شهداء 6 أيار 1916، هم مجموعة من المثقفين العرب، من سياسيين وعسكريين وأدباء وصحفيين، أعدموا شنقاً في ساحات بيروت ودمشق في الساعة السادسة من صباح 6 أيار 1916 بأمر من جمال باشا، قائد الجيش الرابع في سورية. نُفّذ حكم الإعدام في ساحة المرجة بدمشق وفي ساحة البرج في بيروت، التي باتت تُعرف من يومها بساحة الشهداء.
يعتبر الكثير من المؤرخين المعاصرين أن إعدامات 6 أيار 1916 ساهمت في إطلاق الثورة العربية الكبرى بعد شهر واحد في 10 حزيران 1916. وبعد تحرير البلاد من الحكم العثماني عام 1918 اتخذ من هذا التاريخ يوماً وطنياً للشهداء في كل من سورية ولبنان، تعطل فيه المدارس والدوائر الحكومية.
البداية
بعد وصول جمال باشا إلى دمشق وتعيينه قائداً للجيش الرابع وقت الحرب العالمية الأولى، حصل صِدام بينه وبين المفكرين السوريين من دعاة القومية العربية. معظمهم كانوا قد استثمروا كثيراً في الحريات التي منحتها السلطات العثمانية بعد الانقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1908، يوم رُفعت الرقابة عن الصحف وصدرت عدة مطبوعات محلية تدعو إلى القومية العربية، مثل جريدة “نهر العاصي” التي أطلقها علي الأرمنازي في حماة وجريدة العصر الجديد التي حررها جرجي حداد، وصحيفة “لسان الحال” الأسبوعية التي كان يُشرف عليها الصحفي اللبناني سعيد عقل، ابن الدامور، وهي المعارضة في نهجها لسياسات جمعية الاتحاد والترقي.
دعت جمعية الاتحاد والترقي إلى انتخابات نيابية نهاية العام 1908، وفاز بالنيابة عن المدن العربية عدد من المفكرين والسياسيين العرب مثل الأديب رشدي الشمعة والسياسي شفيق مؤيد العظم والمحامي شكري العسلي وغيرهم. شكلوا كتلة نيابية صلبة ودخلوا مجلس المبعوثان معارضين لسياسة التتريك التي فرضها الاتحادييون، واعترضوا بشدة على قرار دخول الحرب العالمية الأولى إلى جانب روسيا القيصرية.
تحالف النواب العرب مع الجمعيات الأهلية التي ظهرت قُبيل الحرب العالمية الأولى، كالجمعية القحطانية وجمعية الإخاء والمنتدى الأدبي، وبعيداً عن أعين الدولة، عمل الكثير منهم مع الحمعية العربية الفتاة السريّة التي ظهرت في باريس سنة 1911، وكانت تنادي بنهوض الأمة العربية وتعزيز اللغة العربية داخل السلطنة العثمانية. وفي سنة 1913، شاركوا في المؤتمر العربي الأول المنعقد في باريس، الهادف إلى توسيع صلاحيات الأقضية العربية مع المحافظة على هويتها.
إعدامات 21 نيسان 1915
ثار جمال باشا ضد هذه النزعة القومية، التي تزامنت مع فشل حملته العسكرية لاستعادة مصر من الإنكليز، مع تزايد الكلام عن نية الحلفاء القيام بإنزال عسكري في الساحل السوري، تمهيداً لسلخه عن الدولة العثمانية ووضعه تحت حماية فرنسية. أمر الباشا أجهزته الأمنية بترصد النواب العرب واعتقال كل من تدور حوله أية شبهات. أول المعتقلين كان المحامي اللبناني عبد الكريم خليل، رئيس المنتدى الأدبي، بوشاية من الشيخ أسعد الشقيري، مفتي الجيش الرابع الذي قال لجمال باشا إنه كان يُحضر لعصيان مسلّح ضد الدولة في مدينتي صور وصيدا. وقيل إن عبد الكريم خليل كان المسؤول عن مضبطة باسم المفكرين العرب، رُفعت إلى الحكومة الفرنسية للمطالبة بتدخل أجني لحماية المعارضين من بطش الأجهزة الأمنية العثمانية.
أعتقل عبد الكريم خليل وأشرف جمال باشا شخصياً على التحقيق معه، قبل صدور حكم إعدام بحقه نُفذ في ساحة البرج في بيروت يوم 21 آب 1921. وأعدم معه يومها الأسماء التالية:
من دمشق
من بيروت
- نور الدين الحاج زين القاضي
- محمود نجا العجم
- محمد الحمصاني
- محمود المحمصاني
من بعلبك
- صالح حيدر
من نابلس
من حماة
كما حُكم بالإعدام على حافظ السعيد، مندوب يافا في مجلس المبعوثان، وعلى الشيخ سعيد الكرمي، مفتي قضاء طولكرم، ولكنّ حكمهم خفف إلى السجن المؤبد بسبب تقدمهم بالسن (مات الأول تحت التعذيب في سجون جمال باشا).
إعدامات 6 أيار 1916
في خريف العام 1915 اعتقل جمال باشا مجموعة ثانية من السياسيين والمفكرين العرب، بتهمة التخابر مع دول أجنبية لقلب نظام الحكم العثماني في سورية. ضمّت هذه القائمة نواباً معروفين في مجلس المبعوثان مع محامين وضباط، إضافة للشيخ عبد الحميد الزهراوي على الرغم من تعيينه قبل مدة عضواً في مجلس الأعيان، بحيث لا يجوز محاكمته أو إعدامه إلا بأمر من السلطان.
ضُربت أيديهم جميعاً وسيقوا مهانين للمثول أمام الديوان الحربي الذي شكّله جمال باشا في مدينة عاليه، برئاسة الضابط العثماني شكري بك. جاء في قرار الادعاء أن أسماءهم وردت في وثائق القنصلية الفرنسية في بيروت، وأنهم تقاضوا أموالاً من الحكومة الفرنسية لتنفيذ مخططهم السياسي في سورية. قبل تنفيذ الاعتقالات أمر جمال باشا بمداهمة جميع القنصليات التابعة لدول أجنبية معادية للسلطنة العثمانية، وقال إنه حصل على وثائق تُدين النواب العرب بالخيانة العظمى، مودعة داخل القنصلية الأميركية من قبل القنصل الفرنسي جورج بيكو.
بعض المعتقلين لم يطلهم قرار الإعدام، مثل الدكتور أحمد قدري، أحد مؤسسي الجمعية العربية الفتاة، ومعتمدها بدمشق شكري القوتلي. واستثني من الإعدام أيضاً كل من النائب المسيحي المعتقل فارس الخوري والضباط العرب عبد الحميد باشا القلطقجي وشكري باشا الأيوبي. وكان بعض المحكومين قد نجوا من الموت لوجودهم خارج البلاد، مثل جميل مردم بك، أحد مؤسسي العربية الفتاة، المقيم يومها في فرنسا.
جاء فؤاد بك، رئيس أركان جمال باشا، إلى مكتبه الكائن في فندق فكتوريا وأخبره أن المحكمة قد انتهت، وأن رئيس الديوان الحربي شكري بك قد سطّر أحكاماً بالإعدام بحق ثلاثة من الموقوفين فقط، أمّا بقية الموقوفين فقد تراوحت أحكامهم بين النفي والسجن المؤبد. رفض جمال باشا هذه النتائج وأوصى بضرورة إعدامهم جميعاً، فتضرع شكري بك وطلب إليه العفو عنهم قائلاً: “أرجوك يا باشا…فكّر في التاريخ.” رفض جمال باشا نصيحته، ومسك بقلمه وكتب حذاء كل اسم: “إعدام…إعدام…إعدام.” بناء عليه، نُصبت المشانق في الساحات العامة، وعلّق عليها 21 شخصية وطنية، نقلوا مخفورين من عاليه إلى بيروت بالعربات وإلى دمشق بالقطار. وكانت حصيلة الإعدامات على الشكل التالي:
شهداء دمشق في 6 أيار 1916
- الشيخ عبد الحميد الزهراوي (عضو مجلس الأعيان)
- شفيق مؤيد العظم (عضو سابق في مجلس المبعوثان)
- رشدي الشمعة (عضو سابق في مجلس المبعوثان)
- شكري العسلي (عضو سابق في مجلس المبعوثان)
- الشاعر رفيق سلّوم (نائب رئيس المنتدى الأدبي)
- الأمير عمر الجزائري (أصغر أبناء الأمير عبد القادر الجزائري)
- المحامي عبد الوهاب الإنكليزي
شهداء بيروت في 6 أيار 1916
- الأمير عارف الشهابي (أحد مؤسسي جمعية النهضة العربية)
- الأميرلاي أمين لطفي الحافظ من دمشق (أحد مؤسسي جمعية العهد)
- الأميرلاي سليم الجزائري من دمشق
- سيف الدين الخطيب من دمشق (أحد مؤسسي المنتدى الأدبي)
- محمود جلال البخاري من دمشق (أحد مؤسسي المنتدى الأدبي)
- عبد الغني العريسي (صاحب جريدة المُفيد)
- سعيد عقل (رئيس تحرير جريدة لسان العرب)
- جرجي حداد (رئيس تحرير جريدة العصر الجديد)
- الدكتور علي النشاشيبي من القدس (أحد مؤسسي الجمعية القحطانية)
- محمد الشنطي من يافا
- توفيق البساط من صيدا
- الشاعر عمر حمد
- الشيخ أحمد طبارة (إمام جامع النوفرة في بيروت ورئيس تحرير جريدة الاتحاد العثماني)
- الصحفي بيترو باولي، من التابعية اليونانية (مراسل مجلّة العروس وخطيب مؤسستها ماري عجمي)
قوائم الإعدام لم تُنشر في الصحف إلّا بعد تنفيذ الإعدامات، وفضّل جمال باشا مغادرة دمشق في 6 أيار لقضاء إجازة ربيعية في بساتين الغوطة. أرهبت إعدامات المرجة المجتمع السوري برمته وخلقت جو من الإرهاب والذعر بين صفوف المثقفين، الذين لقّبوا جمال باشا بالسفّاح من يومها.
زيّنو المرجة
أطلق أهالي دمشق أهزوجة “زيّنو المرجة” رداً عفوياً على إعدامات جمال باشا، ولكن هناك يعتقد أنها جاءت في مناسبة أخرى بعد عشر سنوات، يوم أُعدم المجاهد أحمد مريود وعرض جثمانه في ساحة المرجة سنة 1926. استشهد مريود وهو يحارب الفرنسيين في الثورة السورية الكبرى، وخرج الدمشقيون من بيوتهم لتحية جثمانه يوم وصل إلى مدينتهم قادماً من قريته في الجولان. رشّوا أرض المرجة بماء الزهر ووضعوا الأزهار عند أقدام أحمد مريود وهم يغنّون “زيّنو المرجة والمرجة لينا شامنا فرجة وهي مزينا.” النسخة المتداولة من الأغنية اليوم هي من تأليف الفنان دريد لحام، الذي أعاد إحياءها في سبعينيات القرن العشرين، ثم جاء الملحن اللبناني منصور الرحباني وطورها في مسرحية صيف 840، ليغنيها المطرب اللبناني غسان صليبا بعنوان زيّنوا الساحة.
عيد الشهداء في عهد الملك فيصل
بعد سقوط الحكم العثماني ودخول القوات العربية دمشق في 3 تشرين الأول 1918، كانت أول خطوة قام بها حاكم سورية الجديد الأمير فيصل بن الحسين الوقوف في ساحة المرجة لقراءة سورة الفاتحة على أرواح شهداء 6 أيار، وإعلان هذا اليوم عيداً وطنياً، تخليداً لأرواح من سقطوا على يد جمال باشا سنة 1916. مثلت إعدامات ساحة المرجة للمرة الأولى في مسرحية “جمال باشا السفّاح” سنة 1919، من تأليف معروف الأرناؤوط وبطولة الفنان عبد الوهاب أبو سعود، قبل أن تظهر على شاشة التلفزيون قي المسلسل السوري أخوة التراب سنة 1988، يوم أدى الفنان فائز أبو دان دور جمال باشا. وفي سنة 2023 خصص مشهد درامي طويل لأجلها في مسلسل سفربرلك للمخرج الليث حجو.