أعلام وشخصياتسياسيون ورجال دولة

الأمير محمد سعيد الجزائري

حاكم مدينة دمشق (26 أيلول - 1 تشرين الأول 1918)

محمّد سعيد الجزائري
محمّد سعيد الجزائري

الأمير محمد سعيد بن علي الجزائري (1883 – 16 تموز 1970)، سياسي سوري من أصول جزائريّة، نصّب نفسه حاكماً على مدينة دمشق في الفترة الانتقالية ما بين سقوط الحكم العثماني في 26 أيلول 1918 ودخول قوات الحلفاء في 1 تشرين الأول. كان أحد مؤسسي الكتلة الوطنية في سورية ومرشح دائم لتولي عرشها بعد القضاء على حكم الملك فيصل الأول، وهو حفيد الأمير عبد القادر الجزائري، نزيل دمشق في الربع الأخير من القرن التاسع عشر.

البداية

ولد الأمير سعيد الجزائري في دمشق قبل أشهر من وفاة جدّه الأمير عبد القادر الجزائري. دَرَس في مدارس دمشق الحكومية وعمل في الزراعة وإدارة أملاك الأسرة دون أي تدخل في الأمور السياسية قبل الحرب العالمية الأولى. رفض المشاركة في الجمعيات المناهضة للحكم العثماني، لكنّه حاول التوسط لعمّه الأمير عمر الجزائري، الذي اعتُقل بتهمة التخابر مع دول أجنبية لقلب نظام الحكم العثماني في سورية. لكنّ وساطته لم تفلح وقام جمال باشا، قائد الجيش الرابع، بإعدام الأمير عمر شنقاً يوم 6 أيار 1916، ما خلق شرخاً كبيراً بين الأمير سعيد وجمعية الاتحاد والترقي الحاكمة في إسطنبول. مع ذلك، رفض الأمير سعيد الانضمام إلى الثورة العربية الكبرى التي انطلقت من مكة سنة 1916، علماً أن شقيقه الأمير عبد القادر (الحفيد) كان من أنصارها.

تحرير دمشق

عندما وصلت طلائع قوات الثورة العربية إلى مشارف دمشق منتصف شهر أيلول من العام 1918 استُدعي الأمير سعيد إلى مقرّ الحاكم العثماني في فندق فكتوريا على ضفاف نهر بردى، وعُقد اجتماع بينه وبين جمال باشا المرسيني، الذي طلب إليه تأمين خروج آمن للجنود الأتراك. كان الأمير سعيد يومها يأتمر على قوة عسكرية من الجنود، جميعهم من أصول جزائرية، فأمرهم بتوفير الحماية اللازمة للجنود الأتراك وللأحياء الدمشقيّة المنكوبة، رداً على عمليات النهب والتخريب التي تعرضت لها المدينة عقب الانهيار السريع للجيش العثماني.

المجموعة الأولى من رجال الأمير نُشرت جنوب المدينة في حيّ الشاغور، ووزّعت الفرق الأخرى على الميدان وباب شرقي وباب توما وحيّ الأكراد على سفح جبل قاسيون. وتوجهت مجموعة كبيرة إلى مناطق الصالحية والمهاجرين، حيث منزل الوالي العثماني، وكلّفت مجموعة ثالثة بحماية وسط المدينة القديمة، من باب الجابية ومدحت باشا وسوق الحميدية مروراً بساحة المرجة حيث السراي الحكومي.

حاكماً على دمشق

ذهب الأمير سعيد برفقة ثلاثة من أقربائه إلى السراي وسط ليجدوه خالياً من الموظفين والجنود. اتجه نحو مكتب الوالي في الطابق العلوي من البناء ووجد مقعد الحكم شاغراً، فجلس عليه مُعلناً نفسه حاكماً عربياً على المدينة، قائلاً: “اعتبرت نفسي مسؤولاً عن دمشق.” أعلن الأمير سعيد عن انتهاء الحكم العثماني وقيام حكومة عربية مستقلة باسم الشريف حسين بن عليّ، دون أي تفويض لا من الشريف حسين ولا من الضبّاط الإنكليز العاملين في صفوف الثورة العربية الكبرى. وقد طلب إلى صديقه الصحافي معروف الأرناؤوط إحضار راية الثورة العربية من منزله بحيّ العمارة، لرفعها فوق دار الحكومة وسط ساحة المرجة.كان ذلك في صباح يوم الجمعة 27 أيلول 1918، وأُقيمت الصلاة في الجامع الأموي باسم الشّريف حسين، حيث أمّ الأمير سعيد بالمصلّين.

حكومة الأمير المؤقتة

عُيّن معروف الأرناؤوط مديراً للبرق والبريد وطلب منه الأمير سعيد مخاطبة المدن السورية ببيان جاء فيه: “بناء على تسليمات الدولة التركية، فقد تأسست الحكومة العربية الهاشمية على دعائم الشرف. طمئنوا الجميع وأعلنوا الحكومة باسم الحكومة العربية.” وُقّعت الرسالة باسم “الأمير سعيد” دون تحديد نسبه وعائلته، نظراً لشهرته في سورية.

بعدها أمر الأمير بمصادرة ما تبقى من أموال في خزانة الحكمدارية العثمانية ووضعها تحت مراقبة صديقه شكري التاجي، الذي جرد الممتلكات العامة وسلّمها للضابط الدمشقي ممدوح العابد. عيّن الضابط السوري سعدي كحالة قائداً للدرك، والفلسطيني أمين التميمي مديراً للأمن العام، والوجيه اللبناني عمر بيهم حاكماً على مدينة بيروت. وشكّل الأمير سعيد حكومة مصغرة مؤلفة من خمسة وزراء لإدارة شؤون البلاد، وهم فارس الخوري وعطا الأيوبي وشاكر الحنبلي وجميل الألشي وبديع مؤيد العظم.

عزل الأمير سعيد 

إلا أن هذه الحكومة لم تستمر سوى أياماً معدودة، وأُطيح بها يوم 1 تشرين الأول 1918، عند وصول القوات البريطانية إلى مدينة دمشق. أمر الكولونيل توماس لورانس (لورانس العرب) بعزل الأمير سعيد عن منصبه، واصفاً إياه بالمغتصب للسلطة، وقام باعتقال شقيقه الأمير عبد القادر (الحفيد). دعا لورانس الأخوين الجزائري إلى اجتماع في بهو فندق فكتوريا، حضره شكري باشا الأيوبي ورضا باشا الركابي من الضبّاط، مع نوري الشعلان وأحمد قدري من رجالات الشريف حسين. وقف خارج الفندق عشرة فرسان من حرّاس آل الجزائري، حاملين البنادق والسيوف لحماية الأمير وشقيه من أي أذى قد يتعرضون له من قبل لورنس. نهض الأمير عبد القادر الحفيد وخاطب لورانس قائلاً:

يا لورانس، أنت تهدد أبناء عبد القادر بالسجن، وأنت تعلم أننا لا نخشى الحبس ولا الموت، بل لا نخشى أحداً سوى الله. نحن أتينا بهذا العلم (مشيراً إلى العلم المرفوع فوق الفندق) وقد استلمته من الملك حسين بن عليّ بعد أن طيف به حول الكعبة وصلى عليه أربعون ألف مسلم، وهو يخفق الآن فوق الرؤوس، ولن يتزحزح من مكانه حتى تراق آخر نقطة من دمائنا. إذا كان الخلاف على هذا الكرسي فنحن نرفسه بأرجلنا.

ثم أضاف: “استلموا إذاً هذا الكرسي، والمفروض علينا المحافظة عليه وعلى هذا العلم وعلى استقلال البلاد.” سلّم الأمير سعيد مقاليد الحكم ومفاتيح السراي إلى لورانس، منهياً أقصر فترة حكم عرفته مدينة دمشق في تاريخها المعاصر.

اعتقال الأمير، وقتل شقيقه

اعتُقل الأمير سعيد لمدة وجيزة، قبل إطلاق سراحه من قبل الأمير فيصل ونفيه إلى حيفا. أمّا الأمير عبد القادر الحفيد، فقد قُتِل في تشرين الثاني 1918، وأشيع أن أوامر القتل جاءت من رضا الركابي، بعد تعيينه حاكماً عسكرياً على سورية.

الأمير محمد سعيد مع صورة لجده الأمير عبد القادر الجزائري
الأمير محمد سعيد مع صورة لجده الأمير عبد القادر الجزائري

جمعية الخلافة الإسلامية (1924)

عاد الأمير سعيد إلى دمشق بعد سقوط الحكم الفيصلي وفرض الانتداب الفرنسي عام 1920، ليؤسس جمعية الخلافة الإسلاميّة في سورية، رداً على إلغاء الخلافة الإسلامية في جمهورية كمال أتاتورك العلمانية عام 1924. هدفت الجمعية إلى إيجاد خليفة صالح للأمّة الإسلامية، بدلاً من آخر خلفاء بني عثمان الذي عُزِل عن منصبه بقرار من أتاتورك في آذار 1924. تفرّغ الأمير سعيد لهذا الغرض، وأراد أن يكون هو الخليفة المُنتظر، لكونه يُلبي كل شروط البيعة والخلافة، نظراً لنسبه الشريف. قد جمع حوله من أيّد هذه الفكرة من الأعيان، مثل وزيره السابق بديع مؤيد العظم، الذي بات رئيساً لمجلس الشورى في زمن الانتداب، وأمين فتوى دمشق عبد المحسن الأسطواني، والمفتي عطا الكسم. بالمقابل، اعترض على طموح الأمير سعيد كلّ من الشّريف حسين، الذي كان قد رشّح نفسه للخلافة أيضاً، والملك فؤاد الأول الذي حصل على تزكية من شيخ الأزهر لتولّي هذا المنصب الحسّاس.

دوره في الثورة السورية الكبرى (1925)

عندما قصف الجيش الفرنسي مدينة دمشق في 18 تشرين الأول 1925، توجه الأمير سعيد إلى منطقة باب توما التي خيّم الخوف على سكانها المسيحيين بعدما بثّت القوات الفرنسية إشاعة أن الثّوار يريدون اقتحامها وقتل أهلها. حاول الأمير سعيد استعادة دور جدّه الذي أنقذ آلاف المسيحيين من الموت أثناء فتنة عام 1860، فأمر بفتح أبواب قصره لاستضافتهم وحمايتهم، قائلاً: “أنتم بأمان، تماماً كما كان أجدادكم بأمان في رِحاب هذا المنزل.” ذهب الأمير سعيد بعدها إلى بيروت لمقابلة المندوب السامي الفرنسي موريس ساراي، مطالباً بوقف فوري لإطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية إلى مدينة دمشق المنكوبة.

مقاطعة المصالح الفرنسية

في 23 تشرين الأول 1927، شارك الأمير سعيد في تأسيس الكتلة الوطنية وحضر اجتماعها الأول الذي عقد في بيروت، بدعوة من هاشم الأتاسي. سعت الكتلة الوطنية إلى إنهاء الانتداب بطرق سلمية وقانونية، لكن الأمير سعيد لم ينشط في صفوفها بعد ذلك التاريخ. وفي صيف العام 1931، أطلق حملة وطنية لمقاطعة شركة الكهرباء البلجيكية بعدما رفعت تعرفة ركوب الترامواي في دمشق. هاجم رجاله حافلات الترامواي وأضرموا النار بداخلها، ثم دخلوا المتاجر وأجبروا أصحابها على الإغلاق ومقاطعة الشركة البلجيكية. استمرت هذه الحملة طوال أشهر الصيف ونجح الأمير سعيد في إجبار الشركة الأجنبية على التراجع عن قراراتها وتخفيض تعرفة الكهرباء وركوب الترامواي. وفي تشرين الأول عام 1931 ترأس الأمير سعيد تظاهرات حاشدة عمّت أرجاء العاصمة السورية، في الذكرى الأربعين لاستشهاد عمر المختار قائد المقاومة الليبية.

الأمير سعيد مع الرئيس هواري بومدين
الأمير سعيد مع الرئيس هواري بومدين

في عهد الاستقلال

غاب الأمير سعيد من بعدها عن أي نشاط سياسي واختصر ظهوره على حضور المناسبات الوطنية، ومنها عيد الجلاء الأول في 17 نيسان 1946. وفي 14 آب 1949 دعاه اللواء سامي الحناوي إلى اجتماع كبير في مبنى الأركان العامة، عشية الانقلاب الثاني الذي أطاح بحكم حسني الزعيم. أيّد الأمير سعيد عودة الحياة المدنية وتولّي هاشم الأتاسي زمام الأمور ريثما يتم وضع دستور جديد للبلاد. وفي مرحلة الستينيات، أصبح الأمير سعيد يقضي معظم أوقاته متنقلاً بين سورية والجزائر،  وكان آخر ظهور له بدمشق يوم دعوته لمقابلة وزير الدفاع حافظ الأسد عام 1970.

مذكرات الأمير سعيد

وضع الأمير سعيد مذكراته في الجزائر سنة 1968، وأعيدت طباعتها بدمشق سنة 2015 تحت إشراف الأمير جعفر طاهر الجزائري، أحد أحفاد الأمير عبد القادر من الجيل الرابع.

الوفاة

توفي الأمير سعيد الجزائري في ولاية معسكر الجزائرية يوم 16 تموز 1970، عن عمر ناهز 87 عاماً، ودُفن في مقبرة أجداده.

المناصب الرسمية

المنصب الفترة سبقه خلفه
رئيس الحكومة 26 أيلول – 1 تشرين الأول 1918 أول من تولاه رضا الركابي

 

 

 

 

 

المصدر
1. محمد سعيد الجزائري. مذكراتي عن القضايا العربية والعالم الإسلامي (الجزائر، 1968)، 128-1292. سامي مروان مبيّض. تاريخ دمشق المنسي (دار رياض نجيب الريّيس، بيروت 2015)، 383. نفس المصدر، 364. نفس المصدر، 415. محمد سعيد الجزائري. مذكراتي عن القضايا العربية والعالم الإسلامي (الجزائر، 1968)، 1336. سامي مروان مبيّض. تاريخ دمشق المنسي (دار رياض نجيب الريّيس، بيروت 2015)، 477. نفس المصدر8. محمد سعيد الجزائري. مذكراتي عن القضايا العربية والعالم الإسلامي (الجزائر، 1968)، 1409. نفس المصدر10. نفس المصدر، 233-23411. فيليب خوري. سورية والانتداب الفرنسي (باللغة الإنكليزية - جامعة برينستون 1987)، 17812. نصوح بابيل. صحافة وسياسة: سورية في القرن العشرين (دار رياض نجيب الريّيس، لندن 1987)، 6913. سامي مروان مبيّض. تاريخ دمشق المنسي (دار رياض نجيب الريّيس، بيروت 2015)، 60

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !