عبد الحميد السراج
مدير المكتب الثاني (1955-1958)، وزير الداخلية (1958-1961)، نائب رئيس الجمهورية العربية المتحدة (1961).

عبد الحميد السراج (1925 -23 أيلول 2013)، ضابط سوري من حماة، كان رئيساً للمكتب الثاني (شعبة المخابرات العسكرية) في السنوات 1955-1958 وهو مؤسس الدولة الأمنية في سورية. فُرضت الأحكام العرفية في عهده وتم تصفية كل من الحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب الشيوعي السوري. لعب دوراً محورياً في إقامة الوحدة السورية المصرية سنة 1958 وسمّي وزيراً للداخلية ثم رئيساً للمجلس التنفيذي فنائباً للرئيس جمال عبد الناصر سنة 1961.
استقال السراج من كافة مناصبه بسبب خلاف من المشير عبد الحكيم عامر في يوم 22 أيلول 1961، وتم اعتقاله بعد وقوع انقلاب الانفصال في 28 أيلول 1961. هربه الرئيس عبد الناصر من سجن المزة العسكري بدمشق إلى القاهرة وعاش ضيفاً على كل رؤساء مصر حتى وفاته في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم 23 أيلول 2013.
البداية
ولد عبد الحميد السراج في حماة وكان والده رجلاً بسيطاً يملك حانوتاً صغيراً لأغراض السمانة.(1) دَرَس في مدارس حماة وبعد نيله الشهادة الثانوية انتسب إلى مدرسة الدرك ومن ثمّ إلى كلية حمص الحربية، التي تخرج منها سنة 1947.
في جيش الإنقاذ
وفي خريف العام 1947 شُكّل جيش الإنقاذ من قبل جامعة الدول العربية لمحاربة العصابات الصهيونية في فلسطين. حاول السراج الانضمام إلى صفوفه ولكن طلبه قوبل بالرفض من قبل فوزي القاوقجي، قائد جيش الإنقاذ، بسبب انعدام الخبرة العسكرية لديه.(2) ولكنه أصر وحصل على موافقة لدخول جيش الإنقاذ من صديقه وزميله أديب الشيشكلي، ابن مدينة حماة وقائد فوج اليرموك، وحارب معه حتى منتصف العام 1948.
مرافقاً لحسني الزعيم
اختاره حسني الزعيم مرافقاً عسكرياً له بعد نجاح الانقلاب الأول على الرئيس شكري القوتلي في 29 آذار 1949 وظلّ السراج يعمل بمعيته حتى وقوع الانقلاب الثاني في 14 آب 1949. كان مأذوناً يوم وقوع الانقلاب على حسني الزعيم ومقتله، وقيل يومها أنه غاب عن المناوبة بالتنسيق مع قائد الانقلاب الجديد اللواء سامي الحناوي.
في زمن الشيشكلي
تدرّج بعدها السراج في مختلف وحدات سلاح المشاة، وكان مقرباً من العقيد أديب الشيشكلي، مهندس الانقلاب الثالث في سورية الذي وصل إلى رئاسة الجمهورية في 11 تموز 1953. أرسله الشيشكلي إلى فرنسا لاتباع دورة عسكرية مكثفة وعند عودته إلى دمشق عينه مديراً للشعبة الأولى بالجيش السوري.(3)
بعد سقوط حكم الشيشكلي وهروبه خارج البلاد في شباط 1954، حاولت القيادة السياسية تفريق كتلة الضباط المحسوبين على الشيشكلي وطردهم عن الجيش. ولكن السراج طلب مساعدة رئيس الحكومة صبري العسلي، قائلاً أن علاقته بالشيشكلي قد انتهت منذ خروجه عن سورية وسفره إلى لبنان، فاكتفى العسلي بإبعاده دون فصله عن الجيش، وصدر قرار بتعيينه ملحقاً عسكرياً في باريس منتصف العام 1954.
في رئاسة المكتب الثاني
عاد السراج إلى دمشق عند مقتل معاون رئيس أركان الجيش العقيد عدنان المالكي في نيسان 1955، وتم تكليفه برئاسة المكتب الثاني (شعبة المخابرات العسكرية) للتحقيق في الجريمة التي حدثت وسط الملعب البلدي. كان السراج في الثلاثين من عمره يومها، وكان محسوباً على رئيس الأركان اللواء شوكت شقير، وكلاهما من القوميين العرب ومن أشد المعجبين بالرئيس المصري جمال عبد الناصر. شنّ السراج حملة واسعة ضد عناصر الحزب السوري القومي الاجتماعي، المتهم بجريمة مقتل عدنان المالكي، وقام باعتقال جميع أعضاء الحزب وقادته، وكان من بينهم رئيس الحزب عصام المحايري وجوليت المير، أرملة مؤسس الحزب أنطون سعادة.
بعد تعيينه في المكتب الثاني دخل السراج على رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي وطلب منه إعلان الأحكام العرفية في البلاد لكي يتمكن من استكمال التحقيقات والمداهمات بحق القوميين السوريين. ولكن الرئيس الأتاسي رفض ذلك فرد السراج: “إن كنت يا فخامة الرئيس لا تعلن الأحكام العرفية فلن أستطيع ضمان حياة المعتقلين.(4)
السراج والعدوان الثلاثي
أبقى الرئيس الأتاسي على السراج في رئاسة المكتب الثاني مجبراً وقد ورثه الرئيس شكري القوتلي عند عودته إلى الحكم في أيلول 1955. لم تعجبه السياسة البوليسية التي اتبعها السراج في سورية، ولا تفرده بالقرارات العسكرية والأمنية. وعندما بدأ العدوان الثلاثي على مصر في تشرين الأول 1956، سافر الرئيس القوتلي إلى موسكو لحشد دعم دولي لصالح مصر ورئيسها، واستغل السراج غيابه لنسف أنابيب شركة نفط العراق (IPC) المارة عبر الأراضي السورية، دون عِلم الرئيس القوتلي. وقد أدى هذا التصرف إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين دمشق ولندن، ولكنه نجح في تقريب السراج كثيراً من الرئيس عبد الناصر.
المؤامرة العراقية
في نهاية العام 1956 أعلن السراج عن اكتشافه محاولة انقلاب ضد حكم الرئيس القوتلي، كان يقف خلفها الأمير عبد الإله الوصي على عرش العراق ونوري السعيد، رئيس وزراء العراق. كلاهما كان من أشد المعارضين للرئيس عبد الناصر وقد رتبوا الأمر لتنفيذ انقلاب عسكري في دمشق، يُطيح بجميع الشخصيات السورية المحسوبة على مصر، وعلى رأسها العقيد السراج. كان الهدف تصفيته جسدياً ووضع الرئيس القوتلي أمام خيار واحد، أما قطع علاقته مع عبد الناصر والاتحاد السوفيتي، أو التنحي عن الحكم.
قال السراج أن مهندس الانقلاب كان الرئيس الأسبق أديب الشيشكلي، الذي قبض أموالاً من العراق ولكنه تراجع عن التزامه. وأوكلت المهمة إلى مجموعة من السياسيين والنواب، ومنهم الدكتور عدنان الأتاسي (نجل الرئيس هاشم الأتاسي) والدكتور منير العجلاني وميخائيل إليان، أحد قادة الحزب الوطني. قام السراج باعتقالهم جميعاً، ونقلهم إلى سجن المزة. أجريت لهم محاكمة علنية على مدرج جامعة دمشق، أشرف عليها السراج بنفسه عبر وكيله الضابط عفيف البزري، الذي عُيّن رئيساً للمحكمة. وقد صدرت قرارات بحقهم، تراوحت بين الإعدام والسجن المؤبد، وظلوا سجناء حتى سنة 1960، عندما تم نقلهم إلى الإسكندرية ليكونوا قيد الإقامة الجبرية في زمن الوحدة السورية المصرية.
محاولة إقصاء السراج
في صيف العام 1957 حاول الرئيس القوتلي التخلص من السراج عبر تعيينه ملحقاً عسكرياً إلى مصر، بالتنسيق مع رئيس الأركان اللواء توفيق نظام الدين. ولكن تمرد الضباط في معسكر قطنا القريب من دمشق أجبرهم على التراجع، وتحديداً بعد تهديد رجال السراج بالزحف نحو مدينة دمشق وتنفيذ انقلاب ضد الرئيس القوتلي.(5) تمكن السراج من إقالة اللواء توفيق نظام الدين من منصبه، حيث تم استبداله بأحد الضباط المحسوبين على الرئيس عبد الناصر، وهو اللواء عفيف البزري، رئيس المحكمة في قضية ما سمّي يومها بالمؤامرة العراقية.
الوحدة مع مصر سنة 1958
بالتنسيق مع السراج وبتخطيط كامل منه، توجه اللواء عفيف البزري إلى مصر في شهر كانون الثاني 1958، وكان على رأس وفد عسكري من الضباط الناصريين، لمقابلة الرئيس عبد الناصر والمطالبة بتوحيد القطرين في وحدة اندماجية فورية. سافروا إلى مصر دون أخذ إذن رئيس الجمهورية شكري القوتلي ولا رئيس الحكومة صبري العسلي أو حتى وزير الدفاع خالد العظم، ولم يكن في جيبهم لا تصريح أمني للمغادرة أو جوازات سفر. حصانتهم الوحيدة كان عبد الحميد السراج، الذي بارك سفر الوفد إلى القاهرة وطلب من القوتلي عدم اعتراضهم أو ملاحقتهم.
خوفاً من نقمة الجيش والشارع الناصري، قبل القوتلي بـالإملاءات المفروضة عليه من قبل عبد الحميد السراج وقام بإرسال وزير الخارجية صلاح البيطار إلى القاهرة لإضفاء شرعية سياسية على الوفد العسكري. ثم توجه إلى مصر برفقة السراج ورئيس الحكومة صبري العسلي للاتفاق رسمياً على الوحدة في شباط 1958. تنازل الرئيس القوتلي عن منصبه طوعياً لصالح الرئيس عبد الناصر، وعُيّن السراج وزيراً للداخلية في سورية، مسؤولاً عن جميع أفرع المخابرات.
ومن دمشق وبعد وصول الرئيس عبد الناصر إليها، كشف السراج عن مؤامرة سعودية ضد الرئيس المصري، وقف خلفها الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود. قال السراج إن الملك سعود خصص له مبلغاً من المال للقيام بانقلاب واغتيال عبد الناصر، قيمته مليون جنيه، دُفع من طريق البنك العربي بشيكات نُشرت صورها في الصحف اليومية.(6)
السراج في زمن الوحدة
ومن موقعه الجديد في وزارة الداخلية، ضرب السراج قواعد الحزب الشيوعي السوري في سورية وقام باعتقال جميع قياداته، باستثناء خالد بكداش الذي هرب إلى أوروبا الشرقية، تفادياً لبطش السراج ورجاله. وكان من بين ضحايا السراج القائد الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو، الذي مات في سجون المكتب الثاني بدمشق يوم 25 حزيران 1959 وقيل أنه ذوب بالأسيد بأمر من السراج. جمع السراج رجال المباحث في قلعة دمشق وأعلن الحرب على الشيوعيين السوريين، وعندما اعترض البعض على طريقة معاملتهم، لأن الكثير منهم كانوا من المثقفين والمتعلمين، ردّ غاضباً: “كيف تريدون أن نعاملهم؟ هل نضعهم على الرف ونضرب لهم على الدف؟” (7)

وكان نفوذ السراج ينمو يوماً بعد يوم، وقد عُيّن رئيساً للمجلس التنفيذي في الإقليم السوري يوم 20 أيلول 1960، إضافة لصلاحياته الواسعة في وزارة الداخلية. ولكن جفاء حصل بينه وبين الرئيس عبد الناصر، كان سببه المشير عبد الحكيم عامر، صديق الرئيس وممثله الشخصي في الإقليم الشمالي. كان الخلاف بين السراج والمشير عامر لا يخفى على أحد، وهو صراع نفوذ وسلطة.
وفي تموز 1961 زادت الهوة بينهما بسبب معارضة السراج لسياسة تأميم المصانع التي فرضها الرئيس عبد الناصر بإيعاز من المشير عامر، وفضل الاكتفاء بتأميم المصارف وشركات التأميم. اقترح مشاركة الدولة بربع رأس مال المصانع وقال بوضوح مخاطباً رئيس الجمهورية: “سيدي، أخاف على الوحدة من نقمة تجار دمشق وحلب.”(8) لم تكن معارضة السراج لقرارات التأميم ناجمة عن أي فكر اقتصادي أو تنموي، بل كانت مبرراته ومخاوفه أمنية بالمطلق، وهو كان يعتقد بأن تأميم المصانع سيزيد من غليان الشارع ويؤلّب الناس على الوحدة وعلى رئيسها، وهذا فعلاً ما حصل.
تنصّل السراج من دعم التأميم، ولكنه لم يكن حاسماً في موقفه، فاستدعاه عبد الناصر في الصباح الباكر إلى داره في منشية البكري، حيث وُبِّخ توبيخاً شديداً على موقفه الرمادي، بحضور مدير المخابرات المصرية صلاح نصر.(9) وجّه إليه عبد الناصر كلاماً قاسياً، وقال: “إنت عايز إيه يا عبد الحميد؟ عاوز أعملك أي عشان ترضى؟” ثم أضاف قائلاً: “إنني لا أستطيع أن أفهم تصرفاتك وتصرف رجالك في دمشق.”(10)
حاول السراج تدارك الموقف بسرعة، ونزل بنفسه إلى مقر الشركة الخماسية، كبرى الشركات الصناعية السورية، للإشراف على تأميمها، ولكن هذا لم ينفع في ترميم الثقة بينه وبين الرئيس عبد الناصر.(11) اتسعت الهوة أكثر فأكثر وقام عبد الناصر بنقله عن دمشق وعيّنه نائباً لرئيس الجمهورية للشؤون الداخلية، وهو منصب شكلي لا سلطة حقيقية له، بعد أن كان السراج رجل سورية الأقوى على مدى سنوات.(12) في كتابه عن الانفصال، ما الذي جرى في سورية يقول محمد حسنين هيكل، كاتم أسرار عبد الناصر ورئيس تحرير جريدة الأهرام في حينها، إن الرئيس عبد الناصر قال للسراج: “قلت لكم إنكم وأنتم دعاة الوحدة وأنصارها، قد سببتم لي من المتاعب ما لم يسببه لي أعداء الوحدة وخصومها.”(13)
اعتقال السراج
قبل ستة أيام من وقوع انقلاب الانفصال في 28 أيلول 1961، اشتد الخلاف بين السراج والمشير عامر فذهب الرجلان إلى القاهرة لمقابلة الرئيس عبد الناصر على متن طائرة واحدة. اجتمع عبد الناصر مع السراج خمس مرات لمدة عشرين ساعة، وعاد بعدها السراج إلى دمشق منفرداً ومستقيلاً من جميع مناصبه، في إشارة للجميع إلى أن عبد الناصر قد حسم خياره وفضل الوقوف مع صديقه المصري على حساب أكبر مؤيديه بين السوريين.(14) فُتحت سجون السراج بعد إقالة رجالاته من مناصبهم، وأُطلق سراح كل من كان معتقلاً بأمر مباشر منه. كذلك ختمت كافة مكاتبه بالشمع الأحمر، الواقعة في منطقة الطلياني وفي حيّ الروضة بدمشق.(15)
في الساعات الأولى من انقلاب الانفصال، حاول الانقلابيون استمالة السراج إلى صفوفهم، لكونه الأعلم بأسرار عبد الناصر وكافة تفاصيل حكمه.(16) دُعي إلى مبنى الأركان العامة للاجتماع مع حيدر الكزبري، أحد قادة الانقلاب، ولكنه رفض التعاون معه وحافظ على ولائه التام لجمهورية الوحدة ورئيسها.(17) وبعد أيام، اعتُقل السراج من داخل منزل أحد أقرباء زوجته في حيّ المالكي، واقتيد إلى سجن المزة العسكري.
تهريب السراج إلى مصر
شُكّلت محكمة برئاسة المحقق عمر الربّاط، وقيل إن السراج سيمثل أمامها بصفة “مجرم حرب،” وإن القضاء السوري سيوجه إليه ما يقارب 400 تهمة ،كانت أقلها ستودي به إلى حبل المشنقة.(18)
غضب عبد الناصر من هذا التصرف وأمر بتهريب السراج من داخل السجن، بمساعدة رئيس الحرس منصور الرواشدة، الموالي لعبد الناصر، الذي أعطى السراج بذلة عسكرية للتنكر برتبة “رقيب”، ثم أخرجه من الزنزانة وقدم إليه بطانية لرميها أمامه ودوسها لإخفاء خطواته في الدرب الترابي، وصولاً إلى ساحة قرب السجن، حيث كانت سيارة بانتظاره لنقله سراً إلى لبنان، ليكون بضيافة وحماية الزعيم اللبناني كمال جنبلاط.(19)
نُقل بعدها إلى الإسكندرية عبر سفينة حضرت لهذه المهمة، تحت إشراف السفير المصري في بيروت عبد الحميد غالب.(20) كافأه عبد الناصر بمنصب فخري في مؤسسة التأمينات الاجتماعية، بعيداً عن كافة الأمور السياسية والعسكرية، وبقي السراج مقيماً في القاهرة حتى وفاته في أيلول 2013.
شهادة السراج
قبل رحيل السراج بنحو عشر سنوات، اجتمع السراج مع الطبيب والباحث الفلسطيني كمال خلف الطويل، الخبير بالمرحلة الناصرية، الذي سأله: “حقاً، لِمَ أنت معتصم بالصمت بكل هذا الإصرار؟ هل هناك ما يدين أو يشين من يهمك أمره؟”
ابتسم السراج لما اعتبره تخابثاً، ثم عبس وردّ: “لأجله وحده لن أتكلم”، وأشار بسبابته إلى صورة على الحائط لجمال عبد الناصر بكامل قامته. وأضاف قائلاً: “هو أشرف الرجال وأطهر الرجال ولن يقيض الله للأمة أحداً مثله إلى أجل طويل. لكن مأساته أنه حمل على كتفيه من لا يستحق ولا يقدِر، فأوصله وأوصلنا والأمة معه إلى هاوية بدأت بالانفصال ومرّت باليمن ووصلت إلى الهزيمة (عام 1967). إنه عبد الحكيم عامر. كم نصحته وبتكرار: انتبه يا ريّس، لن يخرب الرجل بيت الإقليم الشمالي فقط، بل والجنوبي بعده، والوحدة برمتها والجيش بأسره.”(21)
سرّ السراج للدكتور الطويل: “زارني (المشير) في منزلي بعد إعلان الوحدة ببرهة، وبصحبته العميد عبد المحسن أبو النور، المعيَّن رئيساً لأركان الجيش الأول، وإثر ما غادرا اكتشفت مظروفاً على الكنبة التي جلس عليها عامر يحتوي على 5000 جنيه، فسارعت بالاتصال بعبد المحسن على اللاسلكي، وطلبت منه العودة للتو، وعندما وصل قلت له: “أبلغ المشير ألّا يعود إلى مسلك كهذا معي، فلست ممن يمكن شراء ولائهم”. فردّ الضابط المصري: “هوّ المشير لاحظ أن سجاد المنزل لا يليق بوزير داخلية، فارتأى أن يسهم في إبداله بلائقٍ، وهو العليم بضيق ذات يدك، فأخذ المبادرة بخفر ونية حسنة.”(22)
يقول الدكتور الطويل: “والحق أن السراج، في مواجهته مع عامر، لم ينحنِ ولم يتراجع، وواجه عبد الناصر بشجاعة المحب، محذراً إياه – بثقة العارف – من أن كارثة تنتظر الإقليمين ـ لا الشـمالي منهما فقط ـ إن تُرك عبد الحكيم على غاربه… وكأني به يرى الانفصال – وهو على مسافة أيام- وهزيمة 67، وسوء إدارة حرب اليمن، وأمراض البيروقراطية العسكرية داخل جسم النظام والدولة.”(23)
الوفاة
غاب السراج عن أي منصب سياسي من بعدها ورفض جميع الدعوات لإجراء إي لقاء صحفي أو تلفزيوني. في سنة 2005 توسط وزير الدفاع مصطفى طلاس للسراج لكي يعود إلى سورية ولكنه رفض ذلك على الرغم من عدم معارضة الرئيس حافظ الأسد. توفي عبد الحميد السراج في القاهرة صامتاً عن عمر ناهز 88 عاماً في 23 أيلول 2013 وأجريت له جنازة رسمية بصفته نائباً سابقاً للرئيس جمال عبد الناصر بأمر من الرئيس عبد الفتاح السيسي.
ذكرى السراج
وفي 1991 صدر كتاب عن عبد الحميد السراج في لندن، حمل عنوان السلطان الأحمر، وضعه عديله الصحفي السوري غسان زكريا. وبعدها بخمس سنوات، ظهرت شخصية عبد الحميد السراج على شاشة التلفزيون في الجزء الثاني من مسلسل حمام القيشاني، ولعب دوره الفنان محمد آل رشي.