حزب الشعب، أول حزب سياسي ظهر في سورية بعد خمس سنوات من فرض الانتداب الفرنسي سنة 1920. أسسه الدكتور عبد الرحمن الشهبندر ولكن فترة نشاطه كانت قصيرة للغاية بسبب تأييد زعمائه للثورة السورية الكبرى التي انطلقت عام 1925. وقد أدى هذا الموقف إلى حظر الحزب وإغلاق مكاتبه كافة بعد مصادرة كلّ أوراقه الرسمية من قبل المخابرات الفرنسية. وقد ظهر حزب جديد حمل نفس الاسم في مدينة حلب سنة 1948، كان برئاسة ناظم القدسي ورشدي الكيخيا، لا علاقة له بحزب الشعب الدمشقي الذي انتهى دوره في منتصف عام 1925.
ولادة حزب الشعب سنة 1925
أنشأ حزب الشعب في 9 شباط 1925 وأقيم له حفل إشهار في أوبرا العباسية بدمشق يوم 5 حزيران 1925، بحضور مئتي شخصية سورية، يتقدمهم الرئيس المؤسس عبد الرحمن الشهبندر، وزير خارجية سورية الأسبق.(1)
انتُخب المحامي فارس الخوري نائباً لرئيس الحزب مع لجنة إدارية مؤلفة من اثني عشر شخصية سياسية، ضمّت المحامي فوزي الغزي والسياسيين جميل مردم بك وفخري البارودي وحسن الحكيم ولطفي الحفار وإحسان الشريف، الذي أصبح أميناً للسر.(2) وفي كلمة الافتتاح حطب الشهبندر قائلاً:
“من دواعي التفاؤل أن يرى المرء هذا الجمع المبارك ليحيي فيه أول كتلة وطنية انتظمت انتظاماً علنياً لخدمة البلاد. إن الليالي حبالى والمستقبل حافل بأنواع الاحتمالات فعلى الأقوام المظلومة التي تطلب الهواء الطلق والنور المشرق والحياة الرفيعة أن تجعل لكيانها قيمة مادية في الميزان الدولي وأن تُبقي قبس القومية مشتعلاً دائماً لتستضيء به في الملحمة القادمة إذ يكون الظلام دامساً والدليل حائراً والغلبة يومئذ للمتقين.” (3)
مبادئ الحزب
نادى حزب الشعب بوحدة الأراضي السورية واستقلالها التام وغير المشروط، كما طالب بإنهاء الانتداب الفرنسي وانضمام سورية إلى عصبة الأمم، مع وضع دستور للبلاد وانتخاب مجلس نواب يُمثل طموحات الشعب السوري. وخلال أسابيع قليلة من إشهار الحزب تم افتتاح أفرعاً له في حمص وحماة وحلب واللاذقية.
نشاط الحزب
أشهر نشاطات الحزب كانت في المرحلة التي سبقت الإشهار الرسمي، يوم أضربت مدينة دمشق بإيعاز من الشهبندر في 8 نيسان 1925، احتجاجاً على زيارة اللورد جيمس بلفور إلى سورية. وقد نظّم زعماء الحزب مظاهرات حاشدة ضد صاحب وعد بلفور وهددوا بقتله لو مكث ليلة واحدة في دمشق. وبعدها بأسابيع، نظموا مظاهرات كبرى ضد الانتداب الفرنسي، امتدت من مكتب عنبر حتى الجامع الأموي وسط مدينة دمشق القديمة.
وعند اندلاع الثورة السورية الكبرى انضم عبد الرحمن الشهبندر إلى صفوفها وحمل السلاح مع قائدها العام سلطان باشا الأطرش، فردت فرنسا بإلغاء ترخيص حزب الشعب وأمرت بإغلاق كل مكاتبه.(4) ثم صدر حكم غيابي بالإعدام بحق الشهبندر، مما أجبره على الهروب إلى مصر، حيث ظلّ مقيماً حتى سنة 1937.
نهاية حزب الشعب
وقد تفرق أعضاء حزب الشعب في سورية حتى سنة 1927، عندما عاد بعضهم إلى العمل السياسي في صفوف الكتلة الوطنية، التي لم يكن الشهبندر راضياً عن سياستها وظلّ معارضاُ لها حتى مقتله سنة 1940.
هذا وقد تطرق الشهبندر إلى حزب الشعب في مذكراته بشكل عابر، قائلاً: “ولما تحقق الوطنيون السوريون أن الحالة تسير من سيئ إلى أسوأ، قرروا تأليف حزب باسم حزب الشعب، فغرقت السلطة قصارى جهدها لمنعهم من ذلك ولم يحصلوا إلا بعد جهد جهيد على ترخيص الحكومة لهم بالاجتماع.”(6)
وقد كتب فارس الخوري عن تجربته في حزب الشعب قائلاً: “سرني وسر غيري من عقلاء النصارى بعض مفكري المسلمين إلى وجوب التفرغ عن النعرة الدينية وإقامة الإسلام وحده مقام الجنسية الوطنية وتحايلهم لتأليف حزب سياسي وطني يأوي إليه المسلم والمسيحي واليهودي من أصحاب العقيدة الوطنية في سورية.”(7)