سياسيون ورجال دولةعسكريون

حسني الزعيم

مهندس الانقلاب الأول في ورئيس الجمهورية السورية (26 حزيران - 14 آب 1949)

الزعيم حسني الزعيم
الزعيم حسني الزعيم

حسني الزعيم (11 أيار 1897 – 14 آب 1949)، ضابط سوري من دمشق، كان رئيساً لأركان الجيش في حرب فلسطين ومهندس الانقلاب الأول في سورية يوم 29 آذار 1949. بعد اعتقال رئيس الجمهورية شكري القوتلي، نصّب نفسه حاكماً عسكرياً على سورية لغاية 26 حزيران 1949، يوم أجرى استفتاء شعبي – كان الأول من نوعه في تاريخ البلاد – أوصله إلى رئاسة الجمهورية. دخل في مفاوضات سلام ووقع على اتفاقية الهدنة مع إسرائيل، وخلال عهده القصير، وضع دستور جديد أعطى المرأة السورية حق الانتخاب والترشح للنيابة. لم يستمر عهد الزعيم سوى 137 يوماً فقط، حيث تم إلقاء القبض عليه وإعدامه في 14 آب 1949. ألهم نجاح انقلاب الزعيم الضباط الأحرار في مصر على تنفيذ انقلابهم على الملك فاروق عام 1952، وفي سورية، فتح الزعيم شهية العسكريين، ما أدى إلى سلسلة من الانقلابات العسكرية كان آخرها انقلاب البعث في 8 آذار 1963.

البداية

ولِدَ حسني الزعيم في حلب وكان والده شيخاً يُلقي الدروس الدينية في الجامع الكبير، أما والدته فقد كانت من أصول كردية. دَرَس في الكلية الحربية في إسطنبول والتحق بالجيش العثماني وخاض معارك الحرب العالمية الأولى. ادعى بعد وصوله إلى الحكم بأنه انشق عن الجيش العثماني وانضم إلى الثورة العربية الكبرى التي انطلقت من الحجاز في العام 1916. زعم أنه شارك بتحرير دمشق مع قوات الحلفاء عام 1918، ولكن اسمه لم يرد في سجلات الثورة العربية الكبرى ولم تصدر أية وثيقة تثبت أنه شارك فيها، أو حتى أنه كان داعماً لها.

جيش الشرق (1921-1941)

بعد احتلال سورية من قبل الفرنسيين عام 1920، انتسب الزعيم إلى جيش الشرق ووصل إلى رتبة “مقدم.” في عهد فيشي عام 1941، كُلف بتشكيل قوات مسلّحة لمقاومة قوات فرنسا الحرة عند اقترابها من دمشق، لكنّه هرب من المعركة آخذاً معه الأموال المخصصة للمقاومة. بعد تحرير دمشق من فيشي، أصدرت قوات فرنسا الحرة أمراً باعتقاله، وعثرت عليه مخْتَبِئاً في حيّ الأكراد بدمشق. طُرِد من جيش الشرق وحُكم عليه بالسجن 20 عاماً، قضى منها خمس سنوات مُتنقلاً بين سجن القلعة في دمشق وسجن الرمل في بيروت. بعد انتخابه رئيساً للجمهورية عام 1943، توسط شكري القوتلي لأجله وأٌطلق سراحه، شرط وضعه قيد الإقامة الجبرية في منطقة الأشرفية في بيروت.

العودة إلى الخدمة العسكرية (1946-1948)

بعد جلاء القوات الفرنسية عن سورية في 17 نيسان 1946، تقدّم الزعيم بطلب الانضمام إلى الجيش السوري لكن وزير الدفاع أحمد الشرباتي رفض الموافقة بسبب ما ورد في سجله العسكري من تهم. أصرّ الزعيم على أنه مظلوم، وأن تُهمة الفساد قد لفّقت له بسبب مواقفه “الوطنية.” توسط لدى محسن البرازي، أمين عام الرئاسة السورية، الذي تدخل لأجله مع الرئيس القوتلي وأقنعه بضرورة الاستفادة من خبرة حسني الزعيم وعودته إلى الخدمة العسكرية.

حسني الزعيم مع الرئيس شكري القوتلي سنة 1948 (المصدر: حركة البناء الوطني)
حسني الزعيم مع الرئيس شكري القوتلي سنة 1948 (المصدر: حركة البناء الوطني)

أعاده القوتلي إلى الجيش، مع الاحتفاظ بقدم رتبته العسكرية، وعيّنه قائداً للّواء الثالث في دير الزور. عندما بدأت المظاهرات المطالبة بتسليح الأهالي ودعوتهم للجهاد في فلسطين، قرر القوتلي تعيينه قائداً للشرطة العسكرية، ثم رئيساً للأركان بعد استقالة اللواء عبد الله عطفة في مطلع حرب فلسطين عام 1948. أَظهر الزعيم ولاءً مُطلقاً للقوتلي، الذي أعجب بتفانيه بالعمل وشعبيته بين الجنود والضباط، حيث قال ذات يوم أمام سهيل العشي، المرافق العسكري لرئيس الجمهورية: “يوجد شخص واحد في هذا البلد يجب تقبيل قدميه قبل يديه ورأسه، وهو هذا الرجل العظيم.”وفي حوار مع المؤرخ السوري سامي مروان مبيّض، يقول العشي: “كان الزعيم ماكراً خبيثاً ومُخادعاً، لكن القوتلي وثق به … بكلِّ أسف … واعتمد عليه خلال حرب فلسطين.”

الخلاف مع خالد العظم

قاد الزعيم الجيش السوري في أشدّ معارك حرب فلسطين ضراوة وحقق انتصارات عسكرية كبيرة في الميدان، قبل أن تُفرض الهدنة الأولى على الدول العربية في 11 حزيران 1948. لم تكن علاقته جيدة مع الزعماء السياسيين، وتحديداً خالد العظم، الذي عُيّن رئيساً للحكومة ووزيراً للدفاع في كانون الأول 1948. كان العظم ينظر إلى الزعيم نظرة شك وريبة، وقد حذّر القوتلي منه وقال إنه “خطر على سورية،” مضيفاً: “قبل أن يتعشى بنا يجب أن نتغدى به.”

وصلت هذه الكلمات إلى مسمع الزعيم، بالتزامن مع الانتقادات المتكررة التي وجهت إليه من النائب فيصل العسلي، الذي وصفه بالمقامر والفاسد. طالب العسلي بتسريحه من الجيش وإحالته إلى القضاء العسكري، فرد الزعيم بمعروض، مطالباً برفع الحصانة النابية عن العسلي ومحاكمته بتهمة الإساءة إلى المؤسسة العسكرية. رفض الرئيس القوتلي قبول معروض الزعيم وعاتبه بالقول: “أهكذا أصبح الجيش؟ هل أصبح الضباط مثل المخاتير يحررون المحاضر؟” أحال المعروض إلى خالد العظم حسب الأصول، وعندما توجه الزعيم إلى منزله، جعله العظم ينتظر طويلاً قبل أن يأذن له بالدخول، مما أغضب الزعيم كثيراً وضاعف من نقمته على الطبقة السياسية الحاكمة. هذا وقد اشتدت الحملة على الزعيم بسبب علاقته بالعقيد أنطون البستاني، مدير تموين الجيش، الذي أُدين بإطعام الجنود سمناً فاسداً. أمر القوتلي باعتقال البستاني، لكن الزعيم رفض تنفيذ أوامر رئيس الجمهورية واكتفى بوضعه قيد الإقامة الجبرية في مبنى وزارة الدفاع، دون تسريح أو معاقبة.

الزعيم والولايات المتحدة

تواصل الزعيم مع الميجور ستيفان ميد، مساعد الملحق العسكري في السفارة الأمريكية بدمشق، واجتمع معه ست مرات في الفترة ما بين تشرين الثاني 1947 – آذار 1948. لم يُخفِ الزعيم رغبته القيام بانقلاب عسكري للإطاحة بالقوتلي وفرض نظام عسكري موالِ للولايات المتحدة الأميركية، بعد أن لمس توتراً في علاقة القوتلي بواشنطن، بسبب رفض الرئيس السوري توقيع اتفاق هدنة مع إسرائيل وعدم السماح لشركة التابلاين الأميركية من نقل النفط السعودي عبر الأراضي السورية. عرض الزعيم أن يقوم بتمرير اتفاقية التابلاين، وأن يدخل في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، فأبرق الميجور ميد إلى واشنطن قائلاً:

حسني الزعيم يُريد أن يرى تحالفاً عسكرياً بين بلاده والولايات المتحدة، وهو يقول إنّ وجود حكم قوي ومستقر في دمشق – أو ديكتاتورية – سيكون أفضل للجميع وسيُعطي الولايات المتحدة حليفاً موثوقاً ودائماً في سورية. ويقترح أن يكون هو هذا الحليف المؤتمن.

وجهت إنذارات عدة إلى القوتلي لتوخي الحذر من حسني الزعيم، ومن ضمنها ما قاله له مدير البروتوكول في القصر عصام الإنكليزي، بعد اجتماعه بموظفين من السفارة البريطانية في 25 آذار 1949، قبل وقوع الانقلاب بأربعة أيام. وكان الإنذار الثاني قد جاء عبر إدمون حمصي، سفير سورية في لندن، يوم 27 آذار 1949، والثالث من رئيس الحكومة السابق جميل مردم بك، الذي أرسل ابنه إلى دمشق وحذر القوتلي من نيّة الزعيم القيام بانقلاب عسكري.

دبابات حسني الزعيم على مدخل محطة الحجاز صباح 30 آذار 1949.
دبابات حسني الزعيم على مدخل محطة الحجاز صباح 30 آذار 1949.

انقلاب 29 آذار 1949

في منتصف ليلة 29-30 آذار 1949، قُطعت الاتصالات السلكية واللاسلكية عن دمشق، وأُغلقت جميع المعابر الحدودية بين سورية ودول الجوار. تحركت القطعات العسكرية من ريف دمشق باتجاه وسط المدينة، وتمركزت عند مبنى الإذاعة في شارع النصر، والبرلمان في شارع العابد، والقصر الجمهوري في منطقة المهاجرين. اتجهت مجموعة من الجنود إلى منزل الرئيس القوتلي في منطقة بستان الرئيس، وذهبت مجموعة ثانية إلى دار رئيس الحكومة خالد العظم في سوق ساروجا. ألقي القبض على القوتلي دون مقاومة، وتعامل الجنود العظم العظم بقسوة، حيث أنهم ضربوه ورموه من أعلى السلم، وأخرجوه من منزله أمام الناس بشكل مهين، حافي القدمين وبلباس النوم.

اعتقل الزعيم أيضاً مدير الشرطة والأمن العام العقيد محمود الهندي، والنائب فيصل العسلي، وأمين عام وزارة الدفاع أحمد اللحام، والصحفي وجيه الحفار (صاحب جريدة الإنشاء)، ومدير الإذاعة فؤاد الشايب لرفضه إذاعة البلاغ العسكري رقم واحد، والذي كان نصه:

مدفوعين بغيرتنا الوطنية مُتألمين بما آل إليه وضع البلد من جراء افتراءات وتعسُّف من يدَّعون أنهم حُكامنا المخلصون لجأنا مضطرين إلى تسلُّم زمام الحكم مؤقتاً في البلد التي نحرص على المحافظة على استقلالها كلَّ الحرص.

كتب الزعيم الاشتراكي أكرم الحوراني بلاغات الانقلاب المتتالية، واصفاً عهد القوتلي بأبشع الأوصاف ومُتهِماً رموزه بالخيانة والفساد والتقصير في واجبهم الوطني تجاه فلسطين. كان الحوراني إلى جانب الزعيم عند تنفيذ الانقلاب، وقد نصحه بإعدام القوتلي، لكنّ الزعيم رفض القيام بذلك خوفاً من تداعيات هذا الأمر على قادة الدول العربية المُقربين من الرئيس المعتقل، وفي مقدمتهم الملك فاروق والملك عبد العزيز آل سعود.

عهد الزعيم

فرضت القوانين العرفية على سورية، وأَجاز الزعيم للسلطات الأمنية بمراقبة الاتصالات واعتقال أي مشتبه به دون مذكرة توقيف أو محاكمة. بدأ حكمه بإلغاء رتبة “الزعيم” (وهي توازي رتبة “عميد” اليوم)، وتدريج مقولة “لا زعيم إلّا الزعيم.” إعجاباً بحكّام أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، صار الزعيم يرتدي عدسة المونوكل على عينه اليمنى، ويلبس قفازات بيضاء، كما أمر بإحضار عصا المارشالية لحملها في المناسبات الوطنية، مثل قياصرة ألمانيا وروسيا.

أمر الزعيم بتعطيل الدستور وإغلاق مكاتب جميع الأحزاب، إضافة إلى حلّ المجلس النيابي ابتداء من صباح يوم 1 نيسان 1949. كما أنه أوقف مُعظم الصحف اليومية، وأطلق صحيفة سياسية تابعة له باسم الانقلاب، ترأس تحريرها منير الريّس. في بادرة حسن نية تجاه الدول الغربية، رفع الحظر المفروض على يهود سورية وأعاد لهم رُخص السوق وجوازات سفرهم، مع الإبقاء على قانون منع بيع عقاراتهم. وفي 26 نيسان 1949، اعترفت الولايات المتحدة بشرعية انقلاب الزعيم، وتلتها اعترافات بعد أيام من فرنسا وبريطانيا والاتحاد السوفيتي.

شرعية الانقلاب

تسارع النواب إلى منزل رئيس المجلس النيابي فارس الخوري، الذي كان قد تمارض يوم الانقلاب لتجنُّب ملاقاة الزعيم. طلبوا منه المشورة حول كيفية التعامل مع العهد الجديد، فكان جوابه: “لقد اندلعت النيران في البيت، وإنّ الواجب والعقل والضمير يفرض علينا أن نتعاون لإخماد النيران أو حصرها قبل أن يشتد لهيبها فتأتي على الأخضر واليابس.”

طلب الزعيم من الخوري زيارة القوتلي في مستشفى الشهيد يوسف العظمة في منطقة المزة لإقناعه بالاستقالة، وفي 6 نيسان 1949 استقال القوتلي بكتاب موجه لا للزعيم بل إلى الشعب السوري: “أُقدم للشعب السوري الكريم استقالتي من رئاسة الجمهورية السورية، راجياً له العز والمجد.” على الفور، قام الزعيم بنسخ استقالة القوتلي ووزعها على الصحف، ثم أعاد نشرها في كتاب ترويجي صدر عن مطبعة الجيش باسم الانقلاب السوري، للصحفي بشير العوف. وقد نشرت مجلّة تايم الأمريكية مقالاً مطولاً عن الوضع في سورية بعد أسبوع واحد من الانقلاب، جاء فيه:

مُعظم السوريين يجلسون في المقاهي والأسواق، يشربون الشاي ويدخنون النراجيل، ولا يعنيهم كثيراً التغيير الذي طرأ على حكومتهم مؤخراً. في تاريخهم الطويل ذاقوا طعم حكم الفرس والرومان والمغول والأتراك والفرنسيين، ويبدو أنهم على استعداد لتقبُّل حسني الزعيم أيضاً.

الزعيم وإسرائيل

تنفيذاً لوعوده السابقة أمام الأمريكان، سارع الزعيم بإطلاق مفاوضات الهدنة مع إسرائيل في 5 نيسان 1949، تحت إشراف الأمم المتحدة. خوفاً من أنْ يتهمه أعداؤه بالخيانة، وإصراراً منه على أن يُثبت أنه ليس أقل وطنية من شكري القوتلي، قال الزعيم لوكالات الأنباء إن هذه المفاوضات هي مُجرد “استراحة محارب،” وهي لا تعني إنهاء الحرب مع إسرائيل أو التخلّي عن حقوق الشعب الفلسطيني.

كان القوتلي يرفض التنازل في منطقة الجليل، ويصر على استعادة بحيرة طبريّا بالكامل، كما ورد في مُذكّرات وزارة الخارجية السورية إلى الأمم المتحدة. صرّح الزعيم أمام الوزير الأمريكي المفوض بدمشق جيمس كيلي أنّ كلام القوتلي لا يعنيه، وأنه على استعداد للتنازل عن الجليل كاملاً ومشاركة الإسرائيليين بمياه بحيرة طبريّا، مع إعطاء نصفها الغربي لإسرائيل نظراً لحاجتها الماسة للماء في تطوير وتأهيل صحراء النّقب. اتفق الطرفان على خطوط وقف إطلاق النار وأن تكون المنطقة بين الحدود السورية – الفلسطينية منزوعة السلاح تحت إشراف رئيس لجنة الهدنة، الأمريكي رالف بنش. وُقّعت اتفاقية الهدنة يوم 20 تموز 1949، وفي كتابه الطريق الذي لم يُسلك عدّ السفير الإسرائيلي إيتامار رابينوفتش أن هذه الاتفاقية كانت “اعترافاً سورياً  مبكراً بالدولة العبرية،” قبل أن تعترف بها مصر بثلاثة عقود.

عند الانتهاء من موضوع الهدنة، عرض الزعيم على الولايات المتحدة مشروعاً متكاملاً لسلام مستدام في الشرق الأوسط، مؤلف من ثلاث نقاط:

  1. عقد لقاء بينه وبين دافيد بن غوريون، إمّا بدمشق أو تل أبيب.
  2. التوصل إلى اتفاقية سلام يُنهي الحرب بين سورية وإسرائيل.
  3. توطين 300 ألف لاجئ فلسطيني في منطقة الجزيرة مقابل دعم مالي وعسكري من الولايات المتحدة.

في ردِّها الأول على عرض الزعيم، عدّت وزارة الخارجية الأمريكية أنه كان “إنسانياً في طرحه ورجل دولة في موقفه.” دعا إدارة الرئيس هاري ترومان أن تتقدم بطلب رسمي إلى الحكومة السورية، لإنشاء قواعد عسكرية في الساحل السوري، وقال إنه سيوافق عليه فوراً بهدف “الحدّ من تمادي الشيوعية في الشرق الأوسط.” عند سماعه عن كل هذه التنازلات، كَتب وزير خارجية الزعيم، الأمير عادل أرسلان في مُذكّراته: “صرت أخشى على سورية أن تُباع!”

حسني الزعيم رئيساً للجمهورية.
حسني الزعيم رئيساً للجمهورية.

الزعيم رئيساً للجمهورية

في حزيران 1949 أجرى الزعيم استفتاء شعبي ومباشر، أوصله إلى رئاسة الجمهورية بنسبة فاقت 116% من أصوات الناخبين. كُلّف محسن البرازي بتشكيل حكومة جديد بدلاً من الحكومة المؤقتة التي ترأسها الزعيم بنفسه منذ 1 نيسان 1949. ضمّت الوزارة عدداً من الشخصيات الوطنية المحترمة، مثل وزير العدل الأمير مصطفى الشهابي ووزير المعارف خليل مردم بك.

العلاقة مع الدول العربية

جميع الدول العربية تعاملت مع انقلاب الزعيم بحذر شديد، وانتظرت قبل الاعتراف به. في 16 نيسان 1949 وصل رئيس الحكومة العراقية نوري السعيد إلى دمشق واجتمع مطوّلاً مع الزعيم في المطار لمعرفة نواياه الإقليمية والدولية. سأله: “هل يقبل عطوفة الزعيم بمشروع الهلال الخصيب الذي كان العراق قد طرحه منذ أشهر؟ وماذا عن تحالف سورية القائم مع الدول العربية المعادية للأسرة الهاشمية (إشارة إلى مصر والسعودية)؟” عرض نوري السعيد إقامة وحدة مباشرة بين سورية والعراق، ولكن الزعيم رفض الدخول بأي حلف، وعاد السعيد إلى بلاده خالي الوفاض.

بعدها جاء عبد الرحمن عزام باشا، أمين عام جامعة الدول العربية، وعرض على الزعيم ترتيب لقاء له مع الملك فاروق. كان فاروق صديقاً قديماً للقوتلي وقد أعطاه اللجوء السياسي في مصر بعد استقالته من رئاسة الجمهورية. اجتماع الملك بالزعيم في القاهرة يوم 21 نيسان 1949، وحصل منه على تعهد شفهي بنبذ الحلف الهاشمي العراقي – الأردني. بناء عليه، قطع الزعيم علاقات سورية مع العراق والأردن وقال في مؤتمر صحفي يوم 26 نيسان 1949: “سوف آتي بالملك عبد الله إلى دمشق وسوف أعلق مشنقته في ساحة المرجة.

حسني الزعيم والملك فاروق في القاهرة.
حسني الزعيم والملك فاروق في القاهرة.

تسليم أنطون سعادة

بعدها اعترفت مصر رسمياً بشرعية انقلاب الزعيم وتلاها اعتراف مُماثل من السعودية. وحده لبنان رفض الانصياع إلى هذا الموقف وظلّ متمسكاً بشكري القوتلي رئيساً شرعياً لسورية. رداً على هذا التحدي، قام الزعيم باستقبال أنطون سعادة، مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي، المطلوب من القضاء اللبناني. أعطاه اللجوء السياسي في دمشق ووعده بتمويل ثورة عسكرية في لبنان تطيح برئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس حكومته رياض الصلح. كان سعادة معارضاً للميثاق الوطني بين الخوري والصلح، الذي قسّم رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزارة بين المسيحيين والمسلمين، كما ضرب في شرعية الجمهورية اللبنانية ورأى أنها يجب أن تبقى جزءاً من سورية الكبرى، بحسب عقيدة السوريين القوميين. وجد حليفاً في شخص حسني الزعيم، الذي كان على خلاف كبير مع قادة لبنان بسبب إصرارهم على عدم الاعتراف بشرعية حكمه. أراد الزعيم استخدام أنطون سعادة للنيل من رياض الصلح، فأعطاه اللجوء المطلوب وقدّم له مسدسه الخاص، عربون وفاء وتقدير.

انطلقت ثورة أنطون سعادة بتمويل وتخطيط من المخابرات السورية، فتواصل رياض الصلح مع نظيره السوري محسن البرازي واتفقا على وأدها وتسليم سعادة إل السلطات اللبنانية مقابل اعتراف الحكومة اللبنانية بحسن الزعيم رئيساً في سورية. في مُذكّراته، يقول نذير فنصة، عديل حسني الزعيم ومدير مكتبه:

ذهبت إلى الزعيم أستفسر عن موضوع سعادة، فقال لي: إن هناك ضغطاً عليه من الشّيخ بشارة الخوري رئيس الجمهورية اللبنانية ومن رياض الصلح. قلت للزعيم: أليس من العار أن تُسلّم شخصاً تعرف أنه سيعدم بعدما منحته الأمان؟ فقال لي: إنهم يطلبون مني أن أدبر قتله هنا في دمشق، وأنا لم أفعل ذلك طبعاً. لذا سأسلمه.

طلب فنصة من الزعيم عدم تسليم سعادة إلى لبنان، واقترح ترحيله إلى الأرجنتين حيث له قاعدة حزبية كبيرة، ولكن الزعيم قام بتسليمه إلى السلطات اللبنانية، حيث أُعدم بعد محاكمة سريعة في 8 تموز 1949. بعدها بأيام معدودة وصل الرئيس بشارة الخوري إلى دمشق ومعه رياض الصلح، واعترفا رسمياً بحسني الزعيم وشرعية حكمه.

حسني الزعيم وبشارة الخوري بعد تسليم أنطون سعادة إلى لبنان.
حسني الزعيم وبشارة الخوري بعد تسليم أنطون سعادة إلى لبنان.

انقلاب سامي الحناوي

في الساعات الأولى من 14 آب 1949، وقع انقلاب جديد في دمشق بقيادة اللواء سامي الحناوي، صديق حسني الزعيم والمحسوب على العراق. كان الزعيم عائداً من حفل خيري في فندق بلودان الكبير، وقد رتّب الحناوي غياب مرافقه العسكري الملازم أول عبد الحميد السراج عن منزله الكائن في شارع أبو رمانة، لضمان نجاح الانقلاب. في مُذكّراته، يصف أحد قادة الانقلاب فضل الله أبو منصور ما حدث في تلك الليلة قائلاً:

واصلت قرع الباب بشدة، فإذا بالأنوار الكهربائية تُشع، وإذا بحسني الزعيم يُطل من على الشرفة صائحاً: “ما هذا؟ من هنا؟” أجبته بلهجة الأمر الصارم: “استسلم حالاً، فكل شيء قد انتهى، وإلّا دمرت هذا القصر على رأسك.” فانتفض حسني الزعيم وتراجع مذعوراً. عاجلته بوابل من رشاشتي، إلا أنه دخل القصر وتوارى فيه.  ثم نزل من الدور الثاني وهو يرتدي بنطلونه فوق ثياب النوم، وزوجته وراءه تصيح: حسني…حسني…إلى أين يا حسني؟ وقبل أن يتمكن حسني من الرد على زوجته، دنوت منه واعتقلته ثم صفعته صفعة كان لها في أرجاء القصر دوي. قال حسني: “لا تضربني يا رجل، احترم كرامتي العسكرية.

وضِع الزعيم في مصفحة، ونُقل إلى منطقة مهجورة بالقرب من مقبرة الفرنسيين في بساتين المزّة، حيث أُلحق به رئيس الحكومة محسن البرازي ومدير مكتبه نذير فنصة. يُضيف أبو منصور:

كان حسني الزعيم في المُصفحة ساهماً تائه النظرات، كأنه لا يُصدق ما يرى ويسمع…كأنه يحسب نفسه في منام مُخيف. ثم قال الزعيم لفضل الله أبو منصور: “يا فضل، أنا بين يديك، معي ثمانون ألف ليرة، خذ منها ستين ألفاً لك ووزع عشرين ألفاً على جنودك وأطلق سراحي ودعني أهرب إلى خارج البلاد.”

يصف نذير فنصة اللحظات الأخيرة من حياة الزعيم قائلاً: “كان الزعيم هادئاً في شكل مُذهل ومتمالكاً نفسه، بينما كان البرازي مرمياً على الأرض ومغمياً عليه. وكنت أنا أرتعد لاقتراب شبح الموت مني، فقال حسني الزعيم، موجهاً كلامه لي وللبرازي: “لا تخافوا، فالإنسان لا يموت سوى مرة واحدة.”

عندها أطلق النار على الزعيم والبرازي، وكانت كلامته الأخيرة: “أنا حسني الزعيم! أنا الذي جعلت لكم كرامة. تقتلوني بدلاً من قتل هؤلاء الكلاب؟”

استمر إطلاق النار زهاء خمس دقائق، داس بعدها الجنود على جثته بأرجلهم. يُكمل فضل الله أبو منصور حديثه بالقول:

أمرت بنقل الجثتين إلى المصفحة ثم سرت إلى المستشفى العسكري لأضعهما في غرفة الموتى. أغلقت عليهما باب الغرفة واحتفظت بالمفتاح وفي الساعة السادسة صباحاً، استوليت على القصر الجمهوري وختمته بالشمع الأحمر ثم توجهت إلى رئاسة الأركان لمقابلة الزعيم سامي الحناوي.

جثة الزعيم

أمر سامي الحناوي بدفن الزعيم في قبر مجهول في قرية أم الشراطيط بريف دمشق، وبعد عودة هاشم الأتاسي إلى الحكم، طلب البحث عن الجثة قائلاً: “لا يجوز دفن حسني الزعيم بهذه الطريقة، لأنه كان رئيساً لسورية وقائداً لجيشها.” عُثر على جثة الزعيم في نعش مُكسّر تحت حجارة كبيرة، وتمكنت السلطات من التعرّف عليه من سروال بيجامته وآثار رصاصة في خاصرته كان قد أصيب بها في زمن الانتداب الفرنسي. نُقل جثمان الزعيم إلى مقبرة الدحداح في دمشق وأقيم له قبر أنيق، يليق برئيس جمهورية سابق.

إنجازات الزعيم

  • استدعاء خبراء من فرنسا لجر مياه نهر الفرات إلى حلب.
  • توسيع مطار دمشق وجعله مطاراً دولياً.
  • إصدار قانون التجارة والقانون المدني.
  • وضع دستور يُعطي المرأة السورية حق الانتخاب والترشح للمجلس النيابي

قالوا في الزعيم

اختلفت الأقوال في حسني الزعيم، بينما من وصفه بالأرعن المتهور، ومن اعتبره رائداً ومُجدّداً في أفعاله. أول من أفصح عن رأيه الصريح بالزعيم كان وزير خارجيته الأمير عادل أرسلان، عبر سلسلة مقالات نُشرت في جريدة الحياة في صيف عام 1949، قال فيها أن الزعيم كان يُريد عقد هدنة سريعة من إسرائيل لكي يسحب الجيش السوري من الجبهة ويقمع المعارضة الداخلية. أمّا المؤرخ الإسرائيلي آفي شلايم من جامعة أوكسفورد، فقد وصف الزعيم بالقول: ” بِالرَّغْمِ من عيوبه الشخصية، كان رجلاً جدّياً في طرح الإصلاح الاجتماعي والتطور الاقتصادي، وكان يعد السلام مع إسرائيل وحلّ قضية اللاجئين ضرورياً لتحقيق تلك الأهداف.”

وفي كتابه الشهير لعبة الأمم، عدّ مايلز كوبلاند، موظف وكالة CIA في السفارة الأمريكية بدمشق، أنه أخطأ التقدير في اختيار حسني الزعيم لقيادة سورية، وصرح لزميله ستيفان ميد بالقول: “إنَّ هذا الفعل ينمّ على غباء شديد من طرفنا. كان من المفترض عدم تورُّط بعثتنا الدبلوماسية مع هذا الرجل!” وقد جاء هذا الكلام في كتابه الصادر عام 1970، أي بعد زوال حكم حسني الزعيم بأكثر من عشرين سنة.

العائلة

تزوج حسني الزعيم من السيدة الحلبية نوران باقي، ولهُ منها بنت واحدة ولدت بعد مقتله بأشهر.

الزعيم على شاشة التلفزيون

في عام 1994 ظهرت شخصية حسني الزعيم في المسلسل السوري حمام القيشاني وجسّد دوره الفنّان محمد الطيّب.

دراسات عن حسني الزعيم

المناصب الرسمية

المنصب الفترة سبقه خلفه
رئيس أركان الجيش السوري 25 أيار 1948 – 29 آذار 1949 عبد الله عطفة سامي الحناوي
رئيس الحكومة 1 نيسان – 26 تموز 1949 خالد العظم محسن البرازي
رئيس الجمهورية 26 تموز – 14 آب 1949 شكري القوتلي هاشم الأتاسي

 

 

المصدر
1. سامي جمعة. أوراق من دفتر الوطن 1946-1961 (دار طلاس، دمشق 2000)، 342. نذير فنصة. أيام حسني الزعيم، 137 يومً هزت سورية (دار الآفاق، دمشق 1984)، 113. سامي جمعة. أوراق من دفتر الوطن 1946-1961 (دار طلاس، دمشق 2000)، 354. نذير فنصة. أيام حسني الزعيم، 137 يومً هزت سورية (دار الآفاق، دمشق 1984)، 125. محمد سهيل العشي. فجر الاستقلال في سورية (دار النفائس، بيروت 1999)، 1296. سامي مروان مبيّض. غرب كنيس دمشق (دار رياض نجيب الريّيس، بيروت 2017)، 2837. خالد العظم. مُذكّرات، الجزء الثاني (الدار المتحدة، بيروت 1972)، 1918. باتريك سيل. الصراع على سورية (باللغة الإنكليزية - لندن 1965)، 429. عبد الله الخاني. سورية بين الديمقراطية والحكم الفردي (دار النفائس، بيروت 2004)، 7410. نذير فنصة. أيام حسني الزعيم، 137 يومً هزت سورية (دار الآفاق، دمشق 1984)، 2211. عبد الله الخاني. سورية بين الديمقراطية والحكم الفردي (دار النفائس، بيروت 2004)، 7312. سامي مروان مبيّض. غرب كنيس دمشق (دار رياض نجيب الريّيس، بيروت 2017)، 28413. نفس المصدر14. نفس المصدر15. عبد الله الخاني. سورية بين الديمقراطية والحكم الفردي (دار النفائس، بيروت 2004)، 7716. خالد العظم. مُذكّرات، الجزء الثاني (الدار المتحدة، بيروت 1972)، 193-19417. سامي مروان مبيّض. غرب كنيس دمشق (دار رياض نجيب الريّيس، بيروت 2017)، 29318. بشير فنصة. النكبات والمغامرات (دار يعرب، دمشق 1996)، 10519. مجلة تايم (11 نيسان 1949).20. إيتامار رابينوفيتش. الطريق الذي لم يُسلك: المفاوضات العريية الإسرائيلية المبكرة (باللغة الإنكليزية - مطبعة جامعة أوكسفورد، 1991)، 8721. نفس المصدر، 21522. دعد الحكيم. أوراق ومذكرات فخري البارودي، الجزء الثاني (وزارة الثقافة، دمشق 1999)، 32323. الأمير عادل أرسلان. مُذكرات الأمير عادل أرسلان، الجزء الثاني (الدار التقدمية، بيروت 1983)، 84624. عبد الله الخاني. سورية بين الديمقراطية والحكم الفردي (دار النفائس، بيروت 2004)، 8025. باتريك سيل. الصراع على سورية (باللغة الإنكليزية - لندن 1965)، 15226. نذير فنصة. أيام حسني الزعيم، 137 يومً هزت سورية (دار الآفاق، دمشق 1984)، 4827. نفس المصدر، 16028. نفس المصدر، 7729. نفس المصدر30. فضل الله أبو منصور. أعاصير دمشق (دمشق)، 7031. نفس المصدر، 71-7232. نذير فنصة. أيام حسني الزعيم، 137 يومً هزت سورية (دار الآفاق، دمشق 1984)، 8933. نفس المصدر، 9734. نفس المصدر، 9935. فضل الله أبو منصور. أعاصير دمشق (دمشق)، 178-17936. نذير فنصة. أيام حسني الزعيم، 137 يومً هزت سورية (دار الآفاق، دمشق 1984)، 10037. نفس المصدر38. أفي شلايم. حسني الزعيم ومشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين في سورية" مجلة الدراسات الفلسطينية (باللغة الإنكليزية)، العدد 4 (صيف 1986).38. مايلز كوبلاند. لعبة الأمم (دار الكتاب العربي، 1970)، 43

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !