بيت نظام، بيت دمشقي عريق وأحد المعالم الأثرية والتاريخية في دمشق القديمة يقع في حارة “مئذنة الشحم” في حي الشاغور قريباً من نهاية شارع “مدحت باشا“، يحده من الغرب جادة “ناصيف باشا”، ومن جهة الشرق جادة “تلة السماكة” فيما يحده من الشمال والجنوب بيوت سكنية. وهو واحد من أبهى قصور دمشق القديمة التي اشتهرت بها خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين ويعود لعصر الروكوكو.
تاريخ بناء البيت ليس معروفاً بدقة إلا أن أقدم تاريخ موجود على جدرانه يعود إلى عام 1760م، كذلك لا يعرف من بنى البيت تحديداً، ويعود اسمه إلى آخر عائلة سكنت هذا البيت ورممته في النصف الأول من القرن العشرين، قبل أن تستملكه “محافظة دمشق” عام 1974م، وتحوله إلى بناء أثري وبدأت في ترميمه العام 1987، ومنذ العام 1994 أصبح البيت مفتوحاً أمام الزوار، والباحثين والمهتمين بالعمارة وفنونها.
يشكل هذا البيت متحفا للفنون المعمارية الدمشقية، وخاصة زخارفه البديعة النافرة والغائرة المنفذة بالمونة الملونة “الابلق” والتعشيق على الخشب المحفور والمنزل بالصدف إضافة إلى زخارف العجمي وأرضيات الباحات المنفذة بالحجر المتناوب وبحراتها من أحجار دمشق وقاسيون.
عرفه جمهور المشاهدين العرب ببيت “أبو عصام” الذي جسد دوره الممثل عباس النوري في مسلسل البيئة الشامية الأشهر “باب الحارة”، وكان داراً “للزعيم سلطان أبو الحسن” في مسلسل “أهل الراية”، إضافة إلى ظهوره في عدد كبير من المسلسلات.
لمحة تاريخية
حسب المصادر التاريخية فقد عاصر هذا البيت عدد من الشخصيات منهم “إبراهيم باشا”، واستخدمته القنصلية الإنكليزية مقراً لها حتى عام 1883، وسكنه عدد من العائلات منهم “آل القويضي” حتى عام 1926، ثم عائلة “القباني”، ثم “آل عباس”، ثم عائلة “نظام الدين”.
أهم ما يميز بيت نظام عن غيره من البيوت الدمشقية هو وجود غرفة قاعة العنب التي عاصرت جميع السلطات والأنظمة التي حكمت دمشق من أيام العثمانيين والوالي التركي، مرورا بقيادة الجيش الفرنسي أيام الانتداب الفرنسي على سوريا، وقد زار الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك القاعة أثناء زيارته سوريا، كما شهدت القاعة حكم أول قنصلية بريطانية في المنطقة.
في عام 2008 استلمت مؤسسة الاغا خان بيت نظام وبيت السباعي وبيت القوتلي المتجاورين وبدأ العمل بهم لترميمهم وتأهيلهم ليكونوا فندق ذو طراز خاص ولكن الأعمال توقفت تقريبًا خلال الحرب في سوريا.
معالمه
يتميز “بيت نظام” بكثرة الزخارف الموجودة في قاعاته وغرفه مما يعكس شغف ساكنيه بالفن والتنوع، تبلغ مساحة بيت نظام حوالي 2200 م2، وهذه المساحة الضخمة كانت مجالاً للكثير من الزخارف التي تعود لفترات زمنية مختلفة، فالزخارف الداخلية الموجودة في المنزل ثرية جداً من حيث “الألوان – المواد – العناصر”، ومعظم الزخارف الموجود هي للأشكال الهندسية والنباتية التي استخدم فيها أسلوب “الأبلق” أي تدرج الألوان بين “الأبيض والأسود والأحمر”، وما يبهر زائر منزل “نظام” ليس ثراء الزخرفة فقط، وإنما هو ثراء متنوع ومختلف وهو بعيد عن النموذج المعتاد والسائد حتى منتصف القرن الثامن عشر، وهو يمثل منزلاً غير نموذجي وغير تقليدي ويعتبر من أجمل التحف المعمارية دمشقية.
يتألف البيت من دارين منفصلتين تماماً مع وجود باب في الجدار الفاصل بينهما، وللبناء واجهتان رئيسيتان تطلان على الأزقة المجاورة وتحيط به المساكن من الجهتين، الواجهة الغربية تطل على زقاق “ناصيف باشا” وفيها الباب الرئيسي، والشرقية تطل على زقاق “نصري” وفيها باب آخر، وتشير الخريطة المساحية التي وضعت عام 1928 إلى أن المنزل يغطي ثلاثة صحون ويضم 35 غرفة وقاعة وثلاثة إيوانات ضخمة فاخرة تشغل صدر الجانب الجنوبي من أقسامه الذي يحتوي السلملك والحرملك والخدملك.
تعرف الدار الغربية قديما باسم بيت ناصيف باشا العظم، ويؤدي باب الدخول إلى دهليز مسقوف فيه درجان، الأول يؤدي إلى القسم العلوي الذي يتألف من غرفتين عاديتين، والثاني يؤدي إلى القبو، وينفتح الدهليز بباب ذي مصراعين خشبيين على الصحن أو الباحة التي تتوسطها بحرة مثمنة الشكل يبلغ قطرها 4 أمتار، فيما يغطي أرضية الباحة بلاط من الحجر المزي الأحمر والأبيض يتخلله بعض القطع والزخارف الرخامية. أما الإيوان الجنوبي فسقفه خشبي مغطى بالعجمي وجدرانه مزينة بالأبلق، وفي صدر الإيوان غرفة ذات باب خشبي مزين بخيط عربي، وسقفها من الخشب المدهون وفيها عتبة وطرز أرضيته من الحجر المزي والرخام الملون، وعلى جانبي الإيوان تقع غرفتان.
وتنفتح الباحة من الجهة الشرقية على مدخل يؤدي إلى الباحة الكبيرة للدار الشرقية التي كانت تعرف ببيت علي آغا خزنة كاتبة، ويتم الوصول إلى صحن الدار من دهليز يقع على الشارع مباشرة، فيما يمكن الوصول أيضا من المدخل الشرقي من خلال واجهة مبنية من الحجر واللبن، حيث ينفتح الباب بمصراعين على دهليز تحده من جهته الشمالية غرفة صغيرة ودرج خشبي يؤدي إلى الطابق العلوي، وفي نهايته باب يطل على الباحة الكبيرة وبجانبه أيضا درج حجري يؤدي إلى الطابق العلوي، ويحيط بالباب شريط زخرفي من الحجر الأبيض والأحمر والأسود ويتخلله بعض الزخارف الهندسية النافرة.
كما تعد الباحة الوسطى من أجمل باحات البيت وتضم قاعتين تعتبران من أجمل قاعات دمشق وهي مزيج رائع للفنون الزخرفية المنفذة على الخشب والرخام والحجر ويتداخل فيها الأسلوب المحلي بالفنون الغربية، حيث تعتبر القاعة الشمالية من أجمل غرف البيت، بل من اجمل قاعات دمشق المشغولة بالرخام المُنزل بالأحجار الملونة والصدف، وتبلغ مساحتها حوالي 200 متر مربع، أما القاعة الثانية فهي قاعة العنب وتضم خزائن وكتيبات خشبية مدهونة بألوان ذهبية ونفذت زخارفها على شكل عناقيد وأوراق العنب.
الإيوان وله سقف خشبي من نوع العجمي، وكامل جدرانه مزينة بالزخارف الملونة من نوع الأبلق، وفي صدر الإيوان غرفة لها باب من الخشب مؤلف من مصراعين مزين بخيط عربي، أما الغرف الشرقية فإن أرضيتها من الرخام والبلاط، وعادة ما يكون في الغرفة ثلاث نوافذ مفتوحة على الإيوان وأربع نوافذ على الباحة.
أما البحرات الموجودة في باحات البيت فهي مشغولة بنظام زخرفي بديع من الحجر البازلتي الأسود مثمنة الشكل وفي منتصفها نوفرة رخامية.