل كان مُدبراً من قبل زوجته الحمصية لطيفة اليافي، والتي كانت على علاقة عاطفية مع ابن أخيه رضا الغزي. قررت التخلص منه لكي تتمكن من الزواج من حبيبها، وقام رضا الغزي بشراء برشانتين من السم الزعاف من صيدلي في حيّ العمارة، قدمت للغزي في أثناء وجوده في مزرعته في غوطة دمشق.

    جرّبت الزوجة السمّ على كلب المزرعة للتأكد من فعاليته فمات فوراً. فقررت إعطاءه لزوجها الذي كان يشكو من إسهال شديد. طلب إليها دواء فقدمت له البرشانة، ومات بعدها على الفور مُتأثراً بالسمّ. اعتقلت الزوجة والعشيق مع الصيدلي الذي باعهم البرشانة، وحكم عليهم بالإعدام، ولكن المفوض السامي هنري بونسو تدخل في القضية وخُفّف الحكم إلى السجن المؤبد. وقد بقيت الزوجة في السجن حتى سنة 1949، عندما أُطلق سراحها بأمر من حسني الزعيم بعد وصوله إلى الحكم.

    تخليد ذكرى فوزي الغزي

    أُطلق اسم فوزي الغزي على شارع رئيسي في حيّ أبو رمانة بدمشق، تكريماً له ولمنجزاته الوطنية.

  • توفيق العطري

    توفيق العطري
    توفيق العطري

    توفيق بن محي الدين العطري (1894-1 كانون الثاني 1958)، فنان سوري من دمشق وأحد رواد الحركة المسرحية في سورية.

    البداية

    ولِد توفيق العطري في دمشق وهو ابن عائلة تجارية ميسورة الحال. دَرَس في المدارس الحكومية وعَمل لفترة قصيرة في وزارة الأشغال العامة قبل أن يتفرغ للتأليف والتمثيل. أسس مع مجموعة من الفنانين الهواة فرقة مسرحية في سوق ساروجا وشارك في جميع عروضها الفنية، ممثلاً ومُلحناً وشاعراً.

    مرحلة الاحتراف

    انتسب العطري إلى نادي الكشاف الرياضي الذي كان يضم عدد من الفنانين المعروفين أمثال عبد الوهاب أبو سعود ووصفي المالح وحصل على رعاية ودعم من الملك فيصل الأول سنة 1920. أقام معسكرات تدريبية للفنانين الهواة في جبل قاسيون لتأهيل الشباب في الموسيقى والتمثيل، وشارك في بطولة مسرحية تاجر البندقية للكاتب البريطاني وليام شكسبير ومسرحية صلاح الدين الأيوبي، التي عُرضت بدمشق في كانون الثاني 1929.  وفي سنة 1928 كانت له تجربة سينمائية يتيمة في فيلم تحت سماء دمشق مع المخرج إسماعيل أنزور قبل مشاركته في أوبريت من الشعر الغنائي بعنوان “قيس وليلى الجديدان،” عُرضت على مسرح سينما أمبير في طريق الصالحية سنة 1944 وكانت من بطولته مع المطربين نجيب السراج ورفيق شكري.

    الوفاة

    قبل وفاته انتسب توفيق العطري إلى فرقة المسرح الحر في زمن الوحوتوفي عن عمر ناهز 64 عاماً يوم 1 كانون الثاني 1958.

  • فهد كعيكاتي

    فهد كعيكاتي
    فهد كعيكاتي

    فهد كعيكاتي (1930-1982)، فنان سوري من دمشق، اشتهر بأدواره الكوميدية وكان أحد مؤسسي التلفزيون السوري سنة 1960. وقبلها في مرحلة الخمسينيات شكل ثلاثي فني في إذاعة دمشق مع القاص الشعبي حكمت محسن والفنان أنور البابا، عُرف من خلاله بشخصية “أبو فهمي” كانت له بطولة مشتركة في مسلسل حمام الهنا مع دريد لحام ونهاد قلعي ورفيق سبيعي، إضافة لمشاركته في الحلقات الأولى من مسلسل صح النوم الشهير سنة 1971، وفي الجزء الأول من مسلسل مرايا مع الفنان ياسر العظمة عام 1982.

    البداية

    ولِد فهد كعيكاتي في زقاق القرماني ودرس في الكليّة العلميّة الوطنيّة بسوق البزورية. التحق بعدها بمعهد صناعي لتعليم الخراطة وفي سنة 1942 وظِّف في شركة كهرباء بدمشق. أحب التمثيل أسس مع تيسير السعدي فرقة من الممثلين الهواة لتقديم المسرحيات الشعبية في الأفراح.

    شخصية أبو فهمي

    عرفه تيسير السعدي على نائب دمشق فخري البارودي، الذي تبناه فنياً وأدخله إلى إذاعة دمشق يوم تأسيسها سنة 1947. انضم فهد كعيكاتي إلى عدة فرق مسرحية، مثل نادي الفنون الجميلة والفرقة السورية للتمثيل والموسيقى التي شارك في تأسيسها مع صديقه الفنان أنور البابا. وفي سنة 1948، انتشر وباء الكوليرا في سورية وطلبت الحكومة إلى الفنانين السوريين مساعدتها في نشر التوعية الصحية عبر أعمالهم المسرحية والإذاعية. قُدّمت مسرحية بعنوان “إصابة مُشتبهة” لعب فيها التاجر والفنان الهاوي حسني تللو – صديق فخري البارودي – دور رجل دمشقي بسيط يُدعى “أبو فهمي،” سماته البخل والسذاجة. وعندما اعتذر تللو عن الاستمرار بالعرض، رشحه البارودي للقيام بدور “أبو فهمي”

    أبو فهمي خلف المذياع ويجلس في يمين الصورة القاص الشعبي حكمت محسن.
    أبو فهمي خلف المذياع ويجلس في يمين الصورة القاص الشعبي حكمت محسن.

    مع حكمت محسن وأنور البابا

    تبنى كعيكاتي الشخصية وقام بتطويرها من مخزونه الحياتي والفني، وفي مطلع الخمسينيات، شكل ثلاثي فني مع القاص الشعبي حكمت محسن وأنور البابا، وقدموا معاً مئات التمثيليات والحلقات الإذاعية عبر أثير إذاعة دمشق. دخلت شخصية “أبو فهمي” كل بيت مع شخصية “أم كامل” التي كان يقدمها أنور البابا، وفي سنة 1960 دعاهم الدكتور صباح قباني للعمل معه التلفزيون السوري الذي انطلق بثه في زمن الوحدة السورية – المصرية. تعاقد مع فهد كعيكاتي لتقديم لوحات غنائية وفنية بشخصية “أبو فهمي،” التي صار لها شكل واضح المعالم يُضاف إلى صوتها المعروف في إذاعة دمشق.

    فهد كعيكاتي مع دريد لحام في مسلسل حمام الهنا.
    فهد كعيكاتي مع دريد لحام في مسلسل حمام الهنا.

    مع دريد ونهاد

    وفي عام 1968 شارك فهد كعيكاتي في المسلسل الكوميدي حمام الهنا مع الثنائي دريد لحام ونهاد قلعي، وبعدها بثلاث سنوات، دعي ليكون أحد أبطال مسلسل صح النوم الذي أنتجه دريد لحام بالتعاون مع المخرج خلدون المالح. في الحلقات الأولى من المسلسل، لعب كعيكاتي دور “العريف أبو فهمي،” رئيس مخفر “حارة كلّ مين أيده ألو،” ولكنه اعتذر عن الاستمرار في العمل فذهب دور رئيس المخفر إلى الفنان عبد اللطيف فتحي. وتعاون كعيكاتي مع دريد ونهاد في الفيلم السينمائي اللص الظريف، من بطولة الفنانة المصرية نيللي وفي فيلم خياط للسيدات سنة 1969، بالمشاركة مع الفنانة الاستعراضية شادية.

    فهد كعيكياتي بشخصية أبو جندل.
    فهد كعيكياتي بشخصية أبو جندل.

    أبو جندل

    في عام 1974، انضم كعيكاتي إلى أسرة مسلسل مسحّر رمضان مع الفنان رفيق سبيعي وكان له دور البطولة في مسلسل قصاقيص الكوميدي سنة 1974، الذي قدم فيه مع الفنانة سامية الجزائري شخصية “أبو جندل،” الرجل المتردد والضعيف تجاه زوجته. حققت شخصية “أبو جندل” نجاحاً باهراً، لا يقل عن نجاح شخصية “أبو فهمي،” وألهمت ظهور شخصيات مماثلة في الدراما السورية، كان أشهرها وأشبهها شخصية “أبو بدر” في مسلسل الشهير باب الحارة سنة 2006، التي لعبها الفنان محمد خير الجراح. وبعد قصاقيص شارك فهد كعيكاتي في مسلسل تلفزيون المرح مع ناجي جبر وباسين بقوش، وكان ضيفاً في الجزء الأول من مسلسل مرايا الشهير مع الفنان ياسر العظمة سنة 1982.

    العمل الوظيفي

    حافظ فهد كعيكاتي على عمله بشركة الكهرباء طوال حياته، وكان يمارس التمثيل بالتزامن مع عمله الحكومي. انتخب سنة 1955 أميناً لسر نقابة عمال الكهرباء وفي عام 1960 أصبح رئيساً لرحبة المخارط في شركة الكهرباء وأميناً عاماً لوزارة الكهرباء السورية لغاية عام 1974.

    الوفاة

    أصيب فهد كعيكاتي بأول نوبة قلبية عام 1977، إثر وفاة ابنه فريد وهو في ريعان الشباب. وكانت النوبة الثانية سنة 1982، التي توفي على أثرها وهو في دبي أثناء تصوير مشاهده في مسلسل الوحش والمصباح. وفي سنة 2009 أصدرت الدولة سورية طابعاً برسمه بصفته أحد الآباء المؤسسين للكوميديا العربية.

    الأعمال المسرحية

    الأعمال الإذاعية

    • يا مستعجل وقف لقلّك (1954 – إخراج تيسير السعدي)
    • أم كامل في البرلمان
    • عمارة أم كامل
    • تياترو أم كامل
    • أم كامل الداية

    الأعمال التلفزيونية

    الأعمال السينمائية

  • فريد بولاد

    فريد بولاد (1872-1948)، عالم رياضيات ومهندس معمار من دمشق، عاش وعمل في مصر وله مآثر كبيرة في مدينة القاهرة. يُعد أحد ثلاث مخترعين لعِلم النوموغرافيا (منهج الرسوم التخطيطية البيانية) وله نظريات تعرف بنظريات “بولاد” يتم تدريسها حتى اليوم في المعاهد والجامعات المتخصصة بعلوم الرياضيات والهندسة، ومنها كلية سان سير الحربية الفرنسية التي تخرّج منها الرئيس الرئيس شارل ديغول.

    البداية

    ولِد فريد بولاد في مصر وهو سليل عائلة مسيحية معروفة جاءت من دمشق. نال شهادة البكالوريا عام 1889 وكان الأول في مسابقة مفتوحة أجرتها حكومة الخديوي توفيق سنة 1892 لإرسال طلبة مهندسين على نفقة نظارة الأشغال المصرية للدراسة في أوروبا. درس في الكلية الوطنية للجسور والطرق في باريس وتخرج سنة 1898.

    العمل الحكومي

    عمل فريد بولاد في مصلحة الجسور والسكك الحديدية المصرية وشغل المناصب التالية:

    • مهندس قطاع الزقازيق (1898-1900)
    • مهندس ومفتش (1900-1924)
    • مراقب فني (1924-1927)
    • رئيس المكتب الفني المكلف بإدارة الدراسات والمشاريع لمصلحة الجسور (1925-1932)

    اعتمدت عليه محافظة القاهرة  في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني لتدعيم الجسور الكبرى على نهر النيل، وطُلب منه تصميم بناء السكك الحديدية المؤلف من أقواس معدنية ضخمة تعلو المساحة المسقوفة كلها.

    الأوسمة

    مُنح فريد بولاد جائزة أكاديمية العلوم في باريس (جائزة موتيون للميكانيك) ووسام الفارس من جوقة الشرف عام 1923. كما نال دبلوم خاص من لجنة التحكيم الدولية في مدينة لييج عام 1930 لمساهمته في المؤتمرات الدولية للأسمنت المسلح والبناء المعدني التي أقيمت في بلجيكا. وفي سنة 1936، حصل على لقب ضابط جوقة شرف، وكان عضواً في جمعية الرياضيات الفرنسية منذ عام 1909 وعضو حلقة الرياضيات في مدينة باليرمو الإيطالية.

    يحمل فريد بولاد عضوية الجمعية الملكية المصرية للمهندسين وجمعية المهندسين الفرنسيين والجمعية الدولية للطرق والجسور في سويسرا. مثّل المعهد المصري في مؤتمرات في ليون وبولونيا وزيورخ وأوسلو ولييج وكان ضيف شرف في أكاديمية العلوم الفرنسية في باريس خلال السنوات 1922-1936.

    المؤلفات

    وضع فريد بولاد سلسلة من المؤلفات في علوم الرياضيات النظرية والتطبيقية في حقول العلوم التقنية والهندسية التفاضلية والحساب البياني والنموغرافيا.

    قيل في فريد بولاد

    بعد إحالته على التقاعد، قال مديره  شفيق باشا: “لن نجانب الحقيقة إذا قلنا إن الذين بوسعهم المطالبة بشهرة مماثلة للشهرة التي يتمتع بها السيد فريد بك بولاد في الأوساط العلمية الأوروبية، هم نادرون، وقد نالها بفضل دراسته الخاصة واكتشافاته في ميدان الرياضيات العليا والميكانيك. وكل أملنا أن تلاقي أعمال هذا العالم النشيط والمتواضع، ما هي جديرة به من تقدير واهتمام من قبل النخبة من أبناء بلادنا.”

    الزواج

    تزوج فريد بولاد عام 1898 في مدينة كوسن الفرنسية من أليسا ابنه كلود برتران، ورزق منها بطفله واحدة اسمها مادلين.

    الوفاة

    توفي فريد بولاد في مصر عن عمر ناهز 76 عاماً سنة 1948.

  • فائق النحلاوي

    فائق النحلاوي
    فائق النحلاوي

    فائق النحلاوي (1914-1976)، إداري سوري من دمشق شغل الأمانة العامة لمجلس النواب من 17 آب 1943 ولغاية 8 آذار 1963.

    البداية

    ولِد فائق النحلاوي في دمشق ودرس الحقوق في الجامعة السورية. بدأ حياته المهنية بممارسة المحاماة ومراسلة عدد من الصحف السورية واللبنانية، كما شارك بتحرير جريدة القبس التي كان يصدرها الصحفي السوري نجيب الريّس.

    أمين سر مجلس النواب

    بعد فوز الكتلة الوطنية بغالبية مقاعد البرلمان في انتخابات عام 1943 انتقل النحلاوي للعمل في مجلس النواب وعُيّن رئيساً لديوان المجلس ثم أميناً للسر. عمل مع الرؤساء فارس الخوري وسعد الله الجابري وعند وقوع الانقلاب الأول سنة 1949، حُلّ المجلس النيابي بأمر من حسني الزعيم الذي قام باعتقال رئيس الجمهورية شكري القوتلي.

    وبعد استقالة القوتلي من منصبه، نُفي خارج البلاد إلى مصر وقام النحلاوي بمرافقته حتى مطار دمشق. انزعج الزعيم من هذا التصرّف وأمر باعتقاله فهرب النحلاوي إلى لبنان وعاش في بيروت حتى سقوط حكم الزعيم ومقتله في 14 آب 1949.

    عاد فائق النحلاوي إلى دمشق مع عودة الحياة النيابية وأصبح أميناً لسر المؤتمر الذي وضع دستور سورية الجديد وتحوّل إلى مجلس نواب مُنتخب بصلاحيات دستورية كاملة. جُدد له في كل المجالس النيابية لغاية قيام الوحدة مع مصر سنة 1958 عندما تم حل المجلس النيابي مجدداً.

    التقاعد والوفاة

    وبعد انهيار جمهورية الوحدة في 28 أيلول 1961 أعيد انتخاب النحلاوي أميناً للسر لغاية انقلاب البعث في 8 آذار 1963.  استبدل البرلمان بمجلس قيادة الثورة وأنهى النحلاوي عمله في سورية وتوجه إلى لبنان سنة 1969 لإدارة فندق عائلي حتى وفاته في بيروت في أيار 1976.

    عائلة النحلاوي

    عمل الدكتور تميم فائق النحلاوي طبيباً في السعودية ولبنان وتزوجت ابنته رشا من المصرفي الدكتور حسان طرابلسي، ابن مؤسس مصرف سورية المركزي عزت الطرابلسي.

    المناصب

    أمين سر المجلس النيابي (17 آب 1943 – 8 آذار 1963)
    • سبقه في المنصب: سري هاشم الأتاسي
    • خلفه في المنصب: أُلغي المنصب
  • بشير العوف

    بشير العوف
    بشير العوف

    بشير بن حمدي العوف (1917 – 15 تموز 1994)، صحفي سوري من دمشق أسس وترأس جريدة المنار مع المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية الشيخ مصطفى السباعي، وتبعها بصحيفة المنار الجديد وجريدة المساء المسائية سنة 1950. وكان قبلها مديراً لتحرير جريدة الأيام الدمشقية وأحد مؤسسي جريدة المنار التابع لجماعة الإخوان المسلمين في سورية.

    البداية

    ولِد بشير العوف في دمشق وكان والده من تجار سوق البزورية. دَرَس في مدارس دمشق وبدأ حياته الصحفية محرراً في جريدة الأيام قبل تعيينه مديراً لها سنة 1943. آمن بالإسلام السياسي وتعاون مع مصطفى السباعي على تأسيس صحيفة المنار الأسبوعية الناطقة باسم جماعة الإخوان المسلمين في سورية. وفي تشرين الأول سنة 1949 انفصل عن السباعي وأسس صحيفة مستقلة باسم المنار الجديد وتبعها بجريدة المساء  في آذار 1950. وفي سنة 1952 دمجت المنار الجديد مع جريدة  بردى الدمشقية وصدرت بإسام اللواء لغاية 30 كانون الأول 1953، عندما استعادت شكلها القديم وهويتها القديمة.

    المنار الجديد

    لم تستمر المساء إلا أشهر محدودة فقط، أما المنار الجديد فقد حققت نجاحاً كبيراً منذ يومها الأول، ولكنّها أُغلقت في زمن الوحدة السورية المصرية سنة 1958، لتعود في مرحلة الانفصال. ثم جاء الإغلاق الثاني والأخير بقرار من مجلس قيادة الثورة فور وصول حزب البعث إلى الحكم في 8 آذار 1963. أُدين بشير العوف بدعم الانقلاب العسكري الذي أطاح بجمهورية الوحدة وعاش في لبنان قبل أن يستقر في السعودية للعمل في جامعة الملك عبد العزيز حتى وفاته.

    المؤلفات

    أصدر بشير العوف عدة مؤلفات، كان أشهرها كتاب الانقلاب السوري التزويجي الذي وضعه سنة 1949 بتكليف من حسني الزعيم، مهندس الانقلاب الأول ضد رئيس الجمهورية شكري القوتلي. ومن مؤلفاته أبضاً:

    الأوسمة 

    فاز بشير العوف بجائزة الملك فاروق للصحافة الشرقية عام 1950 ونال ووسام من العاهل المغربي محمد الخامس سنة 1958.

    الوفاة

    توفي بشير العوف في جدة عن عمر ناهز 77 عاماً في 15 تموز 1994.

     

  • وداد سكاكيني

    وداد سكاكيني
    وداد سكاكيني

    وداد بنت محمد سكاكيني (1913-1991)، أديبة سورية من أصول لبنانية، نالت شهرة واسعة وكانت أشهر مؤلفاتها عن رواد التجديد في الوطن العربي، مثل الأديب المصري قاسم أمين والمفكر اللبناني عمر فاخوري، إضافة لدراسة سيرة الكاتبة الفلسطينية مي زيادة.

    البداية

    ولِدت وداد سكاكيني في مدينة صيدا ودَرَست في كليّة المقاصد الخيريّة في بيروت وقرأت على يد الشّيخ مصطفى الغلاييني، الذي علّمها التجويد وتفسير القرآن الكريم. أمضت عشر سنوات من حياتها في التعليم وعَملت في المعهد العالي للبنات.

    انطلاق مسيرتها الأدبية

    بدأت كتابة الشعر الوجداني في سن مُبكر وشاركت بمسابقة القصة القصيرة التي دعت إليها مجلّة المكشوف اللبنانية، وفازت بالجائزة الأولى. وفي سنة 1932 وضعت كتابها الأول الخطرات، قبل زواجها من الأديب السوري زكي المحاسني وانتقالها للعيش معه في دمشق. تأثرت وداد سكاكيني بمحمد كرد علي رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق، الذي أعجب بأسلوبها الأدبي وقدّمها إلى الجمهور السوري. كما أثنى الأخطل الصغير على كتابها الأول وقال: “تصفحت كتاب الخطرات فإذا أنا عند خطرات خليقة بأن تكون غذاء للناشئة، فكراً، وبياناً، وأدباً سهلاً.”

    المرحلة المصرية

    في سنة 1946، توجهت سكاكيني إلى مصر مع زوجها عند تعيينه ملحقاً ثقافياً في السفارة السورية في القاهرة. اتصلت بكبار أدباء مصر، أمثال عباس محمود العقّاد وطه حسين الذي أعطى شهادة بحقها قائلاً: “اقرؤوا هذه الكاتبة برويّة.” ومن مصر أصدرت وداد سكاكيني كتابها الثاني مرايا الناس، وهو عبارة عن “أقاصيص شاميّة” عكست حياة المجتمع الدمشقي في ثلاثينيات القرن العشرين. كما ألّفت كتاباً عن تجربتها المصريّة بعنوان بين النيل والنخيل، صدر في القاهرة سنة 1947. وبعد النجاح الكبير الذي حققته سكاكيني في القاهرة عادت إلى دمشق وفي سنة 1957 أوفدتها وزارة المعارف إلى موسكو لتمثيل سورية في مؤتمر الأدباء.

    المؤلفات

    تنوعت أعمالها بين القصة قصيرة والرواية والدراسات الأدبية والنقدية التاريخية، واهتمت كثيراً بأدب المرأة وتاريخها كما سلّطت الضوء على أبرز المبدعات والشخصيات النسوية في التاريخ، وفي مقدمتها رابعة العدوية ومي زيادة، معشوقة وداد سكاكيني. وقد ضمّت قائمة مؤلفاتها الكتب التالية:

    الوفاة والتكريم

    توفيت وداد سكاكيني في دمشق عن عمر ناهز 78 عاماً سنة 1991. أطلقت الحكومة اللبنانية اسمها على إحدى مدارس قضاء الكورة وصدرت بعد رحيلها عدة دراسات أدبية عن أعمالها ومسيرتها ومنها ما كُتب في عبقريات وأعلام للصحفي السوري عبد الغني العطري وفي أديبات عربيات للأديب السوري عيسى فتوح، وكتاب الأدب النسائي المعاصر في سورية ولبنان للروائية السورية هدى الزين. كما صدرت ترجمة عن حياتها في كتاب نساء من بلادي للكاتبة اللبنانية ناديا الجردي نويهض، الصادر سنة 2000 والذي قدّم له الرئيس اللبناني إلياس الهراوي. وفي سنة 2019 أصدرت وزارة الثقافة السورية كتاباً كاملاً عن حياتها بعنوان وداد سكاكيني: بين البحث والإبداع، من إعداد مالك صقور ونزيه خوري.

     

     

     

     

     

  • فخري البارودي

    فخري البارودي
    فخري البارودي

    فخري بن محمود البارودي (30 آذار 1887 – 2 أيار 1966)، زعيم سوري من دمشق وأحد مؤسسي الكتلة الوطنية، عُرف في سورية والعالم العربي مناضلاً وشاعراً ومجدداً في الموسيقا والفنّ. انتُخب نائباً في البرلمان السوري من سنة 1932 ولغاية جلاء القوات الفرنسية عام 1946، وكان اعتقاله سنة 1936 أحد أبرز الأسباب التي أشعلت الإضراب الستيني. اعتزل العمل السياسي بعد الجلاء وتفرغ لدعم الحركة الفنية في سورية عبر مساهمته في تأسيس إذاعة دمشق ونادي الموسيقا الشرقي. وكان راعياً ومحتضناً لعدد من الفنانين، ومن أبرزهم المطرب صباح فخري. ويُعدّ فخري البارودي من الآباء المؤسسين للجمهورية السورية وكان من ظرفاء دمشق. ومن أشهر مؤلفاته نشيد بلاد العرب أوطاني الذي ذاع صيته في البلاد العربية منذ منتصف القرن العشرين.

    البداية

    ولِد فخري البارودي في حيّ القنوات بدمشق وكان والده محمود البارودي من الأعيان. أمّا والدته فقد كانت من عائلة العَلمي الفلسطينية، وكان والدها مستشاراً في بلاط السلطان عبد العزيز في إسطنبول. وعن أصول العائلة يقول البارودي في مذكّراته إن نسبها يعود إلى ظاهر العمر، حاكم عكا في القرن الثامن عشر، الذي تمرّد على الدولة العثمانية وقُتل، فجاءت ذريته إلى دمشق واستقرت بها سنة 1775. كان فخري البارودي وحيداً لأبيه، الذي تعامل معه بدلال مُفرط ووظّف مربّين ومساعدين وطهاة للسهر على خدمته وراحته، جاء معظمهم من قصر السلطان مراد الخامس، الذي نحّي عن العرش سنة 1876.

    سنوات الدراسة

    دَرس البارودي في المدرسة العازارية في منطقة باب توما ثم في مكتب عنبر حلف الجامع الأموي. طلب إلى أبيه السماح له بالسفر إلى فرنسا للتخصص بعِلم الزراعة، ولكن محمود البارودي رفض ذلك بشدة فهرب البارودي من البيت في شباط 1911 والتحق بجامعة مونبلييه الفرنسية. ولكنه أُجبر على العودة إلى دمشق بعد عام واحد بعدما قطع والده المصروف عنه ومنع والدته من تقديم أية مساعدة مادية له. عاد البارودي إلى دمشق مُجبراً وحزيناً وجال في شوارعها غاضباً، ومن شدّة تألمه صار يكتب على الجدران، مثل المجانين: “تعَلم يا فتى، فإن الجهل عار!”

    صحفياً وضابطاً

    بعد انقطاع دراسته في فرنسا عَمل فخري البارودي محرراً في جريدة المقتبس قبل أن يؤسس جريدة أسبوعية ساخرة تدعى حطّ بالخرج، حرّرها باللهجة الدمشقية العامية، حيث كان يوقع كل افتتاحياته باسم عزرائيل المستعار. عند معرفة أبيه بالأمر، أجبر البارودي على التخلّي عن مشروعه الصحفي، فالتحق بالوظيفة الحكومية كاتباً بعدلية دمشق، ثم تطوع بالجيش العثماني، عِلماً أنه كان مُعفى من خدمة العلم الإلزامية لكونه وحيداً لأمه. فرزته قيادة الجيش إلى مدينة بئر السبع في صحراء النقب، ليقاتل مع الجيش العثماني في الحرب العالمية الأولى، ووقع أسيراً بيد الجيش البريطاني سنة 1917. سيق مكبلاً إلى مصر وبقي فيها سجيناً حتى سقوط الحكم العثماني في سورية سنة 1918.

     

    البارودي مرافقاً للملك فيصل الأول
    البارودي مرافقاً للملك فيصل الأول

    مرحلة الملك فيصل 1918-1920

    عاد البارودي بعدها إلى دمشق وبايع الأمير فيصل بن الحسين حاكماً عربياً على سورية. في أثناء زيارتاته المتقطعة إلى دمشق كان الأمير فيصل يحلّ ضيفاً في دار محمود البارودي في منطقة القنوات، وفيها تعرّف على فخري البارودي وأحبه، فعيّنه مرافقاً خاصاً له طوال مدة حكمه بدمشق، الممتدة من 3 تشرين الأول 1918 ولغاية 24 تموز 1920. ولكنّ حكم الملك فيصل لم يستمر طويلاً، وأطيح به من قبل الجيش الفرنسي بعد معركة ميسلون سنة 1920، لتبدأ من يومها مرحلة الانتداب الفرنسي والتي استمرت حتى سنة 1946. نظراً لقربه من الملك فيصل، حكمت محكمة فرنسية على البارودي بالإعدام، فهرب إلى شرق الأردن وبقي مقيماً في عمّان حتى صدور عفو عنه سنة 1923.

    البارودي والثورة السورية الكبرى

    في 5 حزيران 1925، انتسب البارودي إلى حزب الشعب، الذي كان ينادي بالاستقلال وكان برئاسة الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، وزير خارجية سورية السابق في آخر حكومة شُكّلت في عهد الملك فيصل. وعند قيام الثورة السورية الكبرى سنة 1925، عمل البارودي مع الشهبندر على دعمها عبر تهريب السلاح إلى جبل الدروز وغوطة دمشق، فحُكم عليه بالإعدام مجدداً. هرب مرة ثانية إلى عمّان ومكث فيها قرابة العامين، ضيفاً على الأمير عبد الله، شقيق الملك فيصل.

    سنوات المنفى 1925-1928

    في منفاه الأردني، قلّت موارد فخري البارودي المالية التي كانت تصله شهرياً من سورية، ففتح مطعماً للمثقفين في عمّان، سماه “الندوة،” كان يُقدم السندويش والمرطبات. مع ذلك بقيت الهموم المادية تحاصر البارودي فلجأ إلى عمل جديد واتفق مع صديقه الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان، مدير قسم اللغة العربية في الإذاعة البريطانية، على تقديم سلسلة حلقات توعية للأطفال لتشجيعهم على المواطنة ومكافحة الاستعمار عبر الثقافة والقلم بدلاً من البندقية.

    وبالفعل، سُجلت أولى حلقات البارودي في الأستوديو ولكنّ سلطة الانتداب الفرنسي في سورية قطعت التيار الكهربائي عن مدينة دمشق يوم موعد بث الحلقة الأولى، لمنع صوت البارودي من الوصول إلى أهله عبر الأثير. ثمّ ضغطت على الإذاعة البريطانية لتوقف البرنامج بشكل نهائي. وفي آخر مراحل اليأس، قرر البارودي التطوع في الجيش العراقي، كونه كان مرافقاً لفيصل الأول الذي كان قد تولّى عرش العراق بعد إبعاده عن سورية. ولكن الحكومة العراقية رفضت طلبه بحجة أن البارودي لم يكن يحمل الجنسية العراقية.

    مع الكتلة الوطنية

    في شباط 1928، صدر عفو جديد عن المبعدين السياسيين، فعاد فخري البارودي إلى سورية وانتسب إلى الكتلة الوطنية التي كانت قد ظهرت في خواتيم الثورة السورية الكبرى، وكانت تُنادي بمحاربة الانتداب بطرق سلمية لا عسكرية. انتُخب سنة 1928 نائباً ومشرعاً في المؤتمر التأسيسي المكلّف بصياغة أول دستور جمهوري، وأُعيد انتخابه في كلّ الدورات التشريعية من سنة 1928 ولغاية عام 1943. في كل دورة كان البارودي يفوز بأغلبية مُطلقة، نظراً لشعبيته الكبيرة في أوساط الشباب والمثقفين. وقد رفض تسلّم أي منصب حكومي طوال مسيرته السياسية، على الرغم من الحقائب المختلفة التي عُرضت عليه في عهد كلٍ من هاشم الأتاسي وشكري القوتلي، ولكنّه فضّل البقاء في موقعه النيابي، ممثلاً عن الشعب ومدافعاً عن حقوقه.

    الإضراب الستيني

    شارك فخري البارودي في جنازة زميله في الكتلة إبراهيم هنانو الذي توفي في 21 تشرين الثاني 1935،  التي تحوّلت إلى مظاهرة شعبية ضد الاحتلال الفرنسي. رفعت فيها شعارات منددة بالانتداب ومطالبة باستقالة رئيس الحكومة تاج الدين الحسني، وعُدّ البارودي هو المحرض ضد الدولة وفرنسا. صدر أمر اعتقاله في 20 كانون الثاني 1936، ما أشعل الإضراب الستيني الذي قادته الكتلة الوطنية. جرت مفاوضات في مقر المفوضية الفرنسية العليا في بيروت، بين رئيس الكتلة هاشم الأتاسي والمندوب السامي هنري دي مارتيل، كانت نتيجتها إنهاء الإضراب الستيني مقابل عفو عن جميع المعتقلين، وفي مقدمتهم فخري البارودي. توجه بعدها وفد من الكتلة الوطنية إلى فرنسا للتفاوض على مستقبل سورية.

    مكتب البارودي للدعاية والنشر

    في عام 1934 أسس فخري البارودي أول مركز دراسات وأبحاث عرفه العالم العربي باسم “مكتب البارودي للدعاية والنشر،” وكان مقره في دار البارودي بمحلّة القنوات. كان مكتب البارودي يهدف إلى تأمين قاعدة إعلامية وفكرية للحركة الوطنية السورية. اشترى البارودي  مطبعة خاصة لطباعة الدوريات والدراسات الصادرة عن مكتبه ووزّعها مجاناً على الجامعات والجوامع والكنائس ودور العبادة اليهودية، إضافة إلى كبرى الصحف العربية وكل مؤسسات الدولة السورية. تراوحت الموضوعات التي كتب عنها البارودي بين إجرام الصهاينة في فلسطين وتجاوزات الفرنسيين في سورية، وصولاً لقضية لواء إسكندرون، الذي تمّ ضمّه إلى تركيا عام 1939.

    تعاقد البارودي مع نخبة من الشباب المثقف للعمل في مكتبه، كان من بينهم ناظم القدسي (الذي أصبح رئيساً للجمهورية سنة 1961) وفريد زين الدين، خريج الجامعة الأميركية في بيروت الذي أصبح بعد سنوات سفيراً في في كلٍّ واشنطن وموسكو. وعمل معهم المحامي إدمون رباط، الذي شارك في مفاوضات باريس عام 1936، والمحامي أحمد السمّان، خريج جامعة السوربون الذي أصبح رئيساً للجامعة السورية في زمن الوحدة السورية – المصرية، والدكتور قسطنطين زريق، الذي أصبح رئيساً للجامعة السورية سنة 1949 ثمّ للجامعة الأميركية في بيروت. ومن الشباب العرب، تعاقد البارودي مع أكرم زعيتر، الذي أصبح لاحقاً سفير فلسطين في جامعة الدول العربية، وكاظم الصلح، مؤسس حزب النداء القومي في لبنان. شكل هؤلاء الشباب الهيئة العامة لمكتب البارودي وانتخبوه رئيساً لهم لمدّة خمس سنوات.

    إضافة لإنجاز الأبحاث العلمية، ووظّف مكتب البارودي مصورين شباب داخل فلسطين لالتقاط صور فوتوغرافية عن تجاوزات العصابات اليهودية ومصادرتهم للأراضي والأملاك. كان البارودي يجمع تلك الصور في دمشق ثم يقوم بإرسالها إلى كبرى الصحف الأميركية والبريطانية مُطالباً بنشرها، مرفقة برسالة رسمية تحمل عبارة: “مع تحيات مكتب البارودي.”

    أسس غرفة خاصة للحفاظ على الخرائط السورية، قبل ترسيم الحدود عند انهيار الدولة العثمانية وبعد ذلك، وغرفة ثانية لحفظ أوراق ملكية الأراضي الفلسطينية (الطابو)، المدرجة ضمن مطامع الوكالة اليهودية.

    أما عن تمويل مكتب البارودي فقد كان يأتي عن طريق الاشتراكات بالدوريات وتبرعات الأعيان والمؤسسات السورية، إضافة لتبرعات البارودي الذي دعم المكتب بمبلغ قدره 40 ألف قرش سوري. وقد طبع مكتب البارودي كتاباً عن مؤتمر بلودان، وكتيّباً باسم “دليل الشرطي” للبارودي، يحتوي على إرشادات لرجال الأمن والشرطة وتعليمات مصوّرة متعلقة بكل تفاصيل مهنتهم. أخيراً ترجم المكتب مُذكّرات أدولف هتلر من اللغة الألمانية، التي صدرت بعنوان كفاحي.

    فخري البارودي ومشروع الفرنك
    فخري البارودي ومشروع الفرنك

    مشروع الفرنك

    ارتبط اسم فخري البارودي بمشروع الفرنك الذي ظهر في بداية الثلاثينيات، ويطلب إلى كل مواطن التبرع بفرنك سوري واحد شهرياً (ما يعادل خمسة قروش) لجمع مبلغ ثابت بشكل دوري يُخصَّص لمشروع نفع عام كترميم جسر مثلاً أو تزفيت طريق أو شراء كتب لمدرسة نائية.  وقد رفض البارودي تقبل تبرعات تزيد عن فرنك سوري واحد في الشهر وكان يقول دوماً: “هذا المشروع من الفقراء يبدأ وإلى الفقراء يعود، أريد ديمومة التبرع الشهري ولا أبحث عن تبرعات كبيرة من الأفراد. الكل يستطيع التبرع بفرنك سوري واحد، غنياً كان أم فقيراً. أريد إشراك الفقراء في نهضة الأمة.” وقد حقق مشروع الفرنك نجاحاً مبهراً في دمشق، فمنعته فرنسا نهاية عام 1939.

    البارودي والصناعة

    أما مشروعه الثاني، “صنع في سورية،” فقد كان يهدف إلى تتشجيع الصناعة الوطنية ودعمها، وقد بدأه البارودي بوضع “الميثاق الاقتصادي” ووزّعه على تجّار دمشق طالباً من الجميع أن يعدّوه نبراساً في عملهم التجاري. جاء في الميثاق “السنطيم أساس المليون والمال أساس الاستقلال.” ثم أضاف: “من أراد حياة بلاده فليعمل بميثاقها الاقتصادي.” طالب ميثاق البارودي تجار سورية بعدم استيراد ما هو موجود في الأسواق المحلية وتشجيع الأهالي على شراء المزروعات والأجبان والقطنيات والملابس المصنعة في سورية. وفي عام 1938، سافر فخري البارودي إلى الولايات المتحدة الأميركية للترويج للشركات والمصانع السورية في معرض نيويورك العالمي.

    البارودي والنادي الموسيقي الشرقي

    بالتعاون مع صديقه المحامي أحمد عزّت الأُستاذ أسس فخري البارودي النادي الموسيقا الشرقي الذي تحوّل بعد عام 1946 إلى “المعهد الموسيقي” وكان مقره في سوق ساروجا. وتعاقد مع أساتذة من النمسا لتدريس العزف على البيانو والكمان، وجاء بالمحامي نجاة قصاب حسن لإدارة المشروع، ومعه عدد من الخبراء مثل يحيى السعودي، مُدرس نظريات الموسيقى الشرقية، ويوسف البتروني الذي كلّفه البارودي بتدريس مادة الموسيقا الغربية، وصالح المحبك لمادة الموشحات، وسعيد فرحات لمادة الإيقاع.

    في سنة 1948، حصل النادي الموسيقي الشرقي على دعم مادي من حكومة جميل مردم بك، ولكنّ هذا البند شُطب من موازنة العام 1950، عند تسلّم ميشيل عفلق حقيبة المعارف. تذرع عفلق بضيق الموارد، وكتب له البارودي معاتباً:

    إن الجلاء من نواب قومي                    عصوا قولي وما فهموا مرادي

    بإنشاء معهد للفن يحيي                     تراث جدودنا بين العباد

    ولكن أي عذر ليت شعري                  لأهل العلم أرباب السداد

    إذ ظلوا كغيرهم حيارى                       وما عملوا لإصلاح الفساد

    فويل للوزارة مع ذويها                        وويل للمعارف والبلاد.

    لم يكترث ميشيل عفلق لكلام البارودي، فتوجه إلى وزير المالية شاكر العاص بأبيات من شعر جاء فيها:

    ما لي بعصر النور ناصر                     إلا وزير المال شاكر

    فاسمع شكايا مغرم                        بالفن قد ملّ الظواهر

    والفن كاد يموت من                        جهل الأصاغر والأكابر

    والآن أنت وزيرنا                             والمال بين يديك وافر

    وعلى إشادة معهد                         للفن أنت الآن قادر.

    البارودي والفن

    علاقة فخري البارودي بالفن والفنانين كانت تعود إلى زمن أبيه، الذي كان يجمع الموسيقيين في داره، أمثال عازف القانون عمر الجراح وشقيقه عازف العود إبراهيم الجراح. وقد كرر البارودي تجربة والده عندما تبنّي الفنان الشاب عبد اللطيف فتحي، الذي شجعه على ترك اللهجات المصرية السائدة في المسرح العربي يومها إلى اللهجة الدمشقية المحكية. ودعم مجموعة من الفنانين الشباب ومنهم رياض شحرور وسعد الدين بقدونس ونهاد قلعي، الذي تأثر بفخري البارودي لدرجة أنه استعار نبرة صوته السوبرانو في تجسيد شخصية حسني البورظان التي ظهرت على شاشة التلفزيون السوري في مطلع الستينيات.

    كما قام البارودي بدعم رائد المنولوج سلامة الأغواني والفنان فهد كعيكاتي ومطرب القدود والموشحات صباح الدين أبو قوس، الذي جاء من حلب إلى دمشق بنية السفر إلى مصر. سمع البارودي صوته الخلّاب وأعجب به كثيراً، فطلب إلى والدته أن يبقى في سورية وتكفَّلَ بكل مصاريف دراسته، وأعطاه راتباً شهرياً وجاء بأهم أساتذة الموسيقا الشرقية لتعليمه فنّ الغناء. عندما أصبح الفتى جاهزاً للاحتراف أدخله البارودي إلى إذاعة دمشق مُطرباً مُحترفاً، ودعاه للغناء أمام رئيس الجمهورية شكري القوتلي، وبعدها أطلق عليه اسمه الفني المستوحى من اسم البارودي: صباح فخري.

    البارودي بلباس القمصان الحديدية
    البارودي بلباس القمصان الحديدية

    القمصان الحديدية

    في مطلع الثلاثينيات أسس فخري البارودي ما عُرف باسم الشباب الوطني، وهو الذراع الشبابي للكتلة الوطنية، الذي أراد له أن يكون نواة الجيش السوري في المستقبل. تطورت الفكرة عام 1936 لينبثق عن الشباب الوطني تنظيم القمصان الحديدة، المستوحى من القمصان البنّية في إيطاليا والقمصان السوداء في ألمانيا النازية. في النسخة السورية من تلك التنظيمات، ارتدى الفتيان ربطة عنق سوداء وقميصاً حديدي اللون وقبعة فيصلية، تُشبه تلك التي كان يرتديها الملك فيصل وضبّاطه في زمن الثورة العربية الكبرى. وضع شباب “القمصان” على أذرعهم اليمنى ربطةً حمراء شبيهة بربطة رجال هتلر، ولكن بدلاً من الصليب المعكوف، وضعوا عليها صورة يد تحمل شُعلةً من نور.

    بمشيتهم العسكرية المنتظمة وتحيّتهم النازية عبر مدّ اليد اليمنى إلى الأمام، بشكلٍ مشدود ومُنتصب، كانوا يجولون شوارع دمشق لحماية الأهالي من تجاوزات جنود السنغال التابعين لجيش الشرق الفرنسي. وفي أحد معسكرات القمصان الحديدية ظهر البارودي بلباس التنظيم وخاطب الجماهير قائلاً: “هذا التنظيم يجمعنا جميعاً، ونحن نعقد عليه آمالاً كبيرة لأنكم أنتم الشباب القوة الحقيقية لأي شعب، وجميعُكم يعلم أنه لولا الشباب الإيطالي في روما لما كان لموسوليني أنْ يكون، ولما كان لهتلر.” نظراً لكثرة التشابهات بين القمصان الحديدية والحزب النازي، قيل إنّ قمصان البارودي هم امتداد لنفوذ أدولف هتلر في الوطن العربي، وبناء عليه جرى حظرهم من قبل سلطة الانتداب ومُصادرة جميع مكاتبهم وممتلكاتهم.

    البارودي ضابطاً فخرياً في الجيش السوري
    البارودي ضابطاً فخرياً في الجيش السوري

    قصف دمشق عام 1945

    في 29 أيار 1945 وقع عدوان فرنسي على مدينة دمشق، هو الثاني منذ سنة 1925، أدى إلى تدمير المجلس النيابي وقلعة دمشق مع أجزاء كبيرة من منطقة سوق ساروجا. نزل البارودي إلى الشارع بلباس الدرك السوري وحمل السلاح مع المتطوعين في محاولة منه لإنقاذ سجناء القلعة من الهلاك، وقد أُصيب بشظيّة في رقبته قبل أن يتمكن من نقل الجرحى والمصابين إلى المستشفى الإنكليزي في حي القصّاع. وقد كرمه رئيس الجمهورية شكري القوتلي بوسام الاستحقاق ورتبة فخرية في الجيش السوري بعد جلاء القوات الفرنسية سنة 1946. بعد وقوع الانقلاب الأول في 29 آذار 1949، عُيّن البارودي مديراً لمكتب الدعاية في الجيش السوري، حيث تعاقد مع المخرج إسماعيل أنزور لإنتاج أفلام وثائقية عن تدريبات الجيش وقدراته العسكرية، كانت تُعرض في صالات السينما بدمشق.

    البارودي وعبد الناصر

    لم يُخفِ فخري البارودي امتعاضه من الطريقة التي جرت بها الوحدة السورية المصرية عام 1958، على الرغم من تقديره الكبير للرئيس جمال عبد الناصر. وقد عبّر عن معارضته لقانون الإصلاح الزراعي الذي صدر في شهر أيلول من العام نفسه  عبر رسالة مفتوحة إلى عبد الناصر جاء فيها:

    اسمحوا لي وأنا الشيخ الذي جرب الحياة وأفنى مراحل عمره في التجربة والاختبار ومقاومة الاستعمار ونشدان الحياة الحرّة الكريمة، أن أنصح بتأخير تنفيذ هذا القانون. يا سيادة الرئيس، إن الكثير من أصحاب الأراضي الكبيرة أفنوا حياتهم في استصلاحها واستثمارها، ولا يجوز بوجه من الوجوه أن تقضي على تلك الجهود.

    لم يُجب عبد الناصر على رسالة البارودي، فأرسل نسخة ثانية منها عبر البريد المسجّل، وصلت إلى مكتب الرئيس في القاهرة، ما عدّه نائب رئيس الجمهورية أكرم الحوراني تطاولاً على مقام الرئاسة. ردّ الحوراني بإنذار موجه إلى فخري البارودي عبر محافظة دمشق يُطالبه بإخلاء داره الكائنة في منطقة كيوان، بحُجة أن الدولة تنوي هدمه وشقّ طريق في مكانه. وكان البارودي قد انتقل للعيش في هذا المنزل المتواضع بعد بيع قصر أبيه في القنوات سنة 1954. ظنّ الحوراني أن البارودي سيموت قهراً لو أُخرج من داره مرة ثانية، ولكن انقلاب الانفصال حال دون تنفيذ قرار الهدم سنة 1961.

    منزل البارودي

    ابتداء من العشرينيات وحتى مطلع الخمسينيات، كان منزل البارودي في محلّة القنوات محجاً لمعظم الفنانين والمثقفين العرب في أثناء زيارتهم إلى دمشق، وقد استضاف كلاً من أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وأحمد شوقي. أُجبِر البارودي على بيع الدار بسبب تراكم الديون، فتحولت مُلكيته سنة 1954 إلى الصحفي وجيه بيضون وانتقل البارودي إلى منزل متواضع في منطقة كيوان، تعرض للقصف المدفعي خلال مواجهات دامية وقعت في دمشق يوم 18 تموز 1963، عندما حاول الضابط الناصري جاسم علوان تنفيذ انقلاب عسكري على حزب البعث الحاكم منذ 8 آذار 1963. لم يُصَب البارودي بأذى يومها لأنه كان خارج المنزل، ولكن مكتبته النفيسة ضاعت، وفيها معظم أوراقه المكتوبة بخط اليد، فاستأجر شقة صغيرة في منطقة ركن الدين على سفح جبل قاسيون، حيث توفي. أما منزله القديم في القنوات فهو اليوم مقر قسم الترميم التابع لكلية الهندسة المعمارية في جامعة دمشق.

    الوفاة

    توفي فخري البارودي في دمشق عن عمر ناهز 79 عاماً يوم 2 أيار 1966. وقد خرجت له جنازة شعبية تجمهر فيها الناس أمام جامع بدر بدمشق، ورُفع نعشه المجلل بالعلم السوري على أكتاف المشيعين على هتاف: “لا الله إلا الله…فخري بك حبيب الله.”

    مكتبة البارودي

    وزّع فخري البارودي ما تبقى من كتبه على حياة عينه، فقد ذهب معظمها إلى المدارس الحكومية، وخصص قسم لمكتبة المستشفى الوطني، وبعث الكتب الأجنبية إلى مكتبة جامعة دمشق. وقد جُمع ما تبقى من أوراقه في متحف الوثائق التاريخية بدمشق، الذي أقيم في منزل خالد العظم في منطقة سوق ساروجا.

    مؤلفات البارودي

    البارودي في سنواته الأخيرة
    البارودي في سنواته الأخيرة

    وضع البارودي في حياته عدداً كبيراً من المؤلفات، كان من ضمنها:

    الأوسمة

    في زمن الحرب العالمية الأولى تقلّد البارودي الوسام الحديدي العثماني تلاه وسام النهضة العربية الذي منحه إياه الملك فيصل سنة 1920. جاء بعدها وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة الذي منحهُ الرئيس شكري القوتلي سنة 1945، ثمّ وسام الاستحقاق اللبناني المقدم من الرئيس بشارة الخوري سنة 1949.

    تكريم البارودي

    أُطِلق اسم فخري البارودي على شارع رئيسي في مدينة دمشق وصدرت عن حياته مؤلفات عدة، كان أبرزها كتاب فخري البارودي لنهال بهجت صدقي الصادر في بيروت 1974. وقد جمعت مديرة دار الوثائق دعد الحكيم أوراق البارودي ورسائله إلى الملوك والرؤساء العرب في كتاب نشرته وزارة الثقافة السورية سنة 1999 وأنتجت فيلماً وثائقياً عن حياته بعنوان البحث عن شيخ الشباب، أخرجه نبيل المالح وغنى فيه صباح فخري نشيد بلاد العرب أوطاني. كما شارك صباح فخري في ندوة عِلمية عن حياة البارودي أقامتها جمعية أصدقاء دمشق في مكتبة الأسد الوطنية في شباط 2008. وفي سنة 2018، أطلقت مؤسسة تاريخ دمشق جائزة فخري البارودي للمؤرخين الشباب “تكريماً لشيخ الشباب.” وكتب رئيس المؤسسة سامي مروان مبيّض واصفاً البارودي بالقول: “كان علامة فارقة في تاريخ سورية المعاصر، تجسدت في شخصيته الفريدة أنبل صفات المواطنة الصالحة والتفاني في خدمة المجتمع والقضية العربية بشكل عام والسورية بشكل خاص.”

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !