أحمد نور الدين بن محمد علي الأتاسي (11 حزيران 1930 – 3 كانون الأول 1992)، سياسي سوري من حمص، عُيّن رئيساً للدولة وأميناً عاماً لحزب البعث العربي الاشتراكي، بقيادتيه القومية والقطرية، من 1 آذار 1966 ولغاية استقالته قبل ثلاثة أيام من الانقلاب عليه واعتقاله في 16 تشرين الثاني 1970.
وتسلّم رئاسة الحكومة في تشرين الأول 1968 وكان قبلها وزيراً للداخلية ونائباً لرئيس الحكومة. تحالف مع اللواء صلاح جديد إبان انقلاب 23 شباط 1966، الذي عيّنه رئيساً للدولة بعد الإطاحة بالرئيس السابق أمين الحافظ وسجنه.
شهد عهده تقارباً كبيراً بين سورية والاتحاد السوفيتي وهزيمة سورية في حرب 1967، وهو ثالث رئيس من الأسرة الأتاسية المعروفة، بعد هاشم الأتاسي الذي حكم سورية في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات، والفريق لؤي الأتاسي الذي تسلّم قيادة مجلس الثورة بعد انقلاب 8 آذار 1963.
البداية
ولد نور الدين الأتاسي في مدينة حمص وهو سليل عائلة سياسية كبيرة ومعروفة. كان جده لأبيه فؤاد الأتاسي قاضياً معروفاً، تولّى تربيته بعد وفاة والدة الأتاسي وهو طفل. تلقى علومه الأولية في مدارس حمص ثم في جامعة دمشق حيث درس الطب وتخرج سنة 1952. انتسب الأتاسي في شبابه إلى حزب البعث وشارك في الحراك الشعبي ضد حكم أديب الشيشكلي، ما أدى إلى اعتقاله في سجن تدمر طيلة عام، ابتداء من تشرين الثاني 1952.
وبعد الخروج من المعتقل وسقوط الشيشكلي، عمل طبيباً جراحاً في المستشفى الوطني في حمص قبل أن يتطوع في حرب التحرير الجزائرية مع رفاقه البعثيين يوسف زعيّن وإبراهيم ماخوس. وفي سنوات الخدمة العسكرية الإلزامية، تطوع للقتال في مصر إبان العدوان الثلاثي سنة 1956. كان معجباً بالرئيس جمال عبد الناصر وقد أيّد الوحدة السورية المصرية عند قيامها سنة 1958 وعارض الانقلاب العسكري الذي أطاح بها يوم 28 أيلول 1961.
الأتاسي وزيراً 1963-1965
بعد أشهر من تسلّم حزب البعث مقاليد الحكم في سورية إثر انقلاب عسكري على جمهورية الانفصال، سمّي الدكتور نور الدين الأتاسي وزيراً للداخلية في حكومة صلاح البيطار الثالثة التي شُكلت 4 آب 1963 ثم في وزارة أمين الحافظ الأولى في 13 تشرين الأول 1963. في عهده صدر مرسوم عفو عن السياسيين القدامى المعتقلين منذ 8 آذار 1963، تزامناً مع الكشف عن شبكة تجسس تعمل لصالح المخابرات الألمانية في سورية. تولّى التحقيق مع أعضاء الشبكة بصفته وزيراً للداخلية ونائباً للحاكم العربي وأمر بإعدامهم. عُيّن بعدها نائباً لرئيس الحكومة السورية في وزارة الحافظ الثانية وعضواً في مجلس الرئاسة المؤلف من أمين الحافظ ومنصور الأطرش واللواء محمد عمران.
رئيساً للدولة (25 شباط 1966 – 16 تشرين الثاني 1970)
وقف نور الدين الأتاسي مع صلاح جديد عندما قرر الأخير التخلص من الرئيس أمين الحافظ والقادة المؤسسين للحزب ميشيل عفلق وصلاح البيطار يوم 23 شباط 1966. وبعد نجاح الانقلاب بأيام، سمّي الأتاسي رئيساً للدولة السورية في 1 آذار 1963، ولكن صلاحياته بقيت مقيدة جداً ومحدودة، وظلّت القوة الحقيقية في يد صلاح جديد، الذي اختار لنفسه منصب نائب الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي مع انتخاب الأتاسي أميناً عاماً للحزب بقيادتيه القومية والقطرية.
وقد كُلّف الدكتور يوسف زعيّن (رفيق النضال المشترك في حرب الجزائر) بتكشيل الحكومة الجديدة وعُيّن صديقهم القديم إبراهيم ماخوس وزيراً للخارجية. ومن هنا ولد ما عرف يومها بثلاثي الأطباء (الأتاسي – زعيّن – ماخوس) الذي حكم سورية حتى سنة 1970.
وفي أول خطاب له بعد توليه الحكم في الذكرى الثالثة لثورة آذار، شنّ الأتاسي هجوماً عنيفاً على السعودية ولبنان، واصفاً كلتا الدولتين العربيتين بالعمالة للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. ولكنه وبالمقابل، قام باستعادة العلاقات الدبلوماسية مع مصر (المقطوعة منذ سنة 1961). ولكن العلاقة بقيت متوترة جداً بينه وبين الملك حسين، الذي دعا الرئيس الأتاسي إلى إسقاطه، واصفاً عرش الأردن بأنه “عرش الخيانة.”
مؤامرة سليم حاطوم
أقصى العهد الجديد عدداً كبيراً من الضباط والسياسيين الدروز عن مناصبهم، وكان من بينهم وزير الدفاع السابق حمد عبيد، الذي أعتُقل. أزعج هذا الأمر الرائد سليم حاطوم، أحد منفذي انقلاب 23 شباط الذي كان يتوقع مكافأته على نجاح مهمته، إمّا بتعيينه وزيراً للدفاع أو للداخلية، ولكنّ صلاح جديد أبقاه في منصبه، مسؤولاً عن حماية مبنى الإذاعة والتلفزيون، مما لم يُرض طموحه السياسي والعسكري.
بدأ حاطوم بالتخطيط لانقلاب جديد ضد نور الدين الأتاسي وصلاح جديد، كان مقرراً في 3 أيلول 1966. ولكنّ ساعة الصفر أجلت إلى 8 أيلول، بعدما علم حاطوم بنية رئيس الدولة زيارة مدينة السويداء لتهدئة نفوس الدروز، وأنه سيكون برفقة صلاح جديد. دخل سليم حاطوم عليهما في مقر حزب البعث في السويداء، شاهراً سلاحه في وجه نور الدين الأتاسي، وقام باحتجازه. ولكنّ تدخلاً عسكرياً حصل من وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد، ما أجبر سليم حاطوم على الفرار إلى الأردن، تجنباً للاعتقال. عاد إلى سورية بعد هزيمة حرب حزيران، حيث اعتُقل وأُعدِم داخل زنزانته في سجن المزة يوم 26 حزيران 1967، بأمر من صلاح جديد ودون موافقة الرئيس نور الدين الأتاسي.
وبعد الإطاحة بسليم حاطوم، قام صلاح جديد بحملة تصفيات داخل الجيش السوري، طالت 400 ضابط وعسكري، كانت الأوسع في تاريخ البلاد منذ استقلالها عن الفرنسيين سنة 1946. وفي آب 1968، عُزِل رئيس الأركان اللواء أحمد سويداني من منصبه، الذي اتُّهم أيضاً بمحاولة الانقلاب على ثنائي نور الدين الأتاسي – وصلاح جديد. فرّ اللواء سويداني هارباً إلى العراق وعُيّن اللواء مصطفى طلاس رئيساً للأركان العامة بدلاً عنه، وهو المحسوب على وزير الدفاع حافظ الأسد.
حرب حزيران 1967
قبل وقوع حرب حزيران بأيام معدودة، توجه الأتاسي إلى موسكو لحشد دعم قادة الاتحاد السوفيتي، شاكياً تكرر الانتهاكات الإسرائيلية للأجواء السورية. عاد إلى دمشق في 1 حزيران 1967، قبل خمسة أيام من بدأ الحرب التي أدّت إلى احتلال هضبة الجولان مع شبه جزيرة سيناء والقدس الشرقية إضافة لكامل الضفة الغربية.
كان حدثاً مزلزلاً بالنسبة لسورية والعرب، وقد توجه الرئيس الأتاسي فور إعلان الهزيمة إلى نيويورك مع وزير الخارجية إبراهيم ماخوس لحضور جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 حزيران 1967، ليكون أول وآخر رئيس سوري يخطب في الأمم المتحدة ويزور الولايات المتحدة وهو في سدّة الحكم. وقد وعد باستمرار القتال لتحرير الأراضي السورية المحتلة ودعم جهود جمال عبد الناصر في حرب استنزاف.
وقد شهدت حكومة الأتاسي توقيع اتفاق سد الفرات مع الاتحاد السوفيتي، مع تأمين المدارس الخاصة والعديد من المنشآت الصناعية. وأنشئ عدد من المؤسسات الحكومية مثل الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) والمصرف العقاري ومحكمة أمن الدولة. وفي 18 حزيران 1966، أمر الرئيس الأتاسي بإعدام مواطنين سوريين بتهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، كان من بينهم أحد أقربائه، المهندس فرحان الأتاسي.
العزل والاعتقال
بعد هزيمة حزيران، ساد جو من التوتر الشديد بين نور الدين الأتاسي وصلاح جديد من جهة وبين وزير الدفاع حافظ الأسد ورئيس الأركان مصطفى طلاس، من جهة أخرى. وقد زاد من هذا التوتر دخول سورية في معارك أيلول الأسود وإرسال دبابات لمساندة منظمة التحرير الفلسطينية في حربها مع الملك حسين. كان الأسد قد قاد انقلاباً محدوداً على جديد والأتاسي في شباط 1969، عندما أنزل دباباته لتطويق مباني جريدتي الثورة والبعث، مع إقالة رؤساء تحريرهما المحسوبين على صلاح جديد. استقال الأتاسي من مناصبه الثلاث في الرئاسة والحكومة والحزب، داعياً لعقد مؤتمر استثنائي لحزب البعث في 30 تشرين الأول 1970. تحرك حافظ الأسد يوم 16 تشرين الثاني 1970، واعتقله مع صلاح جديد. نُقل الأتاسي إلى سجن المزة من دون محاكمة وعُيّن أحمد الخطيب رئيساً مؤقتاً للدولة ابتداء من 22 تشرين الثاني 1970، قبل تسلّم الأسد مقاليد الحكم بشكل مباشر في آذار 1971.
الوفاة
ظلّ نور الدين الأتاسي سجيناً في سجن المزة حتى سنة 1980، عند نقله إلى الإقامة الجبرية في حيّ القصور بدمشق. جرت معه مفاوضات لم يكتب لها النجاح، قام بها رئيس المخابرات الجوية اللواء محمد الخولي، أعيد بعدها إلى السجن. أطلق سراحه بسبب مرض عضال وسافر لتلقي العلاج في المستشفى الأميركي في باريس من 22 تشرين الثاني 1992 ولغاية وفاته عن عمر ناهز 62 عاماً يوم 3 كانون الأول 1992. وقد كرمته الجزائر بإطلاق اسمه على مستشفى في عاصمتها يوم 18 أيار 1993.
المناصب
وزيراً للداخلية (4 آب 1963 – 13 أيار 1964)
- سبقه في المنصب: أمين الحافظ
- خلفه في المنصب: عبد الكريم الجندي
نائباً لرئيس الحكومة السورية ( 3 تشرين الأول 1964 – 24 أيلول 1965)
- سبقه في المنصب: لا يوجد
- خلفه في المنصب: الدكتور إبراهيم ماخوس
رئيساً للحكومة السورية (29 تشرين الأول 1968 – 16 تشرين الثاني 1970)
- سبقه في المنصب: الدكتور يوسف زعيّن
- خلفه في المنصب: حافظ الأسد
أمين حزب البعث العربي الاشتراكي (آذار 1966 – 13 تشرين الثاني 1970)
- سبقه في المنصب: الدكتور منيف الرزاز
- خلفه في المنصب: حافظ الأسد
رئيس الدولة السورية (1 آذار 1966 – 13 تشرين الأول 1970)
- سبقه في المنصب: أمين الحافظ
- خلفه في المنصب: أحمد الخطيب