أعلام وشخصياتسياسيون ورجال دولةعسكريون

أمين الحافظ

رئيس الجمورية العربية السورية (1963-1966)

محمد أمين الحافظ (1921 – 17 كانون الأول 2009)، ضابط سوري من حلب، عُيّن رئيساً للدولة السورية في مطلع عهد البعث عام 1963، واستمر في الحكم حتى الانقلاب عليه وسجنه في حركة 23 شباط 1966 التي قادها اللواء صلاح جديد. شغل رئاسة الوزراء مرتين وعضوية اللجنة العسكرية، وقد شهدت ولايته اندلاع أول مواجهة مسلحة مع الإخوان المسلمين في مدينة حماة، وإلقاء القبض على الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، كما صدرت قرارات التأميم بحق عدد كبير من التجار والصناعيين، على غرار القرارات الاشتراكية التي أصدرها الرئيس جمال عبد الناصر في زمن الوحدة السورية المصرية. نُفي إلى العراق، وعاش ضيفاً على صدام حسين من عام 1979 ولغاية سقوط النظام العراقي عام 2003.

البداية

ولد أمين الحافظ في حي البياضة في حلب، وكان والده ضابطاً في الشرطة السورية. التحق بالكلية الحربية في حمص وخاض حرب فلسطين عام 1948، كما شارك في الانقلاب على الرئيس أديب الشيشكلي عام 1954، يوم كان في كتيبة مشاة درعا. عُيّن بعدها قائداً عسكرياً في مدينة دير الزور، ثم مديراً لكلية حمص الحربية. شارك في الوفد العسكري الذي سافر إلى القاهرة في كانون الثاني 1958 للمطالبة بإقامة وحدة فورية مع مصر، برئاسة جمال عبد الناصر.

الوحدة والانفصال (1958-1963)

في عهد الوحدة التي بدأت في شباط 1958، عُيّن الحافظ مدرساً في الكلية الحربية في القاهرة، حيث اجتمع مع مجموعة من الضباط السوريين البعثيين المعينين حديثاً في مصر، الذين أخبروه أنهم في صدد تشكيل “لجنة عسكرية” لحماية الوحدة من أعدائها. ضمت اللجنة محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد وغيرهم، الذين وثقوا بالحافظ واعتبروه صديقاً لهم وحليفاً، علماً أنه لم يكن عضواً في حزب البعث. بقي الحافظ على صلة وثيقة بهم، وعارض معهم انقلاب الانفصال الذي أطاح بجمهورية الوحدة في 28 أيلول 1961. عاد إلى دمشق وعُين في كانون الأول 1961 ملحقاً عسكرياً في بوينس آيرس.

الحافظ وزيراً (آذار – تموز 1963)

في أعقاب انقلاب اللجنة العسكرية المدعوم من ضباط ناصريين في 8 آذار 1963، استُدعي أمين الحافظ إلى دمشق وعُيّن وزيراً للداخلية في حكومة صلاح البيطار الأولى. فُرضت الأحكام العرفية، وطُلب من الحافظ تطبيقها بصرامة، مع قرار العزل السياسي بحق معظم السياسيين القدامى، ومنهم رئيس الجمهورية ناظم القدسي ورئيس الوزارة خالد العظم. اختلف ضباط البعث مع رفاقهم الناصريين، وفي الفترة ما بين 28 نيسان و2 أيار، بدأوا بتسريحهم من مواقع حساسة في الجيش. نزل الناصريون إلى الشارع في حلب يوم 9 أيار 1963، وتدخل الحافظ لقمعهم، مما أسفر عن سقوط 50 قتيلاً في صفوفهم.

انقلاب جاسم علوان (18 تموز 1963)

استمرت عملية تطهير المؤسسة العسكرية من الناصريين، وفي 23 حزيران 1963، عُزل رئيس الأركان زياد الحريري أثناء تواجده في الجزائر، وعُيّن الحافظ خلفاً له بالوكالة، مع تعيينه عضواً في اللجنة العسكرية. وفي 18 تموز 1963، حاول الضابط الناصري جاسم علوان الانقلاب على النظام القائم منذ 8 آذار، وتصدى له أمين الحافظ أمام مبنى التلفزيون في ساحة الأمويين. حصلت مواجهات دامية، قُتل على إثرها عشرات الجنود والمدنيين، واعتقل جاسم علوان. تدخل جمال عبد الناصر لإطلاق سراحه، ورفض رئيس مجلس قيادة الثورة الفريق لؤي الأتاسي المصادقة على قرارات الإعدام بحق أعوانه والمشاركين معه في الانقلاب الفاشل. وفي 27 تموز، عُيّن أمين الحافظ خلفاً للوئي الأتاسي، رئيساً لمجلس قيادة الثورة ثم رئيساً للمجلس الرئاسي وللدولة السورية.

المواجهة مع الإخوان المسلمين (1964)

دخل الحافظ في مواجهة مع الإخوان المسلمين، الذين اعتصموا داخل جامع السلطان في حماة في نيسان 1964، ودعوا إلى الجهاد ضد نظام البعث. حاولت الدولة مفاوضة زعيمهم الشيخ مروان حديد، وعندما لم يستجب، أمر الحافظ بقصف الجامع ودمّر مأذنته، مما أدى إلى مقتل 40 شخصاً داخله. اعتقل حديد ونُقل مكبلاً إلى دمشق، وشُكّلت محكمة عسكرية لمحاكمته، برئاسة الرائد مصطفى طلاس. قبل إصدار أحكام الإعدام بحق واحد وعشرين معتقلاً، طلب أمين الحافظ التحدث مباشرة مع مروان حديد فأُحضر مكبلاً إلى السرايا. طلب حديد أن تكون خصومته “شريفة،” فقبل الحافظ وتقبّل كلامه القاسي، ثم أمر بإطلاق سراحه، كما وافق على تعويض منكوبي أهالي حماة.

عهد أمين الحافظ (1963-1966)

أرسل رئيس الوزراء صلاح البيطار إلى بغداد للتفاوض على إقامة وحدة اقتصادية كاملة مع العراق في 2 أيلول 1963، واستقبل الرئيس العراقي عبد السلام عارف في دمشق في 18 تشرين الأول 1963. عُقد المؤتمر القومي السادس في دمشق بين 5 و23 تشرين الأول 1963، وفيه ظهر تيار يميني وآخر يساري داخل حزب البعث. استقالت حكومة البيطار في تشرين الثاني 1963 وشكّل الحافظ الحكومة بنفسه، التي أصدرت عفواً عن الجرائم السياسية المرتكبة منذ 8 آذار 1963. تألّفت لجنة لوضع دستور مؤقت، أُعلن عنه في 25 نيسان 1964، وتأسس مجلس رئاسي من خمسة أشخاص، برئاسته. أعاد تعيين البيطار رئيساً للحكومة من أيار إلى تشرين الأول 1964، ثم عاد وشكّل الحكومة بنفسه حتى 23 أيلول 1965. على الصعيد الدولي، سافر أمين الحافظ إلى باريس مع الرئيس الفرنسي شارل ديغول في 11 تشرين الثاني 1965.

أما داخلياً، فكانت أهم القرارات التي صدرت في عهده:

تأميم المصانع والشركات

في 25 أيار 1964، أمّم الرئيس الحافظ ما تبقى من مصانع النسيج في سورية، ومعها الشركة العربية لصناعة الأخشاب (اللاذقية)، ومعامل الشهباء للمغازل والمناسج (حلب)، وشركة الدبس (دمشق). ثم جاءت قرارات التأميم الأوسع في 2 كانون الثاني 1965، وضمت سبع شركات في حلب، وثلاثة في حمص، وواحدة في حماة، وعشر في دمشق. على رأس القائمة كان معمل الإسمنت في دمّر، وهو أول مصنع حديث في سورية، وشركة الصناعات الزجاجية، وشركة صنع السكر، وشركة الكابلات، وشركة الصناعات الحديثة. كان هذا القرار بمثابة “هدية للشعب” بمناسبة رأس السنة الميلادية، كما وصفه مصطفى طلاس، قائد المنطقة الوسطى في حينها، الذي أضاف قائلاً: “ولكن هذه المراسيم، على عدالتها وصحتها، كانت تحمل جانباً من الظلم وأكل أموال الناس بالباطل. ذلك أن عدداً كبيراً من الشركات كانت لا تستحق أن يُذكر اسمها في المرسوم.”

في نهاية شهر كانون الثاني، أمّمت الدولة 92 شركة ومصنعاً: اثنان وثلاثون منها في دمشق وحلب. في 18 شباط 1965 صدر قرار تأميم جديد وشمل أربعين مؤسسة اقتصادية، 14 في دمشق و19 في حلب. وفي نيسان 1965، صادرت الدولة جميع محالج القطن في البلاد: ثلاثة في إدلب، واحدة في دير الزور، ثلاثة في حمص، واحدة في الرقة، أربعة في محردة، اثنان في السلمية، ثلاثون في حلب، و11 في حماة.

اعترض تجار دمشق على قرارات التأميم، وفي 27 كانون الثاني 1965 قاموا بإضراب وأغلقوا متاجرهم. ردّ أمين الحافظ بإرسال الحرس القومي إلى الأسواق لكسر أقفال المتاجر وإجبار أصحابها على فتحها، وخطب موجهاً كلامه إلى التجار: “سنسحقهم… سنسحقهم باسم الشعب. سنسحق هؤلاء المتآمرين بأحذيتنا. إن الأموال التي هربها رجال الأعمال إلى الخارج ستعود أو يبقون في السجون حتى يموتوا كالكلاب.” اعتبر أن مجموعة من التجار البارزين كانوا وراء الأحداث الأخيرة، فأمر بمصادرة أملاكهم وباعتقال من لم يهرب منهم إلى لبنان، كما جُمّد العمل في غرفة تجارة دمشق إلى أجل غير مسمى. ولكن عند سؤاله عن هذه القرارات في لقائه مع قناة الجزيرة عام 2001، اعترف الحافظ بأن معظم هذه المؤسسات لم تكن تستوفي شروط التأميم، فبعضها كان صغيراً لا يتعدى أن يكون ورشة أو دكاناً. قال إنه استند إلى دليل الهاتف لمعرفة الشركات القائمة يومها، لا إلى أي دراسة علمية، فأمر بمصادرة كل مؤسسة كُتب إلى جانبها وصف: “معمل”

أمين الحافظ ويجلس إلى جانبه ميشيل عفلق ثم نور الدين الأتاسي.
أمين الحافظ ويجلس إلى جانبه ميشيل عفلق ثم نور الدين الأتاسي.

قضية إيلي كوهين

كان اعتقال الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين في 24 كانون الثاني 1965 أبرز حدث في رئاسة أمين الحافظ، والذي كان قد دخل البلاد باسم “كامل أمين ثابت” المستعار، على أنه مغترب ثري سوري مقيم في الأرجنتين. أرسله جهاز الموساد الإسرائيلي إلى بوينس آيرس عام 1961، ومنها دخل دمشق في شباط 1962. قيل إنه تعرّف عليه في الأرجنتين، ونسجت حولهما قصص وأساطير كثيرة، تقول بأن الحافظ أراد تعيينه وزيراً في حكومته، وبأنه سمح له بزيارة الجبهة السورية الإسرائيلية، حيث شاهد حيثيات عسكرية قام بنقلها إلى تل أبيب، ما ساهم في هزيمة الجيش السوري في حرب عام 1967.

في لقائه مع الإعلامي المصري أحمد منصور على قناة الجزيرة عام 2001، نفى الحافظ هذه العلاقة بشدة، وقال إنه لم يصل إلى الأرجنتين إلا بعد سفر كوهين إلى دمشق في شباط 1962. أنكر الحافظ معرفته بالرجل إلا بعد اعتقاله، حيث التقى به وسأل: “أنت والله… إيش اسمك والله؟”

– أجابه كوهين: “كامل أمين ثابت”.

-أمين الحافظ: “شو بتشتغل؟”

كوهين: “أنا تاجر عربي مسلم من الأرجنتين.”

-أمين الحافظ: “إذن اقرأ لنا الفاتحة.”

كوهين: “بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن….”

وحين توقف سأله الحافظ: “ليش توقفت؟” أجابه كوهين بأنه نسي التتمة، فقال الرئيس السوري: “والله… في مسلم بعمرك ما بيعرف الفاتحة؟” مع ذلك، انتشرت إشاعات كثيرة أثناء محاكمة كوهين وقبل إعدامه في دمشق في 18 أيار 1965. رد الحافظ على هذه الشائعات في لقاء صحفي مع مجلة “الأسبوع العربي” في دمشق، نُشر في 21 أيار 1965:

لقد وردتنا ألوف البرقيات التي ترجونا بالحفاظ على رأس كوهين… مداخلات، وساطات، وإغراءات. كنا نبتسم ونكتفي بالابتسام من القصص والإشاعات التي كان يروجها بعضهم كذباً وافتراء. قالوا إن كوهين كان صديقاً للأستاذ صلاح البيطار، وإنه سافر معه إلى الأردن. لقد قالوا إننا نعرف كوهين منذ أمد بعيد، وإن لكوهين صلات وثيقة ببعض الرسميين. ليقولوا ما يشتهون، أما نحن فنقول لهم بكل صدق إننا تعرفنا فعلاً على كوهين، ولكن بعد اعتقاله بأيام قليلة. وأنا شخصياً واجهته في السجن، وكان التحقيق وقتها في أوله.

انقلاب 23 شباط 1966

في 23 شباط 1966، وقع انقلاب عسكري في دمشق، بقيادة اللواء صلاح جديد، استهدف كلاً من رئيس الدولة وميشيل عفلق وصلاح البيطار. بقيادة الرائد سليم حاطوم، يعاونه الضابط الشاب رفعت الأسد، هاجمت مجموعة عسكرية منزل أمين الحافظ في منطقة الروضة. خرج عليهم بالرشاش وقاومهم مقاومة شرسة، أُصيبت فيها ابنته في عينها، قبل اعتقاله ونقله إلى سجن المزة. بقي في السجن حتى إطلاق سراحه ونفيه إلى لبنان في 9 حزيران 1967.

المرحلة العراقية

عند وصول حافظ الأسد إلى السلطة، حُكم على أمين الحافظ بالإعدام في آب 1971، ثم عُدّل الحكم إلى السجن المؤبد في تشرين الثاني من العام نفسه. ومع وصول صدام حسين إلى الحكم في العراق عام 1979، انتقل الحافظ للعيش في بغداد مع ميشيل عفلق، فيما فضل صلاح البيطار العيش في فرنسا، حيث اغتيل عام 1980. تعامل صدام حسين باحترام شديد مع أمين الحافظ، وكان الرجل حاضراً في المناسبات الاجتماعية والسياسية. وفي نيسان 2001، ظهر من بغداد في برنامج شاهد على العصر على قناة الجزيرة، ليدافع عن النظام العراقي، ويهاجم حافظ الأسد، بعد عشرة أشهر على وفاته.

الرئيس أمين الحافظ في سنواته الأخيرة.
الرئيس أمين الحافظ في سنواته الأخيرة.

السنوات الأخيرة

هرب الحافظ من بغداد مع بدء الغزو الأمريكي عام 2003، وظلّ عالقاً في المنطقة الحدودية إلى أن سُمح له بدخول سورية بعد 36 سنة من الغياب. فُرضت عليه شروط صارمة، منها عدم التحدث مع الإعلام أو ممارسة النشاط السياسي، باستثناء وضع مقدمة لكتاب جعلوه جاسوساً رغماً عنه (عن قضية إيلي كوهين)، صدر في دمشق عام 2005، من تأليف مدير مكتبه الأسبق، منذر موصللي.

الوفاة

عاش أمين الحافظ سنواته الأخيرة في حلب حتى وفاته في 17 كانون الأول 2009، عن عمر ناهز 88 عاماً. وفي عام 2019، أنتجت شبكة نتفليكس مسلسلاً قصيراً عن حياة كوهين، ولعب الممثل الفلسطيني الأمريكي وليد زعيتر شخصية أمين الحافظ.

المناصب

وزير للداخلية (9 آذار – 4 آب 1963)
رئيس الحكومة (13 تشرين الأول 1963 – 13 كانون الثاني 1964)
رئيس الحكومة (3 تشرين الأول 1964 – 23 أيلول 1965)
وزير الدفاع (8 تموز – 4 آب 1963)
رئيس الدولة السورية (27 تموز 1963 – 23 شباط 1966)

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !