الشباب الوطني، الذراع الشبابي للكتلة الوطنية، أسسه الزعيم فخري البارودي وكان له حضور ملفت في دمشق وحلب وبقية المدن السورية في السنوات 1929-1936. لعب الشباب الوطني دوراً محورياً في أدارة الإضراب الستيني الذي دعت له الكتلة الوطنية وانبثق عنه تنظيم القمصان الحديدية سنة 1936.
البداية
تأسست الكتلة الوطنية سنة 1928 في أعقاب هزيمة الثورة السورية الكبرى وفكر قادتها بإنشاء ذراع شبابي لها من اليوم الأول، بناء على طلب فخري البارودي، الملقب بشيخ الشباب والقريب من طلاب المدارس والجامعة السورية. قادة الكتلة الوطنية كانوا إما من الشيوخ الكبار، أمثال هاشم الأتاسي وإبراهيم هنانو، أو من سياسيين في منتصف العمر، مثل شكري القوتلي وسعد الله الجابري، ما خلق فجوة بينهم وبين جمهور الشباب الثائر ضد الانتداب الفرنسي.
الهيئة العامة
بدء البارودي بجمع الشباب في صفوف الكتلة ليكونوا قادة المستقبل في الحركة الوطنية. أول من تواصل معه كان التاجر الشاب محمود البيروتي من أهالي سوق ساروجا، وهو صاحب متجر صغير في زقاق رامي خلف ساحة المرجة. كان البيروتي أحد مؤسسي كشّاف أُميّة، من أفرع الكشّاف السوري في حينها، وله علاقات طيبة مع طلاب مدرسة التجهيز الأولى. انضم إليه في تأسيس الشباب الوطني المحامي سيف الدين المأمون، خريج جامعة بيروت الأميركية، والمحامي منير العجلاني، العائد حديثاً من دراسة الحقوق في جامعة السوربون. ظلّ تنظيم الشباب الوطني يعمل بشكل عشوائي حتى ربيع العام 1936، يوم انتخاب هيئة عامه لة مؤلفة من السادة:
- سيف الدين المأمون (أمين سر)
- منير العجلاني (مراقب عام)
- منير الريّس (مراقب ثاني)
- منير المالكي (أمين صندوق)
حدد جميل مردم بك، أحد قادة الكتلة الوطنية بدمشق، ملامح تنظيم الشباب الوطني قائلاً:
إن الشباب الوطني رسالة كريمة تنحصر في التبشير بأننا أمة تريد الاستقلال والحياة الحرة، وفي مقاومة عوامل التفرقة سواء كانت إقليمية أم دينية أم عنصرية أم مذهبية، وفي إفهام أبناء البلاد بأنهم أبناء وطن واحد فعليهم أن يتعاونوا على إعلاء شأنه واجتناب جذور التفرقة التي هي الداء الذي يودي بحياة أعظم الأمم فضلاً عن أمة صغيرة ناشئة كأمتنا.
التمويل
تمويل الشباب الوطني كان يأتي مباشرة من ميزانية الكتلة الوطنية العامة القائمة بدورها على التبرعات. وبعد نجاح التجربة، انفصل تمويله عن الكتلة وبات مرتبطاً بالصناعي توفيق قباني، الذي تكفل بتحمل أعبائه المالية اليومية كافة. ثم جاء التاجر أمين دياب وقدم مقراً دائمة للكتلة الوطنية في محلّة القنوات، خصص فيها ركن لنشاط الشباب الوطني
الأعضاء
انضم إلى صفوف الشباب الوطني عدد من الشباب اللامعين، ومنهم:
- الصحفي وجيه الحفار ( صاحب جريدة الإنشاء)
- الصحفي نجيب الريّس (صاحب جريدة القبس)
- الشاعر شفيق جبري
- أحمد السمان (أستاذ القانون في الجامعة السورية)
- المحامي نعيم أنطاكي
- معروف الدواليبي (رئيس رابطة الطلاب العرب في فرنسا)
القمصان الحديدية
من نشاطات الشباب الوطني كان تنظيم طلاب المدارس والجامعة، وحشدهم للمشاركة في جنازة إبراهيم هنانو في حلب في تشرين الثاني 1935، التي تحولت إلى مظاهرة كبرى ضد الانتداب الفرنسي، سقط خلالها عدد من الشهداء. ردت فرنسا باعتقال قادة الشباب الوطني في حلب، وملاحقة زملائهم في دمشق واعتقالهم في سجن القلعة. وفي كانون الثاني 1936 اعتقل فخري البارودي بأمر من السلطات الفرنسية، مما فجّر إضراباً عاماً في البلاد – عُرف بالإضراب الستيني – أشرف قادة الشباب الوطني على تنظيمه وامتداده من دمشق إلى المدن السورية كافة.
أثناء الإضراب، أطلق منير العجلاني ذراع شبه عسكري للشباب الوطني، سُمّي بالقمصان الحديدية، كانت مهمته حماية الأحياء والأهالي من الفرنسيين، في ظلّ غياب جيش وطني. كان تنظيم القمصان الحديدية يتبع إدارياً ومالياً للشباب الوطني، وسياسياً للكتلة الوطنية. وقد سعى الشباب الوطني من خلاله إلى تأهيل جيل الشباب في سورية، ليكون “ثلاثي الأبعاد” مثل رجال عصر النهضة في أوروبا، يُجيدون الفروسية والقتال، إضافة للمناظرات والمبارزات الشعرية والموسيقى.
النهاية
ولِد تنظيم القمصان الحديدية رسمياً في آذار 1936، وتأثر قادته بفرقة القمصان البنية في ألمانيا، التابعة للزعيم النازي أدولف هتلر. وضع شباب القمصان الحديدية ربطة حمراء على ذراعهم الأيمن، تشبه ربطة الحزب النازي وأطلقوا تحيّة عسكرية مشابهة لتحيّة هتلر. وقد أدى هذا التشابه بينهم وبين النازية إلى صدور قرار فرنسي بحظر القمصان الحديدة ومعها الشباب الوطني، بتهمة العمالة لهتلر.
تفرّق أعضاء الشباب الوطني من بعدها فمنهم من انشق عن الكتلة، كمعروف الدواليبي ومنير العجلاني، ومنهم من نفي خارج البلاد كمنير الريّس الذي أقام في برلين حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. ومع سقوط عهد الكتلة الوطنية في تموز 1939، سقطت معه معظم التنظيمات التابعة له، وكان على رأسها الشباب الوطني الذي غاب ذكره من يومها.