
حارة بندق، حارة دمشقية متفرعة عن شارع العابد، تعرف أيضاً ببستان بندق وزقاق بندق، نسبة للأسرة التي كانت تملك البستان المذكور.
حارة بندق، حارة دمشقية متفرعة عن شارع العابد، تعرف أيضاً ببستان بندق وزقاق بندق، نسبة للأسرة التي كانت تملك البستان المذكور.
جوزة الحدباء، زقاق دمشقي قديم في محلّة سوق ساروجا، يُنسب إلى شجرة جوز كانت فيه نهاية القرن التاسع عشر، وقد لُقّب بالحدباء لأن الزقاق كان مائلاً. ويقول الباحث بشير زهدي:
هناك ثلاثة احتمالات لهذه التسمية، إما لوجود شجرة جوز مائلة بذلك المكان، أو أن الاسم انتقل مع السكان الذين وفدوا إلى ساروجا من العراق، وبالذات من الموصل الحدباء أثناء الاحتلال العثماني، أو بسبب الموقع الأرض وهي محدبة في رأس الحارة، إن صح التعبير.
كان في هذا الموقع قديماً في العصر الفاطمي مسجداً، بناه الوزير المزردقاني، ولم يبق منه اليوم إلا كتاباته. ومن معالم زقاق جوزة الحدباء قديماً فندق الدماسكوس بالاس الذي دشن في نهايات القرن التاسع عشر وهُدم في نهاية خمسينيات القرن العشرين. وقد تحولت بيوت الحيّ اليوم إلى فنادق ومقاه شعبية.
جنينة النعنع، حديقة قديمة كان موضعها شرقي التكية السليمانية، شمال المستشفى الوطني وكانت تعرف ببستان النعنع وفيه “مقهى النعنع” على ضفة نهر بانياس الشرقية. أزيلت الحديقة وفي مكانها اليوم أقيم مركزاً لانطلاق الباصات السياحية.
جنينة المدفع، حديقة في منتصف شارع أبي رمانة، شيّدت في منتصف القرن العشرين، وفي طرفها كان مدفع شهر رمضان. لا يزال هذا الاسم دارجاً على الحديقة رغم زوال المدفع منذ سنة 2011، أم الاسم الرسمي للحديقة فهو “حديقة بني هانئ،” وفي مقابلها كان مكتب رئيس الحكومة خالد العظم، الذي تحول بعد مصادرته سنة 1963 إلى مقر لنائب رئيس الجمهورية.
السبكي، حديقة في منطقة الشعلان على امتداد شارع المهدي بن بركة، شيّدت في بداية خمسينيات القرن العشرين وسمّيت بالسبكي نسبة إلى بستان السبكي المجاور العائدة ملكيته لآل السبكي. مساحة الحديقة تبلغ 20 دونماً (20000 متر مربع) المساحة الخضراء فيها 14500 متر مربع. هناك من يقول إن الاسم جاء نسبة إلى الفقيه الشافعي الشيخ تقي الدين السبكي، الذي قضى سنوات من عمره في دمشق واتخذ لنفسه بستان، سمّي بداية بستان قاضي القضاة ثم ببستان السبكي. أطلق على الحديقة رسمياً اسم “حديقة زنوبيا،” غير أن اسم السبكي بقي هو السائد بين الناس، على الحديقة والحيّ بأكمله.
مديحة بنت ياسين الهاشمي، مدرسة عراقية عملت في بغداد ودمشق وتزوجت من الوجيه الدمشقي بهاء الدين البكري. نشطت في صفوف الاتحاد النسائي السوري مع عادلة بيهم الجزائري، وفي جمعية نقطة الحليب مع سيدة سورية الأولى زهراء يوسف العابد.
ولدت مديحة الهاشمي في بغداد وكان والدها ياسين باشا الهاشمي رئيس أركان الجيش السوري في عهد الملك فيصل الأول سنة 1920. عادت الأسرة إلى بغداد بعد خلع فيصل عن عرش سورية وتعيينه ملكاً على العراق سنة 1921 ودرست الهاشمي في جامعة بيروت الأمريكية. عملت مدرّسة في ثانويات بغداد لغاية نفي الأسرة مجدداً إلى دمشق إبان انقلاب عسكري الذي قاده الضابط بكر صدقي ضد أبيها يوم كان رئيساً للحكومة العراقية سنة 1936. نفي الهاشمي إلى دمشق وفيها توفي في 21 كانون الثاني 1937.
تزوجت مديحة الهاشمي من الوجيه بهاء الدين البكري، نجل عطا باشا البكري، أحد وجهاء سورية في زمن السلطان عبد الحميد الثاني. نشطت في الجمعيات النسائية السورية وكانت عضو مجلس إدارة في الاتحاد النسائي السوري في خمسينيات القرن العشرين.
حياة بنت بديع مؤيد العظم (1908-1978)، ناشطة سورية من دمشق، كانت عضواً في الهلال الأحمر السوري وتطوعت لإسعاف جرحى حرب فلسطين وكانت مسؤولة التمريض في جيش الإنقاذ سنة 1947.
ولدت حياة مؤيد العظم في إسطنبول يوم كان والدها بديع مؤيد العظم عضواً في مجلس المبعوثان. عاشت سنوات شبابها المبكر بين سورية ولبنان وتركيا، تأثرت بكمال أتاتورك والكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار. أرسلها والدها إلى مدرسة راهبات خاصة في لبنان ، وتزوجت بعدها من الوجيه تحسين العظم.
انتسبت إلى جمعية يقظة المرأة الشامية، التي كانت تديرها الرائدة الدمشقية نازك العابد. شاركتها في تأسيس فرقة النجمة الحمراء لمداواة جرحى الحرب العالمية الأولى من السوريين والعرب. عملت بعدها مع زهراء يوسف العابد في جمعية نقطة الحليب، وتطوعت في جيش الإنقاذ عند تأسيسه بقرار من جامعة الدول العربية، إبان صدور قرار تقسيم فلسطين عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1947. عملت مع فوزي القاوقجي – كما فعلت نازك العابد مع يوسف العظمة في معركة ميسلون – وحضرت معركة سمخ لإسعاف جرحاها، وساهمت في تأسيس مستشفى الهلال الأحمر في منطقة المزة بدمشق.
وفي خمسينيات القرن العشرين، تفرغت حياة مؤيد العظم لنادي السيارات السوري، الذي كانت قد شاركت في تأسيسه بعد اجتيازها رحلة بسيارتها البويك السوداء من سورية إلى فرنسا. وانتسبت إلى نادي السيارات في كل من فرنسا وأستراليا وإيطاليا وحققت رقماً قياسياً (25 ألف كيلومتر)، لتكون أول امرأة سورية تعبر القارات بسيارتها.
قضت حياة مؤيد العظم سنواتها الأخيرة بين بيروت ودمشق، وكانت مقربة من الحركة الوطنية الفلسطينية وياسر عرفات أثناء إقامته في لبنان. توفيت في بيروت عن عمر ناهز 70 عاماً سنة 1978.
جورج درزي (1917-1980)، مصور سوري من دمشق، انفرد بتصوير رؤساء الجمهورية وكل المناسبات الرسمية في سورية منذ نهاية الثلاثينيات ولغاية أواخر ستينيات القرن العشرين.
ولد جورج درزي بدمشق ودرس في مدرسة التجهيز الأرثوذكسية. سافر إلى روما لدراسة التصوير السينمائي من معهد لوتشي وعند عودته إلى دمشق عمل وكيلاً لمكتب رودولف سيزين للأخبار المصورة، الذي كان مقره مدينة فرانكفورت الألمانية. أصبح بعدها مراسلاً لوكالة تيلي نيوز الأميركية في نيويورك، قبل أن يترك العمل الصحفي ويفتح استديو خاص به في بوابة الصالحية بدمشق، بجوار سينما أمبير.
نال شهرة كبيرة في ثلاثينيات القرن العشرين، يوم تكليفه بتصوير نشاطات رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي، وبعد استقالة الأخيرة سنة 1939، بقي جورج درزي يعمل مع الرئاسة السورية ومع رئاسة مجلس الوزراء. عُيّن مصوراً خاصاً للرئيس شكري القوتلي سنة 1943 ومجدداً بعد عودته إلى الحكم عام 1955، كما كان المصور السوري الأول للرئيس جمال عبد الناصر في سنوات الوحدة مع مصر (1958-1961). تعاقدت معه كبرى الصحف العربية لتزويدها بصور من دمشق، وفي مقدمتها جريدتي الحياة والنهار في لبنان وصحيفة الأهرام المصرية. كانت صور الرؤساء تُعرض في واجهة محل جورج درزي في بوابة الصالحية، ومنها كان أهالي دمشق يتتبعون أخبار السياسة والانقلابات العسكرية في سورية.
توفي جورج درزي سنة 1980 وتبرعت أسرته بعد وفاته بكامل أرشيفه المصور لصالح متحف دمشق الوطني.
أسماء بنت جبرائيل عيد (توفيت سنة 1969)، سيدة فلسطينية من عكا، شاركت في تأسيس منظمة الهلال الأحمر السوري والنادي الأدبي النسائي وجمعية نقطة الحليب، وهي حرم رئيس الوزراء فارس الخوري، الذي شغل رئاسة الحكومة السورية ورئاسة مجلس النواب من ثلاثينيات إلى خمسينيات القرن العشرين وكان أحد الآباء المؤسسين للدولة السورية الحديثة.
ولدت أسماء عيد في مدينة عكا الفلسطينية ودرست في مدارس رام الله. جاءت إلى دمشق قبيل الحرب العالمية الأولى وتعرفت على المحامي الشاب فارس الخوري، النائب في مجلس المبعوثان، وتزوجته يوم 9 آب 1909.
استقرت عيد بدمشق وفي سنة 1919 وبعد سقوط الحكم العثماني في سورية، عيّن زوجها وزيراً للمالية في حكومة الملك فيصل الأول وعملت على تأسيس النادي الأدبي النسائي مع ماري عجمي وشاركت نازك العابد في تأسيس جمعية نور الفيحاء ومجلة نور الفيحاء وجمعية النجمة الحمراء المعنية بجرحى الحرب. انتسبت سنة 1922 إلى جمعية نقطة الحليب، التي كان هدفها تأمين الحليب الطازج للعائلات السورية المحتاجة، انتُخبت رئيساً فخرياً لمدرسة دوحة الأدب وشاركت في إغاثة العائلات المنكوبة أثناء العدوان الفرنسي على مدينة دمشق في 29 أيار 1945، وفي استقبال ومساعدة اللاجئين الفلسطينيين بعد نكبة عام 1948، يوم كان زوجها مندوباً دائماً لسورية في الأمم المتحدة ورئيساً لمجلس الوزراء.
رزقت أسماء عيد بولد واحد، هو السياسي سهيل فارس الخوري (والد الأديبة كوليت خوري)، أحد مؤسسي الحزب الوطني في مرحلة الاستقلال.
وقد كتب فارس الخوري شعراً في زوجته، جاء فيه:
لله دَرّكِ ما أحلى مزاياكِ
وما أعزّكِ في قلبي وأسمالكِ
كريمة الأصلِ والأعراق مُترعةٌ
بالنُبل…حيّا الذي بالفضل ربّاك
توفيت أسماء عيد بدمشق سنة 1969، بعد سبع سنوات من وفاة فارس الخوري.
الكتلة الوطنية، تنظيم سياسي عمل ضد الانتداب الفرنسي في سورية من 25 تشرين الأول 1927 ولغاية جلاء القوات الفرنسية في 17 نيسان 1946. ولدت في أعقاب الثورة السورية الكبرى وكان هدفها المعلن تحقيق الاستقلال التام وغير المشروط عبر النضال السياسي لا العسكري. نشطت داخل المدن السورية الرئيسية وبين العائلات السورية الكبرى، وخاض أعضاؤها عدة معارك سياسية، كان أولها معركة دستور عام 1928، تلاها الإضراب الستيني ومفاوضات باريس التي أدّت إلى توقيع معاهدة عام 1936.
وصلت الكتلة الوطنية إلى الحكم عبر انتخابات عامة أجريت في سورية نهاية عام 1936، وانتُخب زعيمها المؤسس هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية، مع تعيين أحد أعضاء مكتبها الدائم جميل مردم بك رئيساً للحكومة وانتخاب عميدها فارس الخوري رئيساً لمجلس النواب. استمر العهد الوطني من كانون الأول 1936 ولغاية تموز 1939، ولكنه انهار مع استقالة الأتاسي من منصبه اعتراضاً على سلخ منطقة لواء إسكندرون عن سورية ورفض البرلمان الفرنسي التصديق على معاهدة عام 1936.
انتقلت الكتلة يومها إلى صفوف المعارضة، قبل أن تعود إلى الحكم في الانتخابات التي أوصلت شكري القوتلي إلى الرئاسة سنة 1943. خاض القوتلي، بالتعاون مع رفاقه في الكتلة، المرحلة الأخيرة من مفاوضات الاستقلال وفي عهد تحقق الجلاء يوم 17 نيسان 1946. تحولت بعدها الكتلة الوطنية إلى حزب سياسي أشهر سنة 1947 باسم الحزب الوطني، ظل يعمل لغاية صدور قرار بحلّه سنة 1963.
في شهر تشرين الأول من العام 1926، عُيّن هنري بونسو مفوضاً سامياً للجمهورية الفرنسية في سورية في أعقاب الثورة السورية الكبرى المشتعلة منذ صيف العام 1925. وصل بونسو إلى دمشق بعد عام واحد من قصف الفرنسيين للعاصمة دمشق وإحراق عدد من أحيائها التاريخية وأسواقها التجارية. اجتمع مع وفد من الحركة الوطنية، برئاسة رئيس الحكومة الأسبق هاشم الأتاسي، وسمع منهم مطالب عدة، منها وقف العدوان وإصدار عفو عام عن كل المعتقلين والمبعدين، مع المطالبة بتعويض عائلات المنكوبين وانضمام سورية في عصبة الأمم. وطلب الأتاسي إلى بونسو وضع دستور جديد للبلاد أسوة بالدستور اللبناني الذي أقر في أيار 1926.
حمل بونسو هذه المطالب إلى باريس، ولكن حكومة بلاده رفضتها وقالت إن إصلاح الأوضاع في سورية مقترن بإنهاء الثورة السورية الكبرى وسحق الثوار أو استسلامهم. رداً على هذا الجواب، دعا هاشم الأتاسي إلى اجتماع في بيروت يوم 25 تشرين الأول 1927، صدر عنه بيان مطول أكد فيه على وحدة الأراضي السورية والمطالبة باستقلال سورية التام وغير المشروط. عُدّ بيان الأتاسي بمنزلة ورقة أولية للكتلة الوطنية وصادق عليها المجتمعين في مؤتمر بيروت واعتبروا الآباء المؤسسين للكتلة الوطنية وهم:
قررت الكتلة الوطنية يومها اتباع سياسي “التعاون المشرف” مع فرنسا، والدخول في عملية سياسية طويلة المدى، تؤدي في نهايتها إلى نيل الاستقلال، وصدر عنهم البيان التالي:
نحن نؤمن بضرورة التعاون القائم على مبدأ المصالح المشتركة وإرادة قيام كل طرف بواجباته. نحن لسنا بأي حال من الأحوال أعداء لفرنسا…إن الشعب السوري مستعد بشكل مطلق لمدّ يد الصداقة إلى فرنسا ونسيان الماضي المؤلم عندما يتم حصوله على سيادته الوطنية وعلى تطلعاته المشروعة.
توسعت قاعدة الكتلة الوطنية في آذار 1928، بعد صدور عفو عام عن بعض السياسيين في مطلع عهد رئيس الحكومة تاج الدين الحسني. وانضم إلى الكتلة الوطنية يومها كل من:
كل واحد من هؤلاء جاء من خلفية اجتماعية ومهنية، وضعها تحت تصرف الكتلة الوطنية. الأخوين فارس وفائز الخوري مثلاً، ومعهم فوزي الغزي كانوا أستاذة في الجامعة السورية، ولهم نفوذ كبير في كلية الحقوق، وكان لطفي الحفار نائباً لرئيس غرفة تجارة دمشق وله تأثير كبير في الأوساط الاقتصادية. أما حسني البرازي وجميل مردم بك فكانا من الملاكين القدامى في حماة وغوطة دمشق. في كتابه عن مرحلة الانتداب الفرنسي في سورية، الصادر عن جامعة برنستون سنة 1987، يقول المؤرخ الأمريكي – اللبناني فيليب خوري إن %90 من أعضاء الكتلة الوطنية كانوا من المسلمين السنّة، جميعهم من أبناء المدن الكبرى وليس منهم أي ممثل لا عن الأرياف أو الأقليات باستثناء فريد زين الدين (الدرزي) ومهدي مرتضى (الشيعي)، وهو من وجهاء حيّ الأمين.
يُضيف فيليب خوري بأن %50 من أعضاء الكتلة الوطنية كانوا دمشقيين، يليهم %30 من حلب و%20 موزعين بالتساوي بين مدينتي حمص وحماة. ثلث أعضاء الكتلة كانوا من العائلات الإقطاعية الكبرى، و%90 منهم كانوا جامعيين خريجي دمشق وإسطنبول أو جامعة بيروت الأمريكية. ومن هذه المجموعة، يوضح فيليب خوري أن %20 كانوا يحملون شهادات عليا من جامعات أوروبية، ثلثها في القانون الدولي.
اعتمدت الكتلة الوطنية على تمويل شهري من التجّار والصناعيين لتمويل مشاريعها، مثل توفيق قباني في دمشق والحاج سامي صائم الدهر في حلب. وأسست عدة مشاريع اقتصادية لتأمين مورد دخل ثابت، مثل معمل الإسمنت في منطقة دمّر، الذي أنشأه فارس الخوري سنة 1932، ومعمل الكونسروة في ريف دمشق الذي أقامه شكري القوتلي عام 1934. اشترت الكتلة أسهماً في هذه المشاريع وكانت عائداتها تُستخدم لتمويل الإضرابات وإعانة عائلات الشهداء والموقوفين وتأسيس صحيفة الأيام الناطقة باسم الكتلة الوطنية.
بعد نجاح الذراع الإعلامي عبر جريدة الأيام، قام فخري البارودي بإنشاء ذراع شبابي لكتلة، سمّي بالشباب الوطني، والذي انبثق عنه تنظيم شبه عسكري باسم “القمصان الحديدية،” هدفه حماية الأحياء من الجنود السنغال التابعين لجيش الشرق الفرنسي. وفي ظلّ غياب جيش وطني للسوريين بعد تحطيم الجيش السوري وإلغائه منذ سنة 1920 انضم إلى القمصان الحديدة مئات الشباب، ومنهم أحمد السمّان الذي أصبح رئيساً للجامعة السورية في زمن الوحدة مع مصر، والصحفي منير الريّس، مؤسس جريدة بردى، ومعهم الدكتور منير العجلاني، أستاذ القانون في الجامعة السورية العائد حديثاً من دراسته في جامعة السوربون، والذي وضع شعار: “الدين لله والطاعة للكتلة الوطنية.”
أول تجربة عملية للكتلة الوطنية كانت في الانتخابات النيابية التي جرت في نيسان 1928، والتي أسفرت عن انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جمهوري للبلاد، بدلاً من الدستور الملكي الذي أسقط مع سقوط حكم الملك فيصل سنة 1920. تحالفت الكتلة الوطنية يومها مع خصمها رئيس الحكومة الشيخ تاج الدين الحسني، المحسوب على الفرنسيين، ودخلت معه في تحالف انتخابي وقوائم مشتركة بدمشق، ولكن سرعان من انهار التفاهم بينهم بسبب تدخلات عناصر الشرطة في العملية الانتخابية، لصالح القوائم المحسوبة على الحكومة حصراً. أعلنت الكتلة أنها أنهت التفاهم الهش مع الشيخ تاج وخاضت الانتخابات بمفردها وفازت بعشرين مقعداً من مقاعد الجمعية التأسيسية.
ذهبت رئاسة الجمعية إلى هاشم الأتاسي وكلف أساتذة القانون فوزي الغزي وفائز الخوري بكتابة مواد الدستور. وفي مدة زمنية لم تتجاوز الأسبوعين، تمكنوا من صياغة دستور كامل للدولة السورية، مستلهم من دساتير كبرى الدول الأوروبية العصرية، لم يرد فيه أي ذكر لنظام الانتداب الفرنسي. وأصر الأتاسي ورفاقه على عدم الاعتراف بالحدود المصطنعة المفروضة على سورية واعتبار حدودها الطبيعية نقطة انطلاق دستورهم الجديد. وأعطت مسودة الدستور – المؤلف من 115 مادة – رئيس الجمهورية السورية المنتخب بدلاً من المفوض السامي الفرنسي، حق إعلان الحرب وإبرام الاتفاقيات الدولية.
اعترضت المفوضية الفرنسية العليا في بيروت على مسودة الدستور وطلبت من هاشم الأتاسي شطب المواد الإشكالية منه وإضافة المادة رقم 116، وفيها اعتراف صريح وواضح بشرعية الانتداب الفرنسي. ولكن الأتاسي رفض قبول هذه المادة وعرض مسودة الدستور على الجمعية التأسيسية لإقرارها بالإجماع يوم 11 آب 1928. غضبت فرنسا من هذا التحدي وأصدرت قراراً بحلّ الجمعية التأسيسية وتعطيل الدستور إلى أجل غير مسمّى. وفي 14 أيار 1930 عادت باريس وأقرت الدستور، بعد شطب المواد الإشكالية منه وإضافة المادة 116 (مادة الانتداب الفرنسي) دون العودة إلى الأتاسي وبقية أعضاء الجمعية التأسيسية.
في 3-4 تشرين الثاني 1932، دعا هاشم الأتاسي زملائه إلى مؤتمر عام في مدينة حمص، أنتُخب فيه رئيساً مدى الحياة للكتلة الوطنية. وشكل يومها مجلساً دائماً للكتلة مؤلفاً من:
وانتخب كلٌ من شكري القوتلي وجميل مردم بك أعضاء في المكتب الدائم، وقدم لهم التاجر أمين دياب منزلاً كبيراً في محلّة القنوات ليكون مقراً دائماً للكتلة. وبجواره أقام فخري البارودي مركزاً للدراسات تابع الكتلة، سمّي بمكتب البارودي للدعاية والأنباء، وكان يهدف إلى رصد المقالات المتعلقة بسورية في الصحف العالمية ووضع مجموعة من الدراسات السياسية والاقتصادية لرفعها إلى أعضاء المكتب الدائم.
شاركت الكتلة الوطنية في الانتخابات النيابية في كانون الأول 1931 – كانون الثاني 1932 وتعرضت يومها إلى خسارة فادحة بسبب هزيمة قائمتها في حلب التي كان يترأسها إبراهيم هنانو. اعترض زعماء الكتلة على نتائج الانتخابات وقالوا إن هنانو ورفاه تعرضوا لتزوير ممنهج في حلب، ولكنهم قبلوها في بقية المدن وفاز رفاقهم بسبعة عشرة مقعداً من مقاعد المجلس النيابي. افتتح البرلمان الجديد في 7 حزيران 1932، وترشح هاشم الأتاسي لرئاسته ضد نائب أنطاكية ورئيس الدولة الأسبق صبحي بركات وحاكم دولة دمشق السابق حقي العظم. ونظراً لانعدام تمثيل الكتلة في حلب وبقية مدن الشمال، فاز بركات على الأتاسي والعظم بفارق أحد عشر صوتاً وسمّي رئيساً للمجلس.
تكررت المنافسة بين الأتاسي وبركات على منصب رئيس الجمهورية، ولكن الكتلة الوطنية قررت سحب ترشيحه في اللحظة الأخيرة وإعطاء أصواتها كافة إلى المرشح المستقل محمد علي العابد، لكيلا تكون الرئاسة الأولى من حصة الفرنسيين. انتخب العابد رئيساً للجمهورية في 11 حزيران 1932 وفاجأ الكتلة بدعوة خصمهم حقي العظم لتشكيل الحكومة. اعترضت قيادة الكتلة على هذا التكليف، ولكن شرخاً حصل يومها في صفوفها، عند قبول اثنين من أعضائها المشاركة في حكومة العظم، وهما مظهر رسلان، الذي عيّن وزيراً للعدل والمعارف، وجميل مردم بك الذي سمّي وزيراً للمالية والزراعة. ولكنهما أجبرا على الاستقالة في نيسان 1933، تحت ضغط من إبراهيم هنانو، الذي هددهم بالفصل من الكتلة الوطنية في حال بقائهم في حكومة محسوبة على الفرنسيين.
في 21 تشرين الثاني 1935، توفي هنانو وخرجت له جنازة مهيبة في حلب، تقدمها زملاءه في الكتلة الوطنية رافعين شعارات مناهضة للانتداب. وقعت صدامات دامية أثناء التشيع، بين جنود السنغال وشباب الكتلة الوطنية، سقط أثرها عدداً من الجرحى والقتلى. وفي اليوم التالي خرجت لهم جنازات كبيرة جداً تخللها موجة عنف جديدة وحملة اعتقالات، بعد اقتحام السلطات الفرنسي منزل هنانو، الذي كانت الكتلة قد أعلنته بيتاً للأمة” على غرار بيت الزعيم المصري سعد زغلول في القاهرة. صادرت فرنسا كل ما في منزل هنانو من وثائق وأوراق، وأمرت باعتقال سعد الله الجابري، خليفته في مكتب الكتلة بحلب. استمرت المواجهات الدامية حتى 20 كانون الثاني 1936، عندما أمرت سلطة الانتداب باعتقال نائب دمشق فخري البارودي، المتهم الأول بكل المظاهرات منذ وفاة هنانو قبل شهرين.
فجر اعتقال البارودي موجة من الغضب في دمشق وغيرها من المدن، استغلته الكتلة الوطنية وأعلنت، يوم 27 كانون الثاني 1936، بدأ إضراباً عاماً ومفتوحاً، استمر ستون يوماً وأطلق عليه اسم الإضراب الستيني. انتشر الإضراب سريعاً من دمشق إلى حلب والمدن السورية كافة، لم تفتح خلاله سوى الأفران لتأمين حاجات الناس. وفي 4 شباط 1936 وصل الإضراب إلى حماة وبعدها بستة أيام إلى مدينة دير الزور وريفها. وفي الجامع الأموي بدمشق وقف عشرين ألف مصل مع زعماء الكتلة الوطنية، مطالبين بإنهاء الانتداب الفرنسي واستقالة رئيس الجمهورية محمد علي العابد ورئيس حكومته تاج الدين الحسني، الذي خلف حقي العظم في السراي الكبير. وعندنا توجه العابد ومعه الشيخ تاج إلى حلب قام شباب الكتلة بمنعهم من دخول الجامع الكبير ورشقوهم بالبيض الفاسد.
جاء الرد الفرنسي هذه المرة بإغلاق مكاتب الكتلة الوطنية ووضع شكري القوتلي ونسيب البكري ولطفي الحفار قيد الإقامة الجبرية في منازلهم. وبعدها بأيام اعتقال جميل مردم بك ونُفي إلى بلدة أعزاز على الحدود السورية التركية، ونفي رياض الصلح – حليف الكتلة الوطنية في لبنان – إلى مدينة القامشلي. وقامت سلطة الانتداب بطرد فائز الخوري من عمادة كلية الحقوق في الجامعة السورية وفصل شقيقه فارس الخوري من التدريس.
نجح الإضراب الستيني بإحراج فرنسا في المحافل الدولية وتسبب بأضرار اقتصادية فادحة للمؤسسات الفرنسية العاملة في سورية. وفي نهاية المطاف رضخت حكومة باريس لمطالب الكتلة الوطنية ونحّت الشيخ تاج عن رئاسة الحكومة، تلبية لمطلب هاشم الأتاسي الذي سمّي السياسي المستقل عطا الأيوبي خلفاً له، وهو حليف الكتلة الوطنية. فور تشكيل حكومته توجه الأيوبي إلى بيروت لمفاوضة الفرنسيين، برفقة هاشم الأتاسي، واتفق الطرفان على إنهاء الإضراب مقابل إطلاق سراح كل الموقوفين، وفي مقدمتهم فخري البارودي، وسفر وفد من الكتلة الوطنية إلى باريس للتفاوض على مستقبل سورية.
قامت الكتلة الوطنية بوضع شريط أخضر على مدخل سوق الحميدية، أشهر أسواق دمشق، وطلبت إلى هاشم الأتاسي قصه والإعلان رسمياً عن انتهاء الإضراب الستيني. كانت رسالتهم واضحة، بأن زعماء الكتلة هم من أغلق الأسواق ووحدهم قادرين على فتحها. شكّل وفد الكتلة الوطنية المفاوض برئاسة الأتاسي وعضوية كل من فارس الخوري وسعد الله الجابري وجميل مردم بك، يعاونهم ثلاثة أعضاء دائمين وهم نعيم أنطاكي (مشاوراً قانونياً) وأحمد اللحام (مستشاراً عسكرياً) ورياض الصلح (مستشاراً سياسياً). وعند سفر الوفد إلى فرنسا عُيّن شكري القوتلي رئيساً بالوكالة للكتلة الوطنية، نيابة عن هاشم الأتاسي.
مكث الوفد السوري في فرنسا من آذار ولغاية شهر أيلول من العام 1936، وكانت مفاوضاته بداية مع حكومة إدوارد دالادير وعند استقالتها، مع حكومة الرئيس ليون بلوم. توصل الأتاسي إلى معاهدة وقّعت في مبنى وزارة الخارجية الفرنسية يوم 9 أيلول 1936، نصّت على منح سورية استقلالاً مشروطاً تدريجياً، يبدأ بتوسيع صلاحيات الحكومة والبرلمان وضم مناطق جبل العلويين وجبل الدروز إلى الدولة السورية. ووافقت فرنسا على إنشاء وزارة للدفاع في سورية واستعادة وزارة الخارجية المنحلة منذ سنة 1920، مقابل سلسلة من الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية والثقافية. وافق وفد الكتلة على تعيين مستشارين فرنسيين دائمين في كل مفاصل الدولة السورية، مع إعطاء فرنسا حق الانتفاع من الأراضي السورية والمطارات العسكري والمدنية في حال نشوب حرب جديدة في أوروبا، ومنحِها حق تدريب وتسليح الجيش السوري عند إنشائه بعد انتهاء الانتداب.
عاد وفد الكتلة الوطنية إلى سورية رافعاً شعار النصر واستقبل استقبالاً جماهيرياً حاشداً، نظمه عبد الرحمن كيالي في حلب، وفي دمشق، أشرف عليه شكري القوتلي وفخري البارودي. استقال الرئيس محمد علي العابد من منصبه، فاتحاً المجال أمام إجراء انتخابات نيابية ورئاسية في كانون الأول 1936، فازت بها الكتلة الوطنية بغالبية مقاعد المجلس النيابي. انتُخب فارس الخوري رئيساً للبرلمان وفي 21 كانون الأول 1936، فاز هاشم الأتاسي في انتخابات رئاسة الجمهورية، دون أي اعتراض أو منافسة. وكُلّف جميل مردم بك بتشكيل حكومة الكتلة الوطنية الأولى، التي جاءت على الشكل التالي:
افتتحت الحكومة المردمية أعمالها بإرسال معاهدة عام 1936 إلى المجلس النيابي، حيث أقرت بالإجماع. ولكن البرلمان الفرنسي رفض المصادقة عليها بالمثل، خوفاً من تراجع نفوذ فرنسا في الشرق الأوسط، ما أجبر مردم بك على العودة إلى باريس للتوقيع على عدة ملاحق للعاهدة، أضيف فيها بند عن مستقبل اللغة الفرنسية في المناهج السورية الحكومية، وضمانات للأقليات الدينية والعرقية، سورية، وحق الفرنسيين في التنقيب عن النفط في المنطقة الشرقية. ولكن كل ذلك لم ينجح في إقناع المشرعين الفرنسيين في تعديل موقفهم وبقيت معاهدة عام 1936 حبراً على ورق، في إحراج شديد لقادة سورية الجدد.
تعرض عهد الكتلة الوطنية إلى عدة تحديات داخلية، منها ثورة انفصالية في منطقة الجزيرة، أدّت إلى اختطاف المحافظ توفيق شامية، وهو من قادة الصف الأول في الكتلة الوطنية، وهروب محافظ اللاذقية خوفاً من مصير مشابه. وفي داخل السلطة، استقال شكري القوتلي من الحكومة المردمية احتجاجاً على توقيع رئيسها على تجديد اتفاقية النقد مع فرنسا – دون الأخذ برأيه بصفته وزيراً للمالية – مستغلاً سفره إلى الحجاز لأداء مناسك العمرة.
وكان التحدي الأكبر كان في عودة زعيم المعارضة عبد الرحمن الشهبندر من منفاه في مصر يوم 14 أيار 1937. هاجم معاهدة عام 1936 بشدّة، وصرح بأنها أعطت فرنسا الكثير ولم تأخذ بالمقابل وعد صريح بالاستقلال. اتهم الشهبندر قادة الكتلة الوطنية بالتفريط بحقوق السوريين، ورد وزير الداخلية سعد الله الجابري بوضعه قيد الإقامة الجبرية في منزله الصيفي في بلودان ومنعه من تأسيس حزب سياسي. وعندما اشتدت معارضة الشهبندر للعهد، أمر الجابري باعتقال عدد كبير من أنصاره، ومنهم الصحفي نصوح بابيل والدكتور منير العجلاني وزكي الخطيب (المنشقّين عن الكتلة) بتهمة عقد اجتماع سياسي غير مرخص في حيّ الميدان.
وجاءت الطامة الكبرى في سلخ منطقة لواء إسكندرون التدريجي عن سورية وضمها إلى أراضي الجمهورية التركية سنة 1939. اتُهم جميل مردم بك بالتقصير في حماية اللواء من مطامع تركيا، ووصلت اتهامات الشهبندر له إلى درجة القول بأنه “باع اللواء” إلى تركيا بعد اجتماعه بالرئيس كمال أتاتورك في أنقرة. اتخذ الشهبندر من قضية لواء إسكندرون ذريعة لفتح النار على مردم بك ورفاقه، مطالباً باستقالتهم الجماعية ومحاكمتهم أمام القضاء، ولكنه لم يمس هاشم الأتاسي في حملته وعده رمزاً وطنياً تعلو مكانته كل اعتبار.
نتيجة كل هذه الضغوطات، استقال جميل مردم بك من منصبه وخلفه لطفي الحفار في رئاسة الحكومة يوم 23 شباط 1939، وهو أيضاً من قادة الكتلة الوطنية. ألف الحفار محكومة مصغرة، ذهبت كل حقائبها لقادة الكتلة الوطنية، باستثناء سليم جنبرت، الذي سمّي وزيراً للاقتصاد الوطني. وجاءت حكومة الكتلة الثالثة، بعد الحكومات المردمية الأولى والثانية، على الشكل التالي:
فشلت حكومة الحفار في تحقيق أي اختراق فيما يتعلق بمعاهدة عام 1936 وأجبرت على الاستقالة بعد أربعين يوم من تأليفها. ذهبت رئاسة الوزارة من بعدها إلى الضابط المتقاعد والمستقل نصوحي البخاري، الذي لم يسمّي أي من أعضاء الكتلة وزراء في حكومته. فضّل التعامل مع شخصيات مستقلة مثله، وجاء بخالد العظم إلى وزارة الخارجية وعيّن حسن الحكيم – المحسوب على المعارضة الشهبندرية – وزيراً للمالية. وعندما فشلت هذه الحكومة في تعطيل المراحل الأخيرة من سلخ اللواء عن سورية ولم تحقق أي منجز في موضوع المعاهدة، استقال البخاري من منصبه وتبعه هاشم الأتاسي من رئاسة الجمهورية يوم 8 تموز 1939، منهياً عهد الكتلة الوطنية الأول.
غابت الكتلة الوطنية عن أي منصب في سنوات الحرب العالمية الثانية، وعطلت فرنسا الدستور وأمرت بحل المجلس النيابي. لاحقت حكومة المديرين، برئاسة بهيج الخطيب، رئيس الوزراء الأسبق جميل مردم بك بتهم سياسية ومالية، ما أجبره على الهرب إلى بيروت، وأغلقت مكتب فخري البارودي وألقت القبض على عدد من أنصار الكتلة الوطنية بتهمة التعاطف مع أدولف هتلر، منهم عادل العظمة والحاج أديب خير.
وفي 6 تموز 1940، اغتيل عبد الرحمن الشهبندر في عيادته الطبية بدمشق، ووجهت أصابع الاتهام فوراً إلى قادة الكتلة الوطنية بسبب الخصومة التاريخية بينهما. صدرت مذكرات اعتقال بحق جميل مردم بك ولطفي الحفار وسعد الله الجابري وهرب ثلاثتهم إلى العراق، وشكلت الكتلة الوطنية فريقاً من المحامين اللبنانيين للدفاع عنهم، مؤلف من إميل لحود وحبيب أبو شهلا. وبعد محاكمة غيابية في قاعة المجلس النيابي، سقطت عنهم كل التهم وتبين أن الجناة قتلوا الشهبندر بإيعاز من المخابرات الفرنسية، بعد تزايد الكلام عن قربه من بريطانيا، وأرادت فرنسا من خلال الساق التهمة بقادة الكتلة الوطنية التخلص منه ومن جميل مردم بك معاً.
عاد قادة الكتلة إلى سورية ولكنهم غابوا عن أي نشاط سياسي ولم يشاركوا في حكومة خالد العظم الأولى في نيسان 1941، التي شهدت دخول الجيش البريطاني إلى سورية، برفقة قوات فرنسا الحرة، لمحاربة وطرد القوات الفيشية الموالية لهتلر. جاء بعدها الجنرال شارل ديغول إلى دمشق ووعد السوريين بتحقيق مطلب الاستقلال، شرط بقاء الجيش الفرنسي في بلادهم حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. اجتمع ديغول بهاشم الأتاسي في بلدة شتورا اللبنانية وعرض عليه العودة إلى الحكم ولكنه رفض، نظراً لإصرار الفرنسيين على عدم تطبيق معاهدة عام 1936. ذهبت رئاسة الجمهورية يومها إلى تاج الدين الحسني، الخصم التاريخي للكتلة الوطنية، ولكنهم قبلوا المشاركة معه في الحكم كممثلين عن المعارضة، ودخل فائز الخوري في حكومة حسن الحكيم يوم 20 أيلول 1941، وزيراً للخارجية.
توفي الشيخ تاج وهو في سدة الرئاسة يوم 17 كانون الثاني 1943 وأجريت بعدها بأشهر انتخابات رئاسية ونيابية مبكرة، خاصتها الكتلة الوطنية بكامل ثقلها السياسي. ترشح شكري القوتلي في هذه الانتخابات بعد حصوله على مباركة من هاشم الأتاسي، وفاز بالرئاسة الأولى. وفور وتسلّمه مهامه الدستورية في 17 آب 1943، عاد معه جميع قادة الكتلة الوطنية إلى المشهد وشكلت أول حكومة في عهده برئاسة سعد الله الجابري وانتخب فارس الخوري مجدداً رئيساً لمجلس النواب.
ذهبت جميع حقائب حكومة الجابري إلى قادة الكتلة الوطنية، ومنها الخارجية (جميل مردم بك)، والداخلية (لطفي الحفار)، العدلية (عبد الرحمن كيالي)، الأشغال العامة والتموين (مظهر رسلان)، التجارة والزراعة (توفيق شامية). وفي تشرين الأول 1944، شاركت الكتلة الوطنية، ممثلة بالجابري ومردم بك في اجتماع تأسيس جامعة الدول العربية في الإسكندرية، بدعوة من الملك فاروق، وبعدها بأيام استقالت حكومة الجابري وسمّي فارس الخوري رئيساً للوزراء.
كسابقتها، أسندت حكومة الخوري معظم الحقائب السيادية إلى زعماء الكتلة الوطنية، وتسلّم رئيسها وزارتي الداخلية والمعارف. وعُيّن جميل مردم بك وزيراً للخارجية والدفاع، وعبد الرحمن كيالي وزيراً للعدل والأشغال العامة. وفي 7 نيسان 1945، أجرى الخوري تعديلاً وزارياً وعيّن محامي الكتلة الوطنية وأحد رموزها الحلبيين نعيم أنطاكي في وزارة المالية، وجاء بصبري العسلي من مكتب الكتلة بدمشق إلى وزارة الداخلية. وفي عهد هذه الوزارة شاركت سورية في تأسيس منظمة الأمم المتحدة في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، وكان وفدها الدائم برئاسة فارس الخوري.
سافر الرئيس شكري القوتلي إلى مصر للقاء رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل في شباط 1945، بحضور الملك فاروق وعبد العزيز آل سعود ملك السعودية. غضب ديغول من تدخلات البريطانيين في سورية ودعوتها للمشاركة في مؤتمر تأسيس الأمم المتحدة، ولم يعجبه أبداً لقاء القوتلي – تشرشل فقرر التخلّص من الرئيس السوري مع كامل فريقه. وفي 29 أيار 1945، ضربت فرنسا العاصمة السورية بالمدافع، واقتحم جنودها المجلس النيابي بنية اغتيال أو اعتقال سعد الله الجابري. كان الأخير خارج المكتب وقتها، وعندما لم يجدوه أحرق الجنود السنغال مبنى البرلمان قبل أن يقصفوا محيط السراي الحكومي بهدف قتل جميل مردم بك. طال القصف قلعة دمشق وحيّ سوق ساروجا الأثري ولم يتوقف إلا بعد صدور إنذار بريطاني شديد اللهجة في 1 حزيران 1945، دعا فيه تشرشل حليفه الجنرال ديغول إلى سحب قواته عن سورية.
أشرفت الكتلة الوطنية على انسحاب القوات الفرنسية وتسلّمت منها كل المرافق العسكرية والمطارات وما عرف بالمصالح المشتركة، كالجمارك والبرق ومؤسسات التبغ والحبوب. احتفلت الكتلة الوطنية بعيد الجلاء الأول يوم 17 نيسان 1946، وشارك قادتها زميلهم الرئيس شكري القوتلي في رفع علم الاستقلال فوق مبنى السراي الحكومي في ساحة المرجة. وكانت الصورة التذكارية التي أخذت لهم في شرفة السراي آخر ظهور لقادة الكتلة الوطنية مجتمعين، قبل أن يقرروا حلها في مطلع عهد الاستقلال.
توقف عمل الكتلة الوطنية من يومها باعتبار أن الهدف الرئيسي الذي أنشأت من أجله كان لمحاربة الانتداب الفرنسي وإنهائه، وقد تحقق بشكل كامل. وفي 29 آذار 1947، أسس بعض قادة الكتلة حزباً جديداً على أنقاضها، سمّي بالحزب الوطني وعدّ وريثاً شرعياً للكتلة الوطنية. ترأسه سعد الله الجابري واشترك معه عدد يسير من قادة الكتلة مثل جميل مردم بك ولطفي الحفار وعبد الرحمن كيالي وصبري العسلي. وحدهم الرؤساء هاشم الأتاسي وشكري القوتلي رفضا الانضمام إلى الحزب الوطني وعدوا نفسهم زعماء وطنيين أكبر من أي حزب أو تنظيم سياسي. ظلّ الحزب الوطني يعمل في السياسة السورية لغاية صدور قرار بحله إبان انقلاب 8 آذار 1963، مع جميع الأحزاب السياسية، باستثناء حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم.