عادلة بيهم الجزائري
الرئيسة المؤسسة للاتحاد النسائي السوري - مؤسسة مدرسة دوحة الأدب بدمشق.

عادلة بيهم الجزائري (1900 – 3 كانون الثاني 1975)، مناضلة وناشطة سورية من أصول لبنانية، أسست مدرسة دوحة الأدب في دمشق سنة 1928 وكانت الرئيسة المؤسسة للاتحاد النسائي السوري سنة 1933. دعمت الثورة السورية الكبرى وشاركت مع هدى شعراوي في تأسيس اتحاد النساء العربيات في مصر سنة 1944. لقبت بأميرة الرائدات العربيات.
البداية
ولِدت عادلة بيهم في بيروت في أسرة لبنانية عريقة وكانت أمّها سورية من جذور جزائرية. دَرَست في معهد الدياكونيز الألماني في لبنان وتعلّمت أصول الدين على يد الشّيخ عبد الله البستاني قبل انتقالها للعيش في سورية عند زواجها من الأمير أحمد مختار الجزائري سنة 1917. وكان الأمير أحمد مختار هو حفيد الأمير محمد باشا، ابن الأمير عبد القادر الجزائري.
مع الجمعيات الأهلية
نشطت عادلة بيهم في العمل الوطني منذ مرحلة الصبا وكانت من مؤسسات جمعية يقظة الفتاة العربية في بيروت وجمعية الأمور الخيرية للفتيات العربيات، التي سعت لتأمين حاجات النساء المشرقيات في ظلّ غياب أزواجهن، إما في المعتقلات التركية أو في المنفى البعيد هرباً من التجنيد في الجيش العثماني خلال الحرب العالمية الأولى.
كانت تكتب مقالات عن تحرر المرأة، دوماً تحت اسم مستعار اختارته لنفسها وهو “الفتاة العربية.” كتبت عن ضرورة تمكين المرأة العربية وتحريرها من قيد الرجال لتكون فعالة في مجتمعها ومستقلّة معتمدة على نفسها لكي لا تنال منها الشدائد والمحن.
وبعد قدومها إلى دمشق شاركت عادلة بيهم الجزائري في جمعية يقظة المرأة الشاميّة، الرامية إلى محو الأمية لدى فتيات الغوطة وتعليمهن مهارات يدوية يكسبن منها كفاف يومهن، دون الحاجة إلى أية مساعدة، لا من الدولة ولا من المجتمع الذكوري.(1)
مع لجنة كينغ كراين
وعندما جاءت لجنة كينغ كراين الأمريكية إلى سورية سنة 1919 اجتمع أعضاءها مع وفد من سيدات سورية لمعرفة رأيهن في الانتداب الفرنسي الذي كانت عصبة الأمم تنوي فرضه على سورية، تماشياً مع اتفاقية سايكس بيكو الموقعة بين حكومتي فرنسا وبريطانيا في منتصف الحرب العالمية الأولى. كانت عادلة بيهم، وبالرغم من صغر سنها، ضمن الوفد النسائي الذي اجتمع مع أعضاء اللجنة الأمريكية، بقيادة زهراء اليوسف، حيث قالت لهم أن نساء سورية يرفضن أي نوع من الوصاية الأجنبية، سواء كانت فرنسية أو بريطانية.
وقد شاركت عادلة بيهم في رفع كتاب إلى المؤتمر السوري العام المنعقد في دمشق سنة 1919، لللمطالبة بإعطاء المرأة السورية حق الانتخاب والمشاركة في الحياة السياسية.
الثورة السورية الكبرى
كما ساهمت عادلة بيهم في نقل المؤن والعتاد إلى ثوار الغوطة خلال الثورة السورية الكبرى سنة 1925 وكانت ترعى حاجات عائلات الشهداء والجرحى والمفقودين. وعندما قصف الفرنسيون مدينة دمشق في 18 تشرين الأول 1925 قادت مظاهرة نسائية ضخمة باتجاه السراي الحكومي وسط ساحة المرجة، مُطالبة بوقف العدوان على مدينتها.(2) في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، طغى الشعور الوطني على رغبة عادلة بيهم النسائية التحررية وكانت تقول دوماً: “الاستقلال أولاً، ومن ثمّ تحرير المرأة وتمكينها سياسياً واجتماعياً وثقافياً.”
مدرسة دوحة الأدب سنة 1928
أشهر إنجازات عادلة بيهم المحليّة كانت مدرسة دوحة الأدب للبنات التي قامت بإنشائها في دمشق سنة 1928، بهدف خلق “مرأة عربية جديدة، تكون مفعمة بالشعور الوطني ولها دور فاعل في نهضة أمتها وتحريرها من الاستعمار الأجنبي.” وقد أوجدت جمعية بنفس الاسم قام مجمع اللغة العربية باستضافة جميع أنشطتها.
الاتحاد النسائي سنة 1933
من موقعها الجديد مديراً لمدرسة دوحة الأدب، جمعت عادلة بيهم صفوة المجتمع الدمشقي من السيدات وأسست الاتحاد النسائي السوري سنة 1933. انتُخبت رئيسة للاتحاد في اجتماعه التأسيسي وحافظت على منصبها من دون أي انقطاع حتى سنة 1967، عندما تم انتخابها رئيسة فخرية مدى الحياة.
دُعيت عادلة بيهم إلى مصر لحضور مؤتمر المرأة الفلسطينية سنة 1938، وسُمّيت نائباً لرئيس المؤتمر هدى شعراوي. هدف هذا المؤتمر إلى دعم المرأة الفلسطينية وتفعيل مقاومتها ضد الاحتلال البريطاني والهجرة اليهودي المتجهة إلى فلسطين من دول أوروبا.
عادت إلى القاهرة سنة 1944 للعمل مع هدى شعراوي مجدداً على تأسيس اتحاد النساء العربيات، حيث شاركت في وضع قانونه الأساسي. وفي القاهرة دعت عادلة بيهم إلى مؤتمر صحفي للتحدث عن مخرجات المؤتمر، حضره صحفيون من وكالات عالمية مثل BBC وصحف محلية مثل جريدة الأهرام. بذلك كانت عادلة بيهم أول امرأة سورية تقف أمام وسائل إعلام عربية وأجنبية وتُدلي بمؤتمر صحفي.(3)
في العام 1956 ترأست بيهم الجزائري وفد الاتحاد النسائي السوري في حلقة دراسية أقامتها لجنة حقوق المرأة التابعة للأمم المتحدة في موسكو وانتخبت عام 1960 رئيسة للجنة التحضيرية للمؤتمر النسائي الآسيوي- الأفريقي الذي عُقد عام 1961.
حرب فلسطين
نشطت عادلة بيهم خلال في تقديم الدعم للمرأة الفلسطينية القادمة إلى سورية هرباً من الاحتلال الإسرائيلي سنة 1948. وقد عملت مع السيدة الأولى بهيرة الدالاتي، حرم رئيس الجمهورية شكري القوتلي، على رعاية عائلات اللاجئين، صحيّاً ونفسيّاً ومالياً، وقامت بفتح مدارس سورية مجاناً أمام أولادهن. كما جنّدت مئات المتطوعات في الاتحاد النسائي السوري لتأمين خياطة ثلاثة آلاف بدلة عسكرية للجنود السوريين المتطوعين في جيش الإنقاذ، بقيادة فوزي القاوقجي سنة 1947.
الصدام الأول مع رجال الدين: جمعية نقطة الحليب
لم يكن المجتمع الديني المحافظ راضياً عن نشاط عادلة بيهم الجزائري، لا في الاتحاد النسائي السوري ولا في مدرسة دوحة الأدب، وقد تجلى هذا النفور بحادثتين شهيرتين، كانت الأولى سنة 1944 عندما دعا الاتحاد النسائي إلى حفل خيري في دمشق، نظمته حرم وزير المعارف نصوحي البخاري تحت رعاية زوجة الجنرال كاترو، ممثل الجنرال شارل ديغول في سورية. هدف الحفل لجمع تبرعات لصالح جمعية نقطة الحليب، إحدى أبرز الجمعيات الإنسانية العاملة في سورية يومها.
اعترضت الجمعيات الدينية على هذا الحفل وعلى حضور عدد من السيدات الدمشقيات وهن سافرات الرأس. طلبوا الحكومة السورية بإلغاء الحفل أو منع السيدات السوريات من حضوره، ولكن وزير الداخلية لطفي الحفار رفض الاستجابة لمطالبهم.
خرجت مظاهرات عارمة في شوارع دمشق بعد صلاة الجمعة، مطالبة بإلغاء الحفل والإطاحة بحكومة الرئيس سعد الله الجابري التي كانت قد رخّصت له. رفض الرئيس الجابري الرضوخ وأرسل عناصر من الشرطة لتفريق المتظاهرين بالقوة. ثم طلب من عادلة بيهم زيارته في مكتبه في السراي الكبير واتفقا على خطة “لقلب السحر على الساحر.” تم الاتفاق على أن يقوم الاتحاد النسائي بحجب معونات الخبز التي كان يقدمها للناس، لبضعة ساعات فقط، وأن يقول لهم: “اذهبوا إلى المشايخ وخذوا خُبزكم منهم.”
تجاوبت رئيسة الاتحاد مع مطلب الرئيس الجابري، وفي اليوم التالي تم الاعتذار من كلّ من جاء إلى مراكز توزيع الإعاشة التابعة للاتحاد والطلب منهم أن يذهبوا إلى الجمعيات الدينية. لم يكن بوسع رجال الدين تأمين حاجة دمشق اليومية من الخبز وتحولت المظاهرات من مؤيدة لهم إلى ناقمة عليهم. فُض الإضراب عند هذا الحد وأقيم الحفل الخيري، تحت رعاية الرئيس سعد الله الجابري وبحضور عادلة بيهم الجزائري.
الصدام الثاني مع رجال الدين: قضية رقص السماح
في مطلع الخمسينيات تعاونت عادلة بيهم مع الزعيم الوطني فخري البارودي على إحياء رقصة السماح وتعليمها إلى طالبات مدرسة دوحة الأدب. قاموا بإحضار الشيخ عمر البطش من حلب، حافظ الموشحات وأكبر مرجع في الغناء القديم، ليقوم بتدريب الفتيات على الغناء، وفصّلوا لهن ثياباً من الحرير الملوّن، كانت فضفاضة ومحتشمة، ليظهروا بها على خشبة مسرح قصر العظم، ويقيموا حفلاً غنائياً راقصاً، بحضور رئيس الحكومة خالد العظم.
أثار هذا الحفل حفيظة قاضي دمشق الشّيخ علي الطنطاوي الذي وصف عادلة بيهم وزميلاتها بأنهن ينظرن إلى الغرب وعاداته “بعين الرضى ويغمض العين عن عيوبه وعن مفاسده.” وفي مقالاته وخطبه، كان يصف مدرسة دوحة الأدب بدوحة “الغضب.”(4)
بدأ الشّيخ الطنطاوي بالتحريض ضد عادلة بيهم وحفل مدرسة دوحة الأدب، في الصحف أولاً وثم من على منابر المساجد الدمشقية، واصفاً لباس الفتيات بأنه “يُشبه لباس الجواري قديماً.” كما قال أن دمشق تفتخر بتاريخها الإسلامي ولا تقبل بهكذا فجور أبداً، وصار ينصح الآباء بأن لا يرسلوا بناتهم إلى الحفل، قائلاً: “كيف يرضى لبنته مُسلم عربي أبي أن ترقص أمام الرجال الأجانب؟” تتلوى وتخلع وهي تغني أغانٍ كلها في الغرام والهيام؟”(5)
خلال خطبة الجمعة من أحد مساجد حيّ البرامكة، المنقولة كالمعتاد عبر أثير إذاعة دمشق، هاجم الشّيخ الطنطاوي الحفل بشدة، ولم تتمكن المذيعة من قطع البث، نظراً لمكانة الطنطاوي الرفيعة وخوفاً من جمهوره الكبير في دمشق. في اليوم التالي، شُنت حملة شعواء ضد علي الطنطاوي في معظم الصحف الموالية للحكومة، دفاعاً عن الحفل وعن كل من عادلة بيهم وفخري البارودي. وقد طالبت تلك الصحف بإحالة الطنطاوي إلى القضاء، لتهجمه على مدرسة دوحة الأدب ومديرتها.(6)

مع عبد الناصر
أُعجبت عادلة بيهم بالرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي أعطى المرأة المصرية حق الانتخاب في بلاده، وقدّمت له دعماً كبيراً خلال العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956. قادت النساء السوريات في ما عُرف بالمقاومة الشعبية، حيث تدربوا على حمل السلاح في المعسكرات التي أقيمت في ريف دمشق، كما شاركت بجمع التبرعات لصالح الجيش المصري.
أيدت الوحدة السورية المصرية عند قيامها سنة 1958 وكانت في طليعة مستقبلي الرئيس عبد الناصر عند قدومه إلى دمشق.
وخلال سنوات الجمهورية العربية المتحدة (1958-1961) نظّمت دورات لمكافحة الأميّة وتقديم الخدمات الصحيّة والاجتماعية في عدد من قرى الغوطة، كما كانت تلتقي بالرئيس عبد الناصر كلما زار سورية للتحدث معه عن حاجات ومطالب الاتحاد النسائي السوري.(7)
في مجلس قيادة الثورة
عارضت الانقلاب العسكري الذي أطاح بجمهورية الوحدة في 28 أيلول 1961 وباركت انقلاب البعث سنة 1963، الذي وعد باستعادة الوحدة. شُكّل مجلس لقيادة الثورة في سورية، على غرار المجلس الذي أقيم في مصر بعد ثورة عام 1952، وكان برئاسة الفريق لؤي الأتاسي الذي عيّن عادلة بيهم الجزائري عضواً فيه، مُمثِلة عن الاتحاد النسائي السوري.(8) ومن هذا الموقع، سافرت إلى مصر سنة 1966 للمشاركة في المؤتمر السادس للاتحاد النسائي العربي العام المنعقد في القاهرة.
حرب تشرين سنة 1973
ظلّت عادلة بيهم تنشط في المجال الإنساني حتى أيامها الأخيرة، وكانت بالرغم من تقدمها في السن تشارك يومياً في حملة إسعاف الجرحى خلال حرب تشرين عام 1973.
التكريم
بمناسبة العام الدولي للمرأة مُنح الرئيس حافظ الأسد عادلة بيهم الجزائري وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة، إلا أن المنية لم تمهلها لتسلّم الوسام، فتسلمته نيابة عنها ابنتها وشريكتها في النضال الاجتماعي أمل الجزائري.
الوفاة
توفيت عادلة بيهم الجزائري عن عمر ناهز 75 عاماً في دمشق يوم 3 كانون الثاني 1975. إكراماً لها ولمنجزاتها الكثيرة، أُطلق اسمها على إحدى أبرز مدارس البنات في حيّ المهاجرين بدمشق.