سياسيون ورجال دولة

أحمد عزت باشا العابد

كبير أمناء السلطان عبد الحميد الثاني

أحمد عزت باشا العابد
أحمد عزت باشا العابد

أَحمد عزّت بن هولو العابد (1851 – 15 تشرين الأول 1924)، رجل دولة من دمشق وكبير أمناء السلطان عبد الحميد الثاني، كان عضواً في مجلس شورى الدولة العثمانية، وهو صاحب مشروع الخط الحديدي الحجازي، ووالد محمد علي العابد، رئيس الجمهورية السورية في السنوات 1932-1936. كانت لأحمد عزت العابد مكانة كبيرة في بلاط السلطان عبد الحميد الثاني، وكان الأكثر نفوذاً بين كلّ المستشارين العرب لغاية انقلاب 1908 الذي أطاح به وبالسلطان معاً، فسافر بعدها إلى فرنسا وتوفي في مصر سنة 1924.

البداية

ولِد أحمد عزت العابد في دمشق وهو ابن أسرة تجارية من حيّ الميدان، كانت تعمل في الزراعة وتربية المواشي. ذاع صيت العائلة في الأحداث الدامية التي شهِدتها دمشق سنة 1860، عندما حمى جدّه عمر آغا العابد آلاف المسيحيين السوريين، بالتنسيق مع الأمير عبد القادر الجزائري، فيما عُرف بفتنة عام 1860.

نُصّب عمر العابد من بعدها زعيماً على حي الميدان وانتقلت زعامة الأسرة بالوراثة من بعده إلى أكبر أولاده هولو العابد، الذي عُيّن مُتصرّفاً على مدينة حمص ثم على نابلس، قبل تعيينه رئيساً لمحكمة النقد ومديراً لمجلس ولاية سورية سنة 1890. تضاعفت ثروة آل العابد بشكل كبير من يومها، وقام هولو باشا بشراء أسهم في شركة قناة السويس البحرية، وأصبح صديقاً للخديوي إسماعيل وامتلك أسهماً في قناة بنما الواصلة بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ.

العمل في الصحافة

عاش أحمد عزّت العابد سنواته الأولى في كنف والده الذي توفي سنة 1895، ودَرَس مع الأجانب في مدارس الكاثوليك الخاصة في بيروت. وقد عَمِل في شبابه كاتباً في دائرة المُراسلات العثمانيّة بدمشق، مُستفيداً من إتقانه التام للغات الفرنسية والإنجليزية، بالإضافة طبعاً للغتين العربية والتركية. في عام 1873، عُيّن أحمد عزّت العابد رئيساً لدائرة القَلَم في ولاية سورية، ثمّ رئيساً لمحكمة التجارة المختلطة، وأصبح مُقرّباً من والي الشّام أحمد جواد باشا. أحبّ جواد باشا هذا الفتى اللّامع الطموح وعدّه رجلاً فريداً قلّ مثيلهُ بين أعيان دمشق، نظراً لمعرفته الواسعة بالسياسة الدولية واطلاعِه على الحضارات الغربية، فعيّنه رئيساً لتحرير جريدة سورية الرسميّة التي كانت تُصدرها الدولة العثمانية في دمشق باللغتين العربية والتركية.

جريدة دمشق

في عام 1878، أسّس أحمد عزت باشا مطبوعة خاصة، وهي صحيفة أسبوعية ناطقة باللغة العربية حملت اسم جريدة دمشق. كانت الصحيفة تُنادي بالإصلاح وتدعم كل سياسات السلطان عبد الحميد الثاني الداخلية والخارجية. لم تلقَ الجريدة رواجاً واسعاً في دمشق، بسبب تَفَشّي الأمّيّة في المدينة يومها، لكنها أصبحت في مدّة قصيرة الجريدة المُفضّلة لدى النخبة العثمانية الحاكمة، وقيل إن مواضيعها وطروحاتها كانت تُعجب كلّاً من السلطان والصدر الأعظم. ولكثرة انشغاله بالأمور السياسيّة، ولأنّ الصحافة لم تكن يوماً مهنته المُفضّلة، أغلق أحمد عزت باشا الجريدة سنة 1887، وسافر إلى عاصمة الخلافة بحثاً عن منصب جديد يرقى إلى طموحاته السياسيّة.

في قصر السلطان عبد الحميد الثاني

عمل بداية في نظارة العدلية، قاضياً في المحاكم التجارية، وتمكن من الوصول إلى مجلس السلطان عبد الحميد الثاني، الذي أحبه فوراً وعيّنه مديراً إدارياً لمجلس الشورى العثماني. مع مرور الوقت أصبح أحمد عزت العابد صديقاً للسلطان ومستشاراً خاصاً له، بالإضافة لتكليفه بمراقبة لجنة الموازنة التابعة للحكومة العثمانية. كان العابد يومها لم يتجاوز السابعة والثلاثين من عمره، وكان السلطان عبد الحميد يكبره بإحدى عشرة سنة، ومع ذلك كانت هذه الصداقة السريعة نتيجة خُلقه الرفيع ودماثته العالية، وقد سمّى السلطان عبد الحميد أحد أولاده عابد (وهو تولد سنة 1905) محبة وتقديراً لمستشاره السوري.

منجزات العابد

أسهم أحمد عزت العابد إسهاماً كبيراً في إنشاء الخطّ الحديدي الحجازي الذي ربط دمشق بالمدينة المنورة وسهّل سفر الحجاج وسير البضائع التجارية من بلاد الشّام إلى الحجاز. تكلفة المشروع وصلت إلى خمسة ملايين ليرة عثمانية ذهبية، جُمِعت من تبرعات الحواضر الإسلامية، وكان العابد من أول المتبرعين. ويعود له الفضل في إنشاء خطّ التلغراف الواصل بين إزمير وبنغازي من جهة، وبين دمشق والمدينة المنورة. كما أنه شجّع السلطان على إدخال الكهرباء إلى مدينة دمشق سنة 1907، عبر شركة بلجيكية كبيرة، مع تدشين وسيلة نقل الترامواي في شوارع دمشق، التي ترافقت مع إنارة المدينة.

قام العابد ببناء فندق فخم وسط مدينة دمشق، مُطل على نهر بردى، حمل اسم فندق فكتوريا، وقد استغرق بناؤه عشر سنوات. كان الفندق مختلفاً عن الذوق العام في مدينة دمشق، يعكس تأثر صاحبه بالعمارة الغربية، ليس في زخارفه ونقوشه فحسب بل في حجره الأبيض والرخام المستورد من أوروبا. كان فندق فكتوريا يُشبه أبنية باريس وبرلين، وفي سنة 1898، نَزَلَ به الإمبراطور غليوم الثاني في زيارته إلى دمشق. وبعدها شيّد العابد بناء كبيراً وسط ساحة المرجة، أطلق عليه اسم بناء العابد وهو لا يزال قائماً حتى اليوم، بعد نقل ملكيته إلى الحكومة السورية.

الانقلاب العثماني سنة 1908

أرسل أحمد عزت العابد ابنه محمد علي إلى باريس لدراسة الهندسة المدنية في جامعة السوربون، وعند تَخرّجِه، عُيّن سفيراً في واشنطن سنة 1908. بعد أسابيع قليلة من وصوله، وقع انقلاب عسكري في إسطنبول، نفّذته مجموعة من ضبّاط جمعية الاتحاد والترقي، الذين حاصروا السلطان عبد الحميد داخل قصره يوم 23 تموز 1908، وفرضوا عليه حزمة من الإصلاحات المؤلمة، مثل العودة إلى الدستور العثماني المُعطل منذ سبعينيات القرن التاسع عشر وتفعيل المجلس النيابي (مجلس المبعوثان)، ما حوّل عبد الحميد الثاني من حاكم مطلق إلى حاكم صوري لا سلطة حقيقية له، مقيّد الصلاحيات من قبل مجلس تشريعي منتخب.

فرض قادة الانقلاب على السلطان التخلي عن معظم مستشاريه القدامى، وفي مقدمتهم أحمد عزّت العابد الذي عزل عن منصبه ونفي خارج البلاد إلى أوروبا، مع أمر صارم بألّا يعود أبداً إلى إسطنبول. وبدأت المُخابرات العثمانية بنشر الإشاعات حول دور العابد في العهد البائد، وقالوا إنه متهم بالفساد و”الإجرام السياسي” غادر أحمد عزّت الباشا إسطنبول مُتجهاً إلى واشنطن، ليكون ضيفاً على السفير محمد علي العابد، ولكنه توقف في باريس بعد صدور قرار بعزل ابنه، فاجتمعت الأسرة في فرنسا وعاشت فيها طيلة عشر سنوات (1908-1918).

سنوات المنفى

من منفاه الجديد، أدار أحمد عزت باشا ما تبقى له من أملاك في سورية واشترى أسهماً في عدة شركات عالمية في كلّ من نيويورك وباريس ولندن. حافظ أحمد عزّت باشا على قناة اتصال سريّة بالسلطان عبد الحميد، الذي عُزل عن العرش في نيسان 1909 وبقي سجيناً في قصره على ضفاف البوسفور حتى وفاته يوم 10 شباط 1918، أي قبل أشهر قليلة من سقوط الحكم العثماني في دمشق مع نهاية الحرب العالمية الأولى.

أحمد عزت باشا العابد في سنواته الأخيرة
أحمد عزت باشا العابد في سنواته الأخيرة

معارضة حكم الملك فيصل

عند مشاهدتهم مصير مولاهم السلطان عبد الحميد، قرر رجال بيت العابد اعتزال العمل السياسي بشكل نهائي، وعدم الاقتراب من الثورة العربية الكبرى التي أطلقها  شريف مكة الحسين بن عليّ في صيف عام 1916. هذا مع العلم أنها وُجِّهت ضدّ قادة جمعية الاتحاد والترقي حصراً (الباشوات الثلاثة أنور باشا وطلعت باشا وجمال باشا، أعداء أحمد عزّت باشا اللدودون) وليس ضدّ الدولة العثمانية برُمّتها. وبعد نجاح ثورة الشريف حسين وهزيمة الجيش العثماني في دمشق نهاية شهر أيلول من العام 1918، رفض العابد مبايعة الأمير فيصل حاكماً عربياً على سورية وفضّل البقاء في منفاه الدائم في فرنسا طيلة سنوات الحكم الفيصلي. كان ذلك احتراماً لماضيه العثماني وسنوات خدمته في بلاط السلطان عبد الحميد الثاني.

العودة إلى دمشق

لم يعد العابد إلى دمشق إلّا بعد فرض الانتداب الفرنسي سنة 1920، بتشجيع وإلحاح من الجنرال هنري غورو، مندوب فرنسا السامي في سورية الذي أراد دفعه للاستثمار مجدداً في وطنه، وطلب إليه المساهمة في نهوض الاقتصاد السوري بعد أن دمرته الحرب العالمية الأولى. لبّى العابد الدعوة وعاد إلى دمشق مع ابنه، حيث بنى مستشفى بحيّ الميدان مع ملجأ للأيتام، ولكنه رفض الإقامة في دمشق وشدّ الرحال متجهاً إلى مصر، ليحلّ ضيفاً على الملك فؤاد الأول.

عائلة العابد

تزوج أحمد عزّت العابد مرتين، وكانت زوجته الأولى بهيّة المارديني من سلالة جلال الدين الرومي والثانية شركسية وتُدعى نِبراس خانم، وهي والدة الرئيس محمّد علي العابد.

الوفاة

توفي أحمد عزت باشا العابد في مصر عن عمر ناهز 73 عاماً يوم 15 تشرين الأول 1924.

مذكّرات العابد

في عام 2018، أُعلن في إسطنبول عن قرب صدور مُذكّرات أحمد عزّت العابد باللغة التركية، التي كان قد وضعها في نهاية الحرب العالمية الأولى وأودعها في أحد المصارف السويسريّة، مُشترطاً ألّا تُنشر إلّا بعد مرور 100 عام على كتابتها.

المصدر
1. محمد سعيد الإسطواني. مشاهد وأحداث دمشقية في منتصف القرن التاسع عشر (دمشق 1994)، ص 1802. فيليب خوري. أعيان المدن والقومية العربية سياسة دمشق 1860-1920 (مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت 1993)، ص 583. سامي مروان مبيض. تاريخ دمشق المنسي (دار رياض نجيب الريّيس، بيروت 2015)، ص 2124. نفس المصدر5. عبد الغني العطري. أعلام ومبدعون (دار البشائر، دمشق 1999)، ص 116. نفس المصدر، ص 12-13

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !