سليم عنحوري (11 أيار 1856 – 1 تموز 1933)، كاتب وصحفي سوري من دمشق، أسس عدة مطبوعات بين سورية ومصر، مثل جريدة “مرآة الشرق” ومجلّة “مرآة الأخلاق” وكان رئيساً لتحرير جريدة دمشق الخاصة وصحيفة المشكاة شبه الحكومية. انتخب عضواً في مجلس شورى الدولة وكان أحد مؤسسي مجمع اللغة العربية سنة 1919.
البداية
ولِد سليم عنحوري في دمشق وهو سليل أُسرة مسيحية معروفة. خطف من منزل أبيه في أثناء الأحداث الدامية التي شهدتها دمشق في تموز 1860، عندما انتفض بعض المسلمين ضد سكان الحارات المسيحية. وبعد العثور عليه سالماً أرسله والده إلى بيروت لإكمال دراسته ريثما يعود الهدوء إلى أحياء دمشق المسيحية. عاد بعدها إلى مدينته ودرس في المدرسة البطريركية للروم الكاثوليك ولكنّه أُجبر على تركها بعد وفاة أبيه والعمل في وظيفة حكومية. تدرج في وظائف الدولة العثمانية حتى أصبح رئيساً لقلم الجنايات في مجلس عكا التمييزي، نقل بعدها إلى سهل حوران كاتباً في ديوان المحاسبة.
وعند تعيينه والياً على سورية سنة 1778، طلب مدحت باشا من سليم عنحوري العودة إلى دمشق وعينه محرراً لمقالات مجلس ولاية سورية، أي أميناً للسر. لازم أستاذة القانون وعمل فترة بالمحاماة، وفي سنة 1885 أسس مجلّة “مرآة الأخلاق” وتولّى رئاسة تحرير جريدة دمشق التي كان يصدرها الوجيه الدمشقي أحمد عزت باشا العابد. وصار يقضي أشهر الشتاء في القاهرة، هرباً من برد دمشق القارص، وفيها أطلق جريدة باسم “الشتاء.” وفي سنة 1912 عين رئيساً لتعارض في مقالاته دخول العثمانيين الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا القيصرية، فصدر أمر من جمال باشا، قائد الجيش الرابع في سورية، بمنعه من الكتابة ونفيه إلى الأناضول.
في العهد الفيصلي (1918-1920)
وضع قيد الإقامة الجبرية، بعيداً عن وطنه، لغاية انتهاء الحرب وانسحاب القوات العثمانية عن دمشق سنة 1918. عاد وبايع الأمير فيصل بن الحسين حاكماً عربياً على سورية، وفي عهده شارك العنحوري في تأسيس مجمع اللغة العربية يوم 30 تموز 1919. وفي سنة 1921، عُيّن عضواً في مجلس الشورى حتى سنة 1924.
مؤلفاته
أشهر كتب سليم عنحوري كان الكنز الناظم ومصباح الهايم الذي طبع أيضاً بعنوان “القلائد الدرّية في فرائد اللغة العربيّة” وصدر في ثماني مجلّدات سنة 1878. ووضع العنحوري مجموعة من الدواوين الشعرية، ومنها:
أنيس بن ناصيف سلّوم (1862- 10 كانون الأول 1931)، أديب ومُدرس وواعظ سوري من حمص وأحد مؤسسي مجمع اللغة العربية بدمشق ومن الآباء المؤسسين لديوان المعارف. وهو ابن عم الشاعر رفيق سلّوم، أحد شهداء 6 أيار 1916.
شارك أنيس سلّوم في تأسيس الشعبة الأولى للترجمة والتأليف التي تحولت بتاريخ 12 شباط 1919 إلى ديوان المعارف. وكان أحد مؤسسي مجمع اللغة العربية في 30 تموز 1919 وانتخب نائباً لرئيسه محمد كرد علي. ألقى سلّوم في ردهة المجمع خمس عشرة محاضرة، منها:
ألف بضعة كتب مختصرة في الصرف والنحو والبيان والمنطق، وله موجز في علم الاجتماع، وآخر في علم النفس، وغيره في علم الاقتصاد، وأكثرها فُقِدَ خلال نفيه إلى الأناضول. ونشر في مجلة المجمع 17 مقالًا في المدة 1922-1925، ضمَّن بعضها فوائد لغوية وعرَّف في سائرها بعشرة كتب.
الوفاة
أصيب أنيس سلوم بداء تصلب الشرايين، أوقفه عن العمل وأقعده في داره منذ سنة 1926، وتوفي إثر نزيف دماغي أصابه يوم 10 كانون الأول 1931.
عاد بعدها إلى دمشق وتفرّغ للتدريس في مسجد الميدان، ليصبح أحد أعيان الحيّ عشية سقوط الحكم العثماني وإقامة حكومة عربية بقيادة الأمير فيصل بن الحسين سنة 1918. لبّى الشيخ الأشمر نداء وزير الحربية يوسف العظمة وأنضمّ إلى صفوف المجاهدين السوريين للمشاركة في معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920. كان هدفهم وقف زحف الجيش الفرنسي تجاه مدينة دمشق، ولكنّ نتيجة المعركة جاءت عكس التوقعات الوطنيّة، فقد استشهاد الوزير العظمة وسقط الحكم الفيصلي. تم احتلال مدينة دمشق عسكرياً صباح يوم 25 تموز 1920، مع فرض الانتداب الفرنسي على جميع الأراضي السوريّة.
نجى الأشمر من الموت يومها، وعاد إلى غوطة الشرقية للمشاركة في معارك يلدا وبستان باكير وبستان البندقة الميدان وقرية كفرسوسة. كما لعب دوراً في معركة مئذنة الشحم داخل أسوار مدينة دمشق القديمة، وفي معركة جسر تورا على اطريق المؤدي إلى بلدة دوما بريف دمشق.
عاد الأشمر إلى دمشق وعاش فيها حتى سنة 1936، عندما شدّ الرحال إلى فلسطين لحمل السلاح مع صديقه سعيد العاص ومفتي القدسالحاج أمين الحسيني. خدم بمعيّة فوزي القاوقجي وكانت منطقة نشاطه مثلث نابلس، وخاصّة منطقة طولكرم. عُيّن الأشمر قائداً المفرزة الشاميّة، إلى حاربت إلى جانب المفرزة العراقيّة والمفرزة الدرزيّة، ومن أشهر معارك في فلسطين: معركة بلعا، ومعركة جبع، ومعركة بيت إمرين. وعندما أثمرت جهود الملوك العرب على إنهاء الثورة يوم 11 تشرين الأول 1936، سلّم الأشمر سلاحه إلى الحاج أمين الحسيني، وعاد إلى دمشق.(2)
المواجهة مع حكومة الجابري سنة 1944
بعد انتهاء الثورة الفلسطينية عاد محمد الأشمر إلى صدارة المشهد السوري في أيار 1944، إثر صِدام بينه وبين رئيس الحكومة السورية سعد الله الجابري. وجه الأشمر انتقاداً لاذعاً لحكومة الجابري بسبب دعمها لحركات التحرر وسماحها للنساء بالخروج من منازلهن سافرات. وقد صبّ الأشمر غضبه على حفل خيري كانت حكومة الجابري تنوي إقامته في نادي الشرق، تحت رعاية حرم وزير المعارف نصوحي البُخاري. اجتمع الأشمر مع وزير الداخلية لطفي الحفار وطلب منه منع نساء دمشق من دخول الحفل، ولكن الحفار رفض الاستجابة لطلبه، فقرر الأشمر نقل المعركة إلى الشارع في أول مواجهة من نوعها بين المشايخ والكتلة الوطنية الحاكمة منذ سنة 1943. من على منبر مساجد الميدان، نادى الأشمر باسقاط حكومة الجابري لأنها وبحسب تعبيره، كانت تُشجع الناس على الفسق والفجور. قاد مظاهرة حاشدة بعد صلاة الجمعة، شارك فيها آلاف الشبّان، قتل منهم أثنان برصاص قوى الأمن. كما ردت الحكومة السورية باعتقاله ونقله مخفوراً إلى سجن تدمر بتهمة إثارة الفتن وتشجيع الأهالي على العصيان المسلّح.(3) ولكن سرعان ما تم إطلاق سراحه بعد تدخل من رئيس الجمهورية شكري القوتلي.
توفي الشيخ محمد الأشمر بدمشق يوم 3 آذار 1960 وكرمته الحكومة السورية بإطلاق اسمه على عدّة أماكن، منها ساحة في مسقط رأسه بحيّ الميدان، إضافة إلى مسجد ومدرسة في حيّ الزاهرة.
قالوا في الشّيخ الأشمر
تحدّث قاضي دمشق الشيخ علي الطنطاوي عن جهاد الشيخ محمد الأشمر، وكيف تنكر الساسة السوريون له بعد الاستقلال. وقد جاء في كلمة الطنطاوي يوم تأبين الأشمر:
كان الشّيخ الأشمر من الصالحين الذين ثاروا على الفرنسيين، وأبلوا في قتالهم البلاء المبين، وكانت داره حمى لمن دخلها، لم يجرؤ فرنسي أن يدنو منها، فيدخل عليه فيها، فلما كان عهد الاستقلال، وكان رئيس الوزراء سعد الله الجابري، أمر باقتحام دار الشيخ الأشمر، وبسحبه منها إلى السجن.(4)
كان الأشمر مثالاً للمجاهد الشجاع الجريء الذي يقتحم غمار الموت ويهزأ بالأخطار تسعى بين يديه ومن خلفه، كما كان مثالاً للرجل المؤمن التقي الذي كان يلقي بالمواعظ على إخوانه المجاهدين متنقلاً من مكان إلى مكان يبث فيهم روحه المؤمنة القويّة كل معاني الثقة بالله وبعدالة الحق الذي خرجوا للدفاع عنه. وأضاف: كان يكفيه من الأمجاد والخلود ما قام به في الثورة السوريّة من بطولات وتضحيات.
ولِد شكري القوتلي في حيّ الشاغور داخل مدينة دمشق القديمة وهو سليل أُسرة عريقة وكبيرة جاءت من الحجاز واستوطنت دمشق في مطلع القرن الثامن عشر. عمل أبناء عائلة القوتلي بالتجارة والزراعة وعرفوا بقامتهم الطويلة وبنيتهم القويّة، ولقّبوا بالقوتلي. كان والده محمود القوتلي من الأعيان وقد توفي سنة 1914، وكذلك جدّه عبد الغني القوتلي، وهو من كبار المحسنين في مدينة دمشق الذي قال عنه محمد كرد علي في مُذكّراته: “قد تلد الولادة مثل عبد الغني القوتلي ولكن أعظم منه بالأخلاق وكرمه فلا.”
وقد عُرف من أبناء عائلة القوتلي كلّ من حسن باشا القوتلي، رئيس غرفة تجارة دمشق في نهاية القرن التاسع عشر، ومحمّد سعيد باشا القوتلي، وكيل أعمال الأمير عبد القادر الجزائري بدمشق الذي حَضر معه افتتاح قناة السويس عام 1869. أما والدة شكري القوتلي، ناجية بنت محمد عطا القدسي، فهي من عائلات دمشق العريقة التي يعود نسبها إلى النبي محمّد. كان شديد التعلق بها وقد توفيت حزناً على غيابه في أثناء وجوده في المعتقل إبان الانقلاب العسكري الأول سنة 1949 ومنع من الخروج من السجن للمشاركة في جنازتها.
انتسب القوتلي في مرحلة الشباب إلى الجمعية العربية الفتاة التي أُنشأت في باريس على يد مجموعة من الطلاب العرب سنة 1911، وكانت تهدف إلى تحرير العرب والنهوض بالأمة العربية. أيّد الثورة العربية الكبرى عند انطلاقها من الحجاز عام 1916، وشارك في نقل السلاح والمال إلى الثوار، فاعتُقِال بأمر من جمال باشا، قائد الجيش الرابع في سورية. تعرض القوتلي لشتى أنواع التعذيب لكي ينطق بأسماء رفاقه في العربية الفتاة، ولكنّه ظلّ متمسكاً بصمته، وعندما اشتد به التعذيب خاف من أن تضعف عزيمته وفضّل الانتحار على الخنوع والاستسلام.
محاولة الانتحار
أحضر القوتلي شفرة صغيرة تمكن من إدخالها إلى السجن داخل رغيف خبز، وقام بقطع شرايين يده اليسرى. ولكنّ محاولة الانتحار لم تنجح، وقد أُسعِف من قبل أحمد قدري المُعتقل في زنزانة مجاورة، وهو أحد مؤسسي العربية الفتاة. أنقذ الدكتور قدري حياة القوتلي وتم نقله إلى المستشفى الحميدي في منطقة البرامكة، حيث قضى شهراً كاملاً في العلاج تحت حراسة مشددة، ليُعاد بعدها إلى السجن حتى سقوط الحكم العثمانية بدمشق في 26 أيلول 1918.
عاد شكري القوتلي إلى دمشق بعد صدور عفو عنه سنة 1923 والتحق بالثورة السورية الكبرى عند انطلاقها من جبل الدروز في صيف العام 1925. باع أملاكه في غوطة دمشق التي كان قد ورثها عن أبيه واشترى بثمنها سلاحاً للثوار، وقد تولّى دفع رواتبهم التي وصلت إلى ليرتين ذهبيتين في الشهر الواحد. جمعاً وصلت قيمة تبرعات شكري القوتلي إلى نصف مليون ليرة ذهبية خلال السنوات 1925-1927، وعمل على جمع تبرعات لصالح الثورة من الجاليات العربية المقيمة في المغترب. سافر إلى مصر للاجتماع بسعد باشا زغلول، زعيم حزب الوفد، الذي قدم دعماً مالياً للثورة السورية الكبرى عن طريق شكري القوتلي. ردّت فرنسا بقصف دار القوتلي في منطقة سيدي عامود يوم العدوان على مدينة دمشق في 18 تشرين الأول 1925 وصدر قرار إعدام جديد بحقه. عاد القوتلي إلى القاهرة وبقي مقيماً فيها حتى صدور عفو عام 1932.
عمله في الصناعة
بعد قمع الثورة وتفريق شمل قادتها، تأسست الكتلة الوطنية في سورية بقيادة هاشم الأتاسي يوم 25 تشرين الأول 1927، وكان الهدف منها محاربة الاحتلال بالطرق السياسية لا العسكرية. وانضم إليها شكري القوتلي فور عودته إلى دمشق وانتُخب عضواً في مجلسها الدائم سنة 1934. عمل القوتلي في هذه الفترة من حياته بالصناعة وأسس معملاً للكونسروة لتمويل نشاط الكتلة الوطنية ودفع رواتب موظفيها وعائلات المعتقلين من أنصارها. حُدد رأس مال الشركة بثلاثين ألف ليرة عثمانية ذهبية، وزِّعت على خمسة عشر ألف مساهماً، وجال القوتلي على المدن السورية الكبرى لبيع هذه الأسهم بقيمة ليرتين ذهبيتين للسهم الواحد.
ومع نهاية الثلاثينيات وصل عدد موظفي شركة الكونسروة إلى 200 عامل، وبلغ إنتاجها السنوي خمسة ًوعشرين طناً من المعلبات، تُصدّر إلى الدول العربية كافة. وقد رفض القوتلي بيع أسهم في شركته في أي مصرف أجنبي، وأصر أن يجري الاكتتاب العام إمّا في فرع دمشق من بنك مصر أو عبر البنك العربي. وكانت من عادته إهداء أسهم في شركة الكونسروة للأصدقاء والحلفاء عند عقد قرانهم أو رزقهم بمولود جديد. ذهبت رئاسة مجلس إدارة شركة الكونسروة للدكتور أحمد منيف العائدي، وبقيت أسهمها في التداول في سوق البورص المتفرع عن سوق الحميدية حتى سنة 1965، عندما جرى تأميمها مع كبرى الشركات السورية في عهد الرئيس أمين الحافظ.
توجه الوفد برئاسة الأتاسي إلى باريس في 26 آذار 1936، وكان مؤلفاً من سعد الله الجابريوفارس الخوريوجميل مردم بك. أمّا شكري القوتلي، فقد بقي في دمشق وعُيّن رئيساً بالوكالة للكتلة الوطنية، ممثلاً عن الأتاسي ومسؤولاً عن متابعة مجريات الثورة الفلسطينية التي كانت قد انطلقت من القدس بقيادة صديقه القديم المفتي أمين الحسيني. توصل وفد الكتلة إلى معاهدة مع رئيس الحكومة الفرنسية ليون بلوم، أعطيت بموجبها الجمهورية السورية استقلالاً تدريجياً ومشروطاً، مقابل امتيازات عسكرية واقتصادية وثقافية للجمهورية الفرنسية في سورية. وفي نهاية شهر أيلول من العام 1936، عاد وفد الكتلة الوطنية إلى دمشق رافعاً شعار النصر، وقدم رئيس الجمهورية محمد علي العابد استقالته، داعياً إلى انتخابات نيابية ورئاسية مُبكرة. خاضت الكتلة الوطنية تلك الانتخابات بكامل ثقلها السياسي وفاز شكري القوتلي بمقعد نيابي عن دمشق وانتُخِب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية في 21 كانون الأول 1936.
القوتلي وزيراً
كُلّف جميل مردم بك بتشكيل حكومة الكتلة الوطنية الأولى، وعُيّن القوتلي وزيراً للدفاع والمالية. كانت حقيبة الدفاع هي إحدى الامتيازات التي منحتها معاهدة عام 1936، بعد أن كانت فرنسا قد ألغتها منذ هزيمة الجيش السوري وحلّه بعد معركة ميسلون سنة 1920، وقد تسلمها القوتلي شكلياً فقط لأن سلطة الانتداب منعت السوريين من تأسيس أي جيش وطني واكتفت بقوة الأمن الداخلي والشرطة.
أولى مهام الحكومة المردمية كان المصادقة على معاهدة عام 1936، ولكن البرلمان الفرنسي قام برفضها تحسباً لاحتمال اندلاع حرب عالمية جديدة، بعد تنامي طموحات الزعيم الألماني أدولف هتلر الجغرافية والسياسية في أوروبا. أُجبر جميل مردم بك على السفر إلى باريس للتوقيع على ملاحق إضافية للمعاهدة، أملاً أن يساهم ذلك في إقناع المشرعين الفرنسيين لقبولها، وفي غيابه المتكرر عن دمشق كان القوتلي ينوب عنه بصفة رئيس وزراء بالوكالة.
ولكن صداماً وقع بين القوتلي ومردم بك في شباط 1937، عند إصرار الأخير على تجديد عقود اقتصادية مع فرنسا، حول التنقيب عن النفط في المنطقة الشرقية وإصدار عملة سورية الورقية عبر مصرف سورية ولبنان. كان القوتلي رافضاً لتجديد هذه الاتفاقيات، وقد استغل مردم بك سفره إلى السعودية لأداء فريضة الحج وقام بتوقيعها. غَضب القوتلي من هذا التجاوز له ولصلاحياته كوزير مالية، وفي 22 آذار 1937، قدم استقالته إلى رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي. وفي بيان الاستقالة الذي وزِّع على الصحف السورية، قال إنه غادر الحكم لأسباب صحية، رافضاً انتقاد جميل مردم بك بشكل علني وصريح لكيلا يُضر بسمعة العهد الوطني.
الحرب العالمية الثانية
سقط عهد الكتلة الوطنية في صيف العام 1939، إثر فشله في تمرير معاهدة عام 1936 والحفاظ على منطقة لواء إسكندرون، التي سُلخت عن سورية وضُمّت إلى الأراضي التركية لضمان حيادها في الحرب العالمية الثانية. وعند اندلاع الحرب في 1 أيلول 1939 أُشيع أن شكري القوتلي كان مؤيداً لألمانيا النازية، نظراً لكرهه الشديد لسياسات فرنسا الاستعمارية في الشرق الأوسط، وقد اجتمع مع عدد من الشخصيات النازية بدمشق، ما أدى إلى نفيه خارج البلاد سنة 1940، بتهمة التعاطف مع هتلر وتقاضي أموال من الرايخ الثالث.
وفي 14 حزيران 1940 سقطت باريس تحت الحكم النازي، وقاد الجنرال شارل ديغول مقاومة وطنية ضد الاحتلال الألماني لبلاده، بمساعدة عسكرية وغطاء سياسي من رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل. بعدها بعام، دخلت قوات الحلفاء إلى سورية لتحريرها من الحكم النازي، ودارت معارك طاحنة على الأراضي السورية، فازت بها بريطانياوفرنسا الحرة. وعد ديغول بإنهاء الانتداب، وأعلن منح سورية استقلالها ولكنّه اشترط بقاء القوات الفرنسية حتى انتهاء المعارك في أوروبا. وعند قدومه إلى سورية اجتمع ديغول مع هاشم الأتاسي وعرض عليه العودة إلى الرئاسة ولكنّ الأخير رفض بسبب سوء تجربته السابقة مع فرنسا وعدم مصادقة برلمانها على معاهدة عام 1936. وعندما وصل ديغول إلى طريق مسدود مع الكتلة الوطنية قام بتعيين الشيخ تاج الدين الحسني في الرئاسة، الذي توفي وهو في سدّة الحكم يوم 17 كانون الثاني 1943. دعت فرنسا إلى انتخابات نيابية ورئاسية، خاضها القوتلي بعد عودته من المنفى، وفي 17 آب 1943 رشح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية وفاز بغالبية أصوات البرلمان.
وفي شباط 1945، توجه القوتلي إلى مصر للاجتماع مع الرؤساء روزفلتوتشرشل، بعد عودتهما من مؤتمر يالطا. رُتب هذا اللقاء من قبل الملك عبد العزيز، وكان بضيافة الملك فاروق وحضور هيلا سلاسي، إمبراطور إثيوبيا. لم يتمكن الرئيس روزفلت من حضور القمة نظراً لتدهور حالته الصحية، وجرى اللقاء بين القوتلي وتشرشل في القاهرة يوم 17 شباط 1945. طلب تشرشل إلى الرئيس السوري عقد معاهدة جديدة مع فرنسا، فرد القوتلي بالقول: “فرنسا جسم غريب في منطقتنا. لن أعترف بها… لن أمد لها يدي…ولن أتفق معها مهما كانت الأسباب والظروف. والله ثم والله لن أرتكب هذه الجريمة بحق وطني، ولن أرضخ لأي ضغط ولو أصبحت مياه البحر حمراء قانية.”
أجابه تشرشل: “لقد قُلت لك إن لفرنسا مصالح في بلادكم فاعملوا معها معاهدة ثقافية، وأنا كفيلها بكل ما تطلبون.” رد القوتلي: “ليس لها أملاك سوى دار واحدة بمنطقة الجسر الأبيض، وأنا مستعد أن أشتريها منها وأسكنها لأني لا أملك داراً للسكن في دمشق بعد أن أحرقت فرنسا داري ودار أجدادي كما دمّرت الحيّ الدمشقي بأكمله الذي كان بيتنا فيه.” وقد انتهى الاجتماع بموافقة القوتلي على إعلان الحرب على دول المحور وتقديم دعم للمجهود الحربي البريطاني مقابل دعوة سورية لحضور مؤتمر تأسيس الأمم المتحدة كان من المقرر عقده في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية في نيسان 1945.
في 19 أيار 1945، عقدت قمة سورية – لبنانية في بلدة شتورا، جمعت بين الرئيس القوتلي ونظيره اللبناني بشارة الخوري، تقرر فيها تجميد المفاوضات مع فرنسا إلى أن يتم تحديد فترة زمنية لإنهاء الانتداب وجلاء الجيوش الأجنبية عن سورية ولبنان. أرسلت فرنسا تعزيزات عسكرية إلى شواطئ بيروت، نُقلت فوراً إلى دمشق، تمهيداً للعدوان الذي وقع عصر يوم 29 أيار 1945. وقد جاءت أوامر قصف المدينة من الكولونيل أوليفيا روجيه، حاكم دمشق العسكري المُعين حديثاً من قبلشارلديغول. أراد اعتقال القوتلي وجميل مردم بكوسعد الله الجابري، بصفتهم “أعداء” فرنسا الحرة.
أُحرقت مناطق كاملة من دمشق، منها سوق ساروجا، وقُصف القلعة ومبنى البرلمان في شارع العابد. جاء السفير البريطاني تيرانس شون إلى منزل القوتلي في جادة الرئيس وعرض عليه الخروج الآمن من سورية، تحت حماية بريطانية، وقال إن فرنسا تنوي اعتقاله أو قتله. كان القوتلي مقعداً في فراشه يومها، بأمر من طبيبه الخاص حسني سبح، يُعاني من نزيف حاد بالمعدة بسبب قرحة مزمنة. نهض وخاطب السفير البريطاني بغضب: “ألمثلي يُقال هذا؟ أنا لم أغادر دمشق ولن أغادر دمشق، وأريد أن تنقلوا سريري وتضعوه على أبواب المجلس النيابي، لكي أستشهد هناك مع هؤلاء الأبطال.” ثم طَلب إحضار والدته وزوجته وأولاده وخاطب السفير شون قائلاً: “ما عندي أغلى من ديني ووطني وهؤلاء؟ والله لو قطعتم أصابعي بعد أن دمّر الفرنسيون بلدي، لن أوقع لهم ما يريدون.”
أعلن الرئيس شكري القوتلي يوم 1 آب 1945 عيداً وطنياً لتأسيس الجيش السوري وفي 17 نيسان 1946، أقيم عيد الجلاء الأول بمشاركة عربية واسعة. رفع شكري القوتلي علم سورية فوق سماء دمشق، قائلاً إنه لن يرفع أي عَلم فوق هذه الراية إلّا علم الوحدة العربية. وقد جاء في خطاب القوتلي يوم عيد الجلاء الأول:
بني وطني…
هذا يوم تشرق فيه شمس الحرية الساطعة على وطنكم، فلا يخفق فيه إلا علمكم، ولا تعلو فيه إلا رايتكم. أهنئ اليوم هذه الأمة، شباباً وشيباً، هلالاً وصليباً. أهنئ ذلك الفلاح، دعاه داعي الوطن فلباه، هجر مزرعته وتنكب بندقيته، وراح يذود عن أمته ويثأر لكرامته. أهنئ العامل الكادح، يجعل من نفسه لوطنه الفداء، وهو فيما يصيبه لمن السعداء. أهنئ ذلك الطالب، تتأجج روحه حماسة، ويغلي مرجلة إباء.
أهنئ الأستاذ يبث العزة القومية، والشاعر يهز الروح الوطنية، والكاتب ينافح عن الحق ويشدد العزائم. أهنئ ذلك التاجر طالما غادر متجره احتجاجاً على ظلم صارخ، ودفعاً لعدوان نازل. أهنئ رجل الأحياء تثيره النخوة ويستجيب للحمية. وأبارك للسيدة تؤدي واجبها جهداً وثباتاً وصبراً.
توجه القوتلي إلى مدينة انشاص المصرية لحضور أول قمة عربية في 28-29 أيار 1946 حيث ناقش الأوضاع العامة في فلسطين ودعا لعقد مؤتمر خاص بالقضية الفلسطينية في بلدة بلودان السورية. ووقف فارس الخوري في وجه قرار تقسيم فلسطين الذي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1947، ووصفه الرئيس السوري قائلاً: “لن يمر ولن يقبل به العرب.”
وقد أدت هزيمة القوات السورية في فلسطين إلى نقمة في صفوف العسكر، وتحديداً لدى الضباط الموجودين على الجبهة. استغل حسني الزعيم هذه النقمة للقيام بانقلابه على شكري القوتلي ليلة 29 آذار 1949. أمر باعتقال القوتلي ووضعه في سجن المزة، قبل نقله إلى مستشفى الشهيد يوسف العظمة بسبب تدهور حالته الصحية. فرض الزعيم نفسه حاكماً عسكرياً على سورية، وتقدم القوتلي باستقالته من الرئاسة في يوم 6 نيسان 1949 عبر وساطة قام بها رئيس المجلس النيابي فارس الخوري. كُتب نص الاستقالة بخطّ اليد، ووجهه القوتلي إلى الشعب السوري وليس إلى حسني الزعيم: “أقدم إلى الشعب السوري الكريم استقالتي من رئاسة الجمهورية السورية، راجياً له العز والمجد.”
سنوات المنفى (1949-1954)
سمح الزعيم للقوتلي بمغادرة سورية إلى منفى اختياري فتوجه إلى سويسرا أولاً ثم إلى مصر، ليحل ضيفاً على صديقه القديم الملك فاروق. وفي سنوات المنفى لم يمارس القوتلي أي نشاط سياسي واكتفى بكتابة مقدمة كتاب عن استقلال سورية للصحفي سعيد تلّاوي (صاحب جريدة الفيحاء)، ومقدمة كتاب 55 ألف كيلومتر على دراجة نارية للرحالة السوري عدنان تللو.
رفضت معظم الدول العربية الاعتراف بحكم حسني الزعيم في بدايته، ولكنها سرعان ما غيرت من موقفها وقبلت به كأمر واقع، وكان في مقدمتها مصر التي زارها الزعيم في نيسان 1949 والتقى بالملك فاروق. واعترفت به السعوديةوجامعة الدول العربية، وبقي لبنان وحده بين دول المنطقة رافضاً الاعتراف بشرعية الزعيم ومتمسكاً بالقوتلي حتى تموز 1949. سقط حسني الزعيم من الحكم بعد 137 يوماً على استلامه الحكم وأعدم رمياً بالرصاص يوم 14 آب 1949. تعاقب على سورية من بعده ثلاثة حكام عسكريين: سامي الحناوي (14 آب – 19 كانون الأول 1949)، فوزي سلو (3 كانون الأول 1951 – 11 تموز 1953) وأديب الشيشكلي (11 تموز – 25 شباط 1954). لم يتدخل القوتلي في أي من هذه الانقلابات العسكرية وقرر العودة إلى دمشق بعد سقوط حكم الشيشكلي وعودة هاشم الأتاسي لتولّي الرئاسة إكمالاً لولايته الدستورية التي عطلت مع انقلاب عام 1951.
وقد تغيّر الحكم في مصر أيضاً بعد ثورة الضباط الأحرار على الملك فاروق ووصول جمال عبد الناصر إلى رئاسة الجمهورية في شباط 1954. تزامنت الثورة المصرية مع وجود القوتلي في الإسكندرية، وقد نشأت صداقة بينه وبين عبد الناصر، الذي كان يحترم ماضيه في محاربة الاستعمار في سورية. وقد أقنعه عبد الناصر بالعودة إلى سورية والترشح مجدداً لرئاسة الجمهورية. وفي 7 آب 1954 عاد القوتلي إلى دمشق كان في استقباله رئيس الحكومة صبري العسلي وحشد من المحبين والحلفاء القدامى، معلناً رغبته بالترشح للرئاسة وخلافة هاشم الأتاسي.
الولاية الدستورية الثالثة (أيلول 1955 – شباط 1958)
كانت معركة الرئاسة عام 1954 بين شكري القوتلي وخالد العظم، الذي عارض تجديد الدستور سنة 1947 وكان رئيساً للحكومة في نهاية حكم القوتلي الأول عشية انقلاب حسني الزعيم. وفي 18 آب 1954، فاز القوتلي على العظم بفارق تسعة وأربعين صوتاً من أصوات النواب الذي بلغ عددهم 142 نائباً. وفي 5 أيلول 1955، أقسم اليمين الدستوري، رئيساً للجمهورية لولاية ثالثة وأخيرة. وقد جرت مراسيم الاستلام بينه وبين الرئيس هاشم الأتاسي داخل مجلس النواب، بإشراف رئيسه الدكتور ناظم القدسي، هي المرة الأولى والأخيرة في تاريخ سورية التي يجري فيها تداول السلطة بهذا الشكل السلمي، دون استقالة أو إقالة أو انقلاب.
لم يقبل القوتلي بهذه القرارات ولكنّه لم يعارضها، خوفاً من نقمة المؤسسة العسكرية. وفي عهده اعتُقل الدكتور عدنان الأتاسي (ابن هاشم الأتاسي) سنة 1956 بتهمة تقاضي أموال من العراق لتنفيذ انقلاب عسكري، يُطيح بعبد الحميد السراج وبقية الضباط الموالين لجمال عبد الناصر في سورية. وبالنسبة للرئيس القوتلي، فقد كان أعضاء “المؤامرة العراقية” يريدون وضعه أمام خيار صعب: إمّا التخلّي عن الحكم أو عن علاقته بعبد الناصر. كشفت المؤامرة من قبل أجهزة السراج واعتُقل عدد من السياسيين الكبار، منهم نائب دمشق الدكتور منير العجلانيوالدكتور سامي كبارة، صاحب جريدة النضال المعارضة للقوتلي منذ سنة 1948. وقد صدرت عن المحكمة العسكرية التي تولّت محاكمتهم أحكام تراوحت بين الإعدام والسجن المؤبد، وحاول القوتلي التوسط لأجلهم، وتحديداً لعدنان الأتاسي، نظراً لصداقته القديمة مع أبيه، ولكنّ وساطته رفضت من قبل السراج. وكان آخر طلب له من مجلس النواب قبل مغادرة الحكم سنة 1958 هو الإفراج عن عدنان الأتاسي وصحبه ولكن رئيس المجلس أكرم الحوراني رفض الاستجابة.
وفي أثناء العدوان الثلاثي قامت سورية بقطع علاقتها الدبلوماسية مع كل من فرنساوبريطانيا، وأشرف عبد الحميد السراج على نسف أنابيب النفط البريطانية المارة عبر الأراضي السورية. وقد وقّعت في عهد القوتلي سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية مع الاتحاد السوفيتي، أبرمها وزير الدفاع خالد العظم في آب 1957. مُنحت سورية بموجبها سلاحاً روسياً بقيمة 570$ مليون دولار، تسدّد قيمته على مدى اثنتي عشرة سنة بالتقسيط المريح.
توجه وفد من الضباط السوريين إلى القاهرة يوم 11 كانون الثاني 1958، يتقدمهم رئيس الأركان عفيف البزري، للمطالبة بتوحيد سورية ومصر، تحت راية جمال عبد الناصر. لم يكن الرئيس السوري على علم بسفرهم، فقد استقلوا طائرة خاصة من مطار دمشق وسافروا إلى مصر برفقة الملحق العسكري المصري عبد المحسن أبو النور. حتى وزير الدفاع خالد العظم لم يُبلّغ وقد علِم بسفر الضباط في صباح اليوم التالي عبر نائب رئيس الأركان أمين النفوري. تأخر عبد الناصر في استقبالهم وعندما فعل، سألهم عن موقف الرئيس القوتلي من هذه الوحدة، مُؤَكِّداً أنه الوحيد المخول بالتفاوض باسم الشعب السوري والدولة السورية.
بدلاً من معاقبة الضباط وفصلهم عن الجيش بتهمة التآمر والسفر دون موافقة من القيادة، قرر القوتلي دعمهم في السعي نحو الوحدة العربية. قال إن هذه الوحدة كانت حلماً بالنسبة له منذ مرحلة الشباب، ولن يقف في وجهها حتى لو كان فيها تجاوز له ولصلاحياته الدستورية. عارضه خالد العظم وطالب بفصل الضباط ومحاكمتهم، ولكنّ القوتلي قام بإرسال وزير الخارجية صلاح البيطار إلى القاهرة للتفاوض رسمياً على الوحدة باسم الحكومة السورية.
اشترط عبد الناصر أن تكون الوحدة اندماجية لا فيدرالية، وأن تصبح عاصمتها القاهرة وليس دمشق، مع شرط ثالث وهو حلّ جميع الأحزاب السورية. وافق صلاح البيطار على كل هذه الشروط وعاد إلى دمشق لطرحها على جلسة حكومية طارئة، عُقدت بحضور القوتلي. وبعد أخذ موافقة المجلس النيابي الذي صوت بالإجماع لصالح الوحدة، سافر القوتلي إلى مصر لإعلانها مع عبد الناصر في شباط 1958. تنازل بعدها طوعياً عن رئاسة سورية لصالح جمال عبد الناصر الذي كرمه بلقب “المواطن العربي الأول” وقال إنه “الوجه العربي المُشرق لسورية.”
دعم الانفصال
قضى شكري القوتلي سنوات الوحدة متقاعداً عن العمل السياسي ومتنقلاً بين دمشق والقاهرةوجنيف، وظلّت أخباره تتصدر أولى صفحات الجرائد السورية، ما أزعج عبد الناصر كثيراً. وقد استدعى وزير الثقافة رياض المالكي وقال له: “الأضواء لا يجب أن تُسلّط بعد اليوم إلا على شخص سيادة رئيس الجمهورية، دون غيره من الشخصيات.”
اتسعت الهوة بين القوتلي وعبد الناصر بعد منع عزف النشيد الوطني السوري حماة الديار في المناسبات الوطنية وإلغاء احتفالات عيد الجلاء يوم 17 نيسان 1958، حيث عدّ الرئيس المصري أن للجمهورية العربية المتحدة عيداً واحداً فقط هو عيد ثورة يوليو. ثم جاء قانون الإصلاح الزراعي في أيلول 1958، تلاه قرار تأميم المصارف والمصانع في تموز 1961، الذي أسقط النخبة الاقتصادية السورية المتحالفة مع القوتلي منذ زمن الانتداب. وبطلب من أعضاء غرفة تجارة دمشق، ذهب القوتلي إلى مصر لزيارة عبد الناصر وقال له: “أخاف على الوحدة التي صنعناها معاً يا أبا خالد، أخاف عليها من هذه القرارات الاشتراكية الارتجالية وغير المدروسة.” طلب منه طيّ قرار التأميم، ولكن عبد الناصر لم يقبل وطمأن القوتلي بالقول: “لا تخف على الوحدة، ستستمر 100 عام بعون الله.”
بعدها بشهرين، سقطت جمهورية الوحدة إبان انقلاب عسكري بدمشق في 28 أيلول 1961 قام به المقدم عبد الكريم النحلاوي مع مجموعة من الضباط الدمشقيين. كان القوتلي يومها في سويسرا، وحاول عبد الناصر الاتصال به ولكنه لم يأخذ المكالمة. وفي 23 تشرين الأول 1961، أي بعد انقلاب الانفصال بقرابة الشهر، ظهر القوتلي على شاشة التلفزيون السوري وشنّ هجوماً عنيفاً على الوحدة والتجاوزات المصرية التي تخللتها. وقد جاء في كلمته المتلفزة:
لقد كان في أساس الأخطاء كلها قاعدة واحدة: تأمين الأقلية وتخوين الأكثرية، وتسليط هيئات مصطنعة وأفراد على تنفيذ اشتراكية تعاونية لا يؤمنون بها، ولا يعملون من أجلها، ولا يفهمون أي مبدأ من مبادئ العدالة والتعاون، وكان كل مدار الثقة بهم أنهم حاقدون يكرهون الناس، ويتطيرون من وجوه الخير.
أضاف القوتلي: “الوحدة لا تعني عملية ضم، والنظام الرئاسي لا يعني انعزال الراعي عن الرعية.” ووصف جهاز الحكم أيام المصري بجلّاد الشعب، وقال: “لو طال به (عبد الناصر) الزمان لآل مصير الجمهورية كلّها إلى مجموعة أقاليم يحكمها أفراد متنافرون. جهاز غريب عجيب، أنبت للجسم الواحد عدة رؤوس، وللرأس الواحد عدة ميول ونزوات وشهوات.”
وتطرّق القوتلي إلى انعدام الديمقراطية في عهد عبد الناصر بالقول: “ولطالما شكا النواب المعينون لمجلس الأمة من عدم جدوى وجودهم تحت قبة المجلس، لأنه ليس لهم من وظائف التمثيل النيابي سوى إقرار الشمروعات التي كتبها موظفو الدولة والتصويت عليها برفع الأيدي الصامتة.”
كلمتي الأخيرة إليكم إنكم أنتم وحدكم مسؤولون عن تقرير المستقبل، وأن القيادات في صفوفكم عناوين زائلة، وتبقون أنتم الشعب سطور البقاء والخلود. ولقد استطعت على خدمة نضالكم وجهادكم، مواطناً عادياً وجندياً مكافحاً، أكثر مما أتيح لي أن أتوفر لهذه الخدمة الشريفة، رئيساً وحاكماً ومسؤولاً. وإن أعظم ما أطمح إليه عامل في الحقل العام، عانق القضية المقدسة منذ مطلع هذا القرن: فتى وشاباً وشيخاً أن يستحق استمرار الرضى عنه في صفوف المواطنين العاديين، مواطناً صالحاً وجندياً أميناً.
فكر ضباط الانفصال جدياً بدعوة القوتلي للعودة إلى الحكم لمرة رابعة وأخيرة، مع الدستور القديم والمجلس النيابي المنتخب سنة 1954. وقد عدّ بعضهم أن عهد الوحدة لم يمر على سورية، كما جرى عند عودة هاشم الأتاسي بعد سقوط الشيشكلي. ولكن القوتلي رفض العودة إلى الرئاسة، وقال إن صحته لم تعد تتحمل أعباء الحكم.
الوفاة
في منتصف عام 1964، انتقل شكري القوتلي للعيش في بيروت، وفيها توفي عن عمر ناهز 75 عاماً يوم 30 حزيران 1967، بعد تعرضه لذبحة قلبية عند سماعه نبأ سقوط الجولان في يد إسرائيل. أُعيد جثمانه إلى دمشق بناء على وصيته، مُجللاً بالعلم السوري، وخرجت له جنازة شعبية مهيبة لم تشهد مثلها دمشق من قبل، صاح فيها المشيعون: “لا إله إلّا الله وشكري بك حبيب الله.” صلى عليه أهالي الشام في الجامع الأموي ووري الثرى في مدافن الأسرة في مقبرة الباب الصغير.
تخليد ذكرى القوتلي
أُطلق اسم الرئيس شكري القوتلي على شوارع رئيسية في جميع المدن السورية وفي القاهرة، وأصبح الشارع الذي يحمل اسمه في دمشق، الواصل بين ساحتي المرجةوالأمويين، مقراً لمعرض دمشق الدولي وعدد من الفنادق الفخمة، مثل المريديان والفورسيزنز. وأطلق اسمه على الحيّ الذي كان يسكن فيه قبل انقلاب 1949، والذي يُعرف من يومها ببستان الرئيس أو جادة الرئيس.
ولِد شكري الأيوبي في دمشق وهو سليل أُسرة سياسية عريقة. تلقى علومه الأولية في مدارس دمشق الحكومية ثمّ في الكلية الحربية في إسطنبول. وعند تخرجه عام 1871 عُين مُدرّساً في الكلية الحربية في إسطنبول ثمّ في الكلية العسكرية بدمشق قبل تعيينه مديراً لها مع ترفيعه إلى رتبة أمير لواء في الجيش العثماني.
مع جمعية الفتاة
شارك الأيوبي في تأسيس جمعية الإخاء العربي العثمانية التي ظهرت في إسطنبول وانتسب سراً إلى الجمعية العربية الفتاةالتي أُسست في باريس على يد مجموعة من الطلاب العرب سنة 1911. وتولّى مهمة إقامة فرع لها بدمشق، مُستغلاً الحصانة التي كان يتمتع بها كضابط رفيع في الجيش العثماني. أثارت تحركاته شكوك جمال باشا، قائد الجيش العثماني الرابع في سورية، الذي أمر باعتقاله مساء يوم 2 أيار 1916. نقل الأيوبي مخفوراً إلى سجن خان باشا بدمشق، بعد تسريحه من الجيش وطرده من وظيفته في الكلية الحربية.
في السجون العُثمانية
في مًذكّراته، يقول الرئيس فارس الخوري، الذي قضى أشهراً في نفس المُعتقل، أن شكري الأيوبي تعرض لأبشع أنواع التعذيب:
لم يتركوا نوعاً من أنواع التعذيب الجسدي إلّا وأقاموه به. قاموا بقلع أظافره وأدموا قدميه من الضرب، ثم وضعوا أغلالاً حديدية في رجليه وعلى منكبيه، وأكرهوه على التَّجوُّل تحت أثقالها في باحة السجن، وهو يرتدي بزة أمير لواء في الجيش العُثماني. كان يَصرخ في وجه السجّانين: “ليس العار عليّ بل عليكم أنتم أيها الأنذال!
ولم يكتفوا بهذا الحد من التعذيب والإهانة بل قاموا باعتقال أكبر أبنائه خالد الأيوبي، وهو ضابط شاب في الجيش العثماني، وأصغرهم فصيح الأيوبي. جُلد خالد الأيوبي 600 وأجبر على الوقوف 156 ساعة متواصلة، أملاً أن ينفع ذلك في انتزاع اعتراف من أبيه عن شركائه في العمل السرّي المناهض للدولة العثمانية. وعندما فشلت مساعيهم، اجتمع جمال باشا بالأيوبي وعَرض عليه الخروج من السجن والبراءة التامة من كل التهم الموجهة إليه، مع استعادة رتبته العسكرية والعودة وإلى عمله في الكلية الحربية، شرط أن إعطاء قائمة بأسماء جميع المنتسبين إلى الجمعية العربية الفتاة ولكنه رفض العرض وبقي سجيناً لغاية 26 أيلول 1918، يوم انسحاب آخر جندي عثماني عن دمشق.
ليلة سقوط الحكم العثمانية
هاجم الثوار سجن خان باشا وأطلقوا سراح شكري الأيوبي وأولاده، وكان يتقدمهم الشّيخ محمد الأشمر من حيّ الميدان والمُجاهد أحمد مريود من قرية جباتا الخشب في الجولان. توجه الأيوبي من سجنه إلى سجن القلعة، حيث أطلق بنفسه سراح أربعة آلاف سجين من العرب والسوريين، جميعهم مثله كانوا محتجزين بأمر عرفي من جمال باشا.
حكومة الأمير سعيد الجزائري
دعي الأيوبي يومها للمشاركة في الحكومة الانتقالية التي أُقيمت بدمشق برئاسة الأمير سعيد الجزائري، وفي 30 أيلول 1918، اجتمع بآخر مسؤول عُثماني في المدينة، هو المُفتش بهجت بك، وتسلّم منه مفاتيح السجون كافة وكل الثكنات العسكرية. ولكن الحكومة الانتقالية لم تستمر إلا أياماً معدودة فقط، وتمّت الإطاحة بها وعزل رئيسها من قبل الضابط البريطاني توماس لورنس (لورنس العرب). قال لورنس إن الأمير سعيد غير مفوّض ولا مخوّل بحكم دمشق، وبأن إدارة المدينة دمشق كان من المفترض أن تذهب إلى شكري الأيوبي، بحسب توجيهات الشريف حسين، قائد الثورة العربية الكبرى. وبناء عليه عُيّن الأيوبي حاكماً عسكرياً على دمشق يوم 2 تشرين الأول 1918.
حاكماً على بيروت والساحل
وبعدها بأسبوع، نُقل الأيوبي إلى بيروت، حاكماً عسكرياً ونائباً عن الأمير فيصل بن الحسين. توجه الأيوبي إلى عمله الجديد برفقة الضابط جميل الألشي، وقام برفع علم الثورة العربية فوق السراي الحكومي، مع تعيين الوجيه اللبناني حبيب باشا السعد، حاكماً مدنياً في بيروت. اعترضت فرنسا على تكليف الأيوبي، وقالت إن أن دولة لبنان الكبير كانت من حصتها وفق نظام المحاصصة المُثبت في اتفاقية سايكس بيكو. طلبت الحكومة الفرنسية إلى الإنكليز التدخل الفوري لعزل الأيوبي عن منصبه، فرضخ الأمير فيصل لطبهم وقام بنقله مجدداً – إلى حلب هذه المرة – ليكون حاكماً عسكرياً عليها. إكراماً له ولتضحياته الكبيرة، وللتعويض عن الطريقة المهينة التي سُحب فيها من بيروت، رافقه الأمير فيصل إلى حلب وأشرف بنفسه على تَسلّمه زمام الأمور فيها.
الوفاة
وبعد سقوط الحكم الفيصلي وفرض الانتداب الفرنسي على سورية، اعتزل شكري الأيوبي العمل السياسي وتوفي بدمشق عن عمر ناهز 71 عاماً سنة 1922.
ولِد شاكر الحنبلي في دمشق كان والده قاضياً في المحاكم العثمانية، عَمل في مدينة السلمية شرق مدينة حماة. دَرس الحقوق في المعهد الملكي في إسطنبول وفور تخرجه سنة 1898 التحق ابنه بالعمل الحكومي ووصَل إلى منصب مُتصرف في مدينة عكا الفلسطينية أولاً ثم في حماة، وفي العام 1912 انتقل إلى إسطنبول للعمل في الصحافة وأسس مع صديقه الشيخ عبد الحميد الزهراوي صحيفة الحضارة ناطقة باللغة العربية. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914، عُين مديراً لقسم الدِراسات العِلمية في نظارة الأوقاف الإسلامية في إسطنبول، واستمر به لغاية تشرين الأول من العام 1916.
اعتُقل الأمير سعيد يومها ولكن الحنبلي انتقل إلى صفوف الحكم الجديد وعُيّن مُدرساً في معهد الحقوق ومحرراً في جريدة العاصمة الرسمية التي أطلقتها حكومة الفريق رضا الركابي. عينه الركابي مديراً عاماً للمراسلات ثمّ رئيساً لهيئة التفتيش وأميناً عاماً لمجلس الوزراء في عهد الملك فيصل الأول.
وزيراً في زمن الانتداب
ولكن الحكم الفيصلي لم يستمر طويلاً وسقط مع احتلال دمشق من قبل الجيش الفرنسي إبان معركة ميسلون في 24 تموز 1920. انتقل الحنبلي إلى العمل بالمحاماة وانتُخب نائباً في المجلس التمثيلي لدولة دمشق سنة 1923. رَفض الانضمام لأي حزب من الأحزاب السّياسية، وكان ضمن وفد الأعيان الذي توجه إلى بيروت لمطالبة المندوب السامي موريس ساراي بوقف العدوان الفرنسي على مدينة دمشق في 18 تشرين الأول 1925. بعدها بثلاثة أيام عُين وزيراً للمعارف في المرحلة الانتقالية ما بين استقالة رئيس الدولة صبحي بركات وتعين الداماد أحمد نامي خلفاً له. وفي حكومة الداماد الثانية يوم 12 حزيران 1926، سمّي مجدداً في وزارة المعارف. استقالت الحكومة في شهر شباط من العام 1928 وفي 14 آب 1930، اختاره الشيخ تاج الدين الحسني ليكون وزيراً للعدل في حكومته الثانية حتى حزيران 1932.
نشاطه في عهد الاستقلال
بعد جلاء القوات الفرنسية عن سورية في 17 نيسان 1946، اعتزل شاكر الحَنبلي العمل السّياسي وتفرغ للتأليف والترجمة والنشر، إضافة لعمله في الجامعة السورية الذي لم ينقطع منذ تأسيسها سنة 1923. ولكنه عاد إلى السياسية سنة 1949 يوم تكليفه بعضوية اللجنة المخصصة لكتابة دستور سورية الجديد في عهد حسني الزعيم.
مؤلفاته
وضع شاكر الحَنبلي عدداً من المؤلفات في حياته، أبرزها:
قانون الجزاء الجديد (دمشق 1909)
تلخيص التاريخ العثماني المصور (دمشق 1912)
الحقوق الإدارية (دمشق 1921)
موجز أحكام الأراضي والأموال (دمشق 1928)
أصول الإدارة الإسلامية (دمشق 1936)
أصول الفقه الإسلامي (دمشق 1948)
الوفاة
توفي شاكر الحَنبلي في دمشق عن عمر ناهز 82 عاماً سنة 1958.
المناصب
عضواً في حكومة الأمير سعيد الجزائري (26 أيلول – 1 تشرين الأول 1918)
وزيراً للمعارف (21 كانون الأول 1925 – 9 شباط 1926)
انتسب سهيل الخوري إلى الحزب الوطني عند تأسيسه سنة 1947 وانتُخب نائباً عن دمشق في البرلمان السوري عام 1954. أيد الوحدة السورية المصرية وصوّت لصالحها سنة 1958، قبل أن ينقلب ضدها بسبب سياسات جمال عبد الناصر الاشتراكية والأمنية. وعندما وقع انقلاب الانفصال ضد جمهورية الوحدة في 28 أيلول 1961، قام سهيل الخوري بتأييده وشارك في أول انتخابات برلمانية جرت في سورية نهاية عام 1961، ليفوز مجدداً بالنيابة عن دمشق. وفي 22 كانون الأول 1961 سمّي وزيراً للشؤون البلدية والقروية في حكومة الدكتور معروف الدواليبي، وقد تزامنت فترة وجوده في الحكم مع وفاة والده في 2 كانون الثاني 1962.
الاعتزال والوفاة
عشية انقلاب 8 آذار 1963 اصطدم سهيل الخوري مع حزب البعث بسبب دعمه للانفصال، وقد صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بتجريده من كل حقوقه المدنية ومنعه مع ممارسة أي عمل سياسي. انصرف إلى رعاية أعمال الطائفة الإنجيلية وأصبح نائباً لرئيس مجمعها الأعلى بدمشق. وقد توفي سهيل الخوري بدمشق عن عمر ناهز 80 عاماً سنة 1992.
العائلة
تزوج سهيل الخوري من ليلى شقيقة الصحفي حبيب كحالة، صاحب مجلّة المضحك المبكي، وله منها ولد اسمه فارس وابنته كوليت خوري، التي أصبحت من أشهر أديبات عصرها منذ خمسينيات القرن العشرين.
المنصب
وزيراً للشؤون البلدية والقروية (22 كانون الأول 1961 – 27 آذار 1962)
رفض التدخل في السياسة وحافظ على منصبه القضائي في مرحلة الاستقلال عن الدولة العثمانية. أرسله الملك فيصل الأول إلى سويسرا في شباط 1920 ليخطب أمام مندوبي الدول الكبرى في عصبة الأمم، دفاعاً عن حقوق المسلمين ومقدساتهم. وفي دمشق، انضم إلى الهيئة التدريسية في معهد الحقوق العربي مدرساً لمادتي “قانون الأراضي و”الفقه الإسلامي” وشارك في تعريب المناهج التربوية كافة.
زمن الانتداب الفرنسي
بعد سقوط الحكم الفيصلي سنة 1920، عُيّن رئيساً لمحكمة التمييز الشرعية بدمشق، وأُستاذاً في الجامعة السورية عند تأسيسها بعد ثلاث سنوات.
ترشح الجوخدار في الانتخابات النيابية سنة 1932 ولكنه لم ينجح، وفي 3 أيار 1933، عين وزيراً للعدل في حكومة الرئيس حقي العظم ومشاوراً قانونياً لرئيس الجمهورية محمد علي العابد. عاد إلى التدريس إبان استقالة حكومة العظم حكومة في آذار 1934.
سعيد تلّاوي (1912 – 6 كانون الأول 1973)، صحفي سوري، ومؤسس ورئيس تحرير جريدة الفيحاء الدمشقية اليومية من سنة 1947 ولغاية انقلاب البعث في 8 آذار 1963. كانت الفيحاء من أنجح وأشهر الصحف السورية في مرحلة الخمسينيات وكانت محسوبة على رئيس الجمهورية شكري القوتلي وقد عطلت بسبب معارضة صاحبها للانقلاب العسكري الذي أطاح بالقوتلي سنة 1949.
البداية
ولِد سعيد تلّاوي في مدينة حمص ودرس في مكتب عنبر بدمشق. بدأ حياته الصحفية محرراً في جريدة القبس، وفي سنة 1941 شارك في تأسيس جريدة التوفيق في حمص مع زميله توفيق شامي صاحب مكتبة التوفيق. أيد شكري القوتلي عند انتخابه رئيساً للجمهورية سنة 1943 وعُيّن سكرتيراً في المكتب الصحفي المؤسس حديثاً في القصر الجمهوري.
بارك سعيد تلاّوي بالانقلاب العسكري الذي أطاح بجمهورية الوحدة في 28 أيلول 1961 وأيد عهد الانفصال. وفي 27 كانون الأول 1961 عادت الفيحاء إلى الصدور بعد أيام من انتخاب الدكتور ناظم القدسي رئيساً للجمهورية. ولكنها توقفت مجدداً – للمرة الثالثة والأخيرة – يوم وصول حزب البعث إلى الحكم سنة 1963. أُدين سعيد تلّاوي بجريمة “دعم الانفصال” وعرقلة مساعي عودة الوحدة مع مصر. كان في ليبيا يومها، وقرر عدم العودة إلى سورية تجنباً لقرار اعتقال صدر بحقه من قبل مجلس قيادة الثورة.
الوفاة
انتقل سعيد تلاّوي للعيش في سويسرا واستقر لاحقاً في لبنان، وفيه توفي عن عمر ناهز 61 عاماً يوم 6 كانون الأول 1973.
مؤلفاته
في الذكرى الرابعة لجلاء القوات الفرنسية عن سورية أصدر سعيد تلّاوي كتاباً صغيراً بعنوان “كيف استقلت سورية” قدّم له الرئيس الأسبق شكري القوتلي، المقيم يومها في مدينة الإسكندرية. وكانت هي المرة الأولى والأخيرة التي يضع فيها القوتلي بقلمه نصاً عن جلاء سورية الذي حدث في عهده سنة 1946.
سعيد بن عبد الوهاب الغزي (1893- 18 أيلول 1967)، سياسي سوري ورجل قانون، تولى رئاسة الحكومة في عهد الرئيس هاشم الأتاسي أولاً ثم في عهد الرئيس شكري القوتلي، انتخب رئيساً لمجلس النواب سنة 1962. عمل طوال حياته في المحاماة وكان سياسياً مستقلاً تسلّم وزارة العدل في زمن الانتداب الفرنسي وكان أحد مُشرعي دستور سورية لعام 1928. وفي عهد الاستقلال، عُيّن وزيراً للمالية والاقتصاد والعدل و تسلّم وزارة الدفاع في أثناء حكومته الأولى والخارجية في حكومته الثانية.
انتسب سعيد الغزي في شبابه إلى الكتلة الوطنية، التنظيم السياسي الأبرز في سورية قي مرحلة الانتداب الفرنسي، وفي عام 1928 انتُخب مُشرعاً في الجمعية التأسيسية المكلّفة بوضع أول دستور جمهوري للبلاد. عمل مع رفاقه الحقوقيين على سنّ دستور عصري للدولة السورية، لا ذكر فيه لنظام الانتداب الفرنسي المفروض بقوة السلاح منذ سنة 1920.
رفضت فرنسا المصادقة على مسودة الدستور، وطلبت إلى أعضاء اللجنة تعديل ست مواد فيه ولكنّ الغزي ورفاقه رفضوا الاستجابة. فأمر المندوب السامي الفرنسي هنري بونسو بتعطيل الدستور وحلّ الجمعية التأسيسية، ثم عادت فرنسا وأقرت الدستور سنة 1930 مع إسقاط المواد الإشكالية منه وإضافة مادة مخصصة عن الانتداب.
الغزي وزيراً (1936-1948)
وفي شباط 1936، سمّي الغزي وزيراً للعدل في حكومة عطا الأيوبي الأولى قبل انتخابه نائباً عن دمشق في البرلمان السورية نهاية ذلك العام. أعيد انتخابه سنة 1943، حيث حصل على أعلى الأصوات في مدينة دمشق يومها، وبعد تولّي زميله شكري القوتلي رئاسة الجمهورية عُيّن وزيراً للعدل والإعاشة في حكومة فارس الخوري الثانية في 7 نيسان 1945. وبعد تحرير البلاد من الانتداب وجلاء الفرنسيين عن سورية سنة 1946، أصبح وزيراً للمالية في حكومة جميل مردم بك الثالثة التي استمرت بالحكم من 28 كانون الأول 1946 ولغاية 6 تشرين الأول 1947. وأخيراً، كان وزيراً للاقتصاد في حكومة مردم بك الرابعة ثم للعدلية في حكومته الخامسة والأخيرة في أثناء حرب فلسطين سنة 1948.
حكومة الغزي الأولى (19 حزيران – 29 تشرين الأول 1954)
رفض سعيد الغزي التعاون مع حسني الزعيم، قائد الانقلاب الأول في 29 آذار 1949، وقال إن في انقلابه تعدياً على الشرعية والدستور. فضّل الغزي العودة إلى عمله في المحاماة والابتعاد كلياً عن عالم السياسة في مرحلة الانقلابات العسكرية (1949-1951). وبعد سقوط حكم أديب الشيشكلي العسكري سنة 1954، عاد الرئيس السابق هاشم الأتاسي إلى رئاسة الجمهورية وطلب إلى سعيد الغزي تأليف حكومة للإشراف على الانتخابات البرلمانية المُقبلة. شكلت حكومة الغزي من شخصيات مستقلّه، وفي عهده افتتح معرض دمشق الدولي في 1 أيلول 1954 وجرت الانتخابات النيابية التي كانت نتيجتها فوز ساحق لأحزاب اليسار المحسوبة إما على الاتحاد السوفيتي أو على مصر ورئيسها الشاب جمال عبد الناصر.
فاز حزب البعث بما لا يقل عن 17 مقعداً من مقاعد المجلس النيابي، وفاز الحزب الشيوعي السوري بمقعد واحد ذهب إلى أمينه العام خالد بكداش، ليكون أول شيوعي يدخل السلطة التشريعية في الوطن العربي. وكان هذا الفوز ناتجاً عن الحياد التام لحكومة سعيد الغزي وعدم تدخلها في المعركة الانتخابية لصالح أي من المرشحين. وقد أدى هذا الحياد إلى إطلاق يد أكرم الحوراني في ريف المدن الكبرى، وتجييش جمهوره من العمال والفلاحين ضد الملاكين القُدامى في حمصوحماةوريف دمشق.
حكومة الغزي الثانية (14 أيلول 1955 – 14 حزيران 1956)
ومع قرب انتهاء ولاية الرئيس هاشم الأتاسي أجريت انتخابات رئاسية داخل مجلس النواب في 18 آب 1955، خاضها رئيس الجمهورية الأسبق شكري القوتلي ضد رئيس الحكومة الأسبق خالد العظم. فاز القوتلي برئاسة الجمهورية وتسلّم مهامه الدستورية في 5 أيلول 1955. بعدها بأيام، كلف سعيد العزي بتشكيل أول حكومة في عهده. اللافت في حكومة الغزي الثانية كان عدد الحقائب الجديدة التي أوجدتها، ومنها وزارة مخصصة لمحطة الحجاز وأخرى لشؤون الأوقاف وثالثة للدعاية والأنباء وشؤون إذاعة دمشق.
عاد سعيد الغزي إلى العمل في مكتب المحاماة وفي القصر العدلي، ولم يشارك في المفاوضات التي أدت إلى الوحدة السورية المصرية سنة 1958. أيّد ولادة الجمهورية العربية المتحدة، على الرغم من تحفظاته على الطريقة العشوائية التي أقيمت بها من قبل ضباط الجيش، دون أخذ موافقة رئيس الجمهورية أو وزير الدفاع. تراجع عن تأييده بسبب الدولة البوليسية التي أنشأها عبد الناصر في سورية، وعارض قانون الإصلاح الزراعي الذي صدر عنه في أيلول 1958 وقرارات تأميم المصارف والمصانع في تموز 1961. وعند وقوع انقلاب 28 أيلول 1961 على جمهورية الوحدة، كان الغزي في طليعة مؤيديه.
رئيساً للبرلمان السوري 1962-1963
شارك سعيد الغزي في الانتخابات البرلمانية التي جرت نهاية العام 1961 وطُرح اسمه لتولّي رئاسة الجمهورية، ولكن ضباط الانفصال رفضوا التعاون معه وفضّلوا العمل مع الدكتور ناظم القدسي، الذي انتُخب رئيساً في 14 كانون الأول 1961. وفي 13 أيلول 1962، انتُخب الغزي رئيساً للمجلس النيابي، ولكن هذا المجلس لم يجتمع إلّا مرة واحدة فقط، ثم جاء انقلاب 8 آذار 1963 ليطيح بالرئيس القدسي ويعد باستعادة الوحدة ومعاقبة كل من شارك في عهد الانفصال.
الوفاة
انسحب سعيد الغزي من العمل السياسي من يومها وتفرّغ كلياً للمحاماة حتى وفاته عن عمر ناهز 74 عاماً في يوم 18 أيلول 1967.
أولاد سعيد الغزي
عُرف من عائلة سعيد العزي ابنه غازي، الذي عَمل في مكتب المحاماة خلفاً لأبيه، وكذلك ابنته الأديبة والإعلامية نادية الغزي التي كانت إحدى مؤسسي التلفزيون العربي السوري سنة 1960.