صلاح الدين بن خير البيطار (1912-1980)، سياسي سوري من دمشق وأحد مؤسسي حزب البعث. بدأ حياته بالتدريس، قبل أن يتفرغ كلياً للسياسة ابتداء من العام 1942. ترأس مع زميله ميشيل عفلق مؤتمر تأسيس الحزب بين 5-7 نيسان 1947 وانتُخب أميناً عاماً للحزب وعضواً في قيادته القطرية. عارض حكم أديب الشيشكلي في مطلع الخمسينيات وهرب إلى لبنان حيث دمج حزبه بالحزب العربي الاشتراكي وبات يُعرف من يومها بحزب البعث العربي الاشتراكي. تولّى وزارة الخارجية في نهاية عهد الرئيس شكري القوتلي وكان المفاوض الأول على قيام الوحدة السورية – المصرية في كانون الثاني 1958.
عُيّن وزيراً للثقافة في زمن الجمهورية العربية المتحدة ولكنه استقال من منصبه في نهاية العام 1959 وأيد انقلاب الانفصال يوم 28 أيلول 1961. وعند وصول ضباط البعث إلى الحكم في 8 آذار 1963 نادوا بالبيطار رئيساً للحكومة. شكّل خمس حكومات، سقطت آخرها في 23 شباط 1966 عند انقلاب اللواء صلاح جديد على عفلق والبيطار ورئيس الدولة أمين الحافظ. انتقل للعيش في بيروت أولاً ثم في باريس، وفيها اغتيل سنة 1980.
البداية
ولد صلاح البيطار في حيّ الميدان الدمشقي وهو سليل عائلة كبيرة من العلماء والخطباء. درس في مدارس دمشق الحكومية وفي سنة 1929 غادر إلى باريس لدراسة الفيزياء في جامعة السوربون، وفيها تعرف إلى زميله الطالب ميشيل عفلق وهو أيضاً من سكان الميدان. تأثرا بالشيوعية والماركسية وعادا إلى دمشق مفعمين بأفكار ثورية عن ضرورة طرد الفرنسيين والقيام بثورة اجتماعية تُعيد توزيع الثروات في سورية وتقضي على الفوارق الطبقية.
بين التدريس والعمل السياسي
التحقوا بالهيئة التدريسية في مدرسة التجهيز الأولى سنة 1935، وباتوا في أوقات فراغهم يعقدون جلسات فكرية في مقهى الرشيد أو مقهى الهافانا، حيث شكلت نواة البعث. استوحوا اسم البعث من زميلهم المفكر زكي الأرسوزي – الذي اتهمهم لاحقاً بسرقة الاسم والمبادئ الأساسية – وأصدروا مجلّة أسبوعية سياسية لبث أفكارهم بين طلاب المدارس باسم “الطليعة.” جاء منشورهم السياسي الأول باسم “الإحياء العربي” في كانون الثاني 1941 وفيه هجوم عنيف على سلطة الانتداب الفرنسي الحاكمة منذ سنة 1920. استقالوا بعدها من التدريس وفي تموز 1945، تقدموا بطلب ترخيص حزب سياسي ولكنّه رفض من قبل السلطات الفرنسية.
تأسيس حزب البعث
وبعد جلاء الفرنسيين عن سورية عقدوا الاجتماع التأسيسي لحزب البعث بدمشق بين 5-7 نيسان 1947، انتُخب فيه ميشيل عفلق عميداً وصلاح البيطار أميناً عاماً للحزب. حضر الاجتماع عدد كبير من المدرسين والمفكرين، ومنهم الدكتور جمال الأتاسي والدكتور حافظ الجمالي والشاعر سليمان العيسى والطبيب وهيب الغانم وجلال السيّد ومنصور الأطرش وغيرهم، وفيه أقر شعار الحزب بثالوث: “الوحدة والحرية والسعي نحو الاشتراكية.” وكتب جمال الأتاسي هدف الحزب الرئيسي بشعار “أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة.” وفي العام نفسه حصلوا على ترخيص من حكومة الرئيس جميل مردم بك لإطلاق صحيفة رسمية باسم البعث، وتولّى عفلق رئاسة تحريرها.
حرب فلسطين وانقلاب حسني الزعيم
اصطدم عفلق والبيطار برئيس الجمهورية شكري القوتلي في أعقاب حرب فلسطين سنة 1948 وسيروا مظاهرات حاشدة في شوارع دمشق تدعو إلى استقالة حكومته، مستغلين شعبيتهم الكبيرة لدى طلاب المدارس وتحديداً طلاب ثانوية التجهيز الأولى. ردّت السلطات السورية باعتقال ميشيل عفلق وتعطيل صحيفة البعث وعند قيام حسني الزعيم بانقلابه على القوتلي في 29 آذار 1949 سارعوا لتأييده ولكنهم اختلفوا معه بسرعة وحُظِر نشاطهم الحزبي واعتقل عفلق مجدداً.
معارضة حكم الشيشكلي
تحالف عفلق والبيطار مع العقيد أديب الشيشكلي، مهندس الانقلاب الثالث في سورية، ولكنهم تخلّوا عنه بسرعة بعض فرضه للأحكام العرفية وإصدار مرسوم عبر رئيس الدولة المعين من قبله فوزي سلو بحظر نشاط الأحزاب السياسية في سورية سنة 1952. صدر أمر باعتقالهما فهربا إلى لبنان ومن ثم إلى إيطاليا. وفي بيروت، تحالفا مع زميلهم المنفي أكرم الحوراني وقرروا دمج حزبهما في حزبه، الحزب العربي الاشتراكي، ليولد من يومها ما بات يُعرف بحزب البعث العربي الاشتراكي.
وبعد توليه رئاسة الجمهورية أصدر الشيشكلي عفواً عن عفلق والبيطار وسمح لهما بالعودة إلى سورية يوم 27 تشرين الأول 1953. ولكنه عاد واعتقلهما ليلة 27-28 كانون الثاني 1954، بسبب دعمهما للثورة المسلحة التي انطلقت ضده من حمص والسويداء وشارك بها زميلهما البعثي منصور الأطرش. بقي البيطار وعفلق معتقلين في سجن المزة لغاية سقوط حكم الشيشكلي ومغادرته الأراضي السورية في 25 شباط 1954.
وزيراً للخارجية (1956-1958)
خاض البيطار الانتخابات النيابية التي جرت في أعقاب استقالة الشيشكلي ودخل المجلس النيابي ممثلاً عن مدينة دمشق سنة 1954. فاز حزب البعث يومها بسبعة عشر مقعداً من مقاعد مجلس النواب – وكان عددها الإجمالي 142 مقعداً – وشكل كتلة نيابية مع حلفائه وصل عددها إلى 22 نائباً. فاق هذا النجاح الكبير توقعات البيطار، وكان سببه الرئيسي الشعبية المطلقة التي كان يتمتع بها زميله أكرم الحوراني في الأرياف، بينما اختصرت شعبيته وشعبية ميشيل عفلق على أبناء الطبقة الوسطى بدمشق. وكانت نتيجة انتخابات عام 1954 دعوة صلاح البيطار للمشاركة في حكومة الرئيس صبري العسلي الثالثة في حزيران 1956، حيث سمّي وزيراً للخارجية. وفي سنة 1957 وصل أكرم الحوراني إلى سدّة المجلس النيابي، مع تجديد ولاية البيطار في حكومة العسلي الرابعة والأخيرة.
الوحدة السورية – المصرية
وفي كانون الثاني 1958 توجه البيطار إلى القاهرة بطلب من رئيس الجمهورية شكري القوتلي لمقابلة الرئيس جمال عبد الناصر ودعوته لإقامة وحدة كاملة بين سورية ومصر. وكان وفد من العسكريين قد سبقه إلى القاهرة للمطالبة بالوحدة – دون موافقة رئيس الجمهورية – يتقدمه رئيس أركان الجيش اللواء عفيف البزري. وصل البيطار إلى مصر واجتمع مطولاً مع عبد الناصر الذي سأله عن شروط سورية للمضي في مشروع وحدة، فكان جوابه: “ليس لدينا شروط يا فخامة الرئيس.”
وافق البيطار على طلب عبد الناصر حل جميع الأحزاب السورية – ومنها البعث – وأن تكون عاصمة الجمهورية القاهرة وليس دمشق. وعند عودته إلى دمشق، عقد قادة البعث اجتماعاً في مقرهم في منطقة عرنوس، تقرر فيه حلّ الحزب نزولاً عند رغبة الرئيس عبد الناصر. وعند قيام الوحدة في شباط 1958، سمّي البيطار وزيراً مركزياً للدولة في القاهرة وفي 7 تشرين الثاني 1958 سمّي أول وزير للثقافة والإرشاد القومي. نشط في المجال الثقافي وفي عهده أسس المسرح القومي علي يد نهاد قلعي ومجموعة من الفنانين ولكنّه استقال من الوزارة في 24 كانون الأول 1959 إثر خلافات شديدة مع المشير عبد الحكيم عامر، ممثل عبد الناصر في الإقليم الشمالي.
انقلاب الانفصال
بارك البيطار الانقلاب العسكري الذي أطاح بجمهورية الوحدة في 28 أيلول 1961، ما شكل صدمة كبيرة لدى مؤيديه الحزبيين وحلفائه من الناصريين والقوميين العرب. وفي 2 تشرين الأول 1961 حضر اجتماعاً موسعاً عُقد في منزل وزير الدفاع الأسبق أحمد الشرباتي بمنطقة الروضة بدمشق، صدر عنه بيان إدانة عنيف بحق الوحدة ورئيسها، كتبه البيطار بيده. في سنوات لاحقة قال إنه ندم كثيراً على هذه المشاركة، متمنياً الموت لنفسه عقاباً على ما اقترفت يداه بحق جمال عبد الناصر.
وصول البعث إلى الحكم سنة 1963
وفي 8 آذار 1963 انقلبت مجموعة من الضباط الناصريين والبعثيين عسكريّاً واعتقلوا رئيس الجمهورية ناظم القدسي. وقف على رأس الانقلاب الضابط الناصري زياد الحريري، ومعه ما عُرف باللجنة العسكرية لحزب البعث التي شُكلت في زمن الوحدة لحمايتها – دون علم عفلق والبيطار – وكانت تضم الضباط حافظ الأسد وصلاح جديد ومحمد عمران وغيرهم من العسكريين الحزبيين. نادوا بالبيطار رئيساً للحكومة، لكونه الأكبر سناً بينهم والأكثر خبرة في السياسة الدولية منذ أن كان وزيراً للخارجية نهاية الخمسينيات.
البيطار رئيساً للحكومة
شكلت حكومة البيطار الأولى في 9 آذار 1963 وكانت تضم عدداً من الشخصيات غير الحزبية، مثل وزير المالية عبد الوهاب حومد ووزير العدل نهاد القاسم الذي سمّي أيضاً نائباً لرئيس الوزارة. تسلّم البيطار حقيبة الخارجية بنفسه، ووعد باستعادة الوحدة مع مصر على أسس سليمة وتجنب الأخطاء التي أدت إلى انهيارها عام 1961. سافر إلى القاهرة على رأس وفد رفيع، ضم الفريق لؤي الأتاسي الذي كان ترأس مجلس قيادة الثورة في سورية. قابلهم عبد الناصر بفتور وحذر، نظراً لموقف البيطار السابق من الوحدة وتوقيعه على وثيقة الانفصال، ولم تؤدِّ المباحثات معه أيّة نتيجة.
وفي عهده صدر مرسوم حلّ جميع الأحزاب في سورية ما عدا حزب البعث وإغلاق كل الصحف والمجلات ابتداء من 12 آذار 1963، باستثناء صحيفة البعث ومجلّة المضحك المبكي. فُرضت الأحكام العرفية على البلاد وصدر مرسوم العزل المدني بحق معظم السياسيين القدامى، باستثناء الرئيس الأسبق شكري القوتلي، واتهموا جميعاً بالمشاركة في “جريمة الانفصال.” تبنّت حكومة البيطار علماً جديداً للدولة وفي 3 أيار 1963 أصدرت قراراً تاريخياً بتأميم جميع المصارف العاملة في سورية.
وفي 14 أيار 1963 شكل البيطار حكومته الثانية التي شهدت مواجهات دامية مع الناصريين في ساحة الأمويين يوم 18 تموز 1963، إثر تسريح اللواء زياد الحريري من رئاسة الأركان. اعتقل منفذ الانقلاب جاسم علوان وصدرت مراسيم متتالية بتطهير الجهاز الإداري والعسكري من الناصريين. وفي عهد البيطار أيضاً شكلت منظمة الحرس القومي للدفاع عن الثورة وأسست جريدة حكومية رسمية باسم الثورة. وفي 4 آب 1963 كانت حكومته الثالثة وفيها جرت مباحثات لإقامة وحدة اقتصادية مع العراق.
وفي حكومته الرابعة في أيار 1964، أمم البيطار ما تبقى من مصانع النسيج التي لم لم يطلها تأميم عبد الناصر الأول سنة 1961. أما حكومته الخامسة والأخيرة فقد شكلت في 1 كانون الثاني 1963 واستمرت لغاية وقوع انقلاب اللواء صلاح جديد العسكري في 23 شباط 1966. اعتُقل عدد من أعضاء القيادة القومية وجرت معركة دامية أمام منزل رئيس الدولة أمين الحافظ – حليف عفلق والبيطار – انتهت باعتقاله. بقي البيطار قيد الإقامة الجبرية بدمشق لغاية شهر آب من العام 1966، عندما تمكن من المغادرة مع عفلق إلى لبنان.
الانتقال إلى فرنسا
أقام البيطار في بيروت لغاية عام 1971، عندما أصدر الرئيس حافظ الأسد عفواً عنه ودعاه لزيارة دمشق. التقى البيطار بالأسد في محاولة لردم الهوة الكبيرة بينهما، ولكن هذه المباحثات فشلت وعاد إلى بيروت لغاية اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية سنة 1975. انتقل بعدها للعيش في فرنسا، أما صديقه عفلق فقد فضل الإقامة في بغداد ضيفاً على الرئيس صدام حسين. ومن باريس أطلق البيطار مجلّة معارضة للحكم في سورية باسم “الإحياء العربي” وهو الاسم نفسه الذي كان قد بدأ منه عمله السياسي مع عفلق في مرحلة الأربعينيات.
حادثة الاغتيال
وفي 21 تموز 1980 اغتيل صلاح البيطار وهو خارج من المصعد المؤدي إلى مكتبه في مبنى في شارع هوش وسط باريس. كان يومها يحمل جواز سفر دبلوماسي صادر من حكومة اليمن الجنوبي، وقالت المعارضة السورية إن إغتياله جاء على يد أجهزة الأمن السورية ولكنّ التحقيقات الفرنسية الرسمية لم تتمكن من إثبات هذا الاتهام.
المؤلفات
وضع صلاح البيطار عدداً من الكتب السياسية في حياته، كان أبرزها:
- اتحاد مصر وسورية (بالمشاركة مع ميشيل عفلق وأكرم الحوراني – القاهرة 1958)
- السياسة العربية بين المبدأ والتطبيق (بيروت 1960)
- ماذا بعد جمال عبد الناصر (بيروت 1972)
المناصب
وزير خارجية (14 حزيران 1956 – 6 آذار 1958)
- سبقه في المنصب: سعيد الغزي
- خلفه في المنصب: ألغي المصب
وزيراً للدولة (6 آذار – 7 تشرين الأول 1958)
- سبقه في المنصب: صلاح عقيل
- خلفه في المنصب: ألغي المنصب
وزيراً للثقافة والإرشاد القومي (7 تشرين الأول 1958 – 24 كانون الأول 1959)
- سبقه في المنصب: لا يوجد
- خلفه في المنصب: الدكتور ثروت عكاشة
رئيساً للحكومة السورية (9 آذار – 12 تشرين الثاني 1963)
- سبقه في المنصب: خالد العظم
- خلفه في المنصب: الفريق أمين الحافظ
وزيراً للخارجية (9 آذار – 12 تشرين الثاني 1963)
- سبقه في المنصب: الدكتور أسعد محاسن
- خلفه في المنصب: الدكتور حسان مريود
رئيساً للحكومة السورية (14 أيار – 3 تشرين الأول 1964)
- سبقه في المنصب: الفريق أمين الحافظ
- خلفه في المنصب: الفريق أمين الحافظ
رئيساً للحكومة السورية (1 كانون الثاني – 23 شباط 1966)
- سبقه في المنصب: الدكتور يوسف زعيّن
- خلفه في المنصب: الدكتور يوسف زعيّن
وزيراً للخارجية (1 كانون الثاني – 23 شباط 1966)
- سبقه في المنصب: الدكتور إبراهيم ماخوس
- خلفه في المنصب: الدكتور إبراهيم ماخوس