عبد الرزاق بن حسن البيطار (1834- 1916)، عالم وفقيه ومؤرّخ دمشقي. من أشهر علماء الشّام في القرن التاسع عشر. عمل في حقل التعليم طوال حياته. واشتُهر في ميداني الأدب والعلم.
البداية
ولد الشيخ عبد الرزاق البيطار في حي الميدان من أسرة البيطار المشهورة بالعلم. والده حسن البيطار أشهر علماء سورية، وكذلك حفيده محمد بهجة البيطار أحد مؤسسي نهضة التعليم في سورية والمملكة العربية السعودية. تعلّم القراءة والكتابة في سن مبكر. ثم حفظ القرآن الكريم على يد شيخ قراء الشام الشيخ محمد الحلواني، بدأ مسيرة التعلّم بحضور دروس والده الشيخ حسن البيطار فأخذ عنه المتون في مبادئ العلوم، وبعد وفاته قرأ على شقيقه الأكبر الشيخ محمد البيطار فقه أبي حنيفة وعلى أخيه الثاني الشيخ عبد الغني البيطار علم القراءات، كما أخذ أيضاً عن الشيخ الملا أبي بكر الكردي الشافعي الدمشقي في جامع الورد في سوق ساروجة.
لازم الأمير عبد القادر الجزائري أثناء نفيه في دمشق، وقرأ عليه جملة من الكتب أبرزها (الفتوحات المكية)، كان متبحراً في علوم السنة والحديث وسند اتصاله، كما كان أحد مريدي شيخ الشام بدر الدين الحسني المفضلّين، قرأ أيضاً على يد الشيخ إبراهيم السقا خطيب الجامع الأزهر، ثمّ لازم دروس الشيخ محمد الطنطاوي، فأتمّ معه دراسة العلوم العربية والشرعية، وأخذ عنه علمي الفلك والحساب.
حياته العملية
عمل في بداية حياته بالأدب ولكنّه اقتصر في آخر عمره على علمي القرآن الكريم والسنة الشريفة، حيث كان يلقي دروسه الدينية في جامع الدقاق في حي الميدان وكذلك كانت له دروساً خاصة يلقيها في بيته. كما كان من رواد حلقة الشّيخ طاهر الجزائري الفكرية.
اتسم منهج الشيخ عبد الرزاق البيطار بالتجديد، على الرّغم من تمسكه بمنهج السلف، إلا أنّه دعا إلى محاربة الجمود، تحلّى الشيخ عبد الرزاق البيطار بدماثة الخلق ورقة الجانب والقدرة على الإقناع ممّا أكسبه محبة العوام، كما كان كثيراً ما يستحضر الطرائف والنوادر والأمثال في دروسه، وهذا ما جعل لدرسه شهرة واسعة، وإلى جانب ذلك تمتّع الشيخ بصوتٍ حسن وقدرة على حفظ الإيقاع ومعرفة أصوله وفروعه.
جمع الشيخ عبد الرزاق البيطار مكتبة نادرة تضم نحو ألفي مخطوط وألفي مطبوع كمؤلفات ابن طولون الدمشقي فقد كان مولعاً بنفائس الكتب، كما كان له مع صديقيه جمال الدين القاسمي والأمير محيي الدين بن عبد القادر الجزائري مساجلات علميّة ومحاورات أدبية، تشفّ عن سعة علم وأدب، كذلك كان له جملة مراسلات في الأدب والتاريخ جمع فيها بين النثر والشعر لكن لم يطبع منها شيء.
أشهر آثار الشيخ عبد الرزاق البيطار كتاب «حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر»، ويقع في ثلاثة مجلدات ترجم فيه لمشاهير القرن الثالث عشر الهجري، وقد كتبه الشيخ عبد الرزاق في أدوار من عهود شبابه وكهولته وشيخوخته، ولم يترك الكتابة والتصحيح فيه إلا قبل وفاته بما يقارب العشر سنوات لشلل أصاب يده اليمنى، وقد ترجم فيه أيضاً لمجموعة من رجال القرن الرابع عشر من معاصريه، تتصف ترجماته بتقديمها صورة وافية عن حياة المترجم لهم من المشاهير، غير أنه أرّخ أيضاً لكثير ممن ليس لهم آثار تذكر، كترجمته لبعض أهل الطرق المعروفة ونقله بعض حكاياتهم الغريبة أو ما كانوا يبتدعونه من أمور بعيدة عن الدين.
رهن الشيخ عبد الرزاق البيطار حياته لطلب العلم والتدريس. فلم يقبل تولّي أي منصب في الإفتاء أو القضاء طيلة حياته.
رحلاته
قام الشيخ عبد الرزاق البيطار بعدة رحلات إلى بلاد الشام، كما زار مصر وحضر مجلس الشيخ محمد عبده الذي كرّمه وعرف فضله. سافر أيضا إلى إستانبول مع وفد دمشقي لمبايعـة السلطان محمـد الخامس وتقديـم واجبات التهاني، فرّحبت به الصحف التركية، وقد أقام فيها بضعة أشهر تعـرّف خلالها علـى كبـار العلماء الأتراك، خلّد رحلاته وأسفاره في كتاب سماه “الرحلة” تحدث فيه عن جميع الأسفار التي قام بها ومنها الرحلة القدسية والرحلة البعلية.
من الوشايات التي تعرّض لها
تعرّض الشيخ عبد الرزاق البيطار للمراقبة في العهد العثماني، وفتشت داره وكتبه عدة مرات فما عثر عنده على شيء يتخذ ذريعة لإيقاع الأذى به، ومن ذلك اتهامه بتأسيس مذهب جديد، وبتسليم سورية ومصر للإنكليز، فكان مما قاله لوالي سورية حينذاك شكري باشا: هل سورية ومصر – يا حضرة الوالي – تُفاحتان في جيبي حتى أسلمهما؟ ثم إن كان في إمكاني أن أتصرف بهما وأسلمهما لغيري فلم لا أبقيهما لنفسي؟ ووراء ذلك فإن كان يتيسر لمثلي تسليمهما فرجل أقدر مني يسلم البلاد العثمانية كلها للأجانب، وأين الحكومة وقوتها؟ فخجل الوالي شكري باشا وقال: أنا أعلم أن هذه وشايات وأراجيف لا أصل لها، ولكني دعوتك عندي من أجل أن آنس بك.
مؤلفاته
- حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر
- المنّة في العمل بالكتاب والسنة.
- تاريخ علماء دمشق.
- الرحلة النجدية الحجازية.
- المباحث الغرر في حكم الصور.
- اللمعة في الاقتداء حال التشهد من صلاة الجمعة.
- شرح العقيدة الإسلامية للعلامة محمود أفندي حمزة.
حاملي إجازته
مما كتب عنه
مما قيل عنه
«كانت مجالس الأستاذ عبد الرزاق البيطار الخاصة كمجالسه العامة مملوءة بالفوائد العلمية والأدبية. إذا جدّ اشرأبت إليه الأعناق والأفكار، وإذا مزح ارتاحت لمباسطته الأرواح والقلوب. فكان جعبة أدب وظرف، ما غشي مجلسه أحد إلا وتمنى لو امتد أمد الاجتماع به والاستفادة من مروياته ومحفوظاته والتسلي برقائقه ونوادره».
«عالم بالدين ضليع وفي الأدب والتاريخ عارف بالموسيقى. حفظ القرآن في صباه وتمهر في علومه كان حسن الصوت وله نظم واشتغل بالأدب مدة واقتصر في آخر عمره عللا علمي الكتاب والسنة وكان من دعاة الإصلاح في الإسلام سلفي العقيدة ولقي في ذلك عنتا من الجامدين».
«علّامة هذا الزمان ومأوى الفضل والعرفان فريد الأقطار الشيخ عبد الرزاق أفندي البيطار».
الوفاة
توفي الشيخ عبد الرزاق البيطار في عام 1916 في دمشق ودفن في مقبرة أسرته في حي الميدان.