جوامع ومساجدمعالم

جامع بني أمية الكبير

الجامع الأموي

هو جامع يقع داخل سور المدينة القديمة لدمشق، ويعد من أشهر آثار دمشق على الاطلاق ورابع أشهر المساجد الإسلامية، وأحد عجائب الإسلام السبعة في العالم.

أُوقفت أرضه للعبادة منذ آلاف السنين، فكان موقعه معبداً آرامياً للاله حَدَد حين كانت دمشق عاصمة لدولة آرام خلال العصر الحديدي، وقد بقي حجر واحد من المعبد الآرامي يعود لحكم الملك حازائيل، وهو حالياً يُعرض في متحف دمشق الوطني. ثم تحول في القرن الثالث الميلادي أي أيام الرومان إلى معبد جوبيتر الدمشقي، وفي أواخر القرن الرابع الميلادي في عهد الامبراطور ثيودوسيوس شُيّدت مكانه كنيسة يوحنا المعمدان بعد إعلان المسيحية ديناً رسمياً للبلاد سنة 392، وبعد الفتح الاسلامي اقتسم الفاتحون الهيكل مع المسيحيين، فتركوا لهم النصف الغربي من الهيكل الذي كانت عليه كنيستهم، وجعلوا نصفه الشرقي مسجداً لصلاتهم سموه “مسجد الصحابة”، فكان المسلمين والمسيحيين يدخلون من البوابة الجنوبية للمعبد، ويتفرعون بعدها، فيذهب المسيحيون يساراً نحو الغرب إلى كنيستهم في حين يلتف المسلمون يميناً نحو الشرق إلى مسجدهم، وظل هذا الحال منذ الفتح حتى خلافة الوليد بن عبد الملك، أي قرابة سبعين عاماً، إلا أن شرع الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك في بناء الجامع بشكله الحالي واستغرقت عملية بناءه عشر سنوات.

الجامع الأموي والوليد بن عبد الملك:

بعد اتساع رقعة الدولة الأموية في عهد الوليد بن عبد الملك كان هناك حاجةً ملحة لإقامة جامع كبير يليق بدمشق التي غدت عاصمة لأعظم دولة عريبة، فقرر حينها الوليد بن عبد الملك أن يقوم ببناء المسجد الأموي، ففاوض المسيحيين على أن يتخلوا عن النصف الغربي للهيكل، وصالحهم عليه فقبلوا، ولم يعترض على ذلك الاتفاق أي سلطة دينية أو مدنية.

تم هدم جدران الهيكل بما فيه الكنيسة والمسجد، وشّيد الجامع وفق مخطط جديد يتناسب مع شعائر الدين الإسلامي، حيث أمر الوليد أن يكتب بالذهب على اللازورد في حائط المسجد الأموي نص مكتوب بالفسيفساء يؤرخ عمارة الأموي، جاء فيه: “ربنا الله، لا نعبد إلا الله، أمر ببناء هذا المسجد، وهدم الكنيسة التي كانت فيه عبد الله أمير المؤمنين الوليد في ذي الحجة سنة سبع وثمانين”

جاءت عمارة الأموي بعيدة عن التقشف والبساطة التي عرفت بها الجوامع الأولى في الاسلام، وقد بالغ الأمويون في توسيعه وزخرفته والبذخ به لينافسوا به بيزنظة حاضرة الدنيا آنذاك، حيث أنه ووفقاً لمؤرخ القرن العاشر ابن الفقي، أُنفق ما بين 600 ألف و 1,000,000 دينار على المشروع، وقد اشتغل به حرفيون أقباط، فضلا عن عمال فارسيين وهنديين ويونانيين الذين يشكلون الجزء الأكبر من القوة العاملة التي تتألف من 12 ألف شخص.

خطب الوليد بن عبد الملك في الناس قائلاً: “يا أهل دمشق، إني رأيتكم تفخرون على الناس بأربع: بمائكم وهوائكم وفاكهتكم وحماماتكم فأحببت أن يكون مسجدكم الخامس”.

أما اسم الأموي فهو نسبة إلى بني أميّة الذين شادوه في القرن الأول للهجرة، وأميّة تصغير الأمة وهي قبيلة مشهورة من قريش.

عمارة الأموي:

يأخذ مخطط الجامع شكل شبه مستطيل، وهو يحتل مساحة مقدارها 15,448م2، بُني وفق مخطط مشابه للمسجد النبوي في المدينة المنورة، فهو عبارة عن بيت مسقوف للصلاة وفناء مفتوح محاط بأروقة وثلاث مآذن، فإذا ما أردنا دراسة عمارته تفصيليلاً، يمكننا أن نقوم بتقسيمه إلى أضلاع:

  • الضلع الجنوبي للمسجد: يبلغ طوله 158.15م، تم اعتماده جداراً للقبلة نظراً لتطابقه مع اتجاهها، وعنده أقيم حرم الصلاة، يتألف هذا الضلع من:

أ-حرم المسجد: مستطيل الشكل، أبعاده الحالية هي 139م طولاً و 37م عرضاً تم تقسيمه لثلاث بلاطات مستعرضة موازية لجدار القبلة متساوية في العرض والارتفاع، يفصل بينها صفان من الأعمدة، يتألف كل منهما من أحد عشر عقداً، فوقها مستوٍ ثانٍ بحيث يحمل كل عقد فوقه عقدين صغيرين محمولين على عضادتين بينهما عمود يستند إليه السقف.

تغطي أرض الحرم بلاطات حجرية مستطيلة الشكل مرصوفة بشكل طولي على هيئة مداميك متوازية، وهي تعود إلى مرحلة الترميم التي عقبت الحريق الأخير سنة 1893، وتغطي البلاط سجاجيد مختلفة الحجم واللون والنوع. عند جدار الحرم القبلي نجد أربعة محاريب يفسر وجودها بمذاهب السنة الأربعة، حيث اختص المحراب الرئيسي الواقع عند منتصف جدار القبلة بالمذهب الشافعي، واختص المحراب الواقع غرب المنبر بالمذهب الحنفي، والمحراب الواقع غرب باب الزيادة بالمذهب الحنبلي؛ والمحراب الشرقي المسمى بمحراب الصحابة بالمذهب المالكي.

كما نرى داخل الحرم المنبر عند الطرف الغربي من الجدار القبلي إلى يسار المحراب الرئيسي، يبلغ ارتفاعه الإجمالي 10.5م. والمنبر تحفة جميلة من الرخام الأبيض المنحوت وخشب الجوز المطعم. وقد صنع في دمشق وفق نموذج ورد من العاصمة إسطنبول، يشكل المنبر والمحراب لوحة جميلة غنية باللوحات الرخامية المتعددة الألوان والموزعة بأشكال هندسية متناظرة تعلوها الآيات الأولى من سورة الرحمن منحوتة بخط عثماني جميل.

كما نجد في الحرم مدفن النبي يحيى أو كما يعرف بالمسيحية يوحنا المعمدان نسيب المسيح، الذي نقل عنه ابن عساكر أنه عند بناء حرم المسجد رأوا مغارة، فأخبروا الوليد بها، نزل إليها والشموع بين يديه، فوجد مغارة صغيرة عبارة عن ثلاثة أذرع بثلاثة أذرع، فيها صندوق فيه سفط، والسفط فيه رأس سليم الجلدة والشعر، مكتوب عليه أنه رأس يحيى بن زكريا، فأمر بتركه على حاله، وجعل فوق المغارة عموداً قائماً عليها كعلامة تميز مكان إيجاد الرأس ولم يتخذ عليه قبراً، لأنه لم يثبت له أن الرأس ليحيى ولأن إقامة القبور في المساجد ممنوع في الاسلام، إلا أن أقيمت قبة مكان العمود لاحقاً. ولم يبقَ من آثاره المسيحية سوى جرن العماد ونقش باليونانية في مدح المسيح على أحد الجدران.

للحرم ثلاثة أبواب مفتوحة على صحن الجامع، يعلوها عقود نصف دائرية، الباب الأوسط منها هو أكبرها، يعلو كل باب منها نافذة مغطاة بعقد نصف دائري أيضاً.

ب- الجدار الشمالي للحرم  المطل على صحن الجامع: تتطابق فتحات أقواس الجدار الشمالي للحرم المطل على الصحن مع فتحات الأقواس الداخلية لأروقة الحرم، وتختلف عنها بأنها تتبع نسق أعمدة رواق الصحن؛ أي عمودان بين كل دعامتين. يحتوي هذا الجدار على اللوحة الفسيفسائية الأهم والأكبر في المسجد وهي لوحة نهر بردى التي تمتد بطول 34.5 متراً وارتفاع 7.15 أمتار، أي بمساحة تصل إلى 247 متراً مربعاً، مصنوعة من زجاج مقاوم للمطر والغبار والحرارة، أول من أطلق عليها اسم لوحة بردى كان عالم الآثار أوستاش دولوره وذلك لأنها تجسد نهر بردى الذي يبدأ مسيره من اليسار إلى اليمين وهو يخترق غوطة دمشق، مع ما في هذه المشاهد من أشجار باسقة كالنخيل والسرو ومثمرة كالتفاح والمشمش والتي تتصل جذورها ببعضها، ثم ينتهي مجرى النهر إلى بحيرة في شرقي الغوطة وهي العتيبة. أما بالنسبة للمنشآت المعمارية التي تحتويها اللوحة بحسب الدراسة فقد تخيلها مصممها على شكل بيوت أو قصور أو أبراج لا تنطبق على الواقع ولعله اختارها من ذكرياته الصورية عندما نفذ مثل هذه الرسوم وأشباهها في منشآت محلية.

اختار مصمم اللوحة لمياه النهر فصوصاً باللون الأزرق المحلي مع فصوص لازوردية وفضية تمثل حبات زبد مياه النهر على سفحه المتموج مستعملاً مجموعة واسعة من ألوان الفصوص الزجاجية وبخاصة في تلوين أشكال الأشجار ومع أن اللون الأخضر بجميع تدرجاته هو السائد بين الألوان إلا أنه أيضاً وظف اللون البنفسجي ببراعة لتمثيل ظلال الأوراق الخضراء مع فصوص وردية وصفراء تمثل الفاكهة والأزهار.

تم تغطية هذه اللوحة أيام العثمانيين بغطاء كلسي عادت مجدداً لتزين مدخل الجامع الأموي سنة 1929 بعد أن أزيل هذا الغطاء حيث سعى إليها عبر سنوات حرفيون سوريون.

قبة النسر

ج- قبة النسر: ارتفعت عن سقف الحرم قبة عالية مشكِّلةً أهم معلم في سماء مدينة دمشق القديمة، شبه أهل دمشق الجامع “بنسر طائر فكأن القبة رأسه والغارب جؤجؤه (صدره) ونصف جدار البلاطات عن اليمين والنصف الثاني عن الشمال جناحاه” كما وصفه ابن جبير، ويبلغ ارتفاع أعلى القبة عن مستوى أرض الجامع نحو 44.50م ويتوج رأسها الجوسق الذي يحمل الهلال والذي يبلغ ارتفاعه نحو 4.40م بحيث يصبح الارتفاع الإجمالي نحو 49م، تم بناء القبة مرتين، حيث وقعت في المرة الأولى بسبب خطأ في استنادها، ويتوضح لنا أن أسلوب بناء القبة الثانية كان استدراكاً للأسلوب الخاطئ الذي أدى إلى وقوع القبة الأولى.

عزم الوليد أن يغطي القبة بالذهب، فنهاه العقلاء لأنه سيفرغ خزائن من المال، ولا ينفع شيئاً فأمر أن تُغطى بالرصاص، وجمع الرصاص من كل مكان، وبقيت قطعة من السقف لم يجدوا لها رصاصاً إلا عند امرأة يهودية أبت أن تبيعه إلا بوزنه ذهباً، فكتب بذلك العامل إلى الوليد، فلما قال لها لكِ ذلك قال: هو هدية مني للمسجد، فقال لها: كيف ضننت له أولاً إلا بوزنه ذهباً ثم سمحت به هدية؟ قالت: أنا لا أريد الذهب ولكن أردت أن أختبر عدل الاسلام.

د- باب الزيادة: يعرف أيضاً بباب القوافين وباب الساعات نسبة إلى الساعة المائية التي كانت عنده ثم نقلت لاحقاً لباب جيرون، وصفه ابن عساكر بقوله:”سمي بباب الساعات لأنه كان عُمِلَ هناك ساعات يُعلم بها كل ساعة تمضي من النهار”، كما يطلق عليه باب الصاغة نسبةً لسوق الصاغة المقابل له.

له فتحة واحدة على شكل مستطيل قائم، عرضه 3.2م، وارتفاعه 4.6م، ويعلوه عقد على شكل نصف دائرة، وللباب مصراعان من الخشب المصمت يفتحان نحو الخارج على مصطبة تنخفض عن مستوى الطريق بنحو 50سم، وتعلو الباب مظلة خشبية تمتد فوق المصطبة، كما تعلو فتحة الباب آية قرآنية مكتوبة بخط هندسي حديث، ويعود الباب الحالي إلى ما بعد الحريق الكبير سنة 1893، وقبل ذلك كان مصفحاً بالبرونز وعليه نقوش وكتابات.

  • الضلع الغربي للمسجد: يبلغ طوله 96.12 م، مطل من الخارج على ساحة المسكية، أهم معامله:

أ – مئذنة المِسْكِيَّة أو ومئذنة قايتباي: تقع عند زاويته الجنوبية الغربية سميت بمئذنة المِسْكِيَّة نسبة إلى سوق المِسْكِيَّة المطلة عليه، ومئذنة قايتباي نسبة إلى السلطان المملوكي الملك الأشرف قايتباي ولأنها أخذت شكلها الحالي في عهده حين رممها سنة 1488 على طراز المآذن المصرية إثر حريق أصابها، يبلغ ارتفاعها من أرضية الجامع حتى رأس الهلال 56.12م.

ب- باب البريد: وهو مؤلف من ثلاثة أبواب، باب أوسط كبير فتحته على شكل مستطيل قائم، عرضه 3.38م، وارتفاعه 4.73م، وساكفه قطعة حجرية واحدة، يعلوه عقد على شكل حدوة الفرس، وهو موجود بين الدعامتين الجداريتين الوسطيتين اللتين تعودان إلى العصر الكلاسيكي، وبابان صغيران طرفيان عرض فتحة كل منهما 1.38م، وارتفاعها 2.86م. وقد تم فتحهما في زمن لاحق عند القسم السفلي من الدعامتين الواقعتين إلى جانبي الباب الأوسط، وقد غطيت الواجهة الخارجية للباب بالرخام الأبيض، كما نصبت مظلة خشبية فوق الباب الأوسط، وتعود المظلة والتغطية الرخامية إلى أعمال الترميمات التي عقبت حريق سنة 1893. ويحوي كل باب من الأبواب مصراعين ينفتحان نحو الداخل، وتعود أصولها إلى العصر المملوكي، وهي مصنوعة من خشب الجوز المصفح من الخارج بالنحاس المطروق. ويعد تصفيح الباب الأوسط لجهة صنعته وأسلوبه الأقدم بين الثلاثة.

  • الضلع الشمالي للمسجد: يبلغ طوله 158.97م، أهم معامله:

أ- المئذنة الشمالية أو مئذنة العروس: وسميت أيضاً بالمأذنة البيضاء لأنها مطلية باللون الأبيض، تقع في منتصف الجدار وسميت بالعروس لجمالها ورونقها، وهي مشادة في الطرف الخارجي من منتصف الجدار عند الباب المعروف بباب الكلاسة، حيث أقيمت على شاكلة الأبراج المربعة، والجزء السفلي منها أصلي، أما العلوي فهو أيوبي، جدد بعد سنة 1174، ويتطابق جدار المئذنة الجنوبي مع جدار الرواق الشمالي، ويصبح جزءاً منه واستمراراً له، ويبلغ ارتفاع المئذنة الإجمالي من مستوى الأرض حتى رأس الهلال 54م، كما يبلغ عدد درجاتها 195 درجة. احترقت فجددها صلاح الدين هي والمنارة التي كان برفع منها أذان الجماعة، وفيها الآلة الفلكية التي تسمى البسيط الذي صنعها ابن الشاطر رئيس المؤذنين بالجامع في القرن الثامن، ثم انكسرت بيد الشيخ محمد الطنطاوي فأعاد صناعة البسيط الموجود حالياً، إذ وصفه الشيخ الخاني في كتابه الحدائق: “إنه جاء أكمل من الأول إذ زاد فيه قوس الباقي للفجر”

ب- باب العمارة: حصل على اسمه نسبة إلى حي العمارة الواقع بالقرب منه، وسمي أيضاً بباب الكلاسة لوجود ورشات الكلس الذي استعمل في ترميم الجامع، وسمي بباب السميساطية نسبة إلى المدرسة السميساطية الملاصقة للجامع، ويباب الناطفيين نسبة إلى دكاكين بيع الناطف (نوع من الحلويات) التي كانت موجودة عنده، ويقع الباب عند كتف الجدار الشرقي لمئذنة العروس، ويتألف من فتحة واحدة على شكل مستطيل قائم ارتفاعه 6.65م، وعرضه 3.15م، وللباب مصراعان كبيران من الخشب المغلف عند أحد سطحيه بالنحاس المطروق، ويوجد على السطح المعدني لكل مصراع ثلاثة مستطيلات قائمة مزينة بالكتابات والنقوش.

ج- الخانقاه: بعد الباب يوجد الخانقاه التي بناها السميساطي وكانت في الأصل دار عمر بن عبد العزيز، ثم نوافذ التربة الكاملية التي دفن فيها الملك الكامل الأيوبي.

  • الضلع الشرقي للمسجد: يبلغ طوله 98.74م، أهم معامله:

أ- المئذنة الشرقية أو مئذنة عيسى عليه السلام: تقع عند زاويته الجنوبية الشرقية، تشبه المئذنة الشمالية بإنقسام جذعها إلى كتلتين مختلفتي العهد والطراز، فقسمها السفلي مملوكي، والعلوي عثماني مرمم. وهما أقرب ما يكونان إلى مئذنتين منفصلتين، فالكتلة السفلية- وهي أقدمهما- مسقطها قريب من المربع، ويبلغ ارتفاعها نحو 38م عن مستوى أرض الجامع، ويغلب أنها مملوكية، والكتلة العلوية على طراز المآذن العثمانية، مسقطها مثمن الشكل تعلوها قلنسوة مخروطية، وقد رممت مرات عدة كان آخرها سنة 1759م، ويبلغ ارتفاع هذه الكتلة بما فيها القلنسوة نحو 25م، وبهذا يبلغ الارتفاع الإجمالي للمئذنة نحو 63م.

ب- باب النوفرة: وسمي بذلك نسبة إلى البحرة الفوارة التي كانت أسفل الدرج الذي يتقدم كتلة المدخل، وما يزال موقعها ظاهراً، كما سمي أيضاً باب جيرون نسبةً لجيرون بن سعد بن عاد، ويعتقد أنه هو الذي بنى مدينة جيرون التي سميت لاحقاً بدمشق، كما سمي بباب الساعات عندما نقلت الساعات له لاحقاً، وباب اللبادين، وهو أهم أبواب الجامع وأكبرها وأجملها، وهو من خشب الصنوبر البالغ المتانة وكان مصفحاً بالنحاس، يتألف كما باب البريد من ثلاثة أبواب: باب أوسط كبير فتحته على شكل مستطيل قائم ارتفاعه 7.5م، وعرضه 4.5م، تعلوه عقد كبير على شكل حدوة فرس، وبابان صغيران إلى جانبيه عرض كل منهما 1.8م وارتفاعه 3.13م، ويعلو هذين البابين فتحتان مصمتتان في الجدار على شكل مستطيلين قائمين، وتعود فتحات الباب كلها إلى أيام إنشاء المعبد الكلاسيكي، وقدر المؤرخون عمره بأكثر من ألف سنة.

  • صحن الجامع:

كانت أرض الصحن مغطاة بفصوص الفسيفساء، لم يكن بها بلاط وبقى كذلك حتى الحريق الكبير الذي جعل من  أرضه طيناً في الشتاء وغبار في الصيف، وبقي على هذه الحال حتى جاء الوزير صفي الدين وهو وزير العادل فأمر بتبليط أرض الصحن. وفي سنة 611 جدد بلاطه من الداخل بعدما صارت حفراً، ووضع متولّي دمشق مبارز الدين إبراهيم آخر بلاطة بيده، وكان عند باب الزيادة، وكان ذلك على عهد الملك العادل.

أما البلاط الحالي فقد رصف نحو سنة 1300 على عهد الناظر الشيخ أحمد الحلبي، ومستوى أرض الجامع اليوم أعلى من أرضه على عهد الوليد وقد أخبر جار الجامع الشيخ عبد القادر العاني أنه رأى عند الحفر لتجديد الحائط قطعة من أرض الجامع الأصلية مغطاة بفصوص على شكل الفيسفاء على عمق مترين ونصف.

يحتوي صحن الجامع على ثلاث قباب:

أ- الأولى غربية وتدعى قبة الخزنة: تقع في الطرف الشمالي الغربي من الصحن، وتقوم على ثمانية أعمدة كورنثية، وتعرف بقبة الخزنة أو قبة المال أو قبة عائشة بناها الفضل بن صالح بن علي الحاكم العباسي بغرض إدخار أموال المسجد، ويظهر أنها كانت مغلقة والناس يتوهمون أن فيها مالاً إلا أنه لم يوجد أي خبر أنها فتحت إلا عندما فتحها سيباي فلم يجد إلا أوراقاً ومصاحف مكتوبة بالخط الكوفي ومخطوطات نقلت إلى اسطنبول.

قبة الخزنة
قبة الخزنة

ب- الثانية شرقية وتعرف بقبة الساعات أو قبة يزيد أو قبة زين العابدين: وهي مناظرة للقبة الغربية عند الطرف الشمالي الشرقي

ج- الثالثة وسطى تدعى قبة النوفرة: تقع في مركز الصحن تعلو الميضأة ، إضافة إلى عمودين يحملان رأسين نحاسيين كانا يستعملان للإضاءة. تتوزع حول الصحن أروقة في جهاته الثلاث الشرقية والشمالية والغربية.

أقيم في صحن الجامع عمودان من الشرق والغرب جُعلا لتنويره، وذلك يإذن قاضي البلدة وهما موجودان إلى الآن.

في زوايا الجامع الأربعة الأموي أربعة مشاهد حملت أسماء الخلفاء الراشدين الأربعة رضي الله عنهم، وكل منها عبارة عن مساحة مستطيلة، وهي:

أ- مشهد أبي بكر بالزاوية الجنوبية الشرقية والمعروف الآن بمشهد السفرجلاني.

ب- مشهد عمر بالزاوية الجنوبية الغربية والذي يستخدم حالياً مقراً لإدارة الجامع.

ج- مشهد عثمان بالزاوية الشمالية الغربية المتخذ منه بهواً للاستقبال، جدد باشراف ناظر الجامع الناصر بن عبد السلام، وجُعل له إمام راتب.

د- مشهد علي بالزاوية الشمالية الشرقية، ودعي لاحقاً بمشهد الحسين لأنه يحوي الفتحة التي وضع فيها رأس الحسين بن علي حين حُمل إلى دمشق، جدده الملك الظاهر وطرد من كان يتخذونه ملجأ، وأغلق مددة في أيام العثمانيين وأُهمل فجدده الوالي سليمان باشا وفتحه.

زُود الجامع الأموي في كل العهود بساعة شمسية، وساعة فلكية، وساعات أخرى، اختلفت أشكالها وأحجامها باختلاف العصور، وقد اشتهرت منها ساعة وصفها بدقة الرحالة ابن جبير قائلاً: “كانت تتألف من طاقات صغيرة لها أبواب من النحاس كلما مضت ساعة أغلق واحد منها وقبل إغلاقه تسقط بندقتان من فمي بازين من النحاس في طستين فيسمع لهما دويّ، ولهذه الساعة في الليل تدبير آخر يقوم على وجود ألواح من الزجاج مستديرة عند كل طاقة وخلف كل زجاجة مصباح يدور وكلما انقضت ساعة احمرت الدائرة الزجاجية بأكملها وهكذا في كل ساعة”

الكوارث التي تعاقبت على الأموي:

في سنة 1069 حدث حريق ضخم نتيجة للإقتتال بسبب الخلافات على الحكم بين غلمان العباسيين وغلمان الفاطميين، أدى إلى حريق ضخم ابتدأ في دار الإمارة في القصر الأخضر جنوب الجامع الأموي فاحترق، وامتد الحريق إلى الجامع الأموي، فأكلته النار ومحت محاسنه، وذهبت بكل ما فيه حيث لم يبقَ منه إلا الجدران الأربعة. وصارت أرضه بعد الفيسفساء التي تأخذ العقول تلالا من التراب، وجمعت فصوص الفيسفساء وأودعت في المشاهد، إلا أن أخرجها ناظر المسجد القاضي الشهرزوري أيام السلطان نور الدين. وبقي المسجد مخرباُ أربعة عشرة سنة حتى جددت عمارة المسجد والقبة أيام ملكشاه السلجوقي على يد الوزير نظام الملك.

وفي سنة 1166 جرى حريق في حي اللبادين المعروف اليوم بحي النوفرة شرق الجامع حيث انتشرت النار من هذا الحي إلى الجامع الأموي، فاحترق القسم الشرقي من الجامع الملاصق لحي النوفرة، وهو من جهة باب جيرون.

وفي سنة 1174 أصاب الجامع الأموي حريق جزئي آخر، عندما احترقت مدرسة الكلاسة جنوب الجامع، فامتدت النار إلى مئذنة العروس، فاحترقت.

وفي سنة 1248 احترقت سلالم المئذنة الشرقية (مئذنة عيسى) والبيوت التي في أسفلها وتصدعت.

وفي سنة 1262 حدث حريق جزئي آخر؛ إذ احترق سوق اللبادين وسوق جيرون، فامتدت النار إلى حيطان الجامع، ووصلت إلى قسم من السقف.

وفي سنة 1340 كان الحريق الكبير في دمشق، حيث أكلت النار أسواقاً بكاملها، وكانت خسائر فادحة في الأموال، ووصلت النار إلى الجامع، فاحترقت المئذنة الشرقية وقسم من الجانب الشرقي.

وفي سنة 1400 احترق على يد تيمورلنك.

وفي سنة 1636 وكذلك سنة 1719 حصل حريقان جزئيان لم تذكر المصادر تفصيلاً عنهما.

وفي سنة  1893 اشتعلت النيران في سقف حرم الجامع الذي يبلغ طوله 157 متراً وعرضه 105 أمتار، وارتفاع يقدر ب 30 متراً، هذا البناء الضخم أكلته النيران بأقل من ثلاث ساعات فهاج السلطان عبد الحميد وأمر بالاسراع لإعادة بناءه بما أمكن، وفي خلال رفع الأنقاض وترحليها كانت الورشات في منطقة قطنا تقطع الصخور من منطقة الصوجي وجلبت الأعمدة الكبيرة وقواعدها وتزخرف تيجانها وعددها 40 عموداً لتنتقل إلى الحرم ويرفع عليها السقف الجديد حتى يصلح لإقامة الصلاة فيه. ولكن لم يكن هناك أي وسيلة يمكنها نقل هذه الأعمدة وأقبل المهندسون من تركيا وإيطاليا وفرنسا ولكن أحداً لم يستطع أن يقوم بتصميم شيء يؤمن نقل الأعمدة من مكانها، إلا أن جاء نجار دمشقي بسيط يدعى عبد الغني الحموي ودخل على الوالي يقول له: لا تيأس يا باشا، فأنا الرجل البسيط الذي لا أحمل أية شهادة أعدك وعداً قاطعاً أن الأعمدة ستنقل إلى الحرم بعد ثلاثة أشهر، وفعلاً بعد ثلاثة أشهر قابل الوالي وهو يقول له: تفضل وانظر بعينيك إلى أول عمود وصل إلى صحن الجامع، فأبرق الوالي إلى السلطان يخبره بالأمر، فأمر بأن ترفع الرقابة عن الحموي نهائياً ومنحه وساماً من الذهب.

الاحتفال-بالعودة-إلى-الصلاة-في-حرم-الجامع
الاحتفال-بالعودة-إلى-الصلاة-في-حرم-الجامع

حتى أن العربة التي اخترعها الحموي ما تزال حتى اليوم تجثم في زاوية الحائط قرب مشهد سيدنا الحسين، ولا أحد من الزوار يعرف عنها شيئاً.وتسلم الحموي مع ورشته القيام بجميع الأعمال الخشبية، السقف العظيم أولاً ثم الأبواب والتزيينات وجميع ما يتعلق بصناعة النجارة، كما كانت هناك ورشة المعلم البارع نقولا بن يوسف وردة تقوم بحفر أنواع الرخام ومنها (المنبر)، بالإضافة إلى معلمين ماهرين امثال: أولاد ملص والتوّام، وأولاد أبي نجيب الدهان.

تم الاحتفال بالعودة إلى الصلاة في حرم الجامع بعد تسع سنوات من الحريق.

يضاف للحرائق بعض الزلازل المدمرة التي كان أخطرها زلزال سنة 1200؛ إذ يروي المؤرخ سبط ابن الجوزي أنه أصاب أكثر مدن الشام بالدمار، ومات مليون من الناس، كذلك زلزال سنة 1759 وقد وصفه الغزي في مذكراته، فقال: تهدمت معظم بيوت دمشق، وتهدمت مآذن الأموي الثلاث، وسقطت قبة النسر بكاملها، وكذلك جميع الرواق الشمالي للصحن مع أعمدته الأموية ومعظم أنحاء الجامع.

الاصلاحات الجديدة للأموي

من بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى جرت اصلاحات للجامع الأموي يمكن تقسيمها على ثلاثة مراحل:

المرحلة الأولى: تبدأ من 1919 وحتى 1940، قامت بها دائرة الأوقاف وبإشراف القائم على نظارة الجامع، وبلغت قيمة الاصلاحات ألفي ليرة عثمانية ذهبية

المرحلة الثانية: تبدأ من 1941 وحتى 1949، قامت بها دائرة الأوقاف ومديرية الآثار، وقد بلغت تكاليفها مئة ألف ليرة سورية تقريباً

المرحلة الثالثة: تبدأ من 1950 وحتى 1959، قامت بها دائرة الأوقاف ومديرية الآثار، وقد بلغت تكاليفها 365 ألف ليرة سورية تقريباً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !