أعلام وشخصياتسياسيون ورجال دولة

عبد الرحمن الشهبندر

زعيم الحركة الوطنية 1922-1940

الدكتور عبد الرحمن الشهبندر
الدكتور عبد الرحمن الشهبندر

عبد الرحمن الشهبندر (6 تشرين الثاني 1879 – 6 حزيران 1940)، طبيب وزعيم وطني سوري من دمشق، كان أحد قادة الثورة السورية الكبرى ومن أشهر رموز الحركة الوطنية. تسلّم حقيبة الخارجية في عهد الملك فيصل الأول وأسس حزب الشعب في زمن الانتداب الفرنسي سنة 1925. عارض حكم الكتلة الوطنية واغتيل بدمشق سنة 1940.

البداية

ولِد عبد الرحمن الشهبندر في حي القيمرية بدمشق وهو ابن عائلة صغيرة من الطبقة الوسطى. دَرَس الطب في الجامعة الأميركية في بيروت وعاد إلى دمشق سنة 1906 ليعمل في المستشفى الحميدي. وقد انتسب في هذه المرحلة من شبابه إلى الحلقة الفكرية التي كان يُقيمها الشيخ طاهر الجزائري، حيث عبّر عن رأيه الصريح في سياسات السلطان عبد الحميد الثاني. صدر أمر باعتقاله فهرب إلى العراق أولاً ومن ثمّ إلى الهند، قبل استقراره في مصر لغاية وقوع انقلاب عسكري في إسطنبول سنة 1908، نفذته جمعية الاتحاد والترقي ضد السلطان عبد الحميد.

في عهد الاتحاد والترقي

تحالف الشهبندر مع ضبّاط الاتحاد والترقي ونشأت صداقة خاصة بينه وبين جمال باشا، قائد الجيش الرابع في سورية، الذي عينه طبيباً خاصاً له. نشط الشهبندر في دعم الإصلاحات التي فُرضت على السلطان عبد الحميد قبل تنحيته عن العرش في نيسان 1909، وكان من جملتها استعادة الدستور العثماني المُعطّل منذ سبعينيات القرن التاسع عشر، والدعوة إلى انتخابات نيابية في كل أرجاء السلطنة العثمانية. ولكن فراقاً حلّ بينه وبين قادة جمعية الاتحاد والترقي، عندما أقدم جمال باشا على إعدام نخبة من السياسيين والمفكرين العرب في 6 أيار 1916، بتهمة التخابر مع دول أجنبية لقلب نظام الحكم العثماني في سورية. حاول التوسط لدى الباشا ولكنّ وساطته لم تنفع ومع ذلك، لم ينفصل عن الدولة العثمانية ولم ينضم رسمياً إلى الثورة العربية الكبرى التي انطلقت من الحجاز سنة 1916، بقيادة الشريف حسين بن عليّ.

مؤتمر الصلح سنة 1919

وفي نهاية شهر أيلول من العام 1918، سقطت دمشق في يد قوات الشريف حسين ونُصّب نجلهُ الأمير فيصل حاكماً عربياً على سورية بعد تحريرها من الحكم العثماني. تعرف الأمير فيصل على الشهبندر فوثق به وعيّنه مترجماً خاصاً له يوم سفره إلى فرنسا لحضور مؤتمر الصلح في كانون الثاني 1919. ونظراً لطلاقة لسانه باللغة الإنجليزية، كلفه الأمير بالتواصل مع الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون، الذي تمكن الشهبندر من مقابلته في باريس وإقناعه بضرورة إرسال لجنة تقصّي حقائق إلى سورية، لمعرفة مدى تقبل الشعب السوري فكرة وضعه تحت وصاية فرنسية. وعند وصول لجنة كينغ كراين إلى دمشق، كلّف الشهبندر بمرافقة أعضائها في جولاتهم الميدانية ومقابلاتهم الرسمية. وطلب الأمير فيصل من الشهبندر التعاون مع مجموعة مدرسين وأطباء على تعريب مناهج الطب وإعادة افتتاح معهد الطب العثماني في دمشق، المغلق منذ زمن الحرب العالمية الأولى.

وزيراً للخارجية (3 أيار – 25 تموز 1920)

شارك الشهبندر في حفل تتويج الأمير فيصل ملكاً يوم 8 آذار 1920، وبعدها بشهرين عُيّن وزيراً للخارجية في حكومة الرئيس هاشم الأتاسي. وضِعت الحكومة في مواجهة مع الفرنسيين وقد تلقى الشهبندر بصفته وزيراً للخارجية برقية إنذار من الجنرال هنري غورو في يوم 14 تموز 1920، تطالب بحلّ الجيش السوري وجمع السلاح من الأهالي تمهيداً لفرض الانتداب الفرنسي على سورية. وافقت الحكومة السورية على  شروط غورو وبدأت بتنفيذها، على الرغم من معارضة كل من رئيس الحكومة ووزير الخارجية ووزير الحربية يوسف العظمة، الذي استقال من منصبه احتجاجاً على قرار حلّ الجيش. ولكن الجنرال الفرنسي رأى أن قبول الشروط قد جاء متأخراً، وأصدر أمراً لقواته المرابطة في سهل البقاع بالزحف نحو مدينة دمشق. حصلت مواجهة عسكرية في معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920، هُزم على أثرها الجيش السوري واستشهد الوزير يوسف العظمة. هرب الملك فيصل بداية إلى قرية الكسوة ثمّ إلى سهل حوران قبل مغادرته الأراضي السورية بشكل نهائي يوم 1 آب 1920. أما عبد الرحمن الشهبندر فقد توجه إلى مصر عند صدور قرار إعدام بحقه، بتهمة تشجيع السوريين على مقاومة الانتداب بكل الطرق السياسية والعسكرية.

المؤتمر السوري الفلسطيني

من مصر سافر الشهبندر إلى لندن لمخاطبة مجلس العموم وشرح ملابسات ما حدث مع الملك فيصل في سورية، ثم توجه إلى واشنطن واجتمع بالرئيس الأمريكي وارن هاردينغ الذي كان قد خلف وودرو ويلسون في البيت الأبيض. وفي سنة 1921 تعاون الشهبندر مع الأمير ميشيل لطف الله (المحسوب على الشريف حسين)، وعملا معاً على تأسيس المؤتمر السوري الفلسطيني، كأول تجمع عربي معارض لسياسات الدول الأوروبية في المنطقة. تبنى الشريف حسين أعمال المؤتمر، الذي افتتح في مدينة جنيف السويسرية يوم 25 تموز 1921، وكان يهدف إلى تحرير البلدان العربية من الاستعمار الأجنبي، وتوحيدها تحت راية الأسرة الهاشمية الممثلة بالشريف حسين وأولاده.

قضية شارل كراين سنة 1922

عاد الشهبندر إلى سورية عند صدور عفو عن معظم السياسيين المبعدين وعمل مع صديقه الحميم حسن الحكيم على ترتيب زيارة الدبلوماسي الأمريكي شارل كراين إلى دمشق في 6 نيسان 1922. كان كراين أحد أعضاء اللجنة الأمريكية التي جاءت إلى سورية سنة 1919، يوم كان الشهبندر مترجماً لها، للوقوف على مشاعر الأهالي تجاه الانتداب الفرنسي، وفي زيارته الثانية أراد كراين معرفة ما قد حلّ بهم وببلادهم بعد مرور سنتين على فرض الانتداب بقوة السلاح.

جال كراين برفقة الشهبندر وحسن الحكيم على الجوامع والكنائس واجتمع بقادة المجتمع الدمشقي وذوي الشهداء والمعتقلين. وقبل سفره، قدّم للشهبندر منحة بقيمة 2000 دولار أمريكي، طلب إليه تسليمها إلى سيدتين سوريتين ترغبان في إكمال دراستهن الجامعية في الولايات المتحدة الأمريكية. قرر الشهبندر أن تكون المنحة الأولى من نصيب نازك العابد، مؤسسة جمعية نور الفيحاء، وأن تذهب الثانية إلى أليس قندلفت، بنت الأديب متري قندلفت. رفضت العابد تلك المنحة، ورشّحت مُدرسة من عائلة الرهونجي بدلاً عنها، أمّا قندلفت فقد قبلتها ودرست في جامعة كولومبيا.

الشهبندر سجيناً سنة 1922.
الشهبندر سجيناً سنة 1922.

ألقت سلطة الانتداب  القبض على عبد الرحمن الشهبندر بتهمة تقاضي أموال من دولة أجنبية وسيق مخفوراً إلى سجن القلعة، بانتظار تحديد موعد جلسته أمام القضاء الفرنسي. أضربت دمشق لأجله ورافع عنهُ صديقهُ المحامي فارس الخوري، زميل الدراسة في الجامعة الأمريكية. ولكنّ النتيجة لم تكن لصالحهم. فقد حُكم عليه بعشرين سنة من السجن، قضى منها تسعة عشر شهراً فقط قبل إطلاق سراحه بموجب عفو فرنسي جديد صدر يوم 12 تشرين الأول 1923.

حزب الشعب

في 5 حزيران 1925 أسس عبد الرحمن الشهبندر أول حزب سياسي في عهد الانتداب الفرنسي، الذي سمّاه حزب الشعب وكان مقره بالقرب من محطة الحجاز. احتشد أكثر من ألف شخص لحضور حفل الإشهار في أوبرا العباسية، حيث انتُخب الشهبندر رئيساً للحزب وفارس الخوري نائباً للرئيس. وقد نادى حزب الشعب باستقلال سورية بحدودها الطبيعية وانضمام سورية إلى عصبة الأمم، مع وضع دستور وانتخاب مجلس نواب يمثل مطالب الشعب السوري وطموحاته.

الثورة السورية الكبرى 1925-1927

ولكن مسيرة حزب الشعب لم تكن طويلة وقد قُطعت باكراً عندما صدر قرار بحلّه بعد شهر واحد فقط، رداً على بيان الشهبندر بتأييد الثورة السورية الكبرى في تموز 1925. توجه الشهبندر إلى معقل الثورة في جبل الدروز لحمل السلاح مع قائدها العام سلطان باشا الأطرش، وشاركه في صياغة كل البيانات العسكرية. عمل جاهداً على نقل الثورة من جبل الدروز والغوطة إلى وسط العاصمة السورية، وبالتعاون مع الشيخ محمد الأشمر وحسن الخرّاط، خطط لعملية في وسط سوق البزورية، كان من المفترض أن تؤدي إمّا إلى اعتقال أو تصفية المندوب السامي موريس ساراي. ردّت فرنسا بقصف دمشق في يومي 18-19 تشرين الأول 1925، ما خلّف دماراً شديداً في سوق البزورية وسوق الحميدية وفي أجزاء كبيرة من قصر العظم وحيّ الجزماتية في منطقة الميدان. وحكمت عليه بالإعدام فهرب الشهبندر إلى مصر وبقي مقيماً في القاهرة لغاية عام 1937، عندما صدر عفو عنه بعد أشهر من وصول الكتلة الوطنية إلى سدّة الرئاسة في سورية.

معارضة الكتلة الوطنية

كانت الكتلة الوطنية قد فازت في انتخابات عام 1936، وأصبح هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية وجميل مردم بك رئيساً للحكومة. وكانت علاقة الشهبندر بهما تعود إلى المرحلة الفيصلية، حينما كان هو وزيراً في حكومة الأتاسي الأولى وكان مردم بك معاوناً لهُ. اختلفوا في أعقاب الثورة السورية، عندما طلب مردم بك من الثوّار إلقاء أسلحتهم والدخول في مفاوضات سياسية مع فرنسا، ورأى أن النضال المُسلّح لم يحقق شيئاً من هدف الاستقلال، وحمّل الشهبندر وزر ما حلّ بدمشق وأهلها في أثناء العدوان الفرنسي سنة 1925.

انتسب جميل مردم بك إلى الكتلة الوطنية، التي كانت تنادي بتحقيق الاستقلال عبر المفاوضات السياسية وتعاون “مُشرّف” مع فرنسا، وليس عبر النضال المسلّح، ما عدّه الشهبندر خيانة بحق شهداء الثورة السورية الكبرى. وفي سنة 1936 تمكنت الكتلة الوطنية من إبرام معاهدة سورية – فرنسية، تعطي  الحكومة السورية بعضاً من الصلاحيات مع استقلال تدريجي ومشروط، مقابل منح فرنسا حق الانتفاع من الأراضي السورية والمطارات في حال نشوب حرب جديدة في أوروبا، مع إقامة قواعد عسكرية في الساحل السوري. عُرف الاتفاق بمعاهدة عام 1936، التي وصلت بموجبها الكتلة الوطنية إلى سدّة الحكم، وأصدرت عفواً عاماً عن جميع المعتقلين والمبعدين لأسباب سياسية، وفي مقدمتهم عبد الرحمن الشهبندر وسلطان باشا الأطرش. عاد الشهبندر إلى سورية يوم 14 أيار 1937، ليترأس المعارضة ضد حكومة جميل مردم بك ومعاهدة عام 1936.

الدكتور الشهبنندر في دمشق سنة 1937.
الدكتور الشهبندر في دمشق سنة 1937.

العودة إلى دمشق سنة 1937

رُفعت صور الشهبندر في شوارع العاصمة وتناقلت الصحف خبر عودته، وقد وصفته جريدة الأيام بزغلول سورية، نسبةً إلى الزعيم المصري سعد زغلول. وحدهم زعماء الكتلة الوطنية غابوا عن حفل استقبال الشهبندر، باستثناء  لطفي الحفار الذي حضر بصفته الشخصية. كان الشهبندر ناقماً عليهم لتجاهلهم له طوال مدة غيابه عن مسرح الأحداث في سورية وغاضباً من عدم مشورته في أثناء مفاوضاتهم في باريس. وعندما دعوه لحضور مؤتمر بلودان لمناقشة الأوضاع العامة في فلسطين، رفض الشهبندر المشاركة، قائلاً إنه لا يقبل حضور مجلس يترأسه سعد الله الجابري، وزير الخارجية والداخلية في حكومة جميل مردم بك. سخِر الشهبندر من خصومه، ووصفهم بالمراهقين السياسيين، ورأى أن معاهدة عام 1936 كانت مليئة بهفوات سياسية وقانونية لا تُغتفر، وتنازلات مُذلّة بحق الشعب السوري.

في أحاديثه الصحفية وجّه الشهبندر اللوم إلى جميل مردم بك، وقال إنه هو المسؤول الأول والأخير عن كل هذه الأخطاء. وفي إحدى المناسبات الجماهيرية خطب الشهبندر قائلاً: “إنّ هذه المعاهدة كلها سُموم… يحاول السيد جميل مردم بك تبليعها أبناء سورية وطليها بالعسل، ولكن أبناء البلاد سيطحنون جرعة المعسول بالعقل ليروا السموم المدسوسة فيها.”

ردّ الرئيس مردم بك على كل هذه الانتقادات وأمر بوضع الشهبندر قيد الإقامة الجبرية في منزله في بلودان، مع تعليمات صارمة بفرض رقابة مشدّدة على كلّ زواره ومنعه من عقد اجتماعات سياسية. وعندما تقدم بطلب لإحياء حزب الشعب المُعطّل منذ سنة 1925، جاء رد الحكومة برفض موقع من وزير الداخلية سعد الله الجابري.

الشهبندر والعلمانية

تعرض الشهبندر لحملة مركزة من خطباء المساجد وعلماء الدين المتحالفين مع الكتلة الوطنية بسبب ما قيل يومها عن توجهاته العلمانية ومطالبته بفصل الدين عن السياسة. أُشيع أنه سُمعَ يقول: “نحن العرب لا يمكن أن ننهض حتى نترك هذا الدين الذي أتى به بدوي من الصحراء.” وقيل إنه خاطب بعض النساء المتحجبات بالقول: “إلى متى وأنتن تضعن هذه الجلابيب؟ أما آن لكُنَّ أن تتشبهن بنساء أوروبا؟” وقال الصيدلاني راشد الريشاني، زميل الشهبندر في جامعة بيروت الأمريكية، إنه فكّر في سنواته الدراسية في الخروج على الإسلام واعتناق الدين المسيحي على المذهب البروتستانتي.

هذه العبارات التي نُسبت إلى الشهبندر لم تصدر عنه رسمياً لا في خطاب مُعلن ولا في مقال منشور، وكانت مجرد تهم أُلصقت به وتناقلها العوام في مقاهي دمشق ومجالسهم الخاصة. عندما عاد الشهبندر إلى دمشق بعد دراسته الطب في بيروت، كان مدافعاً شرساً عن الإسلام وقد ترجم كتاب “روح الإسلام” عن اللغة الإنجليزية، وانفرد بفصل كامل عن حقوق المرأة في الإسلام، نُشر في جريدة المقتبس  سنة 1908. وقد تحالف مع علماء الشّام عند تأسيس حزب الشعب، وعندما دعاهم لحمل السلاح في وجه فرنسا كانت دعوته باسم “الله والوطن.”

اغتيال الشهبندر

في 6 تموز 1940 اغتيل الدكتور عبد الرحمن الشهبندر داخل عيادته الطبية الكائنة في منطقة الشعلان، مقابل مدرسة الفرنسيسكان. في اليوم نفسه، شُكّلت لجنة عليا للتحقيق بالجريمة، ترأسها المدعي العام عبد الرؤوف سلطان، وبعد تسعة أيام تمكنت المباحث من اعتقال زعيم القتلة، وكان اسمه أحمد عصاصة، متوارياً في بساتين الميدان. أُلقي القبض عليه بواسطة أحد سكان المنطقة، وكوفئ بخمسة آلاف ليرة سورية، قدمها صديق الشهبندر، الصناعي عثمان الشرباتي.

أرادت حكومة الانتداب الفرنسي إلصاق الجريمة بخصوم الشهبندر من قادة الكتلة الوطنية، وأيدهم في ذلك رئيس حكومة المديرين بهيج الخطيب. زار أحد رجالات الاستخبارات منزل نزيه مؤيد العظم، صهر الشهبندر، وقال له: “اقتلوا بالمقابل واحداً من الكتلة الوطنية!” تعرض الجناة لتعذيب شديد وضرب مُبرح داخل السجن، ومن ثمّ عُرض عليهم حكم مخفف لو قالوا في إفادتهم أمام المحكمة إن أمر التصفية جاء من جميل مردم بك شخصياً. وقد اجتمع الخطيب ومؤيد العظم بالقتلة واتفقوا معهم على هذه الخطة.

وعند استئناف التحقيقات، قال أحمد عصاصة إنه اجتمع في الجامع الأموي مع عاصم النائلي، مدير مكتب جميل مردم بك الذي حرضه ضد الشهبندر ووصفه بالعميل للإنجليز، قائلاً إنه “يُريد تفريق الكلمة وتمزيق الكتلة الوطنية.” وجاء في إفادة عصاصة أن عاصم النائلي عرض عليه مبلغ 400 ليرة عثمانية ذهبية لتنفيذ الجريمة، مقدمة من جميل مردم بك ولطفي الحفار وسعد الله الجابري. وكان من المفترض ضم شكري القوتلي إلى قائمة المتهمين، إلا أن بهيج الخطيب طلب شطب اسمه، لكيلا يغضب ملك السعودية. هرب ثلاثتهم إلى العراق قبل صدور مذكرات التوقيف، وظلّ شكري القوتلي طليقاً لتولّي مهمة تشكيل فريق من أشهر المحامين العرب للدفاع عن رفاقه، ضمّ حبيب أبو شهلا وإميل لحّود من لبنان وإحسان الشريف من سورية. وفي المقابل رافع فريق من المحامين السوريين عن أسرة الشهبندر، كان بينهم منير العجلاني وزكي الخطيب، وكلاهما أعضاء سابقون في الكتلة الوطنية.

وفي جلسات المحاكمة التي عقدت داخل مجلس النواب السوري، كرر أحمد عصاصة أقواله قبل أن يدخل عليهم الشيخ مكي الكتاني، مفتي المالكيّة، ويقول إنه يتحمّل جزءاً من المسؤولية عما حدث مع الشهبندر، مشيراً إلى أن أحمد عصاصة قد زاره قبل تنفيذ الجريمة وسأله: “ما جزاء الخائن في الإسلام؟” أجابه الكتاني دون تردد: “القتل.” وقد اتخذت هذه الفتوى غطاء شرعياً لتصفية الشهبندر. عندما شاهد القتلة الشيخ الكتاني في قاعة المحكمة، نهضوا من أماكنهم باحترام بالغ وارتباك شديد، فتوجه إليهم بالقول إنه لم يُفتِ قط باغتيال الشهبندر، بل تحدث عن الخيانة بالعموم، دون معرفة المقصود من سؤال عصاصة.

قاعة مجلس النواب خلال جلسات محاكمة قتلة الشهبندر.
قاعة مجلس النواب خلال جلسات محاكمة قتلة الشهبندر.

هنا طلبت المحكمة من أحمد عصاصة أن يُعيد شهادته أمام القاضي الفرنسي وأن يقسم على القرآن الكريم بألّا يقول إلّا الصدق. انفجر عصاصة باكياً واعترف بأنه قتل الشهبندر دون أي توجيه من جميل مردم بك ورفاقه، مضيفاً أنه لم يلتقِ بعاصم النائلي في حياته. أصدرت المحكمة قراراً بتبرئة قادة الكتلة الوطنية من كل التهم الموجهة إليهم، وحُكم على الجناة بالإعدام. وقد نفذ إعدام المجرمين في ساحة المرجة بدمشق صباح يوم 3 شباط 1941.

عائلة الشهبندر

تزوج عبد الرحمن الشهبندر من سارة مؤيد العظم، بنت الوجيه تقي الدين مؤيد العظم، التي توفيت سنة 1976. وله منها  ستة أولاد كان أكبرهم فيصل الشهبندر المُسمى على اسم الملك فيصل الأول (وهو من تولد 1917)، تليه سحاب (تولد 1919)، ثم ميادة (1921) فغادة الشهبندر (1923)، وصولاً للتوأم رباح وصلاح الشهبندر (1924).

مؤلفاته

في سنة 1940 وضع الشهبندر مذكراته بعنوان ثورة سورية كبرى: أسرارها وعواملها ونتائجها، التي صدرت في العاصمة الأردنية عمّان، وكتب مقدمة كتاب فاجعة ميسلون والبطل العظيم يوسف العظمة، للأديب محيّ الدين السفرجلاني، الذي صدر في دمشق سنة 1937. وقد جُمعت مقالات الشهبندر وخطبه في مجموعة كتب نُشرت كلّها بعد وفاته سنة 1993. وفي سنة 2015 جُمعت مراسلاته مع حسن الحكيم في كتاب الرسائل المفقودة الذي حققه الكاتب السوري سامي مروان مبيّض.

ضريح عبد الرحمن الشهبندر
ضريح عبد الرحمن الشهبندر

تخليد ذكرى الشهبندر

دفن الشهبندر إلى جانب ضريح صلاح الدين الأيوبي خلف الجامع الأموي،  وأطلق اسمه على إحدى ساحات دمشق وعلى شارع عريض بالقرب من ساحة السبع بحرات. وقد سُمّيت مدرسة للإناث على اسمه في منطقة المزرعة وصدرت كتب وأبحاث عدة عن حياته، مثل عبد الرحمن الشهبندر: حياته وجهاده لصديقه حسن الحكيم (بيروت 1985) وكتاب عبد الرحمن الشهبندر: عَلَم نهضوي ورجل الوطنية والتحرر الفكري للباحث السوري عبد الله حنّا.

الشهبندر على شاشة التلفزيون

جُسّدت شخصية عبد الرحمن الشهبندر مرتين على شاشة التلفزيون، كانت الأولى في الجزء الثاني من مسلسل أخوة التراب سنة 1998، حيث لعب دوره الممثل الفلسطيني بسّام لطفي. وكانت المرة الثانية في مسلسل طالع الفضة سنة 2011، عندما جسّد شخصيته الفنان الفنان السوري جمال سليمان.

المناصب:

وزيراً للخارجية (3 أيار – 25 تموز 1920)
رئيس حزب الشعب (5 حزيران – 15 تموز 1925)
  • سبقه في المنصب: لا يوجد
  • خلفه في المنصب: أُلغي المنصب
المصدر
1. حسن الحكيم. عبد الرحمن الشهبندر: حياته وعصره (الدار المتحدة للنشر، بيروت 1985)، 17-182. محمّد حرب فرزات. الحياة الحزبية في سورية (دار الرواد، دمشق 1955)، 102 3. نصوح بابيل. صحافة وسياسة: سورية في القرن العشرين (دار رياض نجيب الريّيس، لندن 1987)، 1174. منذر الموصللي. حقائق وخفايا اغتيال الشهبندر من مذكرات المجاهد الشيخ محمد الحرش (دار المروة، دمشق 2006)، 1445. نفس المصدر6. سمير سيقلي. عبد الرحمن الشهبندر وبداية عمله الوطني (باللغة الإنكليزية، 1986)، 627. فيليب خوري. سورية والانتداب الفرنسي (باللغة الإنكليزية - جامعة برينستون 1987)،1468. نصوح بابيل. صحافة وسياسة: سورية في القرن العشرين (دار رياض نجيب الريّيس، لندن 1987)، 1399. منذر الموصللي. حقائق وخفايا اغتيال الشهبندر من مذكرات المجاهد الشيخ محمد الحرش (دار المروة، دمشق 2006)، 16110. نصوح بابيل. صحافة وسياسة: سورية في القرن العشرين (دار رياض نجيب الريّيس، لندن 1987)، 14611. نفس المصدر، 14712. نفس المصدر، 154-15513. سلمى مردم بك. أوراق جميل مردم بك (شركة المطبوعات، بيروت 1994)، 11614. نفس المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !