جمال الدين بن محمد سعيد القاسمي (1866 – 18 نيسان 1914)، عالم مُجدد في السياسة والدين، عَمِل في التدريس طوال حياته ووضع العديد من المؤلفات القيمة، وهو والد المحامي ظافر القاسمي، أحد مؤسسي الحزب الوطني في سورية.
بدأ القاسمي دعوته بنبذ التعصب والتقليد والمطالبة تنقية العقيدة. دعا الناس للعودة إلى منابع الدين الأولى وفتح باب الاجتهاد، ما واضعه في مواجهة مع المؤسسة الدينية الحاكمة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني. أُحيل إلى المحاكمة سنة 1895، ووجهت له تهمة ابتداع مذهب جديد في الدين سمّي بالمذهب “الجمالي.” شُكّلت هيئة قضائية لمحاكمته بدمشق وقام القاسمي بالدفاع عن نفسه وألقى محاضرة في بيان منهجه ودعوته وآرائه، دحض بها كل التهم الموجهة إليه. وكانت النتيجة تبرئته من كل التهم الباطلة وعودته إلى التدريس والتأليف والنشر.
ألفة عمر باشا الإدلبي (15 تشرين الثاني 1912 – 22 آذار 2007)، أديبة دمشقية من الرائدات وصلت إلى العالمية بفضل روايتها الشهيرة دمشق يا بسمة الحزن التي تم تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني أولاً ثمّ إلى فيلم سينمائي، وهي إحدى مؤسسات جمعية أصدقاء دمشق سنة 1976.
البداية
ولِدت ألفة إبراهيم باشا في منطقة العفيف بدمشق، وكان والدها من الأعيان، تأثرت به كثيراً كما تأثرت بخالها الأديب كاظم الداغستاني شقيق والدتها نجيبة الداغستاني. وفي سنة 1929 اقترنت بالطبيب الدكتور حمدي الإدلبي، وكان عرسها في قصره المُطل على العاصمة السورية من منطقة المهاجرين، وهو ذات القصر الذي شيّده والي الشّام ناظم باشا وتحول سنة 1943 إلى القصر الجمهوري. دَرَست في تجهيز البنات ثم في دار المُعلمات، وكانت تكتب القصص القصيرة لنفسها، دون التفكير بالنشر. قرأ خالها بعض نتاجها الأدبي وشجعها على المشاركة في مسابقة القصة القصيرة في إذاعة لندن سنة 1947، وفازت بالجائزة الثالثة.
جمعت الإدلبي قصصها القصيرة في كرّاس وأرسلت نُسخة منه إلى الأديب المصري محمود تيمور. أُعجب الأخير بأسلوبها ورشاقة قلمها وقدّم للكتاب عند صدوره بعنوان قصص شاميّة سنة 1954. وقد ساهم محمود تيمور بإطلاق مسيرة ألفة الإدلبي الرسمية وقام بالترويج لها في الأوساط الأدبية المصرية والعربية.
رواية زهرة المانوليا
بعد عشر سنوات من صدور كتاب قصص شاميّة، وضعت ألفة الإدلبي كتابها الثاني، المانوليا في دمشق، الذي تحدثت فيه عن حياة السيدة الأرستقراطية البريطانية جين ديغبي المقيمة بدمشق في القرن التاسع عشر. كانت جين ديغبي أول من أدخل زهرة المانوليا على بساتين الشّام ودورها، وارتبطت رائحتها بطفولة ألفة الإدلبي. نُشرت زهرة المانوليا بدمشق سنة 1964 وحققت نجاحاً فورياً في الأوساط الأدبية السورية، لم يقل عن نجاح كتاب قصص شاميّة.
تجارب أدبية
وبعدها بست سنوات أطلقت الإدلبي مجموعتها القصصية الثالثة بعنوان ويضحك الشيطان، تلاها كتاب نظرة في أدبنا الشعبي، وهو عبارة عن مجموعة محاضرات صدرت عن اتحاد الكتاب العرب سنة 1974. وكانت المجموعة الرابعة عصيّ الدمع، قد صدرت سنة 1976، وفي سنة 1990 نشرت كتاب نفحات دمشقيّة، تلاه كتاب حكاية جدي، قبل إصدار كتابها الثامن سنة 1992، الذي حمل عنوان “وداع الأحبة.” وكانت آخر مؤلفات الإدلبي كتاب ما وراء الأشياء الجميلة الذي صدر بدمشق سنة 1996.
دمشق يا بسمة الحزن
تبقى رواية دمشق يا بسمة الحزن هي الأشهر في مسيرة ألفة الإدلبي الأدبية، وهي التي صدرت سنة 1980 وتدور أحداثها في زمن الانتداب الفرنسي. بطلة القصة فتاة دمشقية مثقفة تُدعى “صبريّة،” تُعاني كثيراً من قيود المجتمع الذكوري الذي يقف في وجه حبها لخبّاز الحارة الشاب “عادل.” كان عادل يُحضر الخبز لمنزل صبريّة فتفتح له الباب لتأخذه وتتبادل معه نظرات استلطاف تتحول سريعاً إلى مشاعر حب وتبادل قصائد رومانسية وروايات. يتقدم عادل للزواج من صبريّة فيتم رفضه وطرده بسبب الفارق الاجتماعي بينهما، ولكنها لا تفق الأمل وتقرر الهروب معه للزواج بعيداً عن أسرتها.
ولكنّ مرض أمها المفاجئ يُفشل خطتها ويجبرها على البقاء في دمشق. وفي يوم من الأيام تخرج صبريّة من دارها للمشاركة في مظاهرة وطنية ضد الفرنسيين، ولكنها تُستقبل عند العودة إلى البيت بالضرب والشتائم من قبل أبيها وتُمنع من مغادرة المنزل إلا بموافقته. ثم يأتيها خبر مقتل عادل وتعلم أن شقيقها غالب هو الذي دبر الأمر للتخلص منه فتقرر إنهاء حياتها شنقاً وتعلّق نفسها من أعلى شجرة نارنج في وسط الدار، التي كانت تستظل بظلّها وهي طفلة.
مسلسل بسمة الحزن
بعد نجاح رواية دمشق يا بسمة الحزن وترجمتها إلى لغات عدة تم تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني بعنوان بسمة الحزن سنة 1992، بطولة رفيق سبيعي والفنانة الشابة رنا جمّول التي لعبت دور “صبريّة.” وتظهر ألفة الإدلبي في مقدمة المسلسل لتقرأ قصة صبريّة من الرواية الأصلية بلغة عربية فصحى.
عطا بن نسيب البكري (1921-15 آذار 2003)، قاضِ سوري من دمشق، تولّى محكمة الاستئناف في سورية وهو ابن السياسي والزعيم نسيب البكري. ولِد عطا البكري في دمشق وهو سليل أُسرة سياسية معروفة، والده من قادة الحركة الوطنية في سورية وجدّه عطا باشا البكري من أعيان الشّام في زمن السلطان عبد الحميد الثاني. دَرَس في مدرسة الفرير بدمشق في كلية الحقوق التابعة للجامعة السورية. التحق بسلك القضاء ووصل إلى منصب قاضي استئناف أول في سورية. توفي بدمشق عن عمر ناهز 82 عاماً يوم 15 آذار 2003.
كان البكري على رأس عمله عندما وقع العدوان الفرنسي على مدينة دمشق في 29 أيار 1945، حيث قصف المجلس النيابي وقلعة دمشق، مع أجزاء كبيرة من سوق ساروجا. عمل البكري على تسهيل مهام المقاومة الشعبية التي قادها فخري البارودي في شوارع العاصمة، وعلى نقل المُصابين والجرحى من محيط القلعة إلى منطقة القصّاع. وعندما بدأ انسحاب القوات الفرنسية عن سورية، كلّف البكري بالتحضير لعيد الجلاء الأول، الذي حضره خمسة وسبعون ألف ضيف من من الدول العربية كلها. أشرفت أمانة العاصمة على الترتيبات كلها وخفّضت أسعار وسائل النقل الداخلي والفنادق لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الزوار. وفي 17 نيسان 1946 أُقيم العرض العسكري الكبير في شارع بيروت، الذي أطلق عليه مظهر البكري رسمياً اسم شارع الرئيس شكري القوتلي.
الوفاة
في مطلع عهد الاستقلال، عينه الرئيس القوتلي سفيراً في البرازيل، ولكنه توفي باكراً عن عمر ناهز 48 عاماً، وهو في زيارة إلى نيويورك يوم 21 تموز 1948.
المناصب
محافظ دمشق (20 كانون الأول 1944 – 2 تشرين الثاني 1946)
مأمون بن شفيق الكزبري (1914 – 1 كانون الثاني 1998)، سياسي سوري من دمشق، كان رئيساً لمجلس النوّاب في عهد أديب الشيشكلي سنة 1953 ثم في عهد الدكتور ناظم القدسي سنة 1962. تسلّم حقيقة العدل في السنوات التي سبقت قيام الوحدة السورية المصرية سنة 1958 وبعدها كان أول رئيس للحكومة السورية في عهد الانفصال. تولّى الكزبري لمدّة وجيزة رئاسة الجمهورية بالوكالة في أعقاب استقالة الشيشكلي من 25 شباط ولغاية 1 آذار 1954.
البداية
ولِد مأمون الكزبري في دمشق وهو سليل أُسرة دينية عريقة، تولّى أبناؤها التدريس في الجامع الأموي لسنوات. دَرَس في مدرسة الفرير بدمشق وتابع تحصيله العِلمي في الجامعة اليسوعيةببيروت ثم في جامعة ليون.
نال شهادة الدكتوراه في القانون واستقر بداية في لبنان للعمل في المحاماة حتى سنة 1943. وعند عودته إلى دمشق فتح الكزبري مكتباً للمحاماة وبدأ التدريس في الجامعة السورية. تحالف مع أديب الشيشكلي الذي كان يأخذ مشورته في الأمور القانونية عند تأسيس حركة التحرير العربي في آب 1952، وعُيّن رئيساً لفرعها بدمشق ثم أميناُ عاماً لها.
رئيساً للبرلمان سنة 1953
ترشح مأمون الكزبري إلى الانتخابات النيابية التي دعا إليها الشيشكلي وفاز بالنيابة عن دمشق مُمثلاً عن حركة التحرير العربي. وبعد انتخاب الشيشكلي رئيساً للجمهورية أصبح الكزبري رئيساً لمجلس النواب في 24 تشرين الأول 1953. وقد حصدت حركة التحرير العربي ستين مقعداً في المجلس، لتجعل من الكزبري رئيساً لأكبر كتلة نيابية.
رئيساً بالوكالة للجمهورية (25 شباط – 1 آذار 1954)
سقط عهد الشيشكليإبان ثورة عسكرية انطلقت ضده في معظم المُدن السورية، وهرب إلى لبنان في 25 شباط 1954. وفقاً لأحكام الدستور، تولّى مأمون الكزبري رئاسة الجمهورية بالوكالة لغاية 1 آذار 1954، حيث تنازل طوعياً عن المنصب لصالح الرئيس الأسبق هاشم الأتاسي الذي عاد من حمص لإكمال ما تبقى من ولايته الدستورية التي قُطعت قصراً بسبب انقلاب الشيشكلي الثاني في تشرين الثاني 1951. سمَحَ الأتاسي للكزبري أن يبقى فعالاً في الحياة السياسية، وعدّه غير مسؤول عن أخطاء مرحلة الشيشكلي.
انهار حكم جمال عبد الناصر في سورية يوم 28 أيلول 1961، إثر انقلاب عسكري قادته مجموعة من الضباط الدمشقيين ضد جمهورية الوحدة، كان من بينهم المقدم حيدر الكزبري، رئيس حرس البادية وأحد أقرباء الدكتور مأمون الكزبري. عرض عليه تولّي رئاسة الحكومة، على الرغم من اعتراض عدد كبير من السياسيين القُدامى، الذين قالوا إنه لا يملك رصيداً شعبياً في الشارع السوري وعدوه من فلول “الحكم الديكتاتوري،” في إشارة إلى دوره في زمن الشيشكلي. بدعم من المجلس العسكري شكّل الكزبري حكومته في 29 أيلول 1961 ووعد بإجراء انتخابات نيابية نزيهة وحرّة وإعادة النظر في قرارات التأميم والإصلاح الزراعي الصادرة في زمن الوحدة. وفي عهده، استعادت سورية مقعدها الدائم في الأمم المتحدة وفي جامعة الدول العربية.
هجوم عبد الناصر على الكزبري
حاول عبد الناصر إنقاذ حكمه في سورية وأرسل مجموعة مظليين إلى مدينة اللاذقية لاستعادة زمام الأمور ولكن الكزبري أمر باعتقالهم. بعد أسبوعين من تشكيل الحكومة خطب عبد الناصر من القاهرة واتهم الكزبري بالعمالة للخيارات الأميركية، وقال إنه تقاضى أموالاً من الأردنوالسعودية لقلب نظام الحكم في سورية. جاء في شرح عبد الناصر المُفصّل:
المتهم كان مأمون الكزبري…ولكني قُلت عفا الله عما سلف، احنا بنبتدي من بعد الوحدة ونتناسى ما قبل الوحدة، بكل أسف كانت دي غلطة كبيرة قوي مني؛ لإن أنا – الحقيقة – خدعت بالمظاهر، لو كنتم تشوفوا مأمون الكزبري لما بيقابلني كان بيعمل إيه. كان بيشتغل هنا فى لجنة، لجنة توحيد القوانين، وكان من أكبر دعاة الوحدة طبعاً مراءاة وخداعاً. بيطلع مأمون الكزبري النهارده بيتكلم على الكرامة وعلى الحرية، طبعاً مش ممكن حيطلع فى الراديو ويتكلم على القبض وعلى الأمريكي وعلى الفلوس اللى خبطها.
رد الكزبري على كلام عبد الناصر قائلاً: “هو لا يريد أن يُدرك أن الشعب العربي في الجمهورية العربية السورية الذي صنع الوحدة وقدَّم في سبيلها أغلى ما يملك، هو نفسه الشعب الذي قام بالانتفاضة الثورية الرائعة على حكم الرئيس عبد الناصر.”
استقالة الكزبري
في اليوم الأخير من عمر الحكومة، اعتُقل حيدر الكزبري، سند رئيس الحكومة وحليفه داخل المجلس العسكري، بأمر من قائد الانقلاب عبد الكريم النحلاوي. اعترض مأمون الكزبري على اعتقال قريبه، ولكن قيادة الجيش أمرته بالاستقالة وهددته بالقتل لو رفض. حفاظاً على حياته، قدم الكزبري استقالة حكومته في 21 تشرين الثاني 1961.
رئيساً لمجلس النواب 1961-1962
جرت الانتخابات النيابية التي حان موعدها وفاز الكزبري بمقعده المعتاد، ممثلاً عن مدينة دمشق. ترشح بعدها لرئاسة الجمهورية ثم سحب ترشيحه لصالح الدكتور ناظم القدسي، مرشح حزب الشعب، مقابل مقابل تعيينه رئيساً لمجلس النواب في 12 كانون الأول 1961، بعد فوزه على جلال السيّد، مرشح البعث، ورئيس الحكومة الأسبق سعيد الغزي.
الاعتقال سنة 1962
في 28 آذار 1962، وقع انقلاب جديد في سورية، قاده عبد الكريم النحلاوي ضد الرئيس ناظم القدسي. اعتُقل القدسي ومعه مأمون الكزبري ورئيس الحكومة معروف الدواليبي، ولكن قيادة الجيش تمردت على انقلاب النحلاوي وأمرت بإطلاق سراحهم في 1 نيسان 1962. بعد خروجه من سجن المزة، قدم الكزبري استقالته من رئاسة المجلس في 12 أيلول وابتعد عن أية مشاركة سياسية، باستثناء حضوره بعض جلسات المجلس النيابي.
السنوات الأخيرة
وعند وصول حزب البعث إلى الحكم في 8 آذار 1963، جُرّد مأمون الكزبري من حقوقه السياسية والمدنية واتهم بالمشاركة بما سُمي يومها “جريمة الانفصال.” هرب إلى لبنان قبل اعتقاله وتوجه بعدها إلى فرنسا ثمّ إلى المغرب ليعمل مُدرّساً في جامعة الرباط. وظلّ مُقيماً في المغرب حتى تقاعده سنة 1990، ليعود إلى فرنسا ويستقر من بعدها في لبنان.
الوفاة
توفي مأمون الكزبري في بيروت عن عمر ناهز 84 عاماً يوم 1 كانون الثاني 1998 ونُقل جثمانه إلى دمشق ليدفن في مدافن آل الكزبري، بعد غياب عن مدينته دام قرابة ثلاثة عقود ونيّف.
المناصب
أمين عام حركة التحرير العربي (25 آب 1954 – 6 آذار 1958)
سبقه في المنصب: لا يوجد
خلفه في المنصب: أُلغي المنصب
رئيساً لمجلس النواب (24 تشرين الأول 1953 – 26 شباط 1954)
ولد نسيب البكري في أُسرة دمشقية عريقة وثرية، وكان والده عطا باشا البكري من أعيان الشّام المُقربين من السلطان عبد الحميد الثاني. دَرَس في المدرسة السلطانية في بيروت وعاد إلى دمشق بعد خلع السلطان العثماني عن عرشه سنة 1909. تراجع نفوذ آل البكري في إسطنبول من يومها وفي سنة 1912 انضم نسيب البكري إلى الجمعية العربية الفتاة السرية التي كانت قد أُسست في باريس من قبل مجموعة من الطلاب العرب بهدف تحرير البلاد العربية من الحكم العثماني.
وصلت هذه البرقية إلى دمشق في 10 حزيران 1916، وعلى الفور توجّه نسيب وفوزي البكري ليلاً إلى الحجاز للانضمام إلى قوات الشريف حسين، قبل صدور مذكرة توقيف بحقهما من قبل جمال باشا، قائد الجيش الرابع في سورية. عُدّ التحاقهما بالثورة انشقاقاً، نظراً لمكانة الأسرة في إسطنبول وقربها من السلطان السابق عبد الحميد الثاني، وصدر حكم غيابي بالإعدام بحقّهما.
البكري في العهد الفيصلي 1918-1920
لم تقتصر مشاركة نسيب البكري في ثورة الشريف حسين على المال فقط، بل قام بحمل السلاح في وجه العثمانيين وحاربهم حتى تحرير دمشق في 26 أيلول 1918. عاد إلى مدينته مع الأمير فيصل في 3 تشرين الأول 1918، وعُيّن مستشاراً خاصاً له ومبعوثاً إلى جبل الدروز. وشارك في مراسيم تتويج الأمير فيصل ملكاً على سورية في 8 آذار 1920، وأصبح من أمناء قصره في منطقة المهاجرين. ولكنّ الحكم الفيصلي لم يستمر طويلاً، وسقط بعد مواجهة عسكرية مع الجيش الفرنسي في معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920. هزم الجيش السوري يومها وطُرد الملك فيصل من دمشق، لتبدأ مرحلة الانتداب الفرنسي على سورية. لم يغادر نسيب البكري دمشق مع فيصل كما فعل عدد من مرافقيه، وفضّل البقاء في سورية.
ولكنّ العملية العسكرية فشلت وحاصر الجيش الفرنسي الثوار داخل قصر العظم وبدأ قصف دمشق من الجو. حُكم على نسيب البكري بالإعدام وأحرق منزل أُسرته في دمشق القديمة، فهرب إلى مدينة يافا الفلسطينية حتى صدور عفو عنه في شباط 1928. وما بين النفي والعودة، ظهر نسيب البكري في القاهرة في منتصف شهر كانون الثاني من العام 1927، في محاولة منه للحصول على سلاح ودعم عسكري من سفارة الاتحاد السوفيتي.
الإضراب الستيني
انضم نسيب البكري إلى الكتلة الوطنية سنة 1932، التنظيم السياسي الأبرز الذي ولِد بعد إجهاض الثورة السورية الكبرى وكان يهدف إلى تحرير البلاد بطرق سلمية وقانونية، غير عسكرية. انتُخب عضواً في الهيئة التنفيذية للكتلة ونائباً عن دمشق في البرلمان السوري. وفي كانون الثاني 1936 أسهم إسهاماً كبيراً في إطلاق الإضراب الستيني، احتجاجاً على اعتقال زميله في المجلس النيابي فخري البارودي. له يعود الفضل في إغلاق معظم أسواق دمشق القديمة، وقد ردّت فرنسا باعتقاله في 11 شباط 1936 ونفيه إلى مدينة إعزاز على الحدود السورية – التركية. ولكنّه عاد إلى دمشق بعد توصل رئيس الكتلة هاشم الأتاسي إلى اتفاق مع سلطة الانتداب، يقضي بإنهاء الإضراب الستيني مقابل سفر وفد من الكتلة الوطنية إلى باريس للتفاوض على مستقبل سورية.
في عهد الاستقلال اختلف نسيب البكري مع رئيس الجمهورية شكري القوتلي، على الرغم من الصداقة القديمة بينهما منذ عملهما المشترك في الجمعية العربية الفتاة، وصلات القربى بين زوجاتهما، وكان ذلك ناتجاً عن معارضة الرئيس لمشروع سورية الكبرى الذي كان قد طرحه ملك الأردن عبد الله الأول، ومشروع الهلال الخصيب الذي نادى به رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد. أيد البكري فكرة عودة العرش الهاشمي إلى سورية، وانضم في مرحلة متقدمة من حياته إلى حزب الشعب المعارض لحكم القوتليوالحزب الوطني، الذي أسس في مرحلة الاستقلال كوريث شرعي للكتلة الوطنية. عارض تعديل الدستور للسماح للقوتلي بولاية دستورية ثانية سنة 1947 ولم يُمانع الانقلاب العسكري الذي أطاح به سنة 1949.
عبد الغني بن محمد العطري (1918-23 شباط 2003)، صحفي سوري من دمشق أسس مجلّة الصباح الثقافية في أثناء الحرب العالمية الثانية وتبعها بمجلة الدنيا التي صدرت سنة 1944 واستمرت لغاية 8 آذار 1963. كانت الدنيا من أنجح المجلات السورية في مرحلة الخمسينيات وبعد توقفها عمل العطري مستشاراً في وزارة الإعلام السعودية وعند عودته إلى دمشق وضع سلسلة العقبريات عن مشاهير وأعلام سورية في القرن العشرين.
البداية
ولِد عبد الغني العطري بدمشق وكان والده من التجّار المعروفين. التحق بالكليّة العلمية الوطنية في سوق البزورية وبدأ الكتابة في مجلّة الرسالة المصرية ومجلّة المكشوف اللبنانية.
مجلّة الصباح
قبل أن يتجاوز الثالثة والعشرين من عمره أطلق العطري مجلّة الصباح الأسبوعية الثقافية المنوعة وصدر عددها الأول في 6 تشرين الأول 1941. حققت “الصباح” نجاحاً كبيراً في الأوساط الأدبية السورية واستقطبت أسماء معروفة مثل الشاعر شفيق جبري والكاتب المسرحي عدنان مردم بك والأديب الدكتور عبد السلام العجيلي، إضافة للشاعر الشاب نزار قباني الذي بدأ مسيرته من “الصباح” وهو لا يزال طالباً في الجامعة السورية. توقفت “الصباح” سنة 1943 وعُيّن العطري رئيساً لتحرير جريدة الأخبار اليومية التي كان يُصدرها زميله بسيم مراد، وفي سنة 1945 تعاقد مع إذاعة الشرق الأدنى في يافا وقدّم عبر أثيرها سلسلة من البرامج الثقافية.
مجلّة الدنيا
أطلق عبد الغني العطري مشروعه الثاني والأنجح – مجلّة الدنيا – في آذار 1945. جاءت على غرار مجلّة الكواكب المصرية المعروفة وكانت مخصصة للشؤون الفنية والثقافية، تصدر بغلاف ملوّن وفيها أبواب مأخوذة عن الكواكب وكبرى المجلات الفرنسية. ومع نهاية العقد الرابع من القرن العشرين باتت الدنيا ثاني أقوى مجلّة في سورية، لا يضاهيها من ناحية السمعة والانتشار إلا مجلّة المضحك المبكي للصحفي حبيب كحالة.
بعدها بأشهر توجه عبد الغني العطري إلى الرياض في كانون الأول 1963 وعُيّن مستشاراً لوزير الإعلام السعودي الشيخ جميل الحجيلان. عاد إلى الكتابة في مجلّة الفيصل ومجلّة العربيوالمجلّة العربية، وفي مطلع السبعينيات انتقل إلى دمشق وسمّي مديراً للمكتب الصحفي في السفارة السعودية.
سلسلة العبقريات
أصدر عبد الغني العطري أولى مؤلفاته سنة 1970 بعنوان أدبنا الضاحك، وفي عام 1986 كان كتابه الثاني عبقريات شاميّة. منه ولدت فكرة سلسلة العبقريات التي أصدرها العطري عبر دار البشائر بدمشق في الفترة ما بين 1996-2000. تناولت سير أهم الشخصيات السورية في السياسة والاقتصاد والفن والصحافة، وباتت من أهم المراجع في أدب التراجم بعد كتاب الأعلاملخير الدين الرزكلي. وفي سنة 1998 وضع مذكراته بعنوان اعترافات شامي عتيق، قبل جمع مقالاته بكتاب همسات قلب الصادر سنة 2001.
عودة الدنيا سنة 2002
بعد وصول الرئيس بشار الأسد إلى الحكم والسماح للمطبوعات الخاصة أن تعود إلى سورية للمرة الأولى منذ انقلاب البعث سنة 1963، حصل العطري على رخصة لإعادة طباعة “الدنيا” بعد توقف دام قرابة الأربعة عقود. اتصل بما بقي حياً من كتاب الدنيا القدامى وطلب إليهم المشاركة في ولادتها الجديدة، ومنهم الوزير والنائب الأسبق منير العجلاني، المُقيم في السعودية منذ سنة 1963.
الوفاة
ولكنّ مشروعه لم ير النور وتوفي عبد الغني العطري في حادث سير يوم 23 شباط 2003.
ماري بنت يوسف جبور (1907 – 7 حزيران 1956)، مطربة سورية من أصول لبنانية، بدأت مسيرتها في فلسطين وانتقلت إلى مصر قبل أن تحقق نجومية كبيرة في سورية وتصبح مطربة دمشق الأولى في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين. لقبت بماري الجميلة وحققت شهرة كبيرة في إذاعة دمشق عند تأسيسها سنة 1947 ولكنها توفيت باكراً وهي في أوج عطائها الفني سنة 1956.
البداية
ولِدت ماري جبران في بيروت، واسمها الحقيقي ماري جبور، وجاءت مع أبيها إلى دمشق في الحرب العالمية الأولى، هرباً من المجاعة التي ضربت جبل لبنان. توفي والدها في دمشق وانتقلت مع أمها للعيش مع خالتها في القدس، الممثلة المشهورة ماري جبران، التي أخذت عنها اسمها الفني. نشئت في وسط فني وفيه اكتشف موهبتها وبدأت تغني وترقص في الأعراس والمناسبات الخاصة، وتعلمت العزف على العود.
الانتقال إلى مصر
عملت مع فرقة الممثل المصري علي عسكر التي كانت تجول يافاوحيفا، وأطلق عليها أهل فلسطين لقب ماري الصغيرة تميزاً هن خالتها ماري الكبيرة. ولكن خالتها غارت من نجاحها وأساءت معاملتها فقررت العودة إلى دمشق وسلوك طريق احتراف الفن في ملاهيها الليلية. حضر الفنان المصري سلامة الحجازي إحدى حفلاتها وقرر أخذها معه إلى القاهرة وتبناها فنياً. توجهت “ماري الصغيرة” إلى مصر وعملت في فرقة سلامة الحجازي من سنة 1921 ولغاية عام 1925، يوم عودتها إلى دمشق وتعاقدها من مع ملهى قصر البلّور على إحياء ثلاث حفلات طربية في الأسبوع.
المرحلة اللبنانية
ولكن عملها توقف بسبب اندلاع الثورة السورية الكبرى في صيف العام 1925، فسافرت إلى بيروت وعَمِلت في ملهى الكواكب. عادت إلى دمشق بعد انتهاء الثورة سنة 1927 وصارت تُغني في ملهى بسمار، مكان مقهى الكمال اليوم في زقاق الصخر. وفي مطلع الثلاثينيات تعرفت على الفنانة المصرية بديعة مصابني في سهرة خاصة بدمشق، وعرضت عليها العودة إلى القاهرة والعمل في فرقتها الاستعراضية.
المرحلة المصرية الثانية
عادت ماري جبران إلى مصر بعد غياب دام عشر سنوات وتعرفت على مُلحنين كبار أمثال محمد القصبجيوزكريا أحمدوداوود حسني. قضت تسع سنوات متواصلة في مصر لقبت فيها بماري الجميلة والبعض سماها “ماري الفاتنة،” قبل أن يدبّ الخلاف بينها وبين بديعة مصابني، فقامت الأخيرة بإلغاء عقدها وإرسالها إلى سورية عشيّة بدأ الحرب العالمية الثانية سنة 1939.
العودة إلى دمشق
في دمشق عَمِلت ماري جبران في ملهى العباسية (مكان فندق سميراميس اليوم) وكانت حتى هذا التاريخ تغني أعمال مشاهير الملحنين، وليس لها من الأغنيات المخصصة باسمها إلا قلة قليلة. قررت أن يكون له المزيد من الأغنيات الخاصة بها وتعاملت مع كبار الملحنين السوريين، مثل رفيق شكريونجيب السراجزوزكي محمد، الذي وضع لها العديد من القصائد والأغنيات العاطفية، وكان أشهرها أغنية زنوبيا سنة 1949. غنت في الإذاعة المحليّة التي أطلقتها فرنسا في ساحة النجمة وعند بدء بث إذاعة دمشق سنة 1947 دعيت ماري جبران لتكون الصوت النسائي الأول فيها.
الوفاة
بلغت ماري جبران قمّة مجدها الفني في سورية، وكرمت سنة 1950 من قبل نقابة الموسيقيين السوريين قبل خمس سنوات من وفاتها في 7 حزيران 1956، عن عمر ناهز 49 عاماً، بعد صراع مع مرض السرطان.
اهتم قسطنطين زريق بشؤون الطلاب وقدم دعماً فكرياً ولوجستياً غير محدود لجمعية العروة الوثقى الطلّابية التي نشطت في الجامعة الأميركية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وكان هو عضواً فيها أثناء دراسته الجامعية. اهتمت الجمعية بتشجيع الوعي القومي لدى الطلاب العرب وحثهم على مُمارسة الكتابة والخطابة باللغة العربية الفصحى. أصر الدكتور زريق على إعطاء محاضراته باللغة العربية، رافضاً التحدث باللغة الإنجليزية مع الطلاب، علماً أن الجامعة كانت أميركية الإدارة والهوية، تتبع لمجلس أمناء مُنتخب في مدينة نيويورك. وفي أثناء عمله في الجامعة الأميركية انضم إلى عصبة العمل القومي التي ولدت في لبنان على يد مجموعة من المفكرين العرب سنة 1932 وشارك في تأسيس المجموعة القومية العربية مع عدد من طلابه، ومنهم درويش مقدادي من فلسطينوفؤاد المفرّج من سورية، وكانت اجتماعاتهم تعقد في دارته الكائنة في شارع جان دارك القريب من الجامعة.
بعد انتهاء مهمته في الأمم المتحدة، عاد الدكتور زريق إلى لبنان لإكمال عمله في الجامعة الأميركية قبل استدعائه مجدداً إلى دمشق سنة 1949 لتولّي رئاسة الجامعة السورية في عهد حسني الزعيم. عرض عليه الزعيم تولّي وزارة الخارجية في عهده ولكنّه رفض وفضل البقاء في العمل الأكاديمي، فأصدر الزعيم مرسوماً خاصاً لأجله، كونه أول رئيس جامعة من خارج ملاك الدولة السورية. وفي منصبه الجديد، وضع الدكتور زريق قانوناً حديثاً لكلية العلوم وعمل على رفع نسبة الطالبات السوريات، مع إيفاد 300 طالب سوري إلى أوروبا لإكمال دراساتهم العليا على حساب الحكومة السورية. وعمل بالتعاون مع زميله الدكتور عبد الوهاب حومد على وضع قانون التعليم الثانوي المجاني في سورية، الذي صادق عليه مجلس النواب السوري يوم 5 أيلول 1950.
العروة الوثقى في دمشق
شجع الدكتور زريق طلابه على نسخ تجربة العروة الوثقى من بيروت، وقاموا بتأسيس فرح محلي لها في الجامعة السورية مع انتخابه رئيساً فخرية لهم. عملت العروة الوثقى في سورية على نشر القومية العربية بين الطلاب وأطلقت مجلّة جامعية لهذا الهدف، ولكن فترة رئاسة زريق للجامعة السورية لم تستمر طويلاً وأجبر على الاستقالة في آذار 1952، احتجاجاً على اقتحام الحرم الجامعي من قبل الشرطة العسكرية، بحثاً عن أعضاء جمعية العروة الوثقى شاركوا في مظاهرة طلابية ضد العقيد أديب الشيشكلي، حاكم سورية العسكري منذ سنة 1951. حاول زريق منعهم من الدخول وتعرض للضرب أمام الطلاب، ما استدعى تدخلاً مباشراً من الشيشكلي، الذي حاول الاعتذار وقام بتقليده وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة، أملاً أن ينفع ذلك في تراجعه عن الاستقالة، ولكن قرار قسطنطين زريق كان حازماً ونهائياً.
العودة إلى الجامعة الأميركية
عاد الدكتور زريق إلى عمله في بيروت وعُيّن عميداً للكليات في الجامعة الأميركية قبل تكليفه برئاسة الجامعة بالوكالة يوم 19 كانون الثاني 1954. وفي عهده وضع برنامج جديد للدراسات العربية المعاصرة وسافر زريق على رأس وفد رفيع من الأساتذة إلى مصر لمقابلة الدكتور طه حسين والاستفادة من تجربة جامعة فؤاد الأول في الدراسات والأبحاث. وقد شهد عهده في الجامعة الأميركية مظاهرات طلابية ضخمة ضد حلف بغدادوالعدوان الثلاثي على مصر. أيّد النشاط الطلابي المعادي للغرب داخل الحرم الجامعي ولم يخفِ تبنيه ودعمه لجمعية العروة الوثقى التي كان يرأسها يومئذ الطالب السوري ثابت المهايني، المدعوم من قبل الدكتور زريق.
نظّم المهايني مظاهرة حاشدة ضد حلف بغداد يوم 27 آذار 1954، أدّت إلى مواجهة دامية مع قوى الأمن الداخلي على أبواب كلية الطب، قُتل خلالها أحد أعضاء جمعية المقاصد الخيرية وشاب من الحزب التقدمي الاشتراكي الذي كان يتزعمه كمال جنبلاط. قامت القوة الأمنية باستخدام الرصاص الحي لتفريق المُتظاهرين، ودخلت الحرم الجامعي رغم معارضة رئيس الجامعة – تماماً كما حدث في دمشق سنة 1952 – بحثاً عن الطلاب المُنتمين إلى جمعية العروة الوثقى. وقد شُنّ هجوم عنيف على القوة الأمنية داخل البرلمان اللبناني، بقيادة كمال جنبلاط، وتزعمت صحيفة النهار الحملة الإعلامية المناهضة لما حدث داخل حرم الجامعة الأميركية.
وعلى الرغم من قُربه من الحراك الطلابي ودوره المحوري في رعايته، أُجبر زريق – بصفته رئيساً للجامعة – على حلّ جمعية العروة الوثقى يوم 29 أيار 1954 وفصل 15 شاباً أدينوا بتزعّم الحراك الطلابي. وفي 30 آذار 1954، عقد الدكتور زريق مؤتمراً صحفياً في بيروت أعرب فيه عن أسفه الشديد للطريقة التي تمّت فيها معالجة الأزمة مع الطلاب، وكان لمواقفه القومية الدور الأكبر في عدم تعيينه رئيساً أصيلاً للجامعة الأميركية، حيث حرّض ضده وزير الخارجية اللبناني شارل مالك، زميل زريق في الأمم المتحدة المقرب من رئيس الجمهورية كميل شمعون، المحسوب بدوره على الولايات المتحدة.
توفي الدكتور قسطنطين زريق في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت عن عمر ناهز 91 عاماً يوم 12 آب 2000، ونعته الجامعة بالقول: “كان عملاقاً في عصره، ومع ذلك اتسمت شخصيته بالتواضع واللطف، وكان يُعامل الجميع، طلاباً كانوا أم قادة دول، بنفس اللباقة والاحترام.”