في مطلع العشرينيّات ومع بداية الحكم الفرنسي في سورية، عمل سامي مردم بك مع رئيس غرفة تجارة دمشقعارف الحلبوني ونائبه لطفي الحفار على تأسيس شركة أهلية مساهمة لجرّ مياه نبع عين الفيجة إلى العاصمة السورية، والتي كانت من أنقى وأبرد مياه الينابيع في الشرق الأوسط.
شاركهم وزير المالية الأسبق فارس الخوري، زميل مردم بك في مجلس المبعوثان، في وضع الدراسة القانونية لمشروع الفيجة، الذي عرض أمام غرفة تجارة دمشق في كانون الثاني 1922. قرروا تأسيس شركة مساهمة وطنيّة، كانت الأولى من نوعها، هدفها نقل مياه نبع عين الفيجة وتوزيعها على أهالي مدينة دمشق، مقابل مبلغ من المال يدفعونه سنويّاً عن كميات المياه التي يطلبون الاشتراك بها، شرط أن تكون مرتبطة بالمُلك، لا يجوز التنازل عنها أو بيعها إلا مع بيع العقار، ويتم تسجيل ملكية المياه في الصحيفة العقارية لجميع دور المدينة.
وفي سنة 1923 جُمعت دويلات دمشقوحلبوجبل العلويين في نظام حكم فيدرالي أطلق عليه اسم دولة الاتحاد السوري، عاش حياةً قصيرة لم تتجاوز 18 شهراً. انتُخب صبحي بركات رئيساً للدولة وعيّن سامي مردم بك نائباً له، إرضاءً لأهالي دمشق الذين اعترضوا على جعل مدينة حلب، بدلاً من دمشق، عاصمة لدولة الاتحاد السوري. أجريت انتخابات نيابية في حزيران 1923، أفرزت ثلاثة برلمانات محليّة ومجلساً نيابياً مركزياً ممثلاً لدول الاتحاد، فاز سامي مردم بك بعضويته، نائباً عن دمشق. وقد ظلّ هذا النظام قائماً حتى نهاية عام 1924، عندما حلّت محلّه الدولة السورية الحديثة، بعد دمج دولة دمشقودولة حلب في نظام سياسي واحد، وجعل دولة العلويين مستقلّة إدارياً وسياسيّاً عنهما.
التقاعد
تقاعد سامي مردم بك من العَمل الحكومي سنة 1925، وتفرغ لبناء واستثمار فندق أمية السياحي في ساحة المرجة سنة 1927 الذي استضاف شخصيات فنية عدة مثل المطربة أسمهان والممثل العالمي شارلي شابلن عند زيارته الخاطفة إلى دمشق سنة 1928. وفي نهاية الأربعينيات، بنى الباشا قصراً صغيراً لعائلته في حي أبي رمانة الحديث بدمشق، الذي أصبح اليوم مقرّ سفارة جمهورية الصين الشعبية في سورية.
الوفاة
توفي سامي باشا مردم في 1 تشرين الأول 1956 وأقيمت له جنازة رسميّة تقدمها رئيس الجمهورية شكري القوتلي. جلّل نعش سامي مردم بك بالعلم السوري ووضع على عربة مدفع قبل أن يوارى الثرى في مدافن الأسرة المردمية. وقد انتقلت زعامة الأسرة من بعده إلى نجله حيدر مردم بك، الذي كان يومها يشغل منصب سفير سورية في العراق.
وجيه بن سليم بيضون (25 آب 1901 – 20 أيلول 1969) كاتب وناشر سوري من مدينة دمشق ومؤسس مطبعة ابن زيدون التي قامت بطباعة مناشير الثورة السورية الكبرى سنة 1925 وأصدرت عدداً كبيراً من الكتب الأدبية والتاريخية، ومنها مذكرات الزعيم الوطني فخري البارودي ومجموعة خطابات رئيس الحكومة السورية لطفي الحفار.
البداية
ولِد وجيه بيضون بدمشق ودرس المرحلة الابتدائية في المدرسة العلوية والثانوية في المدرسة العازارية في منطقة باب توما. ولكنه أُجبر على ترك الدراسة مبكراً لمساعدة عائلته في تأمين قوتها اليومي فعمل في مطبعة الترقّي في حي القيمرية طيلة اثني عشرة سنة، تعرف خلالها على أعمال الأديب المصري مصطفى لطفي المنفلوطي وتأثر بها كثيراً. بدأ يكتب المقالات الأدبية والسياسية في جريدتي المقتبس وألف باء، تحت اسم “ابن زيدون” المستعار، تيمناً بالشاعر الأندلسيابن زيدون، عاشق ولّادة بنت المُستكفي.
مع ابن زيدون
وعندما جمع قليلاً من المال قام بشراء مطبعة صغيرة في بشارع الأمين، أطلق عليها اسم “مطبعة ابن زيدون.” فيها طُبعت مناشير الثورة السورية الكبرى سنة 1925 وبعد تحرير سورية من الانتداب الفرنسي سنة 1946 تعاقدت مع الحكومة السورية لطباعة جميع الطوابع الصادرة عم مؤسسة البرق والبريد، بعدما كانت سابقاً تُطبع في باريس. وفي سنة 1954 نُقلت “مطبعة ابن زيدون” من شارع الأمين إلى محلّة القنوات، بعد شراء وجيه بيضون لقصر صديقه فخري البارودي وانتقاله إليه للسكن والعمل معاً.
نشاطه في الماسونية
انتسب وجيه بيضون في شبابه إلى عشيرة البنائين الأحرار وفي سنة 1936 أصدر مجلّة شهرية ناطقة باسم المحافل الماسونية السورية بعنوان “الإنسانية،” تلتها دورية ثانية بعنوان “كل جديد،” صدرت من سنة 1946 ولغاية عام 1948.
وصف وجيه بيضون
وصفه زميله وجيه الحفار، صاحب جريدة الإنشاء قائلاً: “كاتب ومفكر وعامل مخلص من عمال القضية الوطنية، تعرفت إليه من خلال فكره وقلمه، فإذا أنا أقرأ أبحاثاً أدبية لكاتب يوقع بـ”إبن زيدون”، عليها مسحة من أدب المنفلوطي وفكره وأسلوبه.”
ولِد ظافر القاسمي في دمشق وكان والده العلّامة الشيخ جمال الدين القاسمي أحد أشهر عُلماء الشّام وكذلك جده الشيخ محمد سعيد القاسمي. دَرَس في ثانوية مكتب عنبر ونال شهادة بالحقوق من الجامعة السورية، ليبدأ حياته المهنية مع تأسيس مكتب للمحاماة مع صديقه صبري العسلي. أسس في شبابه داراً للنشر مع الأصدقاء داوود تكريتي وعصام الإنكليزي باسم “مكتب النشر العربي” ولكنّه توقف مع بداية الحرب العالمية الثانية بسبب ارتفاع أسعار الورق والرقابة الصارمة التي فرضتها سلطة الانتداب الفرنسي على المطبوعات السورية.
وضع ظافر القاسمي مؤلفات عدة في القانون والتاريخ والشعر، إضافة لتحقيق سيرة والده وطبع تفسير الشيخ جمال الدين القاسمي “محاسن التأويل” في 17 مجلداً. ومن مؤلفاته:
وفي سنوات الوحدة مع مصر سمّي مستشاراً في مجلس الدولة، وأشرف على توحيد التشريع الجزائي بين مصر وسورية. تدرّج في مجلس الدولة، نائباً لرئيسه ثمّ رئيساً من 15 آذار 1969 ولغاية إحالته على التقاعد في 31 كانون الأول 1974. وفي مطلع عهد الانفصال ومع انتخاب ناظم القدسي رئيساً للجمهورية سمّي الخطيب محافطاً في مدينة اللاذقية لغاية عام 1964.
في مجمع اللغة العربية
بدأت علاقة عدنان الخطيب بمجمع اللغة العربية في عهد رئيسه المؤسس محمد كرد علي في خمسينيات القرن العشرين، الذي كان يدعيه لإلقاء محاضرات دورية. انتخب عضواً في المجمع سنة 1960 وكان تائباً لرئيسه عام 1974 وأميناً للسر سنة 1981. وفي هذه الأثناء ومن هذا الموقع كان أحد الآباء المؤسسين لجمعية أصدقاء دمشق سنة 1986.
مؤلفاته
وضع عدنان الخطيب مجموعة من الدراسات والأبحاث والمؤلفات، تراوحت مواضيعها بين الدراسة القانونية والسير الذاتية للمجمعيين الأوائل، ومنها:
نزيه بن جميل الحكيم (1921 – 23 تشرين الثاني 1993)، صحفي وكاتب ومترجم سوري من دمشق، شارك في تأسيس مجلّة الصباح وجريدة الرأي العام وأسس جريدة الوحدة العربية في عهد الانفصال. كان مقرباً من العقيد أديب الشيشكلي وعُيّن مستشاراً صحفياً في عهده، وله يعود الفضل مع زميله أحمد عسة في الترويج لعهد الشيشكلي واستخدام الإذاعة لإيصال صوته إلى كل بيت سوري.
البداية
ولد نزيه الحكيم في حيّ الميدان وهو سليل عائلة تجارية. دَرَس في مدرسة مكتب عنبر ونال شهادة في الحقوق من جامعة دمشق سنة 1942. شارك في تأسيس مجلّة الصباح في صديقه عبد الغني العطري وعمل في في وزارة الخارجية وعُيّن في مناصب دبلوماسية في البرازيلوتركيا. عاد إلى دمشق عند انتخاب أديب الشيشكلي رئيساً للجمهورية سنة 1953 وعُيّن مستشاراً صحفياً في قصره. عمل مع زميله أحمد عسة، مدير إذاعة دمشق، على إيصال صوت الشيشكلي إلى كل بيت سوري واستخدم الإذاعة، لأول مرة منذ تأسيسها عام 1947، لأهداف سياسية مباشرة.
شارع العابد، شارع رئيسي وسط مدينة دمشق مُتفرّع عن ساحة السبع بحرات، سمّي على اسم رئيس الجمهورية محمد علي العابد الذي حكم سورية في السنوات 1932-1936. يعرف أيضاً بشارع البرلمان لوجود مجلس النواب السوري في وسطه، مقابل مقهى الروضة الشهير. افتُتح الشارع في ثلاثينيات القرن العشرين وتحوّل مع مرور الوقت من حيّ سكني إلى تجاري، فيه عدد من المطاعم المعروفة ومحال بيع المجوهرات وصالات العرض. منه خرجت جنازة الرئيس العابد سنة 1939 وفيه أقام عبد اللطيف فتحي مسرحاً استعراضياً في خمسينيات القرن العشرين. تعرض الشارع لدمار كبير إبان العدوان الفرنسي على مدينة دمشق في 29 أيار 1945، الذي دمّر المجلس النيابي وأحرقه.
انتُخب سامي كبارة نائباً مستقلاً عن دمشق سنة 1947، وفي المؤتمر التأسيس المكلف بوضع دستور جديد للبلاد عام 1949. عارض حسني الزعيم أولاً، وبعد سقوط حكمه وعودة الحياة النيابية في 14 آب 1949، سمّي وزيراً للعدل والصحة في حكومة هاشم الأتاسي الثانية، ثم وزيراً للداخلية في حكومة خالد العظم الثالثة في كانون الأول 1949. وفي آذار 1951، عينه الرئيس العظم وزيراً للداخلية في حكومته الرابعة. وقف بعدها في وجه أديب الشيشكلي عام 1951، الذي أمر بدمج الصحف السورية للحد من معارضتها. في عهده، دُمجت النضال مع جريدة ألف باء، وصدرت اسم الأنباء قبل أن تعود إلى اسمها القديم وهويتها القديمة في 30 كانون الأول 1953.
المؤامرة العراقية
اعتقل سامي كبارة سنة 1956، بتهمة التآمر مع حكام العراق لقلب نظام سورية الجمهوري والتخلّص من أنصار الرئيس جمال عبد الناصر. كان معارضاً للشيوعية والعسكر ونهج عبد الناصر الاقتصادي الاشتراكي، محسوباً على المحور الهاشمي الطامح لإقامة وحدة فيدرالية بين سورية والعراق. رُفعت عنه الحصانة النيابية وسيق مكبلاً إلى سجن المزة، ليتم محاكمته أمام القضاء العسكري في جلسة علنية عُقدت على مدرج الجامعة السورية وبثّت مباشرة عبر أثير إذاعة دمشق. كانت المحكمة برئاسة الضابط الشيوعي عفيف البزري، الذي أدان سامي كبارة ورفاقه بالخيانة العظمى وحكم عليهم بالإعدام. ولكنّ الحكم خُفف إلى السجن المؤبد بوساطة من القوتلي والرئيس اللبناني كميل شمعون. ظلّ سامي كبارة سجيناً حتى عام 1960، عندما تم نقله إلى مصر ووضعه قيد الإقامة الجبرية لغاية وقوع انقلاب 28 أيلول 1961 الذي أطاح بجمهورية الوحدة.
الوفاة
اعتزل سامي كبارة العمل السياسي من بعدها وتفرغ للعمل الصحفي ولكنّ جريدة النضال أغلقت مع سائر الصحف السورية بأمر من مجلس قيادة الثورة بعد وصول حزب البعث إلى الحكم في 8 آذار 1963. اتُهم سامي كبارة بمساندة جمهورية الانفصال ومعارضة عهد الوحدة، وتوفي عن عمر ناهز 64 عاماً سنة 1967.
محمود سامي بن عمر فخر الدين الشمعة (1910-1950)، صحفي ومذيع وناقد مسرحي سوري من دمشق، كان أول مدير لأول إذاعة محلية أقيمت في العاصمة السورية في نهاية الانتداب الفرنسي، والتي سبقت إذاعة دمشق الحكومية. عمل مديراً لتحرير صحيفة القبس وأسس جريدة الدستور التي صدر منها عدد واحد فقط سنة 1932 وتبعها بصحيفة السياسة التي صدر منها ثلاثة أعداد. وفي مطاع عهد الاستقلال، أطلق جريدة “آخر دقيقة” التي استمرت لعام 1947.
عَمل في بداية حياته مراسلاً لجريدة صوت الأحرار اللبنانية وسكرتير تحرير لجريدة الأيام الدمشقية. أنضم بعدها إلى أسرة القبس وكلّفه نجيب الريّس بترجمة المقالات عن الصحف البريطانية قبل تعيينه مديراً للتحرير. وفي سنة 1932 كان أحد محرري مجلّة العرب الأسبوعية الفلسطينية.
وفي العام نفس أسس سامي الشمعة جريدة الدستور وأصدر منها عدداً يتيماً في 26 كانون الأول 1932. أوقفتها سلطة الانتداب الفرنسي فوراً بسبب افتتاحية سامي الشمعة اللاذعة فعاد وأطلق صحيفة يومية جديدة باسم السياسة في 5 كانون الثاني 1934. ولكنها عُطّلت بعد ثلاثة أعداد ولنفس السبب فقطع الشمعة عهداً على نفسه بأن لا يصدر صحيفة خاصة به إلا عندما تستقل سورية عن الانتداب الفرنسي.
وفي سنة 1940 تسلّم سامي الشمعة إدارة الإذاعة المحلية التي أٌطلقت في ساحة النجمة بدمشق لنقل أخبار المعارك في الحرب العالمية الثانية. وبعد تحرير البلاد وجلاء القوات الفرنسية سنة 1946 أطلق جريدة “آخر دقيقة” على غرار مجلّة آخر ساعة المصرية، ولكنها أوقفت بقرار حكومي لإثارة أزمة دبلوماسية مع تركيا سنة 1947. ويذكر عبد الغني العطري عن هذه الجريدة: “كان اليوم الذي تصدر فيه آخر دقيقة يصيب الصحف اليومية بالكساد، إذ ينصرف القراء إلى التهام أخبار آخر دقيقة وتحقيقاتها ومنوعاتها، التي يصوغها سامي الشمعة بأسلوبه الرشيق الساحر.”
مؤلفاته
وضع الشمعة وخلال عمره القصير عدة مؤلفات، بين السياسة والأدب المترجم، كان من بينها:
ولِد ساطع الحُصري باليمن عندما كان والده يعمل رئيساً لمحكمة الاستئناف في صنعاء. تنقّل مع أبيه في سنوات الطفولة، بين صنعاءوطرابلس الغربوقونياوأنقرة، حيث دَرس في المدارس الحكومية والتحق بعدها بالمعهد الملكي في إسطنبول، وتخرج فيه سنة 1900. امتهن التدريس في بداية حياته المهنية وعمل في مدارس اليونان حتى سنة 1906، بوم انتقاله إلى إسطنبول لتأسيس مدرسة خاصة باسم “المدرسة الحديثة،” وإطلاق مجلّة عِلميّة فصليّة بعنوان “أنوار العلوم.”
بعد نجاح الثورة وسقوط دمشق في يد الحلفاء سنة 1918، شدّ ساطع الحصري الرحال إلى سورية للمشاركة في أول حكومة عربية أُقيمت تحت راية الشريف حسين. بايع الأمير فيصل حاكماً عربياً على البلاد، وتوطدت صداقة مميزة بينهما، استمرت حتى وفاة الأخير عام 1933.
نظراً لخبرته في التدريس، عينه الأمير فيصل مديراً للمعارف في سورية، مُكلفاً بتعريب المناهج التربوية في المراحل الابتدائية والثانوية والجامعية. وفي عهده، أعيد افتتاح معهدي الطب والحقوق بدمشق، بعد إغلاق قسري دام شهوراً وأشرف الحصري على إعادة هيكلة المدارس السورية وتعيين نخبة من المُدرسين في الهيئات العلمية. ويعود له الفضل في توظيف أول سيدة في القطاع الحكومي، وهي الأديبة لبيبة هاشم، التي عُيّنت وبأمر مباشر منه مفتشة في مديرية المعارف.
وزيراً للمعارف
وفي 9 آذار 1920، عُين ساطع الحصري أول وزيراً للمعارف في حكومة رضا باشا الركابي، بعد يوم واحد فقط من تتويج فيصل ملكاً على البلاد. وبعد استقالة حكومة الركابي في 3 أيار 1920، أُعيد تكليفه بحقيبة المعارف في حكومة هاشم الأتاسي. كان الأتاسي صديقاً مقرباً من الحصري وقد تشاركا معاً في إيجار منزل مُشترك في منطقة الروضة في أثناء عملهم في دمشق، ضبطاً للنفقات.
قبل سقوط مدينة دمشق بيد الفرنسيين، توجه الملك إلى قرية الكسوة – برفقة ساطع الحصري – ولكنّه أجبر على الانتقال إلى سهل حوران قبل مغادرته الأراضي السورية بشكل نهائي يوم 1 آب 1920. مكث مدة قصيرة في حيفا، سافر بعدها إلى أوروبا عبر البحر، قاصداً سويسرا للمثول أمام عصبة الأمم والاحتجاج رسميّاً على الطريقة المهينة التي أقصي بها عن العرش. لم يخرج مع فيصل من سورية إلّا قلّة قليلة من أعوانه، مثل مرافقه العسكري تحسين قدري وأمين سرّه إحسان الجابري وأخيه الأمير زيد، إضافة طبعاً لساطع الحصري.
في كتابه عن تلك المرحلة، يقول الحُصري:
كثيراً ما كان الملك فيصل يستعرض حوادث الماضي بنظرة انتقادية ويقلّب وجوه الخطأ والصواب فيها ويظهر ندمه على بعض الوقائع والمواقف ويُصرح بامتعاضه عن أعمال البعض وكان يوجه اللوم إلي مباشرة من حين إلى حين. ولكنه كان يفكر أكثر من ذلك كله، في المستقبل ويتكلم عن الخطط التي يجب السير عليها لتلافي ما فات.
نجحت مساعي الملك فيصل في أوروبا وعُوّض عن عرش الشّام بعرش العراق، الذي توّج ملكاً عليه يوم 23 آب 1923. ظلّ ساطع الحصري إلى جانبه وكُلف بمهام تربوية عدة في بغداد، ومنها وضع منهاج كلّ المدارس الحكومية وإدارة مديرية الآثار ودار المعلمين العالية، إضافة لتأسيس كلية الحقوق في جامعة بغداد، التي عمل عميداً لها طيلة عشر سنوات. ومن مآثره في العراقأنه رفض مقترح إقامة مدارس خاصة لكل طائفة وأصر على منهاج قومي موحد، عابر لكلّ الأديان والطوائف والعرقيات. كان ليبرالياً تقدمياً في سلوكه وفكره، وقد حاول فصل دروس الدين عن دروس اللغة العربية التي كانت في السابق مشتركة في منهج واحد. وعمل على استحداث مناهج عِلمية معاصرة في اللغة العربية، كان أشهرها كتابه القراءة الخلدونية للصف الأول الابتدائي، وهو كتاب خاص بتعلم اللغة العربية، لا إشارة فيه إلى النصوص الدينية التي أفرد لها الحصري كتاباً خاصاً سمّي “التربية الدينية.”
الخصومة مع أساتذة العراق
احتج المعلمون في بغداد على مناهج الحصري ونشروا كراساً ضده بعنوان “سرّ تأخر المعارف،” ولكنّ الملك فيصل لم يأخذ به وظلّ يُلزم وزارة المعارف العراقية بأوامره. أحب الحصري الملك فيصل كثيراً وخدمه بتفانٍ وإخلاص، كما خدم ابنه وحفيده من بعده، وعند وفاة الملك المؤسس في سويسرا سنة 1933، أطلق عليه الحصري لقب “فيصل العظيم.” اشتدت الخصومة من بعده بين الحصري والشاعر العراقي فهمي المدرّس، عندما وقف الأول ضد تأسيس جامعة دينية في العراق، مشدداً على ضرورة فصل الدين عن التعليم العالي. عارضه فهمي المدرّس بشدّة وكتب مقالات عدة فيها انتقاد لاذع للحصري. مع ذلك، بقي الحصري مسؤولاً عن المعارف في العراق وعن تطويرها، وظلّ يدعو إلى القومية العربية إلى أن قامت ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941. أتهم بمساندة الثورة على الإنكليز وأُبعد بأمر من السلطات البريطانية الحاكمة.
العودة إلى سورية
وفي عام 1943، طَلب إليه رئيس الحكومة السورية سعد الله الجابري العودة إلى سورية والعمل على إعادة هيكلة المناهج التربوية، وذلك بصفة مستشار لدى وزارة المعارف. قبل الحصري العرض وعاد إلى موطنه واستُقبل فيه استقبالاً حافلاً وتقلّد وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة. بهدف نزع الهيمنة الفرنسية عن نظام التعليم اقترح الحصري على رئيس الجمهورية شكري القوتلي إلغاء مادة اللغة الفرنسية من الصفين الرابع والخامس في المدارس الحكومية والخاصة كافة، وأن تدرَّس من الصف السادس فقط. وطالب بإلغاء نظام البكالوريا الفرنسية، بشقيها الأدبي والعلمي، والإتيان بالنظام التربوي البريطاني المتبع بالعراق بديلاً عنها. عارض عدد من الوزراء مقترح الحصري، وكان على رأسهم خالد العظم، الذي قال إنه يريد الانتقام من فرنسا التي أقصته عن سورية قبل عقدين من الزمن. وقد جُمعت مقترحاته في كتاب نشرته وزارة المعارف السورية سنة 1944.
اشتهر الدكتور خلدون الحصري، ابن ساطع الحُصري، في المجال الأكاديمي وكان كاتباً معروفاً حتى وفاته سنة 2007، وكذلك كانت حفيدته ميادة العسكري، وهي صحفيّة ومترجمة معروفة، توفيت عام 2015.
ولِد زكي الخطيب في دمشق وهو سليل أسرة دينية عريقة، وكان والده الشيخ أبو الخير الخطيب من أشهر عُلماء الشّام في الربع الأخير من القرن التاسع عشر. دَرَس في مدرسة السلطان بيازيد في إسطنبول وتخرّج في المعهد الملكي حاملاً شهادة بالحقوق والعلوم السياسية.
انضمّ زكي الخطيب إلى صفوف الكتلة الوطنية عند تأسيسها سنة 1927، والتي كانت تهدف إلى محاربة الانتداب بالطرق السياسية لا العسكرية. يعود له الفضل في توسيع قاعدة الكتلة بدمشق وخلق شعبية لها في الأوساط الدينية التي كان ينتمي إليها. وفي عام 1928، انتُخب مشرعاً في المؤتمر التأسيسي المكّلف بصياغة أول دستور جمهوري للدولة السورية. وقد فاز في انتخابات عام 1932 ودخل البرلمان السوري، ممثلاً عن دمشق على قوائم الكتلة الوطنية.
عاد زكي الخطيب إلى المجلس النيابي، نائباً مستقلاً عن دمشق سنة 1947، وانتُخب عضواً في المؤتمر التأسيسي المكلّف بوضع دستور جديد للجمهورية عام 1949. انتسب في هذه المرحلة المتقدمة من حياته السياسية إلى حزب الشعب وفي كانون الأول 1949 عُيّن وزيراً للعدل في حكومة ناظم القدسي الأولى. وقد جُدّد له له في حكومات القدسي الثانية والثالثة ما بين حزيران 1950-آذار 1951.
الوفاة
توفي زكي الخطيب في دمشق عن عمر ناهز 74 عاماً يوم 24 نيسان 1961.