الدمشقي ودَرس في كتّاب الشّيخ يوسف الداراني الشيخ عبد اللطيف الصوفي ثم المدرسة الرشدية في قبة الملك الظاهر. عُيّن موظفاً في الدولة العثمانية ووصل إلى منصب رئيس دائرة أركان الحرب سنة 1892. كُلف برئاسة تحرير جريدة سورية الرسمية طيلة خمسة عشرة سنة قبل تعيينه مديراً للشعبة الأولى في إدارة الجيش العثماني السابع في اليمن. في أثناء إقامته باليمن دوّن الكثير من الملاحظات والمشاهدات، جمعت في كتاب صدر باللغة الإنجليزية بعد وفاته، ولا يزال المخطوط الأصلي محفوظاً في دار الكتاب في صنعاء.
بدأ عبد العزيز العظمة بوضع كتابه الشهير عن دمشق وهو في منتصف العقد السابع من العمر، وكان مؤلفاً من ثلاثة أجزاء. جاء الأول عن تاريخ دمشق وموقعها الجغرافي وعاداتها ومناخها واقتصادها، وهو الذي نُشر لاحقاً بعنوان مرآة الشام. أما الأجزاء الأخرى، فكانت عن تاريخ بلاد الشّام منذ الفتح الإسلامي وصولاً إلى العهد العثماني، ولم يخفِ فيها العظمة إعجابه بالعثمانيين وحزنه الشديد على زوال حكمهم في سورية.
حفظ القسم الثاني والثالث من المخطوط في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق، وتحول الجزء الأول إلى كتاب مرآة الشّام المعروف الذي حققه الباحث السوري الدكتور الدكتور عزيز العظمة بالتعاون مع الدبلوماسي والمؤرخ العراقي نجدت فتحي صفوت. ولكنه لم ينشر إلا سنة 1987، أي بعد وفاة مؤلفه بسنوات طويلة. وكان العظمة قبل وفاته قد نهى أولاده عن حذف أو تعديل أي فقرة من الكتاب ولو خالفت عقيدتهم السّياسية وشذّت عن مذهبهم القومي العربي، وتحديداً فيما يتعلق بانتقاده للثورة العربية الكبرى.
الوفاة
توفي عبد العزيز العظمة بدمشق عن عمر ناهز 87 عاماً سنة 1943.
ولِد عبد الرحمن اليوسف سنة 1871 في سوق ساروجا، خارج أسوار المدينة القديمة، ويعود نسبهُ إلى عشيرة كردية جاءت من مدينة دياربكر واستوطنت دمشق في مطلع القرن التاسع عشر. والده محمد باشا اليوسف كان من الأعيان وقد تسلّم عدة مناصب رفيعة في حمصوعكاوطرابلس الشّام.
تزوّج عبد الرحمن اليوسف من فايزة بنت خليل باشا العظم، وهي سيّدة ثريّة من سلالة سياسيّة عَريقة، كانت قد حكمت دمشق طوال سنوات القرن الثامن عشر وتولّى الكثير من من رجالِها إمارة الحج قبل أن تذهب لآل شمدين آغا. أُضيفت ثروة آل العظم إلى ثروات آل شمدين آغا واليوسف، ما جعل من عبد الرحمن باشا وعلى الرغم من صغر سنه، أحد أغنى أغنياء عصره. كانت أراضيهم الزراعية الخصبة تدرّ عليه ما لا يقل عن عشرة آلاف ليرة ذهبية سنوياً، وكان كريماً جداً وسخيّاً مع كل من عَمل معه من فلّاحين ومرابعين لكسب احترام الناس وولائهم المطلق. على سبيل المثال، كان راتب وكيله العام عشر ليرات ذهبية في السنة، وهو أعلى راتب عرفته دمشق في حينها، وكان يَدفع خمس ليرات ذهبية سنوياً لكل مُحاسب، وليرة ونصف الليرة لكل مختار من مخاتير القرى التي كان يَملكها، مع نسبة من أرباح عائداتها الزراعية الموسمية. مع مطلع القرن العشرين، كان عبد الرحمن اليوسف يَملك كامل الشاطئ الشرقي من بحيرة طبريا، وثلاث قرى بأكملها في غوطة دمشق الشرقية، إضافة لخمس قرى في سهل البقاع وأربع وعشرين قرية في الجولان.
من أولى قرارات الحكم الفيصلي في سورية كان إلغاء منصب إمارة الحج، ما أجبر اليوسف على البحث عن دور جديد لنفسه ودخول الحياة السياسية من أبوابها الحزبية. شارك في تأسيس حزب سياسي باسم الحزب الوطني السوري، والذي عُرف شعبياً بحزب الذوات، نظراً لوجود اليوسف في صدارته. تشكل الحزب من هيئة إدارية مؤلفة من ستة عشر عضواً وهيئة استشارية فيها خمسة وعشرون عضواً، جميعهم من الأعيان، ولم يكن له أي برنامج سياسي واضح، سوى المطالبة باستقلال سورية بحدودها الطبيعية وضمان وحدة أراضيه.
جاء في بيان التأسيس مطالبة أعضاء الحزب الوطني السوري بنظام ملكي دستوري، يقيّد صلاحيات الأمير فيصل ويجعله مسؤولاً أمام مجلس نواب مُنتخب. وطالبوا بالتساوي في الحقوق والواجبات بين جميع مكونات الشعب السوري، دون التفريق بين أي عرق أو دين. ولكيلا يبقى الحزب مرتبطاً بالذوات، طالب أعضاؤه بإنشاء صناديق للتعاون الاقتصادي تقوم على تبرعات الأعضاء المؤسسين لرفع السوية المعيشية لأبناء الشعب السوري كافة، وكان من ضمن أهدافهم تنشيط التجارة والصناعة والزراعة وصون حقوق النقابات والعمال. وفي محاولة لاستمالة علماء الدين إلى صفوف الحزب، تعاون عبد الرحمن اليوسف مع أمين الفتوى بدمشق الشيخ عبد المحسن الأسطواني ومع الشّيخ عبد القادر الخطيب، خطيب الجامع الأموي.
نائباً في المؤتمر السوري الأول
في عام 1919، انتُخب اليوسف نائباً عن دمشق في المؤتمر السوري العام، أول سلطة تشريعية منتخبة في تاريخ سورية الحديث، وسمّي نائباً لرئيسه هاشم الأتاسي. وفي يوم 8 آذار 1920، أعلن أعضاء المؤتمر استقلال سورية بحدودها الطبيعة، وبايعوا الأمير فيصل ملكاً دستورياً على البلاد. مَثّلَ اليوسف جيل الشيوخ في المؤتمر السوري، مع محمد فوزي العظمومرعي باشا الملّاح، وقد ظهر خلاف واضح بينهم وبين النواب الشباب المتحمسين للقضية العربية. عندما بدأ زحف الجيش الفرنسي باتجاه مدينة دمشق في تموز 1920، بنية احتلالها وفرض الانتداب الفرنسي على سورية، نصحَ اليوسف بتجنب أية مواجهة عسكرية، وفضل التوصل إلى تسوية مع فرنسا لأن الجيش السوري الصغير لم يكن قادراً – بحسب قوله – على مواجهة الجيش الفرنسي المتفوق عليه عسكرياً وتقنياً ومادياً.
سقوط الحكم الفيصلي
ولكن القائمين على الحكم يومها رفضوا الأخذ بنصيحة اليوسف، وعدّوه مُتخاذلاً جباناً. حصلت مواجهة عسكرية في معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920 هُزم فيها الجيش السوري واستُشهد وزير الحربية يوسف العظمة. قبل مغادرته دمشق متجهاً إلى جنوب البلاد، أمر الملك فيصل بتشكيل حكومة جديدة برئاسة علاء الدين الدروبي، عُيّن فيها اليوسف رئيساً لمجلس الشورى يوم 26 تموز 1920. فرض المندوب السامي الفرنسي الجديد هنري غورو غرامة ماليّة على المُدن السورية كافة، عقاباً على دعمها الجيش الفيصلي في ميسلون، ولكنّ أهالي حوران رفضوا الالتزام وهددوا بعصيان مُسلّح دعماً لملكهم المخلوع. شُكل وفد حكومي رفيع لمفاوضة أهالي المنطقة، كان برئاسة الدروبي وعضوية اليوسف ووزير الداخلية عطا الأيوبي.
جريمة خربة غزالة
سافر الوفد إلى حوران صباح يوم 21 آب 1920 وعند وصوله إلى قرية خربة غزالة، أطلق أحد الجنود السنغاليين المرافقين للوفد النار على جمع من الحورانيين الموجودين في محطة القطار، خوفاً من البنادق التي كانت بين أيديهم. ترجّل اليوسف من القطار قاصداً المحطة للاتصال بدمشق وطلب نجدة عسكرية، فلحق به ثلاثة مسلحين وقتلوه، وقتلوا الرئيس الدروبي. بقي جثمانهما في خربة غزالة حتى نهاية شهر أيلول، بسبب توقف الرحلات البرّيّة بين دمشق وحوران، لتعاد إلى العاصمة السورية في 20 أيلول 1920. أقيمت لهما جنازة رسميّة شارك بها مندوب عن الجنرال هنري غورو، ودُفن عبد الرحمن اليوسف في مقبرة الدحداح.
ذكرى اليوسف
بعد اثنتي عشرة سنة على وفاته، قدّمت عائلة اليوسف قطعة أرض إلى الدولة السورية لإقامة مستشفى ابن النفيس ووضع في مدخلها لوحة رخاميّة كتب عليها “تقدمة أبناء عبد الرحمن باشا اليوسف،” تخليداً لذكراه. وفي سنة 1949، عُيّن أكبر أولاده محمّد سعيد محافظاً على مدينة دمشق، وكان شقيقه الأصغر حسن سامي اليوسف عضواً مؤسساً في الحزب الوطني الحاكم ما بين 1947-1949. وفي منتصف مرحلة الخمسينيات تحوّل قصر العظم وسط سوق البزورية إلى متحف للفنون والتراث الدمشقيّ، وُنصِب تمثال شمع لعبد الرحمن باشا في القسم الخاص بمحمل الحج الشّامي.
تجسيد شخصيته على شاشة التلفزيون
في سنة 2000 لَعِب الفنان الفلسطيني أحمد رافع دور عبد الرحمن باشا اليوسف في المسلسل السوري الخوالي.
ولِد عبد الحميد القلطقجي في دمشق ودَرَس في الكلية الحربية في إسطنبول. كان جده عرابي آغا القلطقجي من أعيان الشّام الذين شاركوا في ثورة على الوالي التركي سليم باشا عندما حاول فرض ضريبة جديدة على مسلمي المدينة سنة 1831. التحق القلطقجي الحفيد بالجيش العثماني ووصل إلى رتبة أمير لواء ونال لقب “الباشا” عسكرياً. وانتسب سراً إلى الجمعية العربية الفتاة التي ظهرت في فرنسا قُبيل الحرب العالمية الأولى، وكانت تطالب بتوسيع مشاركة العرب في الدولة العثمانية، قبل أن تتحول مطالبها إلى إسقاط الحكم العثماني في الولايات العربية.
فور خروجه من السجن، بايع الأمير فيصل بن الحسين حاكماً عربياً على سورية في 3 تشرين الأول 1918، وانضم إلى جيشه. عينه الأمير فيصل حاكماً عسكرياً على مدينة حلب، خلفاً للجنرال العراقي جعفر باشا العسكري.، وفي 10 كانون الأول 1919، سمّي وكيلاً للحاكم العسكري بدمشق.
غاب القلطقجي عن معركة ميسلون في 24 تموز 1920، والتي استشهد فيها يوسف العظمة وفرض الانتداب الفرنسي على سورية. قسمت سورية في عهد الانتداب إلى دويلات وشُكل مجلس تمثيلي لكل دولة، وانتُخب القلطقجي نائباً عن دمشق في مجلسها المحلي. وفي أثناء ولايته النيابية، فتح دكّاناً للسمانة في طريق الصالحية، ما أثار استهجان المجتمع الدمشقي، لكونه باشا ووزير وأمير لواء متقاعد. كان الدّكان ملكاً لوالد نزيهة الحمصي (زوجة أكرم الحوراني) التي كتبت في مذكراتها: “وكثيراً ما كنت أشتري منه بقرش أو قرشين ما يحب الأطفال عادة شراءه.”
الوفاة
توفي عبد الحميد القلطقجي في مطلع العام 1925، وشغر مقعده النيابي بدمشق. دعت سلطة الانتداب لإجراء انتخابات فرعية، فاز فيها أحمد مختار الشريف خلفاً للقلطقجي.
الأولاد
دَرَس ابنه صلاح القلطقجي الصيدلة في الهند وفتح “الصيدلية السلطانية” في مدينة البصرة، وهي أول صيدلية حديثة في العراق كانت مُلكاً لوالد زوجته، الصيدلاني العراقي عزيز اجزاجي.
ولِد عارف التوّام في أُسرة دمشقية تعود أُصولها إلى قبيلة شمّرالعربية. تلقى علومه الأولية فيالمدرسة الجقمقيةمقابلالجامع الأموي،ثم في الكلية الحربية فيإسطنبول، اختصاص مدفعية. التحقبالجيش العثمانيوعُيّن في منطقة حورانونقل بعدها إلى اليمن، وكيلاً للواء مدينةتعزفي المرتفعات الجنوبية.خدم في اليمن طيلة ست سنوات ودرّس العلوم العسكرية في ثانوية تعز حتى اندلاع الحرب العالمية الأولىعام 1914. نُقل إلىحمصآمراً لسلاح المدفعية ثم إلى جبهةالقوقازوأخيراً إلىفلسطين. وفي هذه السنوات انتسب إلى جمعية العهد المناهضة للدولة العثمانية، ولكن نشاطه السياسي أُحيط بسرية تامة منعت عنه الاعتقال أو التسريح من الجيش.
في العهد الفيصلي
عاد التوّام إلى دمشق وبايع الأمير فيصل بن الحسينحاكماً عربياً على سورية، ممثلاً عن والدهالشريف حسين، قائدالثورة العربية الكبرى.شارك في تأسيسالجيش السوري مع رئيس الأركان ياسين باشا الهاشمي وعُيّن قائداً لسلاح المدفعية ومديراً للتسليح. وفي صيف عام 1920، سُمي عضواً في المجلس الحربي الذي شُكل في دمشق للإشراف على الجيش السوري مع وزير الحربية يوسف العظمة. وبعد الهزيمة التي وقعت بالقوات السورية في ميسلونيوم 24 تموز 1920 وفرضالانتداب الفرنسيعلى سورية، سُرّح التوّام من الخدمة العسكرية وهو في الثانية والأربعين من العمر، فتفرّغ للتدريس والكتابة والنشر. وضع عدة مؤلفات في الجغرافية والتاريخ، وكتاباً خاصاً عن فن الرمي.
صفوح مؤيد العظم (1896-1962)، رجل دولة سوري من دمشق، تسلّم قيادة الشرطة سورية مرتين، كانت الأولى في السنوات 1937-1940 والثانية في عهد الرئيس تاج الدين الحسني عام 1942. وعُين محافظاً على مدينة دمشق من 9 حزيران 1940 ولغاية 1 تشرين الأول 1942. وهو عديل رئيس وزراء لبنان رياض الصلح، متزوج من جليلة بنت نافع باشا الجابري شقيق الرئيس سعد الله الجابري.
البداية
ولِد صفوح مؤيد العظم بدمشق وهو سليل أُسرة سياسية عريقة، حكم أبنائها دمشق طوال القرن الثامن عشر. دَرَس في المدرسة العازارية بدمشق وفي الجامعة الأميركية في بيروت، حيث انخرط في صفوف الحركة الوطنية، دعماً لابن عمّه شفيق مؤيد العظم، نائب دمشق في مجلس المبعوثان الذي أُعدم على يد جمال باشا سنة 1916. ونظراً لنشاطه المعادي للدولة العثمانية، نُفي صفوح مؤيد العظم إلى مدينة بورصة التركية ووُضع تحت الإقامة الجبرية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى.
مديراً للشرطة السورية
بعد عودته إلى دمشق سنة 1918 التحق صفوح مؤيد العظم بالعمل الحكومي وأصبح مديراً لسجن القلعة، وبعدها قائداً للشرطة السورية سنة 1937. حقق نجاحاً بارزاً في هذا المنصب وكان يَخرج بنفسه مع دوريات الليل لمطاردة اللصوص وقاطعي الطريق، ويدخل إلى الكهوف في جبل قاسيون لمفاوضتهم على رمي السلاح. كما كان رحيماً مع السجناء، وتحديداً المحكومين منهم بجرائم لا علاقة لها بالشرف.
في الأعياد، كان يختار مجموعة من السجناء المعتقلين بسبب سرقات صغيرة ويعرض عليهم إخلاء سبيل خلال فترة العيد، ليقضوا وقتاً مع أُسرهم، شرط أن يعودوا إلى السجن في ساعة محددة من تاريخ محدد. وكان يطلب من السجين أن يضع يده على شاربه، ويُقسم أن يلتزم بهذا الموعد، وإلا يُعتبر عديم شرف ووجدان. وعمل مؤيد العظم على مساعدة الثوار المعتقلين على الفرار من السجن قبل صدور حكم الإعدام بحقهم، وهذا ما فعله مع الشيخ مصطفى الجليلي، أحد قادة ثورة حوران ضد الانتداب الفرنسي.
محافظاً على مدينة دمشق
وفي حزيران 1940 سمّي صفوح مؤيد العظم محافظاً على مدينة دمشق، خلفاً لتوفيق الحيّاني. جاء إلى أمانة العاصمة في فترة توتر شديد ناتج عن سوء الأوضاع الاقتصادية وغلاء المعيشة أثناء الحرب العالمية الثانية. وكانت الدولة السورية يومها تعاني من نقص كبير في مواردها المادية، فجعل من تأمين الإعاشة أولوية بالنسبة له والتأكد من تحقيق العدالة في توزيع المؤن على الفقراء والمحتاجين.
جريمة اغتيال الشهبندر
وبعد أسبوعين من تكليفه بمهام المحافظة، اغتيل الزعيم الوطني عبد الرحمن الشهبندر في عيادته الطبية وسط حيّ الشعلان وتولّى مؤيد العظم التحقيق بالجريمة. تعاون مع صديقه وأحد أقربائه نزيه مؤيد العظم (صهر الشهبندر) على إلقاء القبض على المجرمين وقُدمت مكافأة مالية لمن يدلي بشهادة عن مكان إقامة الجناة، قدمها الصناعي الحاج عثمان الشرباتي.
أُلقي القبض على القاتل الرئيسي أحمد عصاصة في بساتين الميدان، وأشرف مؤيد العظم شخصياً على التحقيق معه نظراً لخبرته الطويلة مع التحقيق مع المُجرمين. وُجهت أصابع الاتهام يومها إلى جميل مردم بكولطفي الحفاروسعد الله الجابري، وجميعهم كانوا على خصومة سياسية مع الشهبندر وكانت تربطهم بمؤيد العظم صداقة إضافة لقرابته مع سعد الله الجابري (عمّ زوجته). وفي أوراقه المنشورة بعد رحيله بسنوات طويلة، يقول جميل مردم بك إن رئيس الحكومة بهيج الخطيب اجتمع مع أحد الجناة، ويدعى خليل غندور، بحضور صفوح مؤيد العظم وأمره أن يتهم قادة الكتلة الوطنية ويقول إنهم طلبوا منه اغتيال الشهبندر.
العودة إلى مديرية الشرطة
وفي تشرين الأول 1941، عُيّن مؤيد العظم مديراً للشرطة السورية مرة ثانية عند تعيين تاج الدين الحسني رئيساً للجمهورية، ولكنّ ولايته هذه المرة لم تستمر طويلاً واستقال في نهاية كانون الثاني من العام 1942.
الوفاة
توفي صفوح مؤيد العظم بدمشق عن عمر ناهز 66 سنة 1962.
كاظم بن نجيب الداغستاني (1898 – 26 أيلول 1985)، أديب سوري من دمشق أسس مجلّة الثقافة الأصلية مع الشاعر خليل مردم بك سنة 1933 وكان قائمقام معرة النعمان ومحافظاً بالوكالة على سهل حوران في زمن الانتداب الفرنسي. عُيّن مديراً لمكتب رئيس حكومة المديرين بهيج الخطيب ثم لمكتب رئيس الجمهورية تاج الدين الحسني سنة 1941 وهو خال الروائية الدمشقية ألفة الإدلبي، وكان له دور كبير في انطلاق مسيرتها الأدبية.
وفي سنة 1938، عينه رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي قائمقام على معرة النعمان، حيث عمل على إدخال الكهرباء إلى المنطقة وترميم ضريح أبى علاء المعرّي. نُقل بعدها إلى رئاسة الحكومة في ساحة المرجة وسمّي مديراً لمكتب رئيس حكومة المديرين بهيج الخطيب سنة 1940. أبقاه الشيخ تاج الدين الحسني في منصبه بعد توليه رئاسة الجمهورية في أيلول 1941، ثم قرر نقله إلى سهل حوران وعينه محافظاً بالوكالة حتى كانون الثاني 1943 تاريخ استقالته من العمل الحكومي وتفرغه للكتابة والمحاماة.
الحياة الأدبية
كان لكاظم الداغستاني نشاط أدبي ملحوظ منذ مطلع شبابه، وكانت البداية مع مجلّة “الميزان” اللبنانية التي كان ينشر فيها قصصاً قصيرة. وفي العام 1933 تعاون مع صديقه الشاعر خليل مردم بك على إصدار مجلّة “الثقافة” الأدبية (لا علاقة لها بالمجلّة الشهيرة التي حملت نفس الاسم والتي أصدرها الأديب مدحة عكاش في نهاية الخمسينيات).
تجربة مردم بك والداغستاني لم تستمر إلّا عام واحد فقط، وبعدها قام الأخير بترجمة الرسالة التي تقدم بها لنيل شهادة الدكتوراة من جامعة السوربون ونشرها باللغة العربية تحت عنوان “الأسرة المسلمة المعاصرة في سورية.” جاء بعدها كتاب عاشها كلها سنة 1969 وهو عبارة عن مُذكّرات كتبت بطريقة قصصية ونالت إعجاب وثناء الكثير من الأدباء والنقّاد. وفي سنة 1972 وضع كتابه الثالث والأخير بعنوان حكاية البيت الشامي الكبير، الذي تحدث فيه عن مفاتن وسحر البيت الدمشقي ووثّق للذاكرة والحياة اليوميّة الدمشقيّة مطالع القرن العشرين.
الحياة الأسرية
تزوج كاظم الداغستاني من عزة العظم المدرسة في مدرسة الفرنسيسكان وله منها ابن واحد اسمه نجيب ولد سنة 1940.
عبد القادر بن محمد المبارك (1881 – 27 تشرين الثاني)، أستاذ مدرسي وعالم لغوي من دمشق، أسس المدرسة العربية في حيّ العمارة وكان أحد مدرسي مكتب عنبر، إضافة لكونه أحد مؤسسي مجمع اللغة العربية بدمشق سنة 1919.
البداية
ولد عبد القادر المبارك في دمشق وهو سليل عائلة من العلماء تعود أصولها إلى المغرب العربي. درس على يد والده الشيخ محمّد المبارك، أحد عُلماء الشّام في القرن التاسع عشر، وانتسب إلى المدرسة التي أقامها والده في حي القيمرية وكانت تُعرف باسم مدرسة الحبّال. قرأ علي يد علماء عصره من أمثال الشيخ بدر الدين الحسنيوالشيخ عطا الله الكسم والتحق بالحلقة الفكرية التي أقامها الشيخ طاهر الجزائري بدمشق.
الحياة المهنية
امتهن التدريس الديني واللغوي وفي سنة 1893 أسس مدرسة خاصة به في حي العمارة، عرفت باسم مكتب النجاح قبل تغيير اسمها إلى المدرسة العربية سنة 1918. تولى إدارة المدرسة والتدريس في معظم مراحلها التعليمية، وفي سنة 1905 انتُدب إلى المدرسة السلطانية الأولى قبل تعيينه في مكتب عنبر سنة 1909.
مجمع اللغة العربية
كانت تربطه علاقة صداقة قديمة مع محمد كرد علي، زميل الدراسة في مدرسة الحبّال، وفي 30 تموز 1919 تعاون معه على تأسيس مجمع اللغة العربية في المدرسة العادلية بدمشق. كلفه الأمير فيصل بتعريب النصوص الإدارية والعسكرية في سورية بعد تحرير البلاد من الحكم العثماني، وتعاون مع وزير المعارف ساطع الحصري على وضع منهاج اللغة العربية في جميع المراحل الدراسة. وفي سنة 1930 انتُدب المبارك للتدريس في مدرسة الأدب العليا (نواة كلية الآداب في الجامعة السورية)، وفي سنة 1942 تولَّى تدريس اللغة العربية في دار المعلمين العليا.
الوفاة
توفي الشيخ عبد القادر المبارك عن عمر ناهز 64 عاماً يوم 27 تشرين الثاني 1945 وأطلق اسمه على مدرسة حكومية بدمشق وعلى أحد شوارع مدينة جدة في السعودية.
قالوا في الشيخ مبارك
كان قاضي دمشق الشيخ علي الطنطاوي أحد تلامذة الشيخ عبد القادر المبارك وقد كتب عنه في مذكراته قائلاً: “لم أرَ فيمن قرأتُ عليه وكنت تلميذًا له، مَن كان في درسه حياةٌ كحياة درس الشيخ المبارك… لقد كان أصمعيَّ زمانه وأبا عبيدةَ عصره، ينشر العربية ويُحبّب بها الطلاب في مكتب عنبر.”
وكان من تلامذته أيضًا ظافر القاسمي الذي قال في أستاذه: “كان أعلمَ أهل زمانه بالمفردات حتَّى قيل عنه: (إنه نسخة حيَّة من القاموس)؛ فقد عُرف عنه أنه كان يحفظ (فقه اللغة) و(الألفاظ الكتابية) و(القاموس المحيط) عن ظهر قلب، وكان له غَرام بالمترادف، يقصف به لسانه كالرعد دون توقُّف ولا تلعثم.
مؤلفاته
معظم آثار الشيخ عبد القادر المبارك صدرت بعد وفاته ومنها:
الصبر مطية النجاح: قصيدة في الحِكَم لابن الظهير الإربلي (تحقيق، دمشق 1990)
كفاية المتحفظ ونهاية المتلفظ لابن الأجدابي (تحقيق، دمشق 2002)
عاد إلى دمشق بموجب عفو سنة 1928 وشارك في تأسيس عصبة العمل القومي المعارضة للانتداب الفرنسي في سورية ولبنان والبريطاني في فلسطينوالعراق. أُسست العصبة في قرية قرنايل بجبل لبنان سنة 1932، وكُلّف العسلي بإنشاء فروع سريّة لها في بيروتوطرابلس. ولكنه اختلف مع قادتها بسبب موقفهم الرافض لأي مفاوضات مع فرنسا حتى لو كان هدفها الاستقلال التام، وفي سنة 1936 انشق عن العصبة وانضم إلى صفوف الكتلة الوطنية، بتشجيع ودعم من شكري القوتلي الذي تبناه سياسياً وشكّل تحالفاً معه استمر من يومها وحتى نهاية الخمسينيات.
نشاطه في الكتلة الوطنية
ترشّح صبري العسلي في الانتخابات البرلمانية على قوائم الكتلة الوطنية سنة 1936 وفاز بالنيابة عن دمشق. أبدى تعاطفاً مع الزعيم الألماني أدولف هتلر عند اندلاع الحرب العالمية الثانية واعتقل بتهمة الترويج للنازية سنة 1942. وعند خروجه من المعتقل في سجن راشيا ترشح مجدداً للنيابة على قوائم الكتلة وفاز بمقعده عن دمشق سنة 1943.
تحالف مجدداً مع القوتلي وعند انتخاب الأخير رئيساً للجمهورية سُمّي صبري العسلي وزيراً للداخلية في حكومة فارس الخوري الثانية في 7 نيسان 1945. كان العسلي على رأس عمله عندما وقع العدوان الفرنسي على مدينة دمشق في 29 أيار 1945، فأصدر قراراً موجهاً إلى جميع المواطنين السوريين العاملين في قوة الدرك والأمن العام، بضرورة ترك وظائفهم وحمل السلاح مع المقاومة الوطنية.
بعد أسابيع من بدأ المعارك في حرب فلسطين سمّي العسلي وزيراً للداخلية في حكومات جميل مردم بكالرابعةوالخامسة. اندلعت يومها مظاهرات غاضبة في طول البلاد وعرضها، احتجاجاً على تراجع أداء الجيش السوري في فلسطين وقبول الدولة السورية بالهدنة المفروضة على العرب من قبل الأمم المتحدة في 11 حزيران 1948. رد الوزير العسلي بفرض قانون الطوارئ واعتقال ميشيل عفلق، مؤسس حزب البعث، بتهمة التحريض على الدولة، ما عرّضه لمحاولة اغتيال على مدخل وزارة الداخلية عندما ألقيت قنبلة نحوه من قبل أحد المتظاهرين.
مع حسني الزعيم
في كانون الأول 1948 شُكّلت وزارة جديدة برئاسة خالد العظم، استبدل فيها بالعسلي عادل العظمة ممثلاً عن الحزب الوطني. كانت هذه الحكومة هي الأخيرة في عهد شكري القوتلي، وسقطت مع سقوط العهد في 29 آذار 1949 يوم انقلاب حسني الزعيم. كان العسلي قد قضى الليلة التي سبقت الانقلاب بصحبة الزعيم في فندق أميّة ولم يخطر في باله أن الأخير كان يُحضر لعملية عسكرية كبيرة تطيح برئيس الجمهورية. أمر الزعيم باعتقال شكري القوتلي ونقله إلى سجن المزة، وحلّ جميع الأحزاب السياسية، وعلى رأسها الحزب الوطني، بعد تعطيل البرلمان في الساعات الأولى من 1 نيسان 1949.
لم يرض العسلي عن الانقلاب ولكنّه لم يدخل في مواجهة مع حسني الزعيم وقرر التعاون معه. وقد أدى هذا التعاون إلى حدوث شرخ مؤقت بينه وبين الرئيس القوتلي، وتحديداً بعدما كلفه الزعيم بتمثيله في احتفالات الذكرى العاشرة لجلوس الملك فيصل الثاني على عرش العراق في 2 أيار 1949. وبعدها بشهرين، عُيّن العسلي عضواً في اللجنة الدستورية التي شكّلها الزعيم، وكانت برئاسة الدكتور محسن البرازي.
الانقلاب في موقف العسلي
وفي 14 آب 1949 وقع انقلاب عسكري جديد في دمشق، أدى إلى مقتل محسن البرازيوحسني الزعيم. دعا مهندس الانقلاب سامي الحناوي إلى اجتماع كبير في مبنى الأركان العامة وسط العاصمة السورية، حضره صبري العسلي ممثلاً عن الحزب الوطني وتقرر فيه عودة الحياة النيابية ودعوة الرئيس الأسبق هاشم الأتاسي لتولّي الرئاسة والإشراف على انتخاب مؤتمر تأسيسي تكون مهمته وضع دستور جديد لسورية بدلاً من الدستور القديم الذي كان الزعيم قد عطله قبل أشهر.
في مواجهة الشيشكلي
وبعد وصول أديب الشيشكلي إلى الحكم وانقلابه على حكم هاشم الأتاسي في تشرين الثاني 1951 انتقل صبري العسلي إلى صفوف المعارضة. أمر الشيشكلي بحلّ الحزب الوطني ودعا الأتاسي إلى اجتماع في داره بحمص، حضره العسلي وتقرر فيه عدم الاعتراف بشرعية العهد ومحاربته بكل الطرق المتاحة. رد الشيشكليباعتقال جميع المشاركين في مؤتمر حمص، ومنهم العسلي، ولم يستثنِ أحداً سوى هاشم الأتاسي نظراً لتقدمه بالسن ومكانته الرفيعة في المجتمع السوري. وجه القضاء العسكري تهمة التخابر مع دولة أجنبية إلى صبري العسلي، وتقاضي أموال من العراق لقلب نظام الحكم في سورية. وكان من المفترض إعدامه لولا الانقلاب الذي أسقط حكم الشيشكلي في شباط 1954 وأعاد الأتاسي إلى الرئاسة.
حكومة العسلي الأولى (آذار – حزيران 1954)
أعيد العمل بالدستور القديم – دستور عام 1950 – والمجلس النيابي المنتخب سنة 1949، وفي 1 آذار 1954 كُلف العسلي بتشكيل حكومته الأولى بطلب من رئيس الجمهورية. تعاون العسلي مع خصومه في حزب الشعب، لكونهم أكبر المعارضين للشيشكلي وأكثر المتضررين من حكمه، وقد أسند إليهم حقائب الخارجية والداخلية والدفاع والأشغال العامة. أما الحزب الوطني فقد كانت حصّته وزارات الصحة والاقتصاد فقط، إضافة إلى رئاسة الحكومة.
كان من المفترض أن تُشرف حكومة العسلي على الانتخابات النيابية والرئاسية المُقبلة، ولكنها سقطت بعد ثلاثة أشهر فقط من تأليفها في 19 حزيران 1954، بسبب مواجهة حصلت بينه وبين المؤسسة العسكرية. حاول العسلي يومها تقليم أظافر الضباط المحسوبين على أديب الشيشكلي، ما وحد العسكريين ضده، وشنّت الصحف اليومية حملة شرسة عليه عند استقباله نائب رئيس أركان الجيش الأمريكي أرثر ترودو في 8 أيار 1954، والذي جاء إلى سورية للتباحث معه حول كيفية العمل ضد تمادي النفوذ الشيوعي في الشرق الأوسط.
ومع قرب انتهاء ولاية هاشم الأتاسي توجه صبري العسلي إلى مصر يوم 9 نيسان 1954، على رأس وفد كبير من التجّار والسياسيين لدعوة الرئيس الأسبق شكري القوتلي إلى العودة إلى سورية والترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. أنهى هذا الاجتماع القطيعة القائمة مع القوتلي منذ انقلاب الزعيم سنة 1949، وعند عودته في 7 آب 1955، كان العسلي في مقدمة مستقبليه في مطار دمشق.
حكومة العسلي الثانية (شباط 1955 – أيلول 1955)
وكان هاشم الأتاسي وقبل انتهاء ولايته قد جدد التعاون مع صبري العسلي ودعاه لتشكيل حكومة جديدة في 13 شباط 1955، خلفاً لحكومة فارس الخوري الرابعة والأخيرة. في هذه المرة قاطع حزب الشعب الحكومة العسلية وشارك بها حزب البعث بوزيرٍ واحد، وحصل الحزب الوطني على أربع حقائب سيادية، منها وزارة الداخلية التي تولاها العسلي بنفسه. وفي كلمته أمام مجلس النواب، قال العسلي إن حكومته الثانية ترفض دخول سورية في صراعات الحرب الباردة وتجاذباتها، رافعاً شعار “الحياد الإيجابي” تجاه الدول العظمى. حاول العسلي الالتزام بهذا المبدأ ورفض الدخول في حلف بغداد، ولكنه وجد نفسه مجبراً على الميل باتجاه المعسكر المعادي للغرب بعد مقتل العقيد عدنان المالكي في نيسان 1955.
بقيت حكومة العسلي تعمل حتى 13 أيلول 1955، عندما قدمت استقالتها تماشياً مع الأعراف عند بدء ولاية شكري القوتليوانتهاء ولاية هاشم الأتاسي. وفي 14 حزيران 1956، كلّفه القوتلي برئاسة الحكومة للمرة الثالثة، وفي هذه المرة تعاون العسلي أكثر مع حزب البعث، على الرغم من انعدام الود بينه وبين ميشيل عفلق، وذلك نظراً لفوز البعثيين بسبعة عشر مقعداً من مقاعد المجلس النيابي في انتخابات عام 1954. كان حزب البعث داعماً للمعسكر الشرقي في الحرب الباردة، وموالياً للرئيس المصري جمال عبد الناصر. أما حزب الشعب فقد تراجعت حصته النيابية على الرغم من فوزه بما لا يقل عن 30 مقعداً من مقاعد المجلس، وذلك بسبب صداماته المتكررة مع ضباط الجيش.
لم يُشارك حزب الشعب في هذه الحكومة واقتصرت المشاركة على الحزب الوطنيوحزب البعث، الذي حصل على حقيبتي الاقتصاد الوطني والخارجية. في عهد صبري العسلي الأخير كُشِفت مؤامرة انقلابية بتخطيط من الوصي على عرش العراق الأمير عبد الله بن علي، تهدف إلى إسقاط كل رموز العهد، من رئيس الجمهورية إلى رؤساء الحكومة والبرلمان، بسبب قربهم من الاتحاد السوفيتيوجمال عبد الناصر.
حكومة العسلي الرابعة والأخيرة (31 كانون الأول 1956 – 6 آذار 1958)
أجريت محاكمة علنية لجميع المتهمين وصدر قرار إعدام بحق كل من الشيشكليوالعجلاني والأتاسي. ولكن تدخلاً عربياً أدى إلى تخفيف الأحكام إلى السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة. هزّت هذه المحاكمات الأوساط السياسية في سورية، وعلى أثرها أعاد العسلي تشكيل حكومته في 31 كانون الأول 1956، مستغنياً عن كل الوزراء المحسوبين على العراق ومكتفياً فقط بالمستقلين والقوميين العرب.
وفي 11 كانون الثاني 1958، توجه رئيس الأركان عفيف البزريإلى مصر على رأس وفد عسكري مؤلف من أربعة عشر ضابطاً ناصرياً، يرافقهم عبد المحسن أبو النور، الملحق العسكري المصري بدمشق. سافروا ليلاً دون إعلام رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة ولا حتى وزير الدفاع. وعندما قابلهم عبد الناصر طلبوا منه توحيد البلدين فوراً، متجاهلين القيادة السياسية السورية بالكامل. بدلاً من معاقبتهم وفصلهم عن الجيش، قرر القوتلي والعسلي مجتمعين مباركة وفد العسكر وعدم الاعتراض على طرحهم، تجنباً لأي انقلاب عسكري قد يحدثه هذا الرفض. قالوا إنهم دعاة وحدة عربية ولن يقفوا في وجهها على الرغم من تحفظاتهم على الطريقة التي جرت المطالبة بها.
أُرسل وزير الخارجية صلاح البيطار إلى مصر لإعطاء العسكر شرعية سياسية وتقوية موقفهم أمام عبد الناصر. وبعدها سافر القوتلي والعسلي إلى القاهرة للتفاوض على الوحدة باسم الدولة السورية، دون أي قيد أو شرط.
وافقوا على حلّ جميع الأحزاب في سورية وعلى نقل العاصمة من دمشق إلى القاهرة، وقبلوا بأن تكون الوحدة اندماجية لا فيدرالية، كما كان يفضلها صبري العسلي. وعند إقامة جمهورية الوحدة في شباط 1958، تنازل شكري القوتلي عن منصبه طوعياً لصالح جمال عبد الناصر، وعُيّن صبري العسلي نائباً لرئيس الجمهورية العربية المتحدة.
بارك صبري العسلي الانقلاب العسكري الذي أسقط جمهورية الوحدة يوم 28 أيلول 1961 وشارك في إصدار بيان من منزل أحمد الشرباتي يوم 2 تشرين الثاني، متهماً عبد الناصر بمصادرة الحريات وتدمير الصناعة وإقامة حكم ديكتاتوري في سورية. ترشّح العسلي في أول انتخابات أقيمت في عهد الانفصال وفاز بالنيابة عن دمشق ولكنّه غاب عن أي منصب حكومي، محتفظاً لنفسه بزعامة الحزب الوطني.
حافظ العسلي على مقعده النيابي حتى انقلاب حزب البعث يوم 8 آذار 1963، حين صدر قرار عزل مدني بحقه واتهم بمساندة عهد الانفصال. وصدر مرسوم من مجلس قيادة الثورة بحلّ الحزب الوطني وجميع الأحزاب القائمة في البلاد.
الوفاة
توفي الرئيس صبري العسلي بدمشق عن عمر ناهز 73 عاماً يوم 13 نيسان 1976. لم يتزوج في حياته ولم يكن له أولاد.
المناصب
أمين عام الحزب الوطني (27 آذار 1947 – 8 آذار 1963)
صبحي بن أحمد العمري (1898 – 29 أيلول 1973)، ضابط سوري من دمشق، خدم في الجيش العثماني وفي الثورة العربية الكبرى وشارك في معركة ميسلون مع وزير الحربية يوسف العظمة يوم 24 تموز 1920. ساهم في تأسيس الجيش الأردني سنة 1922 والجيش العراقي عام 1924، قبل عودته إلى سورية وتسلّمه قيادة الشرطة والأمن العام سنة 1946. انتُخب مشرعاً في الجمعية التأسيسية التي وضعت دستور عام 1950 وبعدها بست سنوات اعتقل بتهمة محاولة انقلاب فاشلة لصالح العراق في سورية، وبقي سجيناً حتى سنة 1960.
غادر الأردن متجهاً إلى العراق، الذي كان الملك فيصل قد ولّي حاكماً عليه منذ سنة 1921. وفور وصوله بغداد مُنح جواز سفر عراقي وعُيّن ضابطاً في الجيش المملكة الهاشمية العراقية. ولكن حظوته في العراق تراجعت بعد وفاة الملك فيصل عام 1933، ووجهت إليه اتهامات بالسعي لانقلاب عسكري ضد ابنه الملك غازي الأول. اعتُقل العمري ومثل أمام محكمة عسكرية في بغداد أمرت بترحيله إلى سورية، حيث كان لا يزال حكم الإعدام سارياً بحقه منذ سنة 1920. وعند وصوله الأراضي السورية، اعتُقل من قبل الفرنسيين ونُقل فوراً في سجن المية ميه القريب من صيدا.
العودة إلى دمشق
بقي العمري سجيناً طيلة عشرة أشهر، وعند إطلاق سراحه بعد إسقاط حكم الإعدام، قرر الاستقرار بدمشق. وفي سنة 1943 ومع انتخاب شكري القوتلي رئيساً للجمهورية، عُيّن مديراً للإعاشة ثم قائداً للشرطة والأمن العام ابتداء من 8 آب 1946، وذلك بعد أربعة أشهر من جلاء القوات الفرنسية عن سورية.
العمري وحسني الزعيم
في 29 آذار 1949، وقع انقلاب عسكري في سورية، قاده حسني الزعيم ضد رئيس الجمهورية. اعتقل القوتلي وحلّ المجلس النيابي بأمر من الزعيم، ودعُي العمري إلى مكتبه وعُرض عليه التعاون. ولكنه رفض ونصحه – بصفته ضابط متقاعد – بضرورة ابتعاد العسكر عن السياسة وعودة الجيش إلى ثكناته. أمسكه الزعيم من قميصه وقال: أنا لم أقم بانقلاب على القوتلي لأعود بالجيش إلى ثكناته.”
دستور عام 1950
غاب العمري عن المشهد أثناء الأشهر المعدودة التي قضاها حسني الزعيم في الحكم، وبعد الانقلاب عليه ومقتله في 14 آب 1949، ترشح لعضوية الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع دستور جديد للبلاد، بدلاً من دستور عام 1928 الذي كان الزعيم قد عطله. فاز صبحي العمري في هذه الانتخابات وشارك في كتابة دستور عام 1950
المؤامرة العراقية
تفرغ بعدها للعمل التجاري وأسس مع شقيقه شركة لاستيراد السيارات والمعدات الثقيلة. اعتقل مجدداً لمعارضته حكم أديب الشيشكلي سنة 1953 وكان الاعتقال الثالث والأخير سنة 1956، عند اتهامه بالضلوع في محاولة انقلاب عسكري، بتخطيط وتمويل من أجهزة المخابرات العراقية. كان ذلك بعد عودة شكري القوتلي إلى الحكم وتخالفه مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر.
جاء في قرار الاتهام أن العمري ورفاقه أرادوا تشكيل قوة عسكرية في لبنان لتعبر الحدود مع سورية وتقوم بسلسلة اغتيالات ضد شخصيات محسوبة إما على مصر أو الاتحاد السوفيتي، مثل رئيس مجلس النواب أكرم الحوراني ومدير المكتب الثاني عبد الحميد السراج. إضافة لصبحي العمري، شملت الاعتقالات عدداً كبيراً من الشخصيات، مثل منير العجلانيوسامي كبارة، والدكتور عدنان الأتاسي، ابن الرئيس السابق هاشم الأتاسي. وبعد محاكمة علنية على مدرّج الجامعة السورية، بثت جلساتها مباشرة عبر أثير إذاعة دمشق، أدينوا بالخيانة العظمى وحُكم عليهم بالإعدام. توسط عدد من الزعماء العرب لأجلهم، وفي مقدمتهم الملك الأردني الحسين بن طلال، فتم تخفيف الحكم إلى السجن المؤبد.
عاد صبحي العمري إلى سورية سنة 1971، إبان صدور عفو عنه من الرئيس حافظ الأسد، ولكنه اعتزل السياسية من يومها اعتزالاً كاملاً وتوفي بعدها بسنتين، يوم 29 أيلول 1973.
ولد عبد القادر المغربي في مدينة اللاذقية حيث كان والده يعمل قاضياً، وهو سليل أسرة تعود أصولها إلى المغرب العربي وكان جده إمام الأحناف في تونس. تولّى والده الشيخ مصطفى المغربي نيابة القضاء في اللاذقيةوطرابلس الشام قبل تعيينه رئيساً لمحكمة الميدان الشرعية بدمشق. درس المغربي على يد والده واتنقل معه سنة 1892 إلى إسطنبول حيث لازم الشيخ جمال الدين الأفغاني. سافر بعدها إلى مصر وتعلّم على يد الشّيخ محمد عبده، ليعود بعدها إلى طرابلس ويُعيّن عضواً في مجلس معارفها لغاية عام 1893 عندما ألقي القبض عليه بسبب أفكاره المناهضة لسياسات السلطان عبد الحميد الثاني ودعوته للإصلاح الديني ومطالبته ِبالتجديد وصون حرية التعبير والتفكير.
قرر عبد القادر المغربي البقاء في دمشق وبايع الأمير فيصل حاكماً عربياً على سورية في 3 تشرين الأول 1918. عينه الأمير فيصل عضواً في مجلس المعارف، الذي تحوّل إلى وزارة المعارف في المملكة السورية. وفي 30 تموز 1919 انضم الشّيخ المغربي إلى مجمع اللغة العربية كما أصبح سنة 1923 عضواً في الهيئة التدريسية في الجامعة السورية عند تأسيها. وبعدها بسنوات، عُيّن مشرفاً على دار الكتب الوطنية وانتُخب نائباً لرئيس المجمع محمّد كرد علي في 15 آب 1941، وظل ّ يشغل هذا المنصب إلى حين وفاته.
ألقى في المجمع سبعين محاضرة في مواضيع مختلفة ومنها:
صفحة من تاريخ أدبنا الاجتماعي
مخطوط تاريخي دمشقي
نبأ عجب من أنباء العرب
فصحاء الأعراب
سائح يصف العالم الإسلامي
يهود الشام منذ مئة عام
شهداء النساء في نشأة الإسلام
الأولاد وتربيتهم
عثرات الأفمام
حقوق المرأة في الإسلام
مناظرة عالمين في مجلس المأمون
بلاغة الجاحظ
اليابان: هل يعرفها العرب، وبماذا كانوا يسمونها؟
ابن خلدون في المدرسة العادلية الكبرى
أمثال العرب مرآة أخلاقهم
الكتب والتأليف في الإسلام
الثقالة والثقلاء
بين الأدبين: القديم والحديث
كما نشر في مجلّة المجمع، بدءًا من المجلد الأول سنة 1921 ولغاية المجلد الحادي والثلاثين سنة 1956، مقالات وبحوث ومحاضراته وفتاواه اللغوية واستدراكاته وتصحيحاته اللغوية، إضافة إلى تراجم الأعلام وصدر له ضمن مطبوعات المجمع كتابان:
وفي سنة 1932 اختير الشيخ عبد القادر المغربي عضواً عاملًا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وأسهم بنصيب وافر في أعماله ونشر مقالات وبحوثًا في مجلته. ومن أهم مواقفه في الدفاع عن لغة الضاد ثورته العارمة ردًّا على اقتراح عبد العزيز فهمي استبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية. وفي سنة 1949 اختير عضوًا في المجمع العلمي العراقي.
مؤلفاته
وضع الشّيخ المغربي مجموعة من الكتب القيمة عن اللغة العربية، منها:
البيّنات (مقالات ورسائل في الإصلاح الديني والنقد والأدب – القاهرة 1925)