علي رضا باشا الركابي
حاكم سورية العسكري (1918-1920) - رئيس أول حكومة سورية (1920)

علي رضا باشا الركابي (1868 – 25 أيار 1942)، سياسي سوري من دمشق وضابط عربي في الجيش العثماني، شارك في الحرب العالمية الأولى وكان أول حاكم عسكري على سورية بعد تحريرها من الحكم العثماني سنة 1918. عينه الملك فيصل الأول رئيساً للحكومة، وعند الإطاحة بالعهد الملكي وفرض الانتداب الفرنسي على سورية، انتقل الركابي إلى عمّان وسمّي رئيساً لحكومة إمارة شرق الأردن. عاد بعدها إلى دمشق وأسس حزب الأمة الملكي الذي رشحه لانتخابات رئاسة الجمهورية السورية سنة 1932، وعندما لم ينجح، اعتزل العمل السياسي واعتكف في بيته حتى وفاته عام 1942.
البداية
ولد علي رضا الركابي في دمشق، وهو سليل أُسرة دمشقية كبيرة عَمل أبناؤها بالتجارة والزراعة. دَرَس في الكلية العسكرية في إسطنبول والتحق فور تخرجه بالجيش العثماني، حيث عُين قائداً عسكرياً في القدس ثم في المدينة المنورة. نُقل بعدها إلى بغداد ثمّ إلى البصرة، وعارض دخول الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا القيصرية، مُطالباً بحياد الجيش العثماني. عُدّ موقفه انهزامياً وصدر أمر بتسريحه وإحالته إلى التقاعد المُبكر، عِلماً أنه لم يكن قد تجاوز السادسة والأربعين من عمره. ولكن جمال باشا، قائد الجيش الرابع في سورية، فضّل الاستفادة من خبرته وعيّنه رئيساً لبلدية دمشق عام 1915.
حاكماً عسكرياً على مدينة دمشق
عشية سقوط دمشق بيد الحلفاء في 26 أيلول 1918، أمر الشريف حسين، قائد الثورة العربية الكبرى، بتسليم المدينة إلى رضا الركابي، مع تكليفه برفع علم الثورة العربية فوق سراي الحكم. ولكنّ الأمير سعيد الجزائري سبقه إلى ذلك، ونصّب نفسه حاكماً بدلاً من الركابي، دون تفويض من الشريف حسين. وعند دخول الضابط البريطاني توماس لورنس إلى دمشق في 1 تشرين الأول 1918، قام بعزل سعيد الجزائري وتعيين الركابي حاكماً عسكرياً مطلق الصلاحيات، مشرفاً على مجلس مديرين مصغَّر. أمر الركابي باعتقال الأمير سعيد ونصب المشانق وسط ساحة المرجة، لإرهاب اللصوص والمرتزقة الذين قاموا باستباحة المدينة عشية انسحاب الجيش العثماني. احتل الجيش الفرنسي مدينة اللاذقية وكامل الساحل السوري، فقدّم الركابي دعماً عسكرياً لمعظم الثورات الوطنية، في الشمال والساحل وأنطاكية. كانت ثقة الأمير فيصل كبيرة جداً بالركابي، منذ أن قابله للمرة الأولى أثناء زيارته دمشق في آذار 1915، وكان هذا اللقاء قد رُتّب في منزل عطا باشا البكري، يوم انتساب فيصل والركابي معاً إلى الجمعية العربية الفتاة.
مُنجزات الركابي
أبرز منجزات رضا الركابي:
- تعريب مؤسسات الدولة السورية.
- إعادة فتح معهد الطب البرامكة في 23 كانون الثاني 1919، وتكليف الطبيب رضا سعيد بعمادته.
- إعادة فتح معهد الحقوق في 25 أيلول 1919، وتكليف القانوني الفلسطيني عبد اللطيف صلاح بعمادته.
- تأسيس صحيفة رسمية ناطقة باسم الحكومة السورية باسم جريدة العاصمة.
- إلغاء كل الألقاب العُثمانية، ومنها لقب الباشا.
تعينات الركابي
اختار الركابي أحد أساتذة الحقوق المرموقين، شاكر الحنبلي، ليكون مديراً للرسائل في مكتبه (وهو المنصب الذي بات يُعرف لاحقاً بالأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء)، كما عيّن الوجيه الحمصي علاء الدين الدروبي والياً على مدينة دمشق. جاء بالضابط الدمشقي شكري باشا الأيوبي حاكماً عسكرياً على بيروت، وعند اعتراض الفرنسيين عليه، نقلهُ إلى حلب واختار الوجيه الشاب رؤوف الأيوبي، خريج المعهد الملكي في إسطنبول، ليكون حاكماً على لواء الكرك، الذي ضمّ معظم مناطق شرق الأردن.
ذات يوم، طلب وفد من أعضاء مجلس الشورى الاطلاع على قرار تعيين الركابي حاكماً عرفياً من قبل الأمير فيصل، للتأكد من سلامة القرار من الناحية القانونية. صاح الركابي في وجههم: “ألم تر عينكم أني قرّة عيون المجاهدين والجيوش الحليفة الظافرة؟ قولوا لي أولاً، ما هي صفتكم التي تخولكم هذا الطلب؟ أنا الحاكم العسكري بأمر من القائد العام، وسأنظر في مهام مجلس الشورى!” في اليوم التالي، أمر بحلّ المجلس وشكل مجلساً جديداً برئاسة عبد القادر مؤيد العظم، ضمّ أمين فتوى دمشق عبد المحسن الأسطواني والمحامي فارس الخوري (ممثلين عن دمشق) – صفوة قسطاكي ممثلاً عن حمص – أسعد حيدر ممثلاً عن بعلبك – نسيب الأطرش ممثلاً عن جبل الدروز – جورج رزق الله ممثلاً عن بيروت – أمين حشيمة، ممثلاً عن البقاع.
علاقة الركابي بالأقليات
أبدى الرئيس الركابي تعاطفاً كبيراً مع المواطنين الأرمن الهاربين من مجازر الأتراك في الحرب العالمية الأولى، ونظراً لظروفهم الاقتصادية الخاصة، أمر بإعفائهم من الضرائب وإعادة جدولة ديونهم المستحقة أمام المصارف. نزل بعدها إلى حارة اليهود في دمشق القديمة واجتمع بالحاخام يعقوب الدانون، وسمّى أحد أبناء الطائفة الموسوية عضواً في مجلس بلدية دمشق.
رئيساً للحكومة السورية (9 آذار – 5 أيار 1920)
ظلّ الركابي حاكماً عسكرياً على سورية من 3 تشرين الأول 1918 ولغاية تعيينه نائباً للأمير فيصل في حكومة المديرين يوم 22 تشرين الثاني 1919. وفي 8 آذار 1920، أعلن المؤتمر السوري العام استقلال سورية التام بحدودها الطبيعية وتتويج الأمير فيصل ملكاً على البلاد. في صباح اليوم التالي، كُلّف الركابي بتشكيل حكومته الثانية بعد استقلال سورية عن الأتراك، ولكنّها لم تدم طويلاً بسبب تهديدات الفرنسيين وزحفهم تجاه مدينة دمشق، قادمين من سهل البقاع.
كان موقف الركابي صارماً في رفضه لأيّة مواجهة عسكرية مع فرنسا، خوفاً على الجيش السوري من الهلاك، وقال مراراً للملك فيصل إن هذا الجيش غير قادر على المواجهة. رفض مقترح تسليح الأهالي وتشكيل مقاومة شعبية ضد فرنسا، قائلاً: “إن اتباع هذه الخطة سيؤدي إلى الفشل. ليس لدينا سلاح يزيد عن حاجة الجيش فلا نستطيع التفريط به لتسليح العصابات.” وبناء على هذا الموقف، استقال الركابي من منصبه وشكل هاشم الأتاسي حكومة مواجهة في 3 أيار 1920، غاب عنها لركابي.

رئيساً للحكومة الأردنية
بعد هزيمة الجيش السوري في معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920، خُلِع الملك فيصل عن العرش وفرِض الانتداب الفرنسي على سورية. رحل الركابي عن دمشق بعد صدور قرار فرنسي باعتقاله، وتوجه أولاً إلى مصر ثم إلى الحجاز، حيث وضع نفسه تحت تصرف الشريف حسين، الذي أرسله إلى عمّان لمساعدة ابنه الأمير عبد الله في تأسيس إمارة شرق الأردن. استفاد الأمير عبد الله من خبرة الركابي السياسية والعسكرية وفي 10 آذار 1922، عينه رئيساً للوزراء، حيث عمل الأخير على وضع قوانين الدولة الأردنية الحديثة، لا سيما في نطاق الأنظمة المالية والجهاز الإداري.
وفي 3 تشرين الأول 1922 دعاه الأمير عبد الله لمرافقته إلى لندن، لعقد معاهدة بين الأردن وبريطانيا، وبعد العودة إلى عمّان اصطدم الركابي بضابط الاستخبارات البريطاني جون فيلبي، المُقرب جداً من الأمير عبد الله، فقدم استقالته، ليُعاد تكليفه برئاسة الحكومة الأردنية مرة ثانية من 3 أيار 1924 ولغاية 23 حزيران 1926.

انتخابات الاتحاد السوري الفيدرالي
بعد نهاية عمله في الأردن، عاد الركابي إلى دمشق وشارك في تأسيس حزب الأمة الملكي الذي هدف إلى استعادة العرش الهاشمي في سورية. رشّحه حزب الأمة الملكي لأول انتخابات رئاسية جرت بدمشق في 11 حزيران 1932، ولكنه انسحب من جولتها الأولى بسبب عدم حصوله على أصوات كافية، وقرر اعتزال العمل السياسي.
الوفاة
أصيب رضا الركابي بجلطة أدت إلى شلل نصفي مُزمن، فغاب عن الأنظار وتوفي في دمشق عن عمر ناهز 74 عاماً يوم 25 أيار 1942. اشتهر من بعده نجله أكرم الركابي، الذي تولّى الأمانة العامة لوزارة الزراعة السورية في مطلع عهد الاستقلال.
تكريم الركابي
صدرت دراسات عدة عن حياة رضا الركابي، منها: عبقريات شامية في الحكم والسياسة للمؤرخ السوري إبراهيم الكيلاني (1946)، عبقريات وأعلام للصحفي عبد الغني العطري (1996)، علي رضا الركابي ودوره السياسي في عهد الحكومة العربية الفيصلية وإمارة شرق الأردن، للكاتب الأردني رعد الملاجي (2020). كما أطلقت وزارة المعارف الأردنية اسم رضا الركابي على مدرسة للبنين في عمّان وسمّي شارع باسمه في مدينة إربد.
المناصب
رئيس الحكومة السورية المؤقتة (1 تشرين الأول 1918 – 4 آب 1919)
- سبقه في المنصب: الأمير سعيد الجزائري
- خلفه في المنصب: الأمير فيصل بن الحسين
نائب رئيس الحكومة السورية (4 آب 1919 – 26 كانون الثاني 1919)
- سبقه في المنصب: لا يوجد
- خلفه في المنصب: أمين التميمي
رئيس الحكومة السورية (9 آذار – 5 أيار 1920)
- سبقه في المنصب: الأمير زيد بن الحسين
- خلفه في المنصب: هاشم الأتاسي
رئيس الحكومة الأردنية (10 آذار 1922 – 28 كانون الثاني 1922)
- سبقه في المنصب: مظهر باشا رسلان
- خلفه في المنصب: مظهر باشا رسلان
رئيس الحكومة الأردنية (3 أيار 1924 – 23 حزيران 1926)
- سبقه في المنصب: حسن خالد أبو الهدى
- خلفه في المنصب: حسن خالد أبو الهدى
المصادر
- إبراهيم الكيلاني، عبقريات شامية في الحكم والسياسة (دمشق 1946)
- خيرية قاسمية، الحكومة العربية في دمشق (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1982)
- رعد الملاجي، علي رضا الركابي ودوره السياسي في عهد الحكومة العربية الفيصلية وإمارة شرق الأردن (وزارة الثقافة، عمّان 2020)
- سامي مروان مبيّض، غرب كنيس دمشق (دار رياض نجيب الريس، بيروت 2017)
- علي سلطان، تاريخ سورية 1918-1920: حكم فيصل بن الحسين (دار طلاس، دمشق 1996)
- عبد الغني العطري، عبقريات وأعلام (دار البشائر، دمشق 1996)
- صبحي العمري، المعارك الأولى: الطريق إلى دمشق (دار رياض نجيب الريس، لندن 1991)
- صبحي العمري، ميسلون: نهاية عهد (دار رياض نجيب الريس، لندن 1991)
- مجموعة كتاب، الحكومة العربية في دمشق: التجربة المبكرة للدولة العربية الحديثة (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة 2020)
- محمد الأرناؤوط، من الحكومة إلى الدولة: تجربة الحكومة العربية في دمشق (الآن ناشرون، عمّان 2020)
- يوسف الحكيم، سورية والعهد الفيصلي (دار النهار، بيروت 1996)
.