حسن بن عبد الرزاق الحكيم (1886 – 30 آذار 1982)، سياسي سوري من دمشق، كان أحد قادة الحركة الوطنية المعارضة للانتداب الفرنسي ومن مؤسسي حزب الشعب مع رفيق دربه الدكتور عبد الرحمن الشهبندر. سمّي وزيراً للمالية في أول حكومة شكّلت في إمارة سرق الأردن سنة 1921 وشارك في الثورة السورية الكبرى وسمّي رئيساً للحكومة في عهد رئيس الجمهورية تاج الدين الحسني سنة 1941، وفي عهده أُعلِن استقلال سورية من الانتداب الفرنسي مع بقاء قوات عسكرية في الأراضي السورية إلى حين انتهاء الحرب العالمية الثانية في أوروبا.
وفي عهد الاستقلال انتخب مشرعاً في الجمعية التأسيسية التي وضعت دستور عام 1950 وعُيّن رئيساً للحكومة مرة ثانية في عهد الرئيس هاشم الأتاسي سنة 1951. يُعد حسن الحكيم أحد الآباء المؤسسين للدولة السورية الحديثة وله يعود الفضل في وضع العديد من القوانين المالية والمصرفية في سورية. وقد عمل الحكيم في المصارف وأسس المصرف الزراعي العراقي وكان أحد مؤسسي البنك العربي في فلسطين، إضافة لإدارة المصرف الزراعي في سورية ما بين 1937-1939.
البداية
ولِد حسن الحكيم في حيّ الميدان وهو سليل عائلة دمشقية كبيرة اشتهر أبناؤها بالتجارة والإدارة والعلوم الدينية. دَرس في المدرسة الرشدية أولاً ثم في المكتب الإعدادي الثانوي وعند تخرجه سنة 1905 عمِل في مكتب المحاسبة الحكومي في بلدة دوما ثم في المصرف الزراعي بدمشق. عُيّن مسؤولاً عن محاسبة فرع المصرف في مرجعيون سنة 1906 ثم في حوران وبعدها في حماة لغاية أيلول 1909. عُيّن بعدها مديراً للشعبة الثانية في مكتب اللوازم العسكرية وبقي في منصبه حتى نهاية الحرب العالمية الأولى وانسحاب الجيش العثماني عن دمشق سنة 1918.
قضية تأخُر البرقية
عينه الأمير فيصل مفتشاً مالياً على على جميع الأراضي السورية المحررة من الحكم العثماني، مسؤولاً عن حماية مخزون البلاد من الذهب والعملات الأجنبية. وفي سنة 1920، سمّي مديراً عاماً للبرق والبريد وقد أصدر طابعاً شهيراً يُعد الأندر بين مجموعة الطوابع السورية، موشَّحاً بماء الذهب بمناسبة تتويج الأمير فيصل ملكاً على البلاد يوم 8 آذار 1920.
وفي 14 تموز 1920 صدر إنذار شديد اللهجة من الجنرال الفرنسي هنري غورو إلى الملك فصل، مطالباً بحلّ الجيش السوري وتسليم البلاد إلى فرنسا بموجب اتفاقية سايكس بيكو الموقعة في أثناء الحرب العالمية الأولى بين حكومتي باريس ولندن. قَبِل الملك فيصل الشروط الفرنسية وبعث ببرقية تنص على ذلك إلى الجنرال غورو، الذي ادّعى أنها وصلت متأخرة عن الموعد المحدد لقبول الإنذار. وبناء على هذا التأخير المُفترض، بدأ الزحف الفرنسي تجاه مدينة دمشق لاحتلالها بالكامل وفرض الانتداب الفرنسي على سورية. وقعت المواجهة في معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920، أدت إلى احتلال سورية وتنحية الملك فيصل عن العرش.
وُجهت اتهامات إلى حسن الحكيم أنه أخّر إرسال البرقية عن سابق قصد وتعمد، وشُكل مجلس عرفي لمحاكمته في 1 آب 1920، برئاسة القائممقام محمد علي النقشبندي. علّق الحكيم على هذه الحادثة في مذكراته قائلاً:
تأخير البرقية لو كان بأمر مني لكان ذلك عملاً يشرفني ويدل دلالة قاطعة على صدق وطنيتي لخوفي من أن يحتل الإفرنسيون البلاد بإرادتنا ورضانا دون أن ندخل معهم ولو في معركة واحدة تساعدنا على حفظ شرفنا العسكري على الأقل. ولكن وجداني يأبى عليّ أن أدعي ما ليس لي به علم، فضلاً عن أنه لا يمكنني أساساً أن أتحمل مسؤولية كبرى مثل هذه المسؤولية مهما كنت متطرفاً في وطنيتي.
سنوات المنفى الأولى
سافر بعدها حسن الحكيم إلى مصر للعمل مع صديقه الزعيم الوطني عبد الرحمن الشهبندر على تأسيس المؤتمر السوري الفلسطيني كأول تنظيم سياسي معارض لحكم فرنسا في سورية ولبنان وبريطانيا في فلسطين والعراق. وفي عام 1921، اتجه إلى إمارة شرق الأردن ليكون مستشاراً للأمير عبد الله بن الحسين، شقيق الملك فيصل ووزيراً مؤسساً للمالية في حكومة الرئيس رشيد طليع الأولى في عمّان، من 11 نيسان ولغاية 23 حزيران 1921. وقد حافظ الحكيم على صداقته المتينة بالأُسرة الهاشمية الحاكمة في كلّ من بغداد وعمّان، وظلّ طوال حياته يطالب بتوحيد تلك المدن في دولة عربية واحدة، يكون عرشها إما للشريف حسين بن علي، قائد الثورة العربية الكبرى، أو لأحد أولاده.
الاعتقال سنة 1922
شمل حسن الحكيم العفو الفرنسي الأول سنة 1922 وعاد إلى دمشق مع الشهبندر للمشاركة في ترتيب زيارة الدبلوماسي الأميركي شارل كراين إلى سورية، ما أثار حفيظة الفرنسيين الذين ألقوا القبض عليهم وساقوهم إلى سجن القلعة بتهمة تقاضي أموال من الحكومة الأميركية. حُكم عليه بالسجن عشر سنوات، قضى منها الحكيم تسعة عشر شهراً بين معتقلات جزيرة أرواد ودمشق.
تأسيس حزب الشعب وسنوات المنفى
وفي 5 حزيران 1925، تشارك حسن الحكيم مع عبد الرحمن الشهبندر في تأسيس حزب الشعب المعارض لفرنسا والمحسوب على الأُسرة الهاشمية. اُنتُخب أميناً عاماً لحزب الشعب، ولكن نشاطه لم يستمر طويلاً بسبب دعم الحكيم للثورة السورية الكبرى ومشاركته قائدها العام سلطان باشا الأطرش في نقل معاركها من جبل الدروز إلى غوطة دمشق. حُكم على حسن الحكيم بالإعدام فهرب إلى فلسطين، حيث عمل مديراً للبنك العربي في يافا. انتقل بعدها للعمل مجدداً مع الملك فيصل، الذي كان قد توج ملكاً على العراق سنة 1921. وفي بغداد قام بتأسيس المصرف الزراعي الصناعي العراقي وعمل مديراً له لغاية سنة 1937، عند السماح له بالعودة إلى سورية.
العودة إلى سورية ومقتل الشهبندر
وفي سنة 1938 قام الرئيس هاشم الأتاسي بتعيين حسن الحكيم مديراً لأوقاف دمشق ثم للمصرف الزراعي في سورية. وفي 5 نيسان 1939، سمّي الحكيم وزيراً للمعارف في حكومة نصوحي البخاري، آخر الحكومات في عهد الرئيس الأتاسي التي لم تستمر إلا ثلاثة أشهر فقط.
وفي صيف عام 1940 اغتيل صديقه عبد الرحمن الشهبندر في عيادته الطبية بدمشق وأشرف حسن الحكيم على تشكيل فريق من المحامين الكبار للمرافعة أمام القضاء. وجهت الاتهامات يومها إلى قادة الكتلة الوطنية المعارضين للشهبندر، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة الأسبق جميل مردم بك. ولكن المحكمة الفرنسية المخصصة للنظر في الجريمة أعلنت براءتهم، ما أغضب الحكيم كثيراً. رأى أن تلاعباً قد حصل في التحقيقات وحاول جاهداً إعادة فتح ملف الشهبندر أمام القضاء ولكنّه لم يفلح بسبب معارضة زعماء الكتلة الوطنية.
حكومة الحكيم الأولى (1941-1942)
في أثناء الحرب العالمية الثانية وقع الخيار على حسن الحكيم ليكون رئيساً لحكومة وحدة وطنية في عهد رئيس الجمهورية تاج الدين الحسني. كان الشيخ تاج مُعيناً من قبل الفرنسيين وليس منتخباً، وقد حكم البلاد دون مجلس نواب أو دستور، فقرر التعاون مع الحكيم لإضفاء الشرعية على حُكمه. قبِل حسن الحكيم بهذا التكليف، بناء وعد بالاستقلال التام، جاء على لسان الجنرال شارل ديغول قائد قوات فرنسا الحرة. شُكلت وزارة الحكيم في 20 أيلول 1941، واحتفظ بها لنفسه بحقيبة المالية، مع تعيين فائز الخوري من الكتلة الوطنية في وزارة الخارجية، وتسمية صديقه الشهبندري زكي الخطيب وزيراً للعدل. وكانت حكومة الحكيم هي الأولى في تاريخ البلاد التي تُشرَك فيها الأقليات غير المسيحية في الحكم، فقد جاء بعبد الغفار باشا الأطرش إلى وزارة الدفاع ممثلاً عن الطائفة الدرزية، وعُيّن الوجيه العلوي منير العباس في وزارة الأشغال العامة.
وقد شهد عهده إعلان استقلال سورية في 27 أيلول 1941، وتوحيد جبل الدروز وجبل العلويين مع بقية الأراضي السورية. ولكنّ ديغول اشترط بقاء القوات الفرنسية في سورية لحين انتهاء العمليات القتالية في أوروبا. استمرت حكومة الحكيم في العمل لغاية 17 نيسان 1942، وقد استقال الحكيم من منصبه احتجاجاً على تدخلات رئيس الجمهورية في عمله وعدم احترامه لاستقلالية السلطة التشريعية.
الحكيم ودستور عام 1950
في مطلع عهد الاستقلال، رفض حسن الحكيم العمل مع حسني الزعيم، مهندس الانقلاب الأول في سورية يوم 29 آذار 1949. وبعد انهيار حكمه وإعدامه يوم 14 آب 1949 عاد الحكيم إلى نشاطه السياسي وحضر اجتماعاً كبيراً في مبنى الأركان العامة، دعا إليه رئيس الأركان سامي الحناوي الذي أطاح بالزعيم وحكمه. انتُخب الحكيم مُشرعاً في المؤتمر التأسيسي المُكلّف بوضع دستور جديد للبلاد، بدلاً من الدستور القديم الذي قام حسني الزعيم بتعطيله قبل أشهر. وشارك في صياغة القسم الرئاسي الجديد، الذي خلا من أية إشارة إلى نظام سورية الجمهوري، ما عدّه بعضهم تمهيداً لضم سورية إلى العراق ووضعها تحت عرش الأُسرة الهاشمية الحاكمة في بغداد. وبعد الانتهاء من العمل على الدستور الجديد، تحول المجلس الدستوري إلى برلمان مُنتخب، وأصبح حسن الحكيم فيه ممثلاً عن مدينة دمشق.
الحكومة الثانية سنة 1951
وبعد عودة هاشم الأتاسي إلى الحكم، عُيّن الحكيم وزيراً للدولة في حكومة ناظم القدسي في أيلول 1950، قبل تكليفه بتشكيل حكومة جديدة في 9 آب 1951. معظم الوزراء الجدد في حكومته كانوا من المحسوبين على التيار الهاشمي المنادي بوحدة سورية والعراق، ومع ذلك، لم يُشِر حسن الحكيم في برنامج حكومته إلى أي مشروع وحدوي لا مع العراق ولا مع الأردن، واكتفى فقط بالمطالبة بعلاقات متينة مع دول الجوار كافة.
واجهت حكومته الثانية تحديات عدة، كان أولها النقص الحاد في الحبوب والمؤن، والذي عالجه باستيراد 50 ألف طن من القمح من تركيا. وشهدت فترة حكمه مظاهرات عارمة لموظفي القطاع العام المطالبين بزيادة في رواتبهم، ولكن حسن الحكيم رفض الاستجابة بسبب عجز كبير في الموازنة العامة قائلاً: “لا يمكن إعطاؤكم ما لا أملكه، فأنا مسؤول أمامكم وأمام المكلفين ضريبياً ولا أستطيع فرض أية ضريبة جديدة على الناس لتأمين كتلة مالية لرفع الرواتب.”
استقال حسن الحكيم على أثر هذه الاضطرابات في 28 تشرين الثاني 1951 وغاب من بعدها عن أي نشاط سياسي، باستثناء ظهوره المفاجئ في منزل وزير الدفاع السابق أحمد الشرباتي لتأييد الانقلاب العسكري الذي أطاح بجمهورية الوحدة مع مصر يوم 28 أيلول 1961. وفي عهد الانفصال، ظلّ ينشر مقالاً أسبوعياً في جريدة الأيام قبل إغلاقها من قبل مجلس قيادة الثورة صبيحة انقلاب 8 آذار 1963.
مؤلفاته
تقاعد الحكيم من العمل السياسي بعد سنة 1963 وتفرغ للكتابة. نشرت مذكراته في لبنان سنة 1965 وتبعها كتاب الوثائق التاريخية المتعلقة بالقضية السورية الصادر في بيروت سنة 1974ـ ثم جاء كتاب خبراتي في الحكم سنة 1978، وكان آخر كتاب عن صديق العمر عبد الرحمن الشهبندر، الذي نُشر في لبنان سنة 1985. وقد أهدى مكتبته الخاصة إلى مكتبة المتحف الوطني بدمشق ودار الوثائق التاريخية ومكتبة جامعة دمشق وجمعية المقاصد الخيرية في بيروت. أما القسم الأخير من المكتبة المتعلق بتاريخ سورية فقد بقي مع ابنه هاني قبل أن تنتقل ملكيته إلى حفيده الدكتور وسيم الحكيم، عميد كلية الزراعة في جامعة دمشق. وقد عَمل الحكيم الحفيد مع المؤرخ السوري سامي مروان مبيّض على جمع الرسائل المتبادلة بين جده وعبد الرحمن الشهبندر في كتاب بعنوان الرسائل المفقودة، صدر بدمشق سنة 2015.
الوفاة
توفي حسن الحكيم بدمشق عن عمر ناهر 96 عاماً يوم 30 آذار 1982.
المناصب
وزير مالية في إمارة شرق الأردن (11 نيسان – 23 حزيران 1921)
- سبقه في المنصب: لا يوجد
- خلفه في المنصب: مظهر باشا رسلان
أمين عام حزب الشعب (5 حزيران – 15 تموز 1925)
- سبقه في المنصب: لا يوجد
- خلفه في المنصب: تم إلغاء المنصب
وزيراً للمعارف (5 نيسان – 8 تموز 1939)
- سبقه في المنصب: لطفي الحفار
- خلفه في المنصب: عبد اللطيف الشطي
رئيساً للحكومة السورية (20 أيلول 1941 – 17 نيسان 1942)
- سبقه في المنصب: خالد العظم
- خلفه في المنصب: حسني البرازي
وزيراً للدولة (8 أيلول 1950 – 27 آذار 1951)
- سبقه في المنصب: لا يوجد
- خلفه في المنصب: لا يوجد
رئيساً للحكومة السورية (9 آب – 28 تشرين الثاني 1951)
- سبقه في المنصب: خالد العظم
- خلفه في المنصب: الدكتور معروف الدواليبي