أدباء وكتّاب

محمد الماغوط

أديب وشاعر سوري

محمد الماغوط (19 شباط  1934 – 3 نيسان 2006)، أديب وشاعر وصحفي وكاتب مسرحي وتلفزيوني وسينمائي سوري من مدينة السلمية، يعتبر المؤسس الحقيقي لقصيدة النثر، من مؤسسي جريدة تشرين وجريدة الشرطة في سوريا و مجلة الخليج في الشارقة، ساهم مساهمة كبيرة في صناعة ظاهرة المسرح السياسي الساخر في سوريا من خلال مسرحيات كانت باكورة المسرح السياسي في الوطن العربي.

البداية

ولد محمد الماغوط بيوم 19 شباط من عام 1934 بريف مدينة السلمية التابعة لمحافظة حماة، والده أحمد عيسى الماغوط عمل فلاحاً بالأجرة لدى الآخرين ووالدته ناهدة الماغوط، عاش مع عائلته حالة من الفقر الشديد لذلك درس الابتدائية في الكتّاب، ثم حصل على شهادة الاعدادية بأوائل الخمسينيات من القرن الماضي من المدرسة الزراعية في السلمية، انتقل بعدها إلى دمشق ليدرس في ثانوية خرابو بالغوطة، يذكر أن والده أرسل رسالة إلى الثانوية يطلب منهم الرأفة بابنه لضيق حالهم، فقامت المدرسة بتعليق الرسالة على أحد جدران المدرسة مما جعله أضحوكة لزملائه؛ مما دفعه إلى للهروب من المدرسة في دمشق و العودة إلى السلمية.

يتحدث عن هذه المرحلة من حياته: أنا لقلَّك كنت حبّ القرآن كتير جداً.. أخذت (Sertefica) شفت كيف، وشهادة ابتدائية وبعدين دخلت بدّي كَفِّي أدرس زراعة، الحقيقة أنا دخلت زراعة لأنو داخلي، وبالداخلي بكون الأكل مجاني، نحن كنّا فقراء شفت كيف؟ بعدين اكتشفت إنو ما هدفي مكافحة الحشرات الزراعية  فلجأت إلى مكافحة الحشرات البشرية.

بعد هروبه من دمشق إلى السلمية، عمل الماغوط فلاحاً وبدأت بوادر موهبته الشعرية بالتفتح فنشر أولى قصائده بعنوان «غادة يافا» في مجلة الآداب البيروتية تحت اسم الدكتور محمد الماغوط لأنه لم يكن معروفاً حينها، استداعه رئيس مخقر مدينة السلمية، فذهب له حافي القدمين، سأله رئيس المخفر: هل أنت من قمت بنشر هذه القصيدة في مجلة الآداب؟

أجابه الماغوط : نعم، هل من مشكلة؟ أجابه رئيس المخفر: لا، لكني حاولت النشر ضمن هذه المجلة ورفضوا النشر لي، فأجابه الماغوط بعد أن وضع قدماً حافية فوق قدم حافية: حسناً سأتوسط لك لدى المجلة لتنشر لك.

ولعل من أهم المحطات حياته مساهمته في تأسيس جريدة تشرين الحكومية في السبعينيات، التي عمل فيها لسنوات طويلة، كما عمل رئيسًا لتحرير “مجلة الشرطة” الحكومية السورية، قال في ذلك: ” من كثرة خوفي من الشرطة، تم تعيني رئيس تحرير مجلة الشرطة، ومع ذلك عندما كان يدخل الشرطي محضراً لي فنان قهوتي، أضرب له تحية”

أسس مجلة الخليج في الشارقة، كما عمل في المسرح القومي بالتعاون والشراكة مع دريد لحام.

الماغوط والحزب القومي السوري الاجتماعي

في مطلع شبابه انتسب للحزب القومي السوري الاجتماعي دون أن يقرأ أدبيات الحزب، وعندما سألوه عن سبب دخلوه للحزب القومي السوري الاجتماعي، أجابهم: في ذلك الوقت كان هناك حزبان كبيران في سوريا، حزب البعث والحزب السوري القومي الاجتماعي، كان مقر حزب البعث بعيداً عن بيتنا وطريقه مليء بالوحل والكلاب التي تعوي، بينما الحزب القومي السوري الاجتماعي كان الأقرب إلينا وفيه مدفأة لذلك انتسبت إليه، بالإضافة أن مسؤول حزب البعث حينها كان سامي الجندي وهو ملاكم وأنا أكره العضلات وأخافها.

تبقى مسأله انتساب الماغوط للحزب القومي مثار جدل بين القوميين وخصومهم، حتى أن الكاتب جان داية ألف كتاباً أسماه: “محمد الماغوط وصوبيا الحزب القومي” أظهر فيه عدداً من الصور للماغوط مؤدياً التحية الحزبية عندما كان عضواً في الحزب السوري القومي الاجتماعي، كما أن السجلات الأدبية وذاكرة من عرفه في الحزب تعرف أن حماسته للحزب كانت كما قال أحدهم بحاجة إلى ثلاجة لا إلى مدفأة.

وقال داية لو كانت نهفة المدفأة صحيحة لما كان من مبرر لنشر مقال عن حياته الحزبية ونتاجه العقائدي فكيف باصدار كتاب، لكن عشرات القصائد النثرية والمقالات العقائدية والسياسية الممهورة بتوقيع محمد الماغوط حيناً او بأحد أسمائه المستعارة أحيانا أخرى تبرر إصدار الكتاب وتؤكد في الوقت نفسه أن نهفة المدفأة تنتمي إلى أدبه الخيالي الساخر.

محمد الماغوط والسجن

عرف الماغوط السجون مبكراً، اعتقل حوالي العشرين مرة، ابتدأت منذ عام 1955 بعد اتهام القوميين باغتيال عدنان المالكي، تعرف في فترة سجنه الأولى على الكاتب أدونيس وأبدعا معاً مسرحيات هو من مهجعه الرابع، وأدونيس مقابله في المهجع الخامس، حتى أنهم شاركوا السجانين مسرحايتهم فجعلوا منهم ممثلين.

عاد ليدخل سجن المزة ثانيةً ليتعرف فيه هذه المرة على الكاتب والصحفي الياس مسوح، ثم خرجا معاً من السجن في ذات اليوم وقصدا دمشق، ولم تمضِ على خروجهم إلا أياماً حتى طُلبا مجدداً فهربا معاً إلى لبنان.

ثم لاحقاً خلال فترة الوحدة بين سورية ومصر نهاية الخمسينيات، كان الماغوط مطلوباً في دمشق بسبب كتابته في جريدة “الصدى العام” التي كانت مناهضة لعبد الناصر ولحزب البعث والشيوعيين، فلوحق من أكثر من جهة فاختبأ بداية في غرفة ذات سقف واطئ، وكان من يعرف مخبأه هما زوجته سنية، وزكريا تامر صديق عمره، وكتب في هذه الغرفة ذات السقف الواطئ مسرحية العصفور الأحدب.

تقول سنية صالح زوجته عن هذه الحادثة: “فقد كان هذا الشاعر يرتعد هلعاً إثر كل انقلاب مرّ على الوطن, وفي إحدى هذه الانقلابات خرجت أبحث عنه كان في ضائقة وقد تجره تلك الضائقة إلى السجن أو إلى ما هو أمرّ منه، وساعدني انتقاله إلى غرفة جديدة في إخفائه عن الأنظار. غرفة صغيرة ذات سقف واطئ حشرت حشراً في إحدى المباني بحيث كان على من يعبر عتبتها أن ينحني.. ينحني وكأنه يعبر بوابة ذلك الزمان”

ثم قرر الهرب إلى بيروت مع صديقه إلياس الفاضل، فدخل لبنان بطريقة غير شرعية سيراً على الأقدام.

في بداية الستينات عاد إلى سجن المزة ليلتقي بكمال خير بيك وهو من قيادات الحزب القومي وأصبح من أقرب أصدقائه، ثم التقى به مجدداً في بيروت وعاش في بيته سنين.

لاحقه الاعتقال في لبنان أيضاً، ففي بيروت عام 1962 خلال انقلاب القوميين سُجن في بيروت، فهرب هذه المرة من بيروت عائداً إلى دمشق، إلا أنه لم يعلم أنه هرب من سجن ليدخل سجناً آخر في دمشق، فتم اعتقاله فور وصوله، وأودع في قسم المحكومين بالاعدام قبل أن يفرج عنه.

أنتجت فترات سجنه المتعددة عن مذكرات كتبها متأثراً بما قرأه لجبران و المنفلوطي ومصطفى صادق الرافعي، حيث قام بتهريبها من خلال اخفائها بثيابه الداخلية بعد أن كتبها على  لفائف سجائر بافرا.

عندما سألوه عن السجن أجاب: عندما دخلت السجن أحسست أن شيئاً ما داخلي قد تحطم، وأن كل ما كتبته من مسرح وسينما وشعر بعدها هي ترميم لما كسره السجن في داخلي، السجن كالشجرة له جذور.

يروي أحد ذكرياته قي السجن، عندما أحضروا مذياع إلى السجن، فكانت المفارقة أن أول أغنية صدحت منه وهم يجربوه (يا ظالم الك يوم).

بالرغم من الشرخ الذي خلفه السجن في نفسه إلا أنه استطاع أن يميز جيداً بين السجن والسجان، وعى أن السجن كنظام متكامل يختلف عن السجان الذي ما هو إلا موظف في هذا المكان، لذلك يذكر أنه عندما خرج من السجن التقى بسجانه الذي افتتح محلاً للحلويات قريباً من بيته، عندما شاهده سأله: هل كنت سجاناً في سجن المزة، أجابه: نعم، وأنه عبد مأمور ومجرد موظف فيه، فلم يشعر بحاجته للانتقام من سجانه، بل أصبح صديقاً له واستمر يشتري الحلويات منه.

حياته الشخصية

تزوج من الشاعرة سنية صالح، التي شاركته السجن أيضاً ، يقول فيها: “بحب سنية كتير، بشوفها بمنامي كتير”، لديه منها ابنتان: شام تعمل طبيبة وسلافة متخرجة من كلية الفنون الجميلة بدمشق ، يقول فيهم: ” بحب بناتي كتير، هدول أظافري يلي بواجه فيهم العالم”.

توفيت زوجته سنية عام 1985 بعد صراع طويل مع مرض السرطان، كانت وفاتها الضربة الأصعب للماغوط، حيث تدهورت صحته ودخل بحالة اكتئاب شديد، حتى أنه كان يتحدى تعليمات الأطباء الذين نصحوه بالابتعاد عن التدخين وشرب الكحول، يقول عن هذه المرحلة: ” عاملت جسدي طيلة سنوات كخصب، تواطئت عليه، ومارست بحقه شتى أنواع القمع والارهاب، والآن صار ينتقم مني، تحولت إلى كائن كحولي نتيجة حالة كآبة طويلة، عالمي ويسكي ودخان وحزن”

الماغوط و دمشق

كانت علاقته بالشام علاقة فيها من التناقض الكثير، فبقدر ما أحبها حتى أنه أسمى ابنته على اسمها، بقدر ما قست عليه هذه المدينة، قال عنها: “الشام أحببتها كثيراً، أسميت ابتني شام، إلا أن الشام تأخذ ولا تعطي، لا تعطي أبداً”.

كما يقول عنها: ” إحساسي بدمشق منذ أن شاهدتها لأول مرة، وعشت فيها، اخترقتني كما رمح، لكن في مكان غير مميت”

كانت مقاهي دمشق “الهافانا وأبو شفيق” منزل الماغوط الثاني، كتب معظم أدبه فيهما.

الماغوط و بيروت

بيروت كانت ملاذ الماغوط في كل مرة هرب فيها من سجنه في دمشق،  قدمه أدونيس ليوسف الخال ليتبناه يوسف وينشر له في مجلة شعر، حيث كتب فيها قصيدته : “حزن في ضوء القمر” ثم نشر له قصيدة ” القتل” وهي تروي ذكرياته في سجن المزة التي هربها على لفافة تبغ، استمر بالنشر فيها حتى سنة 1961 عندما تم ملاحقة أعضاءها وسجنهم.

تروي زوجته سنية صالح عن حادثة لقائه بأعضاء مجلة شعر: “قبل ذلك كان محمد الماغوط غريباً ووحيداً في بيروت, وعندما قدمه أدونيس في إحدى اجتماعات مجلة شعر المكتظة بالوافدين, وقرأ له بعض نتاجه الجديد الغريب بصوت رخيم, دون أن يُعلن عن اسمه، ترك المستمعين يتخبطون من هذا؟ هل هذا الشعر لبودلير، أم لرامبو ولكن أدونيس لم يلبث أن أشار إلى شاب مجهول غير أنيق أشعث الشعر، وقال: هو الشاعر. لاشك أن تلك المفاجأة قد أدهشتهم, وانقلب فضولهم إلى تمتمات خفيفة. أما هو وكنت أراقبه بصمت فقد ارتبك واشتد لمعان عينيه”.

أما عن هذه الحادثة فيقول أدونيس: “عادةً الناس لا تقرأ نص الشاعر، بل تقرأ الشاعر بحد ذاته، يقرأون انتمائه وأديولوجيته وسياسته، لذلك بداية هم يقرأون اسم الشاعر قبل أن يقروأ شعره، ولذلك بالمرحلة الأولى حبيت أن أجرب، لذلك لم أقل اسم الكاتب، لأعرف الانطباع العفوي والبريء بصرف النظر عن أي خلفية لدى القارئين والمستعمين، وطبعاً كان جميع الذين استعموا للنصوص التي قرأتها مندهشين ومعجبين جداً، وأعتقد لو أنني قلت اسم الكاتب وأنه شاب أتٍ من سوريا، وفي بداية حياته الشعرية، كانت ردة الفعل ستتغير”

يقول الماغوط عن بيروت: ” بيروت أحبتني حباً غير طبيعي، وأعطتني عطاء غير طبيعي”

الماغوط و الخوف

كان يركز جداً على فكرة الخوف، يقول: “الخوف لا يشرح، لا يفسر ، كما الله” ، كان يجد أن الخوف هو أساس ابداعه، وعنده احتياطي من الخوف لا ينضب “ولدت مذعوراً وسأموت مذعوراً”

وعندما سألوه عن أمنيته: قال: أتمنى أن لا يبقى سجين على وجه الأرض، ولا جائع على وجه الأرض.

الماغوط و قصيدة النثر

كان شخصية متمردة ترفض التنميط وقد ظهر هذا جلياً في أدبه من خلال تمرده على الوزن والقافية في القصيدة التقليدية.

أثار ما كتبه محمد الماغوط من شعر لغطاً كبيراً في عصره، فمنهم من صنفه بأنه شعر ومنه من أنكر أنه شعر لأنه خرج عن قواعد الوزن والقافية. أجاب هو عن هذا اللغط: “أنا لا أرتكز فيما أكتب لى شيء، إلا على الكرسي والطاولة، لا أرتكز على طراز أو مدرسة شعرية ، ولا أرتكز على أي ناقد”

يقول عبد الرزاق عبد الواحد عن محمد الماغوط: ” لا أنكر أن يكون ما كتبه محمد الماغوط شعراً، وشعراً حياً تماماً، كيف ننكر على الماغوط ما كتبه، وقد اتهم أهل الشعر وواضعي أسسه بأن القرآن شعر، وأعترف مندهشاً بمحمد الماغوط وأن ما يكتبه شعر وشعر عالي”

محمد الماغوط و دريد لحام

بدأت العلاقة بين محمد الماغوط ودريد لحام عام 1973، وكان التعاون الأول بينهما في مسرحية ضيعة تشرين، ثم غربة وكاسك يا وطن.

انتقل هذا التعاون بين الماغوط ولحام من خشية المسرح إلى التلفزيون، فأنتج هذا التعاون مسلسلات منها: (وين الغلط ووادي المسك) ثم أفلام منها: (التقرير والحدود  الذي حاز على جائزة مهرجان فالينسيا السينمائي في إسبانيا عام 1984).

هذه الشراكة لم تستمر طويلاً لأن دريد لحام غير في نصوص الماغوط ولم يفهم عالمه السوداوي كما اتهمه.

يقول دريد لحام: “محمد الماغوط أنا بعتبره خزان فرح، وخزان وجع، خزان ألم وأمل بنفس الوقت، وبسبب شاعرية كلمته بخليك غصباً عنك تكون شريكه بكل هدول، بقولوا إنه بالمحبة بتُوْسَع المطارح، بتصير المطارح أوسع، مشان هيك قلب الماغوط واسع الوطن كله بكل فرحه وبكل حزنه. تجربتي معه كانت تجربه كتير غنيّة، طبعاً جاءت فترة اختلفنا أنا وإياه بس حتى لما اختلفنا بالرأي ظل حبيبي، وظل صديقي، وظلّ بالنسبة إلي الشاعر الأهم، والكاتب الأهم”.

وفاته

توفي الماغوط في ظهيرة يوم الاثنين 3 نيسان 2006، ودفن في مدينته السلمية. إثر جلطة دماغية، بعد ملازمته لبيته سنوات دون أن يخرج منه أبداً، يقول عن سبب ملازمته لبيته أنها نتيجة صدمة كبيرة تلقاها من أحد أصدقائه.

تحدثت قريبة له عن هذا اليوم أنها أتت إليه فسمعته يردد بصوت عالي: “إنّا لله وإنّا إليه راجعون” وطلب منها الاستماع إلى سورة يوسف التي اعتاد سماعها خلال الستة شهور الأخيرة من حياته.

أعماله

الجوائز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!