رجال وعلماء دين

أحمد كفتارو

مفتي سورية (1964-2004)

المفتي الشيح الدكتور أحمد كفتارو
المفتي الشيح الدكتور أحمد كفتارو

أحمد بن محمد أمين كفتارو (1912 – 1 أيلول 2004)، داعية وعالم دين سوري من دمشق، كان المفتي العام للجمهورية العربية السورية ورئيس مجلس الإفتاء الأعلى من سنة 1964 وحتى وفاته. شافعي المذهب ومن كبار شيوخ الطريقة الصوفيّة النقشبنديّة. كان من أهم مجددي الفكر الإسلامي في العصر الحديث. أسس مجمّع كفتارو للعلوم الدينيّة وكان أحد دعاة الوحدة الإسلامية. تعدّت شهرته العالم العربي واخُتير عضواً في المجلس المركزي لمنظمة الدعوة الإسلامية العالمية في إندونيسيا ومثّل بلاده في مؤتمر الأديان العالمي في مدينة زاغورسك السوفيتية سنة 1969. عَمِلَ على تنمية مبادئ العيش المشترك بين أبناء الديانات في المجتمع الواحد. وشجع على التعاون مع الحكومات لخدمة قضايا الدعوة والأمة، كما عمل على بيان موقف الإسلام من الديانات السماوية الأخرى مع الحفاظ على ثوابت الرسالة المحمدية، وكان من أشد الدعاة لحوار الأديان.

البداية

ولد أحمد كفتارو في حي الزينبية بمنطقة ركن الدين بدمشق، وتعود أصول عائلته إلى مقاطعة أوميرلي الكردية في إقليم ماردين في تركيا. تلقّى العلوم الدينيّة على أيدي كبار شيوخ عصره ومنهم الشيخ أبو الخير الميداني، والشيخ إبراهيم الغلاييني، والشيخ محمد سليم الحلواني، بالإضافة طبعاً إلى والده الشيخ محمد أمين كفتارو وعمه الشيخ محمد صالح كفتارو، وجميعهم شهدوا له بسعة الفهم وحدة الذكاء، وأجازوه بتدريس علوم الشريعة والتزكية والتربية والدعوة والإرشاد. حاز على دكتوراه فخريّة في علم الدعوة الإسلاميّة من جامعة شريف هداية الله الإسلامية في جاكرتا في عام 1968. وفي عام 1984 منحته جامعة عمر الفاروق في باكستان دكتوراه فخرية في علوم أصول الدين والشريعة. وفي عام 1994 حصل على دكتوراه فخرية ثالثة في علوم الدعوة الإسلاميّة من جامعة أم درمان في السودان.

نشاطه الديني

أولى محطات الشيخ أحمد كفتارو في الدعوة كانت سنة 1938 يوم بدأ بإلقاء الخطب الدينية في المساجد والمدارس قبل نقلها إلى إذاعة دمشق عند تأسيسها عام 1947. بعدها بعام عُيّن مدرساً في دار الفتوى في مدينة القنيطرة وشارك سنة 1949 في تأسيس رابطة علماء الدين في سورية وأسس معهد الأنصار الثانوي للذكور وجاء بالمطرب المعروف رفيق شكري وطلب إليه تلحين نشيده المدرسي. وفي سنة 1950 سمّي مدرساً في دار الفتوى في دمشق قبل سنة من تعيينه مفتياً للعاصمة السورية في عهد رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي. وفي عام 1952 أسس جمعية الأنصار الخيرية وخصصت له إذاعة دمشق مساحة خاصة ليخطب بها عبر الأثير بشكل أسبوعي ومنظم، وقد حقق برنامجه رواجاً كبيراً واستمر لغاية عام 1964. وكان له درساً أسبوعياً في المساجد، وقام خلال خمس عقود بتفسير القرآن الكريم حوالي أربع مرات.

مفتياً للجمهورية العربية السورية

في سنة 1964 عُيّن الشيخ أحمد كفتارو مفتياً عاماً للجمهورية العربية السورية، وذلك في خضم المواجهة الدامية التي حدثت في مدينة حماة وسط البلاد بين جماعة الإخوان المسلمين والجيش السوري في عهد رئيس الدولة أمين الحافظ.  دعي المفتي لتهدئة النفوس وحث الإخوان على الاحتكام إلى الحوار، مع التأكيد دوماً على حرمة السلاح بين أبناء الشعب الواحد مهما كانت الخلافات السياسية بينهم. افتتح سنة 1965 معهد بدر للإناث والذي يُعد من أوائل المعاهد الإسلامية الخاصة بتعليم الإناث في دمشق. بالإضافة إلى تأسيسه عام 1971 مجمع “أبو النور” الشهير في منطقة ركن الدين، الذي ضمّ مسجداً ومعهداً شرعياً وعدداً من الجمعيات الخيرية، قبل أن يتحول اسمه إلى مجمع الشيخ أحمد كفتارو. وقف مع وزير الدفاع حافظ الأسد في صراعه مع اللواء صلاح جديد ورئيس الدولة نور الدين الأتاسي في النصف الثاني من الستينيات وأيد الانقلاب العسكري الذي أطاح بهما في 16 تشرين الثاني 1970. الذي سمّي لاحقاً بالحركة التصحيحية. سمي عضواً في مجلس النواب المعين من قبل الرئيس الأسد وجدد له في دار الإفتاء. وكان له موقف واضح وصريح من تجدد الصراع المسلح مع الإخوان سنة 1976 حيث وضع كامل ثقله الديني والسياسي خلف الرئيس السوري وأشرف على تأسيس معهد الأسد لتحفيظ القرآن الكريم سنة 1987 الذي افتتح فروعاً له في كل مساجد سورية. جمعت بين الشيخ أحمد كفتارو والرئيس الأسد علاقة صداقة طيبة تخللتها لقاءات كثيرة، زادت على إثرها المؤسسات والجمعيات الدينية في البلاد عدداً وفعاليّةً.

مذهبه الإصلاحي

زار إيطاليا ودولة الفاتيكان سنة 1985 حيث التقى البابا يوحنا بولس الثاني وألقى محاضرتين عن الإسلام والتسامح الديني في جامعتي ميلانو والفاتيكان. وبعدها بسنتين دعي إلى قمةً حِوارية ثانية مع البابا حول مستقبل الإيمان ومواجهة الإلحاد في العالم. كما أنّه استقبله أثناء زيارته إلى الجامع الأموي الكبير في دمشق في أيار من عام 2001 برفقة وزير الأوقاف السوري آنذاك محمد زيادة حيث ركزّا على أهمية الحوار بين الأديان لكونه الطريق نحو التعايش.

تبنّى الشيخ أحمد كفتارو مبدأ التقريب بين المذاهب الفقهية وجعل التجديد الديني دأبه من خلال إعادة أصول التصوّف إلى القرآن الكريم والسنة الشريفة. وكان من أشد معارضي الغلو والتطرف في الدين، من خلال تعزيز منهج الوسطية ومحاربة التعصب المذهبي. كما كان من أوائل مؤسسي مجالس التقريب بين السنة والشيعة وكان له حضور لافت في المؤتمرات العالمية وخاصة بما يتعلق بمسألة إخاء الأديان. ومن شدة إعجابه بمنظمة الاتحاد العالمي للأديان أوفد أربعين من تلامذته برئاسة الشيخ بشير الباني إلى مانهاتن للدراسة فيها سنة 1990.

حياته الشخصية

تزوج الشيخ أحمد كفتارو من حوا ميلي عام 1929 وأنجبت له اثني عشرة ولداً: عمر وفؤاد وخادجة ووصال ومحمد وأمين ومحمود وزاهر وحسن وإحسان. واشتُهر منهم وفاء وصلاح الدين الذي عُيّن رئيساً لمجمع أبي النور بعد وفاة والده.

الأوسمة التي تقلّدها

مؤلّفاته

لم يتفرّغ الشيخ أحمد كفتارو للتأليف والكتابة. لكن تمّ جمع العديد من تسجيلاته الإذاعية والمرئية ومحاضراته في مؤلفات خطيّة.

كُتب عنه

 قيل عنه

الشيخ أحمد عالم مثقف مطلع، ناضج العقلية. واسع آفاق الفكر. نشيط في عمله. وقد تمكن من إلغاء البغاء الرسمي في سورية …. ومنهجه في الإصلاح يتمثل في وجوب إصلاح المعارف وتوجيهها الإسلامي. وهو قوي الأمل عظيم الثقة … لقد قال لرئيس أركان الحرب الحاكم العسكري للبلاد: تستطيع أن تكون زعيماً للبلاد العربية كلها بل للعالم الإسلامي كله إذا هيأت لنفسك الزعامة الإسلامية واحتضنت خدمة الإسلام.

إن شيخنا الشيخ أحمد كفتارو قدوة تحتذى في العالم الإسلامي. لقد قدم الصورة الحقيقية الناصعة للإسلام في عواصم العالم الكبرى وتمكن من هدك كثير من الأوهام التي ينشرها أعداء الإسلام، وإن المجمع الإسلامي الذي أنشاءه نموذج فريد ينبغي تعميمه في العالم الإسلامي وخارج العالم الإسلامي.

  • الدكتور حامد العابد رئيس وزراء النيجر الأسبق والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي.

جائتني دعوة من الداعية الإسلامي الكبير أحمد كفتارو لزيارة المؤسسة التربوية التي شيدها وإذا بي أمام بناء شاهق مكون من ثمانية طوابق فسيحة. تشمل الكثير من المدارس والمعاهد والكليات. وله فروع في عدة دول، منها: مدينة جرك يسك في روسيا الاتحادية. ومدينة عشق آباد في تركمانيا، وجاوه وسومطرة في إندونيسيا، ومدينة لانكستر في الولايات المتحدة الأمريكية. وذهبت يوم الجمعة لهذا المسجد (مسجد أبي النور) فوجدت ما لم يخطر على البال، جماهير غفيرة جاءت ليس من أحياء دمشق أو من مدن سورية، بل من الأقطار المجاورة.

الوفاة

توفي الشيخ أحمد كفتارو في 1 أيلول عام 2004 عن عمر 89 عاماً. وشُيّع جثمانه من الجامع الأموي الكبير إلى وزارة الأوقاف السورية ثم تابع الموكب سيراً على الأقدام إلى مجمع الشيخ أحمد كفتارو حيث وارى مثواه الأخير.

المناصب

مفتي الجمهورية السوريّة (1964-2004)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !