قسطنطين زريق
رئيس الجامعة السورية (1949-1952) - رئيس الجامعة الأميركية في بيروت (1954-1957)
قسطنطين زريق (5 نيسان 1909 – 12 آب 2000)، مؤرخ ومُفكر سوري من دمشق وأحد أشهر دعاة القومية العربية، عُيّن رئيساً للجامعة السورية ثم رئيساً بالوكالة للجامعة الأميركية في بيروت حتى سنة 1957. وضع أبحاثاً قيمة ومفصلية عن العروبة باللغتين العربية والإنجليزية، وهو مبتكر مصطلح النكبة في وصف ما حلّ بالأمة العربية إثر احتلال فلسطين سنة 1948. شارك في تأسيس عصبة العمل القومي وكان أحد أبرز داعمي جمعية العروة الوثقى في الجامعة الأميركية. تسلّم عدة مناصب أكاديمية وسياسية في حياته، منها رئاسة مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية والتدريس في قسم التاريخ في الجامعة الأميركية، إضافة لمشاركته في مؤتمر تأسيس الأمم المتحدة في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية سنة 1945 وتعيينه وزيراً مفوضاً في واشنطن سنة 1946.
البداية
ولِد قسطنطين زريق في حي القيمرية بدمشق وهو ابن عائلة أرثوذكسية من الطبقة الوسطى. دَرّس في مدرسة الآسية التابعة للكنيسة المريمية ونظراً لتفوقه العِلمي، حصل على منحة من الدكتور فيليب حتي لدراسة التاريخ في الجامعة الأميركية في بيروت. أكمل دراسته العليا في جامعة شيكاغو أولاً ثم جامعة برينستون، وصولاً إلى جامعة كولومبيا حيث التي نال شهادة الدكتوراة قبل عودته إلى لبنان وتعيينه مدرساً في الجامعة الأميركية سنة 1930.
العروة الوثقى وعصبة العمل القومي
اهتم قسطنطين زريق بشؤون الطلاب وقدم دعماً فكرياً ولوجستياً غير محدود لجمعية العروة الوثقى الطلّابية التي نشطت في الجامعة الأميركية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وكان هو عضواً فيها أثناء دراسته الجامعية. اهتمت الجمعية بتشجيع الوعي القومي لدى الطلاب العرب وحثهم على مُمارسة الكتابة والخطابة باللغة العربية الفصحى. أصر الدكتور زريق على إعطاء محاضراته باللغة العربية، رافضاً التحدث باللغة الإنجليزية مع الطلاب، علماً أن الجامعة كانت أميركية الإدارة والهوية، تتبع لمجلس أمناء مُنتخب في مدينة نيويورك. وفي أثناء عمله في الجامعة الأميركية انضم إلى عصبة العمل القومي التي ولدت في لبنان على يد مجموعة من المفكرين العرب سنة 1932 وشارك في تأسيس المجموعة القومية العربية مع عدد من طلابه، ومنهم درويش مقدادي من فلسطين وفؤاد المفرّج من سورية، وكانت اجتماعاتهم تعقد في دارته الكائنة في شارع جان دارك القريب من الجامعة.
وزيراً في الولايات المتحدة سنة 1946
وفي آذار 1945، استدعي الدكتور زريق إلى دمشق لمقابلة رئيس الجمهورية شكري القوتلي، الذي عينه مستشاراً في المفوضية السورية في واشنطن وعضواً في وفد سورية المؤسس لدى منظمة الأمم المتحدة، برئاسة فارس الخوري. وفي 13 شباط 1946، أصبح قسطنطين زريق وزير سورية المفوض في واشنطن، خلفاً للدكتور ناظم القدسي، وقدم أوراق اعتماده للرئيس الأميركي هاري ترومان. صرف جهداً كبيراً في الدفاع عن استقلال سورية أولاً، وعن القضية الفلسطينية التي آمن بها وعمل لأجلها طوال حياته. وبعد احتلال فلسطين سنة 1948، وضع كتابه الشهير معنى النكبة، الذي أدرج فيه عبارة النكبة لوصف ما حلّ بالأمة العربية، وقد دخل هذا المصطلح قاموس السياسة العربية من يومها، قبل أن تضاف إليه عبارة النكسة التي ابتكرها الرئيس جمال عبد الناصر إثر هزيمة عام 1967.
رئيساً للجامعة السورية (1949-1952)
بعد انتهاء مهمته في الأمم المتحدة، عاد الدكتور زريق إلى لبنان لإكمال عمله في الجامعة الأميركية قبل استدعائه مجدداً إلى دمشق سنة 1949 لتولّي رئاسة الجامعة السورية في عهد حسني الزعيم. عرض عليه الزعيم تولّي وزارة الخارجية في عهده ولكنّه رفض وفضل البقاء في العمل الأكاديمي، فأصدر الزعيم مرسوماً خاصاً لأجله، كونه أول رئيس جامعة من خارج ملاك الدولة السورية. وفي منصبه الجديد، وضع الدكتور زريق قانوناً حديثاً لكلية العلوم وعمل على رفع نسبة الطالبات السوريات، مع إيفاد 300 طالب سوري إلى أوروبا لإكمال دراساتهم العليا على حساب الحكومة السورية. وعمل بالتعاون مع زميله الدكتور عبد الوهاب حومد على وضع قانون التعليم الثانوي المجاني في سورية، الذي صادق عليه مجلس النواب السوري يوم 5 أيلول 1950.
العروة الوثقى في دمشق
شجع الدكتور زريق طلابه على نسخ تجربة العروة الوثقى من بيروت، وقاموا بتأسيس فرح محلي لها في الجامعة السورية مع انتخابه رئيساً فخرية لهم. عملت العروة الوثقى في سورية على نشر القومية العربية بين الطلاب وأطلقت مجلّة جامعية لهذا الهدف، ولكن فترة رئاسة زريق للجامعة السورية لم تستمر طويلاً وأجبر على الاستقالة في آذار 1952، احتجاجاً على اقتحام الحرم الجامعي من قبل الشرطة العسكرية، بحثاً عن أعضاء جمعية العروة الوثقى شاركوا في مظاهرة طلابية ضد العقيد أديب الشيشكلي، حاكم سورية العسكري منذ سنة 1951. حاول زريق منعهم من الدخول وتعرض للضرب أمام الطلاب، ما استدعى تدخلاً مباشراً من الشيشكلي، الذي حاول الاعتذار وقام بتقليده وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة، أملاً أن ينفع ذلك في تراجعه عن الاستقالة، ولكن قرار قسطنطين زريق كان حازماً ونهائياً.
العودة إلى الجامعة الأميركية
عاد الدكتور زريق إلى عمله في بيروت وعُيّن عميداً للكليات في الجامعة الأميركية قبل تكليفه برئاسة الجامعة بالوكالة يوم 19 كانون الثاني 1954. وفي عهده وضع برنامج جديد للدراسات العربية المعاصرة وسافر زريق على رأس وفد رفيع من الأساتذة إلى مصر لمقابلة الدكتور طه حسين والاستفادة من تجربة جامعة فؤاد الأول في الدراسات والأبحاث. وقد شهد عهده في الجامعة الأميركية مظاهرات طلابية ضخمة ضد حلف بغداد والعدوان الثلاثي على مصر. أيّد النشاط الطلابي المعادي للغرب داخل الحرم الجامعي ولم يخفِ تبنيه ودعمه لجمعية العروة الوثقى التي كان يرأسها يومئذ الطالب السوري ثابت المهايني، المدعوم من قبل الدكتور زريق.
نظّم المهايني مظاهرة حاشدة ضد حلف بغداد يوم 27 آذار 1954، أدّت إلى مواجهة دامية مع قوى الأمن الداخلي على أبواب كلية الطب، قُتل خلالها أحد أعضاء جمعية المقاصد الخيرية وشاب من الحزب التقدمي الاشتراكي الذي كان يتزعمه كمال جنبلاط. قامت القوة الأمنية باستخدام الرصاص الحي لتفريق المُتظاهرين، ودخلت الحرم الجامعي رغم معارضة رئيس الجامعة – تماماً كما حدث في دمشق سنة 1952 – بحثاً عن الطلاب المُنتمين إلى جمعية العروة الوثقى. وقد شُنّ هجوم عنيف على القوة الأمنية داخل البرلمان اللبناني، بقيادة كمال جنبلاط، وتزعمت صحيفة النهار الحملة الإعلامية المناهضة لما حدث داخل حرم الجامعة الأميركية.
وعلى الرغم من قُربه من الحراك الطلابي ودوره المحوري في رعايته، أُجبر زريق – بصفته رئيساً للجامعة – على حلّ جمعية العروة الوثقى يوم 29 أيار 1954 وفصل 15 شاباً أدينوا بتزعّم الحراك الطلابي. وفي 30 آذار 1954، عقد الدكتور زريق مؤتمراً صحفياً في بيروت أعرب فيه عن أسفه الشديد للطريقة التي تمّت فيها معالجة الأزمة مع الطلاب، وكان لمواقفه القومية الدور الأكبر في عدم تعيينه رئيساً أصيلاً للجامعة الأميركية، حيث حرّض ضده وزير الخارجية اللبناني شارل مالك، زميل زريق في الأمم المتحدة المقرب من رئيس الجمهورية كميل شمعون، المحسوب بدوره على الولايات المتحدة.
ما بعد الجامعة الأميركية
انتُخب قسطنطين زريق عضوا مراسلاً في مجمع اللغة العربية بدمشق وممثلاً عن الجمهورية السورية في المجلس التنفيذي لمنظمة اليونيسكو ما بين 1950-1954، مع عضوية اللجنة العالمية للتاريخ التابعة لليونيسكو حتى سنة 1969. ظلّ يُدرّس في الجامعة الأميركية حتى عام 1977، وسافر بعدها إلى الولايات المتحدة ليكون أستاذاً زائراً في جامعة كولومبيا وجامعة جورج تاون وجامعة يوتا .منحته جامعة ميشغن الأميركية شهادة دكتوراه فخرية وفي سنة 1977 أيضاً عُيّن مُستشاراً للصندوق العربي للإنماء الاقتصادي في الكويت إضافة لرئاسة مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت منذ سنة 1967. وكانت له مساهمة كبيرة في حفظ وثائق المؤسسة وخرائطها خلال الاجتياح الإسرائيلي سنة 1982.
الوفاة
توفي الدكتور قسطنطين زريق في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت عن عمر ناهز 91 عاماً يوم 12 آب 2000، ونعته الجامعة بالقول: “كان عملاقاً في عصره، ومع ذلك اتسمت شخصيته بالتواضع واللطف، وكان يُعامل الجميع، طلاباً كانوا أم قادة دول، بنفس اللباقة والاحترام.”
الأوسمة والتكريم
وبعد نيله وساماً تقديرياً من أديب الشيشكلي سنة 1952، حصل قسطنطين زريق على وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة من الرئيس شكري القوتلي سنة 1956، تلاه وسام الأرز اللبناني ووسام المؤرخ العربي من اتحاد المؤرخين العرب عام 1993. وفي العام نفس نال وسام القديسين بطرس وبولس من بطريركية أنطاكية وسائر المشرق ووسام الاستقلال من المملكة الأردنية الهاشمية. أطلقت بلدية بيروت اسم “قسطنطين زريق” على شارع في منطقة الحمرا، بالقرب من الجامعة الأميركية، وعلى مكتبة مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وفي عام 2004، صدر كتاب مرجعي عن حياته، للمؤرخ السوري عزيز العظمة.
عائلته
تزوج قسطنطين زريق من نجلاء قرطاس ورُزق منها بأربع بنات، واشتهرت ابنته الدكتورة هدى زريق في الوسط الأكاديمي وأصبحت عميدة لكلية الصحة في الجامعة الأميركية في بيروت.
مؤلفاته
وضع الدكتور قسطنطين زريق عدداً كبيراً من الأبحاث والدراسات التاريخية، باللغتين العربية والإنجليزية، ومنها:
- الوعي القومي (بيروت 1940)
- معنى النكبة (بيروت 1948)
- الحضارة العربية (دمشق 1949)
- القضية العربية (بيروت 1953)
- أي غد؟ (بيروت 1957)
- نحن والتاريخ (بيروت 1959)
- هذا العصر المتفجر (1963)
- في معركة الحضارة (بيروت 1964)
- معنى النكبة مجدداً (بيروت 1967)
- الطالب الجامعي في لبنان: مستقبله ومشكلاته (بالمشاركة، بيروت 1969)
- نحن والمستقبل (بيروت 1977)
- مطالب المستقبل العربي (بيروت 1983)
- ما العمل؟ (بيروت 1998)
وفي سنة 1994 جُمعت أعمال قسطنطين زريق الكاملة في أربع مُجلدات صدرت عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت. وبعدها صدر كتاب العروبة وفلسطين، وهو حوار شامل أجراه محمود سويد مع قسطنطين زريق، نُشر في بيروت سنة 1996.
المناصب
وزير سورية المفوض في واشنطن (1946-1947)
- سبقه في المنصب: الدكتور ناظم القدسي
- خلفه في المنصب: فائز الخوري
رئيساً للجامعة السورية (16 أيار 1949 – 14 أيار 1952)
- سبقه في المنصب: الدكتور حسني سبح
- خلفه في المنصب: الدكتور سامي الميداني
رئيساً بالوكالة للجامعة الأميركية في بيروت (1954-1957)
- سبقه في المنصب: الدكتور بول ليونارد
- خلفه في المنصب: الدكتور ستيفان بينروز