وفي سنة 1936 دعاه صديقه فارس الخوري للعودة إلى سورية واستئناف عمله في تدريس مادة “الجوانب الأدبية من القرآن الكريم” في دار المعلمين. ولكن الملك عبد العزيز طلبه إلى السعودية مجدداً لتأسيس دار التوحيد في مدينة الطائف، وعند عودته إلى دمشق مرة ثانية وأخيرة أصبح يدرس مادة التفسير والحديث في الجامعة السورية سنة 1947. نشط في أعمال مجمع اللغة العربية الذي كان قد انتُخب عضواً فيه منذ عام 1923.
المؤلفات
وضع الشيخ البيطار البيطار عدداً من الدراسات الدينية في حياته، ومنها:
نقد عين الميزان (دمشق 1913)
نظرة في النفحة الزكية (دمشق 1922)
قواعد التحديث في فنون مصطلح الحديث لجمال الدين القاسمي (تحقيق، دمشق 1925)
رشدي الكيخيا (1900 – 14 آذار 1987)، زعيم وطني سوري من مدينة حلب ومؤسس حزب الشعب مع الدكتور ناظم القدسي سنة 1948. بدأ مسيرته السياسية في صفوف الكتلة الوطنية، معارضاً للانتداب الفرنسي، قبل أن ينشق عنها في منتصف الثلاثينيات، وأسس حزب الشعب في مطلع عهد الاستقلال. عُيّن وزيراً للداخلية في حكومة هاشم الأتاسي الثانية سنة 1949، وانتُخب رئيساً للمؤتمر التأسيسي الذي وضع دستور عام 1950. وعندما تحول المؤتمر إلى مجلس نيابي بعد الانتهاء من صياغة الدستور أصبح الكيخيا رئيساً له حتى سنة 1951. وقد رفض الترشح لرئاسة الجمهورية مرتين، كانت الأولى بعد انتهاء ولاية هاشم الأتاسي سنة 1955 والثانية في أعقاب انهيار جمهورية الوحدة مع مصر عام 1961.
البداية
ولِد رشدي الكيخيا في حلب وهو سليل عائلة سياسية عريقة، حيث كان جدّه أحمد الكيخيا نائباً في مجلس المبعوثان. تلقى علومه في الكليّة الإسلاميّة في بيروت، ولم يُكمل تحصيله الجامعي لتفرّغه للعمل الزراعي قبل الانتقال إلى العمل والسياسي.
مرحلة الكتلة الوطنية 1932-1939
انتسب رشدي الكيخيا في شبابه إلى الكتلة الوطنية وكان عضواً في هيئتها العامة سنة 1932. انتُخب نائباً في البرلمان السوري على قوائم الكتلة سنة 1936، قبل انشقاقه عنها بعد ثلاث سنوات بسبب فشلها في الحفاظ على منطقة لواء إسكندرون ومنع ضمّها إلى تركيا. أعيد انتخابه نائباً سنة 1943 حيث ترأس كتلة نيابية عُرفت باسم “الكتلة الدستورية،” تمكنت من اختراق قوائم الكتلة الوطنية في حلب التي كان برئاسة سعد الله الجابري.
تأسيس حزب الشعب
وفي بداية عهد الاستقلال، اصطدم الكيخيا مع رئيس الجمهورية شكري القوتلي، الذي سعى بعض نواب دمشق إلى تعديل الدستور لأجله والسماح له بولاية رئاسية ثانية. دعا الكيخيا إلى اجتماع في بلدة فالوغا اللبنانية، هدفهُ تحويل “الكتلة الدستورية” إلى حزب الشعب المعارض للرئيس القوتليوالحزب الوطني الحاكم في دمشق، وريث الكتلة الوطنية. استلهم الكيخيا اسمه من حزب الشعب القديم الذي كان برئاسة عبد الرحمن الشهبندر في مرحلة العشرينيات لكنه انهار مع بدء الثورة السورية الكبرى سنة 1925. لم يكن لحزب رشدي الكيخيا أي سياسة عقائدية أو فلسفة، باستثناء الدعوة إلى وحدة عربية شاملة، تكون بدايتها بين سورية والعراق.
تعددت أسباب معارضة الكيخيا للحزب الوطني، ابتداء من إصرار قادته على تعديل الدستور لأجل القوتلي، مروراً بتزوير انتخابات عام 1947، وصولاً إلى اتباع سياسة إقليمية مؤيدة للسعوديةومصر، في وقت كان زعماء حلب وفي مقدمتهم الكيخيا أقرب جغرافياً واقتصادياً وسياسياً إلى العراق.
نظراً لموقفه المعارض للرئيس القوتلي، دُعي رشدي الكيخيا إلى دمشق يوم انقلابحسني الزعيم صباح 30 آذار 1949، حيث عُرض عليه التعاون مع العهد الجديد بعد الإطاحة بالقوتلي وسجنه. بعض أعضاء حزب الشعبقبلوا التعاون، مثل علي بوظو الذي أصبح مستشاراً لحسني الزعيم، ولكن الكيخيا رفض دعم الزعيم أو المشاركة بعهده، معتبراً أنه مخالف للدستور وساقط من الناحية الأخلاقية. وقد ردّ الزعيم بحل حزب الشعب، وإبعاد الكيخيا عن المشهد طيلة فترة حكمه في سورية.
الكيخيا وزيراً للداخلية
وفي 14 آب 1949 وقع انقلاب عسكري جديد في سورية بقيادة اللواء سامي الحناوي، أطاح بحكم حسني الزعيم وأدى إلى إعدامه رمياً بالرصاص. كان الحناوي محسوباً على العراق ومقرباً من حزب الشعب ورشدي الكيخيا. وفي اجتماع كبير دعا إليه الحناوي في مبنى الأركان العامة بدمشق وحضره الكيخيا ممثلاً عن حزبه، تقرر عودة هاشم الأتاسي إلى الرئاسة وانتخاب مؤتمر تأسيسي تكون مهمته وضع دستور جديد للبلاد بدلاً من الدستور القديم الذي قام الزعيم بتعطيله قبل بضعة أشهر. شكّل هاشم الأتاسي حكومة وطنية جامعة في 14 آب 1949 شاركت بها كل الأحزاب، وعيّن رشدي الكيخيا وزيراً للداخلية، ممثلاً عن حزب الشعب، وأصبح زميله ناظم القدسي وزيراً للخارجية.
رئيساً لمجلس النواب سنة 1949
أشرفت حكومة الأتاسي على انتخاب جمعية تأسيسية، فاز حزب الشعب بغالبية مقاعدها. وعند الانتهاء من صياغة الدستور تحولت الجمعية التأسيسية إلى مجلس نواب بصلاحيات تشريعية كاملة، وأصبح الكيخيا رئيساً له اعتباراً من 2 كانون الأول 1949. وكان الدستور الجديد هو الثاني في مرحلة الاستقلال بعد دستور حسني الزعيم، وقد أعطيت فيه المرأة السورية حق الانتخاب وتم سحب عدد من صلاحيات رئيس الجمهورية وإعطائها إلى رئيس مجلس الوزراء.
توجه بعدها الأتاسي، بدعم من رشدي الكيخيا، نحو إقامة وحدة فيدرالية مع العراق وأُرسل ناظم القدسي إلى بغداد لمناقشة تفاصيلها. وقد أيّد سامي الحناوي هذه الوحدة من منصبه الجديد في رئاسة الأركان، ولكن الكثير من ضباط الجيش عارضوها بشدة، وكان على رأسهم العقيد أديب الشيشكلي.
وفي 19 كانون الأول من العام 1949، نفّذ الشيشكلي انقلاباً جديداًداخل المؤسسة العسكرية، حيث قام باعتقال سامي الحناوي وجميع الضباط المؤيدين لمشروع الوحدة مع العراق. وقد أفقد هذا الانقلاب حزب الشعب الدعم الذي كان يحظى به داخل الجيش السوري، وأنهى المفاوضات الجارية بين سورية والعراق.
استقال هاشم الأتاسي من الرئاسة في 3 كانون الأول 1951، وقام الشيشكلي بتعيين فوزي سلو رئيساً للدولة والحكومة ابتداء من شهر كانون الأول عام 1951 ولغاية تموز 1953، عندما تولّى الرئاسة بنفسه. كما أصدر الشيشكلي مرسوماً بحل جميع الأحزاب، وفي مقدمتها حزب الشعب، الذي تم حله للمرة الثانية خلال ثلاث سنوات.
عند خروجه من السجن انضم الكيخيا إلى صفوف العارضة وحضر اجتماعاً كبيراً عقد في دار هاشم الأتاسي في حمص، تقرر فيه عدم الاعتراف بشرعية حكم الشيشكلي والعمل على إسقاطه بكل الطرق القانونية. ردّ الشيشكلي باعتقال الكيخيا مجدداً صبيحة يوم 27 كانون الثاني 1954، مع جميع أعضاء حزبه المنحل.
ناسك الرئاسة
استمر حكم الشيشكلي حتى 25 شباط 1954، وبعد الإطاحة به عاد هاشم الأتاسي إلى دمشق لإكمال ما تبقى من ولايته الدستورية حتى أيلول 1955. طلب الأتاسي إلى رشدي الكيخيا تشكيل حكومة وحدة وطنية للإشراف على الانتخابات البرلمانية المقبلة ولكنه اعتذر احتجاجاً على تدخلات العسكر بالسياسة. وفي سنة 1955 رفض الترشح لرئاسة الجمهورية خلفاً لهاشم الأتاسي، وكرر رفضه سنة 1961، عندما طُلب منه الترشح للرئاسة بعد إسقاط جمهورية الوحدة مع مصر. وقد برر الكيخيا موقفه الصارم قائلاً:
ليس عندي حل وسط، إما أن أكون رئيساً بكل ما في الكلمة من معنى، وسلطتي لا تخضع لهيمنة أحد وسلطة الدستور مستقلة تماماً، وإما فلا. إنّ تدخل العسكر في شؤون البلاد مرفوض عندي.
الكيخيا وحلف بغداد
وفي منتصف الخمسينيات، دخل رشدي الكيخيا في مواجهة مع الناصريين، المدعومين محليّاً من قبل المؤسسة العسكرية، وإقليمياً من الرئيس المصري جمال عبد الناصر. سبب الخلاف كان موقف الكيخيا الداعم لحلف بغداد، حيث رأى فيه حماية من طموحات العسكر، معتبراً أن دعم الدول الغربية لسورية سوف يقلّص من النفوذ السوفيتي الذي بدأ يطفو على معظم الدول العربية في سنوات الحرب الباردة. وقد حاول الكيخيا جاهداً العودة إلى مشروع الوحدة السورية – العراقية، الذي كان قد أُجهض سنة 1949، ولكن فرص نجاحه هذه المرة باتت ضئيلة جداً بسبب تراجع نفوذ الأسرة الهاشمية الحاكمة في بغداد وصعود عبد الناصر في مصر، الذي عارض حلف بغداد واتهم قادة العراق وكل من يقف معهم بالعمالة لإسرائيل.
الكيخيا بين الوحدة والانفصال
لم يكن رشدي الكيخيا مُتحمساً للوحدة مع مصر سنة 1958 ولكنه لم يُعارضها، نظراً للحماس الشعبي الذي أحاط بالرئيس عبد الناصر. وعند الإعلان عن قيام جمهورية الوحدة، صدر قرار عن عبد الناصر بحلّ جميع الأحزاب في سورية، بما فيها حزب الشعب. لم يمانع الكيخيا هذا القرار ولم يعترض، بل قبل به مجبراً وقام وأصدر أمراً إدارياً بإغلاق مكاتب الحزب، نزولاً عند رغبة رئيس الجمهورية العربية المتحدة.
مع ذلك لم يسكت رشدي الكيخيا خلال سنوات الوحدة، وكان له موقف صريح في قانون الإصلاح الزراعي الصادر عن رئيس الجمهورية في أيلول 1958، حيث اعتبره هداماً ومضراً بالاقتصاد السوري الحر، كما عارض قرار تأميم المصارف والمصانع في تموز 1961. وعندما وقع انقلاب عسكري على جمهورية الوحدة في 28 أيلول 1961، سارع الكيخيا لتأييده، كما بارك انتخاب زميله وصديقه ناظم القدسي رئيساً للجمهورية في 14 كانون الأول 1961.
ولكنه بدأ من يومها بالانسحاب التدريجي من الحياة السياسية، على الرغم من عودة حزب الشعب إلى العمل ومشاركته في الانتخابات النيابية سنة 1961. وقد تم اعتقاله في 28 آذار 1962، عند قيام عبد الكريم النحلاوي بانقلاب على القدسي، حيث تم اعتقالهما معاً في سجن المزة. ولكن قائد الجيش اللواء عبد الكريم زهر الدين اعترض على محاولة النحلاوي التفرد بالسلطة وأمر بإطلاق سراحهم بعد انعقاد مؤتمر حمص في 1 نيسان 1962.
الكيخيا بعد 8 آذار 1963
وعند وصول حزب البعث إلى السلطة في 8 آذار 1963 تم اعتقال القدسي مجدداً فقرر الكيخيا اعتزال العمل السياسي بشكل نهائي. صدر قرار عن مجلس قيادة الثورة بحل جميع الأحزاب، وتم حلّ حزب الشعب مجدداً، للمرة الثالثة والأخيرة. واعتقل الكيخيا على الرغم من اعتزاله الشأن العام في 16 آب 1966، بأمر من اللواء صلاح جديد، وذلك بسبب أفكاره المعارضة للاشتراكية. صدر قرار بمصادرة أمواله وأملاكه، ونقل الكيخيا إلى سجن تدمر وسط الصحراء، حيث يقي سجيناً حتى سنة 1967، عندما أطلق سراحه مع سائر المعتقلين السياسيين أثر هزيمة سورية والعرب في حرب حزيران.
الوفاة
وجّهت السلطات السورية “نصيحة” إلى رشدي الكيخيا بضرورة مغادرة البلاد فوراً، لأن وجوده أصبح عبئاً ثقيلاً على الطبقة السياسية الحاكمة. استجاب الكيخيا لهذه “النصيحة” وشدّ الرحال إلى لبنان أولاً ثمّ إلى قبرص، حيث عاش حتى وفاته عن عمر ناهز 87 عاماً يوم 14 آذار 1987.
نصوح بن عبد القادر بابيل (1905 – 26 تشرين الأول 1986)، صحفي سوري من دمشق، ترأس تحرير جريدة الأيام بعد شرائها من الكتلة الوطنية سنة 1932 وظلّ يصدرها حتى 8 آذار 1963. كانت الأيام في عهده من أنجح وأشهر الصحف العربية وتخرج منها عدد كبير جداً من المحررين والصخفين الكبار، أمثال وجيه الحفاروأحمد عسة وغيرهم.
البداية
ولد نصوح بابيل في دمشق سنة 1905 ودرس المرحلة الابتدائية في المدرسة الأدبية والثانوية في مدرسة التجهيز العثمانية. تفرغ للعمل الصحفي باكراً وأسس مطبعة عائلية مع شقيقه حمدي في سوق العصرونية، أطلقوا عليها اسم “بابيل إخوان.” راسل عدد من الصحف اللبنانية وفي زمن الثورة السورية الكبرى عُيّن مراسلاً لجريدة المقطم المصرية بدمشق.
مع جريدة الأيام
وفي سنة 1928 شغرت رئاسة تحرير جريدة المقتبس الدمشقية العريقة، بعد وفاة أحد مؤسسيها أحمد كرد عليّ وانشغال شقيقه محمد كرد علي عن العمل الصحفي لكونه كان وزيراً في حينها. قرر محمد كرد علي تكليف نصوح بابيل برئاسة التحرير المقتبس، قبل أن تغلق بشكل نهائي بعد بضعة أشهر. وفي ربيع العام 1930 تعاقدت معه الكتلة الوطنية لطباعة جريدة الأيام اليومية. بعد سنتين تمكن بابيل من شرائها وأصبح مالكاً للجريدة ورئيساً للتحرير ابتداء من 15 آب 1932.
حافظت الأيام في عهده على سمعتها وخطها الوطني المناهض للانتداب الفرنسي. قام بتوسيع حجمها إلى اثنتي عشرة صفحة وجعلها متوفرة في كل أيام الأسبوع، لا تعطل أبداً حتى في أيام الجمعة. ولكن علاقة الود مع قادة الكتلة الوطنية تحولت إلى خصومة سياسية عندما دخل نصوح بابيل في مواجهة معهم حول المعاهدة السورية الفرنسية التي كانوا قد أبرموها في باريس سنة 1936. اعترض بشدة على التنازلات التي قدمتها الكتلة في معاهدة عام 1936، ومنها تثبيت مستشارين عسكريين فرنسيين في سورية وإعطاء فرنسا حق الانتفاع من الأراضي السورية في حال نشوب حرب عالمية جديدة في أوروبا.
مقتل الشهبندر
تحالف نصوح بابيل يومها من زعيم المعارضة عبد الرحمن الشهبندر ووضع جريدة الأيام تحت تصرفه للنيل من قادة الكتلة بعد فوزهم في انتخابات كانون الأول 1936. ردّ رئيس الحكومة جميل مردم بك بتعطيل الأيام، وصدر قرار عن وزير الداخلية سعد الله الجابري باعتقال نصوح بابيل على خلفية خضور اجتماع غير مرخص في حيّ الميدان، دعا إليه الشهبندر. وعند مقتل الشهبندر سنة 1940، صوّبت الأيام سهامها باتجاه مردم بكوالجابري واتهمت قادة الكتلة بتصفيته لأسباب سياسية.
في عهد الاستقلال
تصالح بابيل مع قادة الكتلة عند تبرئتهم قضائياً من جريمة الشهبندر وفي سنة 1943 أيد وصول شكري القوتلي إلى رئاسة الجمهورية وانتخب نقيباً لصحفيي سورية في عهده وعضواً في مجلس إدارة شركة الكونسروة ومعمل الإسمنت التابعتان للكتلة الوطنية وبعد جلاء القوات الفرنسية عن سورية سنة 1946 نشط نصوح بابيل في نادي اللايونز وفي جمعية مكافحة السل، كما شارك في تحرير مجلّة إذاعة دمشق. وفي سنة 1956 عُيّن عضواً في اللجنة التنفيذية لأسبوع التسلح التي شكلها الرئيس القوتلي لجمع تبرعات لصالح الجيش السوري.
وبعد وصول حزب البعث إلى السلطة سنة 1963، سمّي شاكر الفحّام وزيراً للتربية في حكومة صلاح البيطار الثالثة من 4 آب ولغاية 12 تشرين الثاني 1963. عينه بعدها رئيس الدولة أمين الحافظ سفيراً في الجزائر مدة أربع سنوات، وعند عودته إلى سورية سمّي رئيساً لجامعة دمشق في تموز 1968.
ولِد حسني سبح في دمشق وكان والده يعمل في الجيش العثماني. دَرَس في مكتب عنبر قبل أن يلتحق بمعهد الطب العثماني سنة 1913، ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى انتقل المعهد إلى بيروت وأكمل فيه سبح تعليمه الجامعي، ليعود ويتخرج من معهد الطب العربي بدمشق سنة 1919. وبصفته طبيباً مبتدئاً كان ضمن مجموعة من المتطوعين الشباب الذين ذهبوا مع الجيش السوري لإسعاف جرحى معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920. سافر بعدها إلى سويسرا وتخرج من جامعة لوزان حاملاً شهادة الدكتوراه سنة 1925. وعند عودته عُيّن أستاذاً للأمراض الباطنية في كلية الطب في الجامعة السورية.
رئيساً لجامعة دمشق
سمّي الدكتور حسني سبح رئيساً للجامعة السورية نهاية عام 1942، إضافة لتعيينه طبيباً خاصاً لرئيس الجمهورية تاج الدين الحسني أولاً ثم للرئيس شكري القوتلي عند انتخابه عام 1943. ولكنه استقال من منصبه بسبب خلافات مع وزير المعارف عادل أرسلان في أيلول 1946، وتفرغ للعمل على تأسيس جمعية المواساة الخيرية التي ظل يترأسها حتى سنة 1975. وبعد خروج عادل أرسلان من الوزارة عاد الدكتور سبح إلى رئاسة الجامعة وبقي فيها حتى منتصف العام 1949، عندما أجبر على الاستقالة مجدداً في عهد حسني الزعيم الذي أطاح بالرئيس القوتلي وجميع المحيطين به. رفض الدكتور سبح العمل في السياسة مع أن حقيبة الصحة عرضت عليه مراراً، وظلّ يعمل في التدريس لغاية إحالته على المعاش سنة 1967.
حسين بن رضا خطّاب (1918- 27 أيار 1988)، عالم فقيع سوري من دمشق، أحد مؤسسي رابطة العلماء وشيخ قراء الشّام في السنوات 1969-1988.
البداية
ولِد الشّيخ حسين خطّاب في دمشق وتعلّم صناعة النُحاسيات في شبابه ودَرَس العلوم الشرعية على يد الشيخ حسن حبنكة، الذي تأثر به كثيراً. تتلمذ في معهد التوجيه الإسلامي في حيّ الميدان وبدأ حياته خطيباً في جامع القلعة أولاً ثم في جامع الثريا، وكان يخطب أحياناً في الجامع الأموي.
انتخب حسين خطّاب شيخاً لقرّاء الشّام في أيار 1969، خلفاً للشيخ محمد سعيد الحلواني، وبقي في منصبه حتى الممات.
الوفاة
توفي الشيخ حسين خطّاب في إحدى مستشفيات العاصمة الأردنية عمّان يوم 27 أيار 1988 ونُقل جثمانه إلى دمشق ليوارى الثرى فيها. أقيم له مجلس عزاء في الجامع الأموي وكتب على لوحة قبره أبيات رثاه بها الشيخ صادق حبنكة:
هذا ضريحُ الذي أفنى مواهبه في العلم والنُّصح والإصلاح والرشد
قد كان سَمْحاً ودوداً ناسكاً فطناً… أرضى الإله ولم يحقد على أحد
كم دام يتلو كتاب الله مذَّكراً… فعاش وهو يناجي الله في رغد
له مواقف لا تحصى…محامدها أفاد من وعظه خلقاً بلا عدد
أنهى الحياة غني القلب صافية وراح يطلب عفو الواحد الصمد
حسن بن مرزوق بن مرزوق غُنيم، الشهير بحسن حبنكة (1908 – 16 تشرين الأول 1978)، داعية سوري من دمشق وأحد أشهر علماء الشام في القرن العشرين. كان من مؤسسي رابطة العلماء ومجلس القراء، كما أسس وترأس جمعية التوجيه الإسلامي بدمشق وألحقها بمعهد شرعي حمل نفس الاسم صادرته الدولة السورية سنة 1964.
البداية
ولِد الشّيخ حسن حبنكة في حيّ الميدان وتلقى علومه يد المُحدّث الأكبر الشيخ بدر الدين الحسني ومفتي دمشق الشيخ عطا الله الكسم. لم تكن أسرته من العائلات الدينية وليس فيها لا فقيه أو عالم، وكان الكثير من رجالها يعملون في تربية المواشي واستثمار منتجاتها. أما والده فكان يملك متجراً في دمشق القديمة ويتردد على مجالس العلماء. انضم حسن حبنكة إلى الثورة السورية الكبرى عند اندلاعها سنة 1925 وهرب على أثرها إلى إمارة شرق الأردن.
مواجه قانون الأحوال الشخصية
شمله العفو الصادر عن رئيس الحكومة الشيخ تاج الدين الحسني في شباط 1928 فعاد إلى دمشق وعمل في التدريس والخطابة في مساجد الميدان، مع تعيينه عالماً في دائرة الفتوى حتى سنة 1936، يوم برز اسمه كأحد معارضي قانون الأحوال الشخصية الذي سعى رئيس الحكومة جميل مردم بك لتمريره. قاد المظاهرات الحاشدة مطالباً مردم بك بالاستقالة من منصبه وهدد بعصيان مدني بدمشق لو لم يتراجع الأخير عن القانون المطروح.
جمعية التوجيه الإسلامي
انتسب حسن حبنكة في شبابه إلى جمعية الغراء وكان من مُريدي الشيخ علي الدقر، مسؤولاً عن بعض مدارسها كمدرسة سعادة الأبناء ومدرسة الريحانية ومدرسة وقاية الأبناء. وفي سنة 1946 أسس وترأس جمعية التوجيه الإسلامي، المعنية بتعليم المسلمين ونشر الدعوة الإسلامية، ثم ألحقها بمعهد يحمل الاسم نفسه في جامع منجك في الميدان. وفي سنة 1954 كان أحد مؤسسي رابطة العلماء مع الشيخ أبي الخير الميداني وانتُخب عضواً مؤسساً في مجلس القراء الذي تخرج فيه الشيخ حسين خطّابوالشيخ كريّم راجح.
الصدام مع أمين الحافظ
اعترض الشيخ حبنكة على قرارات التأميم الصادرة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر سنة 1961، وعلى مصادرات الأملاك وقمع الحريات والاعتقالات التعسفية في عهد رئيس الدولة أمين الحافظ سنة 1964. ردت حكومة صلاح الدين البيطار بمصادرة معهده ومنعه من الخطابة في المساجد، ثم اتصل به مدير المخابرات العميد أحمد سويداني ودعاه إلى اجتماع، فأجابه: “أنا لا أخرج من داري في ليالي رمضان، ثم عندي مهمات وعندي الدرس العام بعد صلاة الفجر في الجامع.”
رد سويداني بحزم: “الفريق أمين الحافظ رئيس الدولة يدعوك للاجتماع في سراي الحكومة مع فريق من العلماء.”
كرر حبنكة جوابه: “أنا في ليالي رمضان لا أخرج من داري.”
تفاجئ سويداني بهذا الاستخفاف برئيس الدولة فقال: “قلت لك الفريق…الفريق.”
فأجابه الشيخ: “وهل الفريق ربّي حتى أكون مُلزماً في مثل هذا الوقت بتلبية دعوته؟ ليس هو ربي، ولستُ أنا عبده.”
ولكنه قرر تلبية الدعوة وشارك في اجتماع العلماء مع أمين الحافظ. أخرج الحافظ بعض خطابات الشيخ حبنكة مناقشة مضمونها معه أمام الحاضرين فرد الأخير: “لا نريد أن نقرأ خطابات أبداً، إنّ كل كلمة جاءت في هذه الخطابات جرت على لساننا، ونحن قد قلناها، ولن نسكت أبداً. إما أن تشنقونا في المرْجَة أو تحبسونا في المزَّة، أو تسمحوا لنا أن نتكلم بما نريد.”
وعندما هددهم الحافظ بقطع رواتبهم من الأوقاف انبرى الشيخ حبنكة وقال: “نحن قبل أن نخرج من بيوتنا ودّعنا أهلنا، متوقعين أن نموت هنا في هذا المكان، فإذا فُدي ذلك بقطع الراتب فالأمر سهل. المال تحت أقدامنا، الراتب لا قيمة له عندنا، من الذي قال إننا متعلقون بالراتب؟ خذه، اقطعه…لا حاجة لنا به.”
مواجهاته مقال مجلة جيش الشعب
في شهر نيسان 1967، حصلت مواجهة ثانية مع الدولة في زمن الرئيس نور الدين الأتاسي، يوم اعتراض حسن حبنكة على مقال في مجلة جيش الشعب الحكومية، يدعو فيه الكاتب إلى “تقاعد الله” ووضعه في متاحف التاريخ. نشر مقال يوم 25 نيسان 1967 وخرج حسن حبنكة في مظاهرة حاشدة على رأس 20 ألف متظاهر أغلقوا شوارع دمشق وأسواقها التاريخية. طالبوا بسحب المقال من التداول مع محاسبة الكاتب والاعتذار. أمر اللواء صلاح جديد باعتقاله ووجهت له اتهامات شتى ومنها تقاضي الأموال من السعودية لقلب نظام الحكم في سورية. ولكن السلطات أجبرت على إطلاق سراحه، خوفاً من تداعيات ذلك في الشارع الدمشقي، وعاد واصطدم معه سنة 1973 يوم طرحت مسودة من الدستور السوري خالية من المادة الثالثة التي تقول أن دين رئيس الدولة هو الإسلام.
محمد بن أحمد دهمان (1899 – 7 آذار 1988)، ناشر وباحث سوري من دمشق متخصص بالمخطوطات وتاريخ مدينة دمشق الإسلامي. أسس المكتبة السلفية بدمشق ومكتب الدراسات الإسلامية الذي صدرت عنه عدّة كتب وأبحاث ومها تاريخ دمشق لمحدّث الشّام ابن عساكر وكتاب القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية للمؤرخ العلّامة ابن طولون الصالحي. شارك الشيخ محمد دهمان بتأسيس جمعية إحياء الكتب العربية بدمشق وأسس مجلّة المصباح الأدبية سنة 1943.
بدأ محمد دهمان حياته العملية سنة 1920 بتأسيس المكتبة السلفية في سوق المسكية، تبعها بمكتب الدراسات الإسلامية لإصدار الكتب العلمية. وفي سنة 1927 أطلق مجلّة “المصباح” الأدبية التي صدر منها ثلاثة أعداد فقط وتوقفت لصعوبة التوزيع في أعقاب الثورة السورية الكبرى. حقق مكتب الدراسات العلمية نجاحاً ملحوظاً وسريعاً في دمشق، جعل من صاحبه أحد أشهر الناشرين السوريين في زمانه. وكان له الفضل في نشر عدد كبير من أمهات الكتب ومنها:
وصدر عن داره أيضاً كتاب عِلم الساعات والعمل بها سنة 1981، من تأليف محمد بن رضوان الساعاتي، الذي ذيّله محمد دهمان بمقالات لأرخميدس مع مقدمة تبلغ مئة صفحة أبرز فيها فضل العرب في صناعة الساعات وذكر أشهر المهندسين والميكانيكيين العرب.
بتزكية من وزيرة الثقافة نجاح العطار منحه رئيس الجمهورية حافظ الأسد وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة سنة 1983، وفي 7 آذار 1988 توفي محمد دهمان بدمشق عن عمر ناهز 87 عاماً.
منير بن محمد علي العجلاني (1914 – 20 حزيران 2004) سياسي سوري ورجل قانون، تقلّد عدة مناصب وزارية في زمن الانتداب الفرنسي ومطلع عهد الاستقلال، منها العدل والمعارف، قبل أن يتم اعتقاله سنة 1956 بتهمة التخطيط لانقلاب عسكري ضد أنصار الرئيس جمال عبد الناصر في سورية. كان العجلاني من أشهر أساتذة القانون في دمشق ومن أقطاب السياسة في مرحلة الخمسينيات، وقد تولّى رئاسة الجامعة السورية بالوكالة خلال فترة عمله وزيراً للمعارف سنة 1954، وهو أحد مؤسسي تنظيم القمصان الحديدية المعارض للانتداب الفرنسي، إضافة لكونه صهر رئيس الجمهورية تاج الدين الحسني.
البداية
ولِد منير العجلاني في حيّ سيدي عامود بدمشق (المعروف لاحقاً باسم الحريقة) وهو سليل أسرة دينية عريقة، تولّى أبناؤها نقابة الأشراف في زمن الدولة العثمانية. وكانت عائلة العجلاني من الأسر الثرية بدمشق، تملك أراض زراعية خصبة في غوطتها الشرقية. دَرَس العجلاني الحقوق في الجامعة السورية، قبل أن ينتقل إلى جامعة السوربون في باريس، حيث نال شهادة دكتوراه دولة في القانون سنة 1933، وشهادة ثانية بالصحافة وثالثة في عِلم اللسانيات. وخلال سنواته الجامعية نشط العجلاني في الجمعيات الطلابية ضد الانتداب الفرنسي في سورية، وكان يكتب بشكل دوري في كبرى الصحف الفرنسية اليومية.
خلال سنوات دراسته الجامعية، تأثر منير العجلاني بالتنظيمات العسكرية التي ظهرت في برلينوروما، وقرر تأسيس حركة مشابهة في دمشق، تكون بديلاً عن الجيش السوري الذي تم حلّه وتحطيمه من قبل سلطة الانتداب يوم احتلال سورية سنة 1920. تشارك العجلاني مع فخري البارودي في تأسيس الشباب الوطني، وهو الذراع الشبابي للكتلة الوطنية الذي انبثق عنه تنظيم القمصان الحديدية قي 8 آذار 1936.
هدف التنظيم إلى خلق جيل جديد من الشباب السوري، يكون ثلاثي الأبعاد مثل رجال عصر النهضة في أوروبا، يُجيد أبناؤه الشعر والأدب والعلوم بكافة أنواعها. وقد أصبح تنظيم القمصان الحديدية هو الذراع العسكري للكتلة الوطنية التي انتسب إليها العجلاني بعد عودته من فرنسا، قبل أن ينشق عن صفوفها وينضم إلى تيار الزعيم عبد الرحمن الشهبندر. وقد ساهم تنظيم القمصان في حماية الأحياء والأهالي من تجاوزات الفرنسيين، ولكن سلطة الانتداب أمرت بحلّه، بعد توجيه اتهام إلى منير العجلاني ورفاقه بالتعاطف مع الحزب النازي في ألمانيا، وبتلقي أموالاً من أدولف هتلر.
الزواج
تزوّج منير العجلاني من السيدة إنعام الحسني، كريمة الشيخ تاج الدين الحسني، الذي سمّي رئيساً للجمهورية في أيلول 1941. وقد عينه الشيخ تاج مديراً للقصر الجمهوري ثمّ وزيراً للشباب في حكومة الرئيس حسني البرازي يوم 18 نيسان 1942. أنشأت هذه الحقيبة خصيصاً لأجله وتم حلّها بعد استقالة وزارة البرازي في 8 كانون الثاني 1943. وفي نهاية عهد الشيخ تاج وقبل وفاته بأيام، تسلّم العجلاني حقيبة الشؤون الاجتماعية في حكومة جميل الألشي من كانون الثاني ولغاية 25 آذار 1943.
العلاقة مع نزار قباني
وفي سنة 1936، طُلب من منير العجلاني الترشح للمجلس النيابي، وقد جاء الطلب من الصناعي توفيق قباني، جار عائلة العجلاني في سيدي عامود الذي غضب من مشاهدة أحد نواب العاصمة مخموراً في شوارعها. ولكن سنّ العجلاني يومها لم يكن يسمح له بالترشح لعضوية مجلس النواب، فقام بتعديل بياناته في سجلات النفوس، ليصبح من مواليد 1905 بدلاً من 1914. رداً لجميل توفيق قباني وثقته بالعجلاني، قام الأخير باحتضان نجله الشاعر الشاب نزار قباني، عند وضعه ديوانه الأول سنة 1944. وقد كتب العجلاني مقدمة ديوان قالت لي السمراء قائلاً:
لا تقرأ هذا الديوان، فما كتب ليقرأ.. ولكنه كتب ليغنّى.. ويُشم.. ويُضم.. وتجد فيه النفس دنيا ملهمة. يا نزار !لم تولد في مدرسة المتنبي، فما أجدك تعنى بشيء من الرثاء والمديح والحكمة، وما أجدك تعنى بالبيت الواحد من القصيدة يضرب مثلاً، وما أجدك بعد هذا تعنى بالأساليب التي ألفها شعراؤنا وأدباؤنا وإنما أنت شيء جديد في عالمنا.(9)
بقي العجلاني بعيداً عن المشهد السياسي حتى سقوط حسني الزعيم وإعدامه في 14 آب 1949، ليعود إلى الشأن العام بعد انتخابه عضواً في المؤتمر التأسيسي ومشرعاً في وضع دستور عام 1950. كان العجلاني محسوباً على التيار الهاشمي في سورية، المطالب بتوحيد سورية الكبرى تحت عرش الملك عبد الله بن الحسين، مؤسس المملكة الأردنية الهاشمية. وقد تم اعتقاله في أيلول 1950 بتهمة الضلوع في محاولة انقلاب ضد نظام سورية الجمهورية، وبقي سجيناً في سجن المزة حتى نهاية كانون الثاني 1951.
وقد جاء في التحقيقات أنه تقاضى مبلغاً من المال وزير المعارف الأردني للترويج للملك عبد الله بين صفوف السياسيين والضباط السوريين. ولكن العجلاني نفى كل التهم الموجهة إليه، وأصر على أنه كان ضحية “حملة شعواء” قامت بها أجهزة المخابرات السورية للنيل من سمعته ومن رصيده الوطني. وكان العجلاني قبل اعتقاله بأيام قد شنّ حملة شرسة ضد ضباط الجيش والمخابرات، متهماً العسكر بالتدخل في شؤون الشرطة وفي عمليات تهريب واسعة النطاق مع لبنان.
في صفوف المعارضة 1951-1954
بعد إطلاق سراحه، عُيّن منير العجلاني وزيراً للعدل في حكومة معروف الدواليبي 28 في تشرين الثاني 1951، المحسوبة على المحور الهاشمي. ولكن هذه الحكومة لم تستمر إلّا أربعة وعشرون ساعة فقط، فقد تم الإطاحة بها واعتقال جميع أعضائها بأمر من العقيد أديب الشيشكلي، مهندس الانقلاب الرابع في سورية. قضى العجلاني بضعة أسابيع في سجن المزة، وعند إطلاق سراحه انضم إلى صفوف المعارضة ضد حكم الشيشكلي، وكان حاضراً في مؤتمر حمص المنعقد في دار الرئيس الأسبق هاشم الأتاسي، المطالب بإسقاط الشيشكلي بكل الطرق المتاحة عسكرياً وسياسياً. وقد تم اعتقاله مجدداً في تموز 1953، بعد اعتراضه على نتائج الانتخابات النيابية التي أوصلت الشيشكلي رسمياً إلى سدّة الرئاسة.
مثل العجلاني ورفاقه أمام محكمة عسكرية أقيمت على مدرج الجامعة السورية، بثّت جلساتها على الهواء مباشرة. وقد دافع العجلاني فيها عن نفسه، رافضاً توكيل أي محامي، ولكنّ المحكمة أدانته بالخيانة العظمى وحكمت عليه بالإعدام. وقد تم تخفيف الحكم إلى السجن المؤبد، بواسطة من الرئيس شكري القوتلي.
زُرق منير العجلاني بخمسة أولاد وهم: منار، الذي عمل في حقل التعليم، ونوّارة التي توفيت باكراً، وفواز الذي عمل مهندساً مع شقيقه أمير العجلاني، المتخصص بإدارة الأعمال من الولايات المتحدة الأمريكية. وأخيراً كانت ابنته منيرة، خريجة الجامعة الأميركية في بيروت والتي عملت في الجمعيات التطوعية في السعودية.
المناصب
مدير القصر الجمهوري (25 أيلول 1941 – 18 نيسان 1942)
منير الريّس (1912-1992)، صحفي سوري من مدينة حماة ومؤسس جريدة بردى الدمشقية. صدرت صحيفته بشكل منتظم من سنة 1945 ولغاية قيام الوحدة السورية المصرية عام 1958 وعادت في عهد الانفصال ليتم إغلاقها بشكل نهائي في آذار 1963 عند صدور قرار عن مجلس قيادة الثورة بوقف الصحافة الخاصة في سورية. وفي سنة 1949 كانت له تجربة قصيرة في إصدار جريدة الانقلاب المؤيدة لحسني الزعيم والناطقة باسمه إبان انقلابه على رئيس الجمهورية شكري القوتلي. تزوج من المُدرّسة ثريا الحافظ وهو ابن عم الصحفي نجيب الريّس، مؤسس ورئيس تحرير جريدة القبس.
عاد منير الريّس إلى دمشق مع نهاية الحرب العالمية الثانية وتشارك مع الصحفي جورج فارس في إصدار صحيفة بردى اليومية في كانون الأول 1945. كانت بردى من الصحف المعارضة لحكم الرئيس شكري القوتلي وعطّلت مرتين في عهده، كانت الأولى في 11 حزيران 1946 بقرار من وزير الداخلية صبري العسلي والثانية بأمر من الدكتور محسن البرازي، مدير مكتب رئيس الجمهورية. وتعرض الريّس لمحاولة اغتيال في 4 تشرين الثاني 1948 يوم تجهم عليه ابن أخ محسن البرازي وحاول تصفيته جسدياً. واشتهرت بردى بنصرة للمرأة ودعمها لحركات التحرر في العالم الثالث. خصص الريّس ركناً في الصحيفة لزوجته ثريا الحافظ، لتكتب فيها بشكل أسبوعي عن هموم المرأة السورية وحقوقها السياسية، وقدم لها دعماً كبيراً عند ترشحها للمجلس النيابي سنة 1953.
تحالف مع حسني الزعيم إبان انقلابه على الرئيس شكري القوتلي ولكن الأخير شمل بردى مع الصحف التي سُحبت رخصتها في عهده، ودعا الريّس إلى تأسيس صحيفة جديدة باسم الانقلاب، صدر عددها الأول منها في 23 أيار 1949. توقفت يوم سقوط الزعيم ومقتله في 14 آب 1949 فعاود العمل في جريدة بردى وأسس مع زميله وجيه الحفار شركة مساهمة لطباعة مجموعة من الصحف السورية. وفي سنة 1952 دمجت صحيفته مع جريدة المنار الجديد في عهد العقيد أديب الشيشكلي وصدرت مؤقتاً بإسم اللواء لغاية 30 كانون الأول 1953. عادت إلى شكلها القديم وهويتها المستقلة ولكنها توقفت عند قيام الوحدة السورية المصرية مع عدد كبير من الصحف اليومية، علماً أن منير الريّس لم يعارض الرئيس جمال عبد الناصر في سورية وكانت زوجته من أشدّ المُعجبين له.
السنوات الأخيرة والوفاة
عادت بردى إلى الصدور في عهد الانفصال، للتوقف ثانية وبشكل نهائي مع سائر الصحف السورية بعد انقلاب حزب البعث في 8 آذار 1963. انصرف بعدها إلى كتابة مؤلفه الموسوعي الشهير السجل الذهبي للثورات في المشرق العربي الذي صدر بثلاثة أجزاء في السنوات 1967-1977. وتوفي منير الريّس بدمشق عن عمر ناهز 80 عاماً سنة 1992.