
أحمد بن عثمان الشرباتي (23 حزيران 1908 – 27 تشرين الثاني 1975)، سياسي سوري من دمشق، كان أحد مؤسسي عصبة العمل القومي سنة 1932 وانتُخب نائباً عن مدينته عام 1943. تولّى حقائب وزارية في عهد الرئيس شكري القوتلي، منها المعارف والاقتصاد ثمّ وزارة الدفاع خلال الأيام الأولى من حرب فلسطين عام 1948. استقال من منصبه بسبب خلافات جسيمة مع بعض ضباط الجيش، وفي مقدمتهم حسني الزعيم، واتهم زوراً بشراء أسلحة فاسدة لكن لجنة التحقيق التي شكلت من أجله أعلنت براءته من كل التهم الموجهة إليه.
البداية
ولِد أحمد الشرباتي في حيّ الصالحية بدمشق وكان والده عثمان الشرباتي من الصناعيين الكبار وأحد ممولي الثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين. دَرَس في مدرسة International College في بيروت والتحق بالجامعة الأميركية ثم سافر إلى الولايات المتحدة للتخصص بالهندسة الميكانيكية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT). عاش مدّة قصيرة في مصر حيث استثمر في بورصة الإسكندرية، لكنه تعرض لهزّة مالية كبيرة إثر انهيار البورصة العالمية عام 1929، فعاد إلى دمشق للعمل مع أبيه.
عصبة العمل القومي (1932-1937)
انتسب أحمد الشرباتي في شبابه إلى “جمعية التحرير العربي” التي أنشأها صديقه في أيام الدراسة فريد زين الدين، ثم عمل معه على تأسيس عصبة العمل القومي في العام 1932. سعت العصبة إلى طرد الفرنسيين والإنكليز من سورية ولبنان، والعراق وفلسطين، وأصدر الشرباتي مع رفاقه جريدة العمل القومي وأسسوا تنظيماً عسكرياً باسم “أشبال العروبة.” فُصل من العصبة لمعارضته قرار رئيسها عبد الرزاق الدندشي بعدم التعاون مع الكتلة الوطنية بسبب توقيعها على معاهدة عام 1936 مع الحكومة الفرنسية. اعتبر الشرباتي أن هذه المعاهدة تخدم المصلحة الوطنية العليا، لأنها وسعت من صلاحيات الحكومة السورية وإعادة ضم جبال العلويين وجبل الدروز، مقابل منح الفرنسيين عدد من الامتيازات الاقتصادية والعسكرية في سورية.
وزيراً للمعارف (1946-1946)
مع بداية الحرب العالمية الثانية في العام 1939، داهمت سلطة الانتداب منزل أحمد الشرباتي في دمشق وعثرت على أسلحة مخبأة ومخصصة لمحاربة الفرنسيين. هرب إلى إمارة شرق الأردن وأقام في العقبة لغاية صدور عفو عنه عام 1941، ثم تحالف من الكتلة الوطنية وترشح للانتخابات النيابية عام 1943، على قائمة شكري القوتلي. وبعد انتخاب القوتلي رئيساً للجمهورية، عُين الشرباتي وزيراً للمعارف والاقتصاد الوطني في نيسان 1945، حيث تعاقد مع ساطع الحصري لدراسة القطاع التربوي في سورية ووضع مخطط لإصلاحه وتحريره من الهيمنة الفرنسية. كما جاء بخبراء من الجامعة الأمريكية في بيروت، ومن جامعة فؤاد الأول في مصر، وأقر التغيرات التالية:
- إدخال مادة “القومية العربية” في مراحل التعليم كافة.
- جعل اللغة الفرنسية في مرتبة ثانية بعد اللغة العربية في المدارس الحكومية.
- إلغاء نظام البكالوريا الفرنسية في سورية واستبداله بنظام أقرب إلى أنظمة الولايات المتحدة. واجه هذا القرار معارضة شرسة من الفرنسيين وتم إبطاله عام 1945.
عُين الشرباتي مجدداً في وزارة المعارف، في أول حكومة في عهد الاستقلال، والتي شكلها الرئيس سعد الله الجابري في 27 نيسان 1946.
وزيراً للدفاع (1946-1948)
في 28 كانون الأول 1946، سُمّي أحمد الشرباتي وزيراً للدفاع في حكومة جميل مردم بك، وكلف بتجهيز الجيش السوري الذي ورثته الدولة السورية عن الفرنسيين. ساد التوتر بينه وبين ضباط الجيش، وفي مقدمتهم قائد الشرطة العسكرية حسني الزعيم الذي طالب الشرباتي بإقالته لسوء أمانته المالية والأخلاقية. لكن الرئيس القوتلي رفض الأخذ بهذه النصيحة وأبقى على الزعيم، فكتب الشرباتي في مذكراته: “لا أخاف على جنودي من الموت على جبهات القتال، فهذا واجبهم وهذا شرفهم، ولكني أخاف عليهم من الموت بسبب فساد وجهل قادتهم العسكريين.”

حرب فلسطين (1948)
تحدى الشرباتي الحظر الدولي المفروض على بيع السلاح للعرب، وحاول شراء أسلحة من إسبانيا ودول أوروبا الشرقية، وأسس بالتعاون مع خبراء عراقيين مصنعاً لصواريخ قصيرة المدى بالقرب من دمشق. وعندما بدأت حرب فلسطين في 15 أيار 1948، حقق الجيش السوري تقدماً ميدانياً ملحوظاً، وقام باحتلال مستعمرة سمخ ولكنه سرعان ما أجبر على التراجع بسبب سوء خطوط الإمداد. أدى هذا التراجع السريع إلى خروج مظاهرات عارمة في شوارع دمشق، ضد وزير الدفاع ورئيس الحكومة جميل مردم بك، وهاجم المتظاهرون صالة جنرال موتورز في شارع العابد التي كان يملكها الشرباتي، وحطموها بالكامل تعبيراً عن غضبهم.
في 18 أيار 1948، قدم الشرباتي استقالته من وزارة الدفاع، وتسلم مردم بك مهامه، إضافة إلى رئاسة الحكومة، كما استقال معه رئيس الأركان عبد الله عطفة، واستبدل بحسني الزعيم. بطلب من النائب الاشتراكي أكرم الحوراني، شُكّلت لجنة برلمانية للتحقيق مع الشرباتي، ووجهت إليه تهم وصلت إلى حد الخيانة العظمى، تم تداولها في الصحف الموالية لحزب البعث والحزب الشيوعي السوري. لكن المحكمة المخصصة بهذه القضية أعلنت براءته من كل التهم الموجهة إليه، كشراء أسلحة فاسدة للجيش وعدم تحضير الجنود عسكرياً ومعنوياً قبل إرسالهم إلى ميدان القتال.
محاولة الاغتيال (1949)
عندما قام حسني الزعيم بانقلابه على الرئيس شكري القوتلي في 29 آذار 1949، أمر باعتقال الشرباتي فهرب الأخير إلى القاهرة، حيث تعرض لمحاولة اغتيال داخل بهو فندق شبرد. تبيّن في التحقيق أن منفذ العملية كان يعمل لصالح المخابرات السورية، وبأنه مكلف من قبل الزعيم. بعد الإطاحة بالزعيم ومقتله في 14 آب 1949، عاد الشرباتي إلى دمشق، ليتم اعتقاله بسبب معارضته لانقلاب أديب الشيشكلي على رئيس الأركان سامي الحناوي في كانون الأول من العام نفسه.
معارضاً لجمهورية الوحدة 1958-1961
في مرحلة الخمسينيات، حاول الشرباتي استنهاض عصبة العمل القومي المعلقة منذ وفاة عبد الرزاق الدندشي عام 1935، إلا أنه لم ينجح في مساعيه. لم يكن متحمساً للوحدة السورية المصرية عند قيامها عام 1958. وعندما كثرت انتقاداته للوحدة ورئيسها جمال عبد الناصر بعد صدور قانون الإصلاح الزراعي في أيلول 1958، اعتقل الشرباتي مرة ثانية لقوله: “يحكم سورية اليوم علي بابا والأربعين حرامي.”
حذّر من خطورة السياسة الاشتراكية التي اتبعها عبد الناصر في سورية، وأيد الانقلاب العسكري الذي أسقط الجمهورية العربية المتحدة في 28 أيلول 1961. بعدها بأيام، دعا السياسيين القدامى إلى داره (مقر السفارة الباباوية اليوم)، وأصدروا بياناً داعماً لانقلاب الانفصال في 2 تشرين الأول 1961، واصفين عبد الناصر بالديكتاتور.
الوفاة
تفرغ الشرباتي بعدها للعمل الهندسي في الكويت والعراق والسعودية، وتوفي في بيروت يوم 25 تشرين الأول 1975، عن عمر ناهز 66 عاماً.
عائلة الشرباتي
تزوج من سيدة ليتوانية التقى بها في قبرص سنة 1938 تُدعى سكايدرا فابا، وهي من عائلة مسيحية محافظة، وليست يهودية كما ادّعت الصحف البعثية والشيوعية عام 1948. له منها ثلاثة أولاد: عصام وعائدة ونورا الشرباتي، التي تزوجت بعد رحيل والدها من الزعيم اللبناني وليد جنبلاط.
أوراق الشرباتي
عثرت أولاد الشرباتي على أوراق ويوميات والدهم، كتبها هو بخط اليد عندما كان وزيراً للدفاع عام 1948. جُمعت هذه الأوراق في العام 2018 في كتاب The Makers of Modern Syria للمؤرخ السوري سامي مروان مبيّض.
المناصب الرسمية
المنصب | الفترة | سبقه | خلفه |
وزير الاقتصاد | 7 نيسان – 24 آب 1945 | جميل مردم بك | حسن جبارة |
وزير المعارف | 7 نيسان – 30 أيلول 1945 | فارس الخوري | صبري العسلي |
وزير المعارف | 27 نيسان – 27 كانون الأول 1946 | صبري العسلي | الأمير عادل أرسلان |
وزير الدفاع | 28 كانون الأول 1946 – 18 أيار 1948 | نبيه العظمة | جميل مردم بك |